المسيح أكمل الناموس ليهدم الناقص فيه

إن قلنا إن المسيح هدم الناموس نكون قد أخطأنا، وإن قلنا إنه جاء ليكمل الناموس فقط نقع في نفس الخطأ. ولكن الحقيقة أنه هدمه ليكمله وأكمله ليهدمه .  فقد هدم ما هو ناقص فيه ليصير كاملاً، وأكمل ما نقص فيه لكي يهدم الناقص منه. فهو لم يمس كمال الناموس.

فإن كان المسيح قد هدم شيئاً من الناموس فقد هدم ما هو ليس كاملاً فيه، هنا يلزم أن نمسك بقوله: «ما جئت لأنقض بل لأكمل» (مت 17:5) وهو الجزء الإيجابي. قاله كبرهان وتأكيد أنه لم يجيء لينقض الناموس أو الأنبياء.

وجئت “لأكمل ” هي الواقع العملي في كل تعليمه خاصة فيما يتعلق بالعهد القديم. فلولا مجيء المسيح وأعماله لبقيت جميع النبوات بلا معنى ولا تفسير ولا تكميل ولكن بأعماله كملت نبــوات الأنبياء بكل صدق وأمانة والناموس كان يضح من خطايا الناس، والناس كانوا يضحون من الناموس؛ فلا الناموس قادر أن يرضى الناس ويريح ضمائرهم ويكمل مطالب نفوسهم وشهوة حبهم الله، ولا الناس راضون عن الناموس الذي بكثرة بنوده وأوامره ونواهيه تاهت نفوسهم عنه وعن العمل به وفي نفس الوقت عجز الناموس عن أن يُشبع قلوبهم من عبادة مقبولة لدى الله. فجاء المسيح ورفع الخطية التي هي نقطة العجز في الناموس ونقطة العجز في الناس، التي منعتهم من العبادة الحرة المفرحة الله. وألغى كثرة بنود الناموس وأوامره ونواهيه التي أضافها جماعة الربيين والمعلمين للناموس على طول المدى، فصار ثقلاً لا يمكن حمله أو احتماله. فبهذا أكمل المسيح مــا يمكن أن يجعل الناموس كاملاً في نظر الناس، وأكمل عقوبة الخطية ولعنتها في جسده وبرا الإنسان وبرره، فبلغت العبادة منتهى كمالها في نظر الله والناس. فقيل إنه أكمل مطالب الناموس حتى إلى منتهى الكمال الذي أرضى الله والناس: «قد أكمل» (يو 30:19). فمن جهة الحذف والنقض والإلغاء، نعم، حذف ونقض وألغى ما هو عاجز وما هو ناقص في الناموس الذي جعله غير نافع للعبادة ولا كُفواً أن يوصل الإنسان بالله . ومن جهة أنه أكمل ،نعم، أكمل الناموس ليجعله صالحاً لعبادة توصل الناس إلى الله، وتُدخل الخاطئ إلى ملكوت الله.

فالذي يقول إن المسيح نقض التوراة والناموس خاطئ هو ومُفْتَر، لأن المسيح لم ينقض إلا ما هو ليس كاملاً، ونقض ليكمل الناموس. فكلمة “النقض ” تحمل في طياتها وصميمها في أعمال المسيح كلمة “التكميل”. فلا يمكن أن يُذكر النقض خُلُواً من تكميل، ولا التكميل خُلُواً من نقض !!

والمسيح أمعن في إتقان عملية الهدم والبناء هذه حتى جعل الإنسان وعبادته على مستوى الإنسان النموذجي الكامل أمام الله والمسيح، لا بالمعنى اللاهوتي للعبادة الروحية وحسب، بل على الواقع الحي في العالم على طول المدى كما رآها بولس الرسول وعبر عنها: «لأجل تكميل القديسين لعمل الخدمة لبنيان جسد المسيح (الكنيسة)، إلى أن ننتهي جميعنا إلى وحدانية الإيمان ومعرفة ابر الله، إلى إنسان كامل إلى قياس قامة ملء المسيح.» (أف 4: 12 و 13)

هذه هي العبادة الكاملة التي أسسها المسيح بتعليمه وعمله ودمه – في ناموس واحد كامل – قادر أن يخلق الله إنساناً كاملاً على قياس قامة ملء المسيح.

 

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى