أساس عمل المسيح هو إعداد الملكوت الذي يتسع لكل العالم

 

من إن أول إعلان قدَّمه المسيح ليتصدَّر العمل في العهد الجديد كان هو الإعلان عن اقتراب ملكوت الله : ذلك الزمان ابتدأ يسوع يكرز ويقول : «توبوا لأنه قد اقترب ملكوت السموات» (مت 17:4) بمعنى أن المسيح قد جاء ليؤسس ملكوت الله بين الناس لا كأنه عمل بلا أساس أو دون مقدمة كاملة الصورة فالعهد القديم تأسس كعمل خاص ليهوه الله العظيم، وكان يبدو وكأنه خاص باليهود، لكنه شمل في مفاهيمه وأسراره احتياجات البشرية كافة وإن كان تطبيقه على هذا الشعب القليل قد كشف مستوى افتقاد الله للإنسان كعينة.

إذن، فملكوت الله الذي جاء المسيح ليعلنه كان قد وضع أساسه في العهد القديم على مستوى كيفية افتقاد الله للإنسان. هذا إذا أدركناه جيداً فإنه يوفر علينا السؤال عن منهج المسيح وخطته في الكشف عن ملكوت الله وعمله الذي ابتدأ به بالقول والعمل.

على أن الفارق الكبير الذي يمتاز به ملكوت الله – الذي جاء المسيح ليستعلنه ـ أنه بقدر ما كان القديم منظوراً في شكله الظاهري ومنحصراً في شعب اليهود القليل المحدود الفكر والرؤيا، قد جــــاء المسيح ينادي بملكوت يتّسع للعالم كله في شركة إنسانية غير منحصرة في لون أو جنس. فهي ترتفع عن مستوى البشر عامة لتأخذ صفتها ووجودها في الله ذاته الذي فيه تأخذ وحدتها السرية الكبرى لحياة هي النموذج الأمثل لإنسان الله الذي يليق لكل البشر. فعوض أن كان الله يحكم إسرائيل بحكومة تتناسب مع بداءة الإنسان وتهذيبه إنسانياً، جاء المسيح لينادي بملكوت الله للإنسان الكامل المؤيد بالنعمة والمسنود بالروح القدس.

وبدل أن كانت قوانين الحكومة الأولى – الناموس – تعالج كافة متعلقات الإنسان الجسدية مـــــن نحو حياته على الأرض وعلاقته بالله بواسطة أشخاص تعيَّنوا من الله يأخذون إلهامهم الأولي من الله سواء كانوا أنبياء أو كهنة أو ملوكاً؛ جاء ملكوت الله الذي نادى به المسيح ليقرب الإنسان إلى الله. الأول كان يعالج عنصر الخطية المتأصل في الطبيعة البشرية المتغربة عن ا الله، أمَّا الثاني فجاء لينزع هذا العنصر – عنصر عنصر الخطية – من الطبيعة البشرية التي ولد بها المسيح بدون الخطية. فكانت طبيعة المسيح بالتالي هي التي تؤخذ منها مكونات هذا الملكوت الروحي: «تعلموا مني …» (مت 29:11). ولهذا الأمر بالذات، أي الاقتداء بالمسيح في الإعداد للملكوت، صار استعلان الله في تعاليم المسيح يُقرب الإنسان أكثر فأكثر نحو الله ! فأصبح نداء المسيح وعمله باقتراب ملكوت الله من الإنسان هو بعينه الوسيلة العظمى لاقتراب الإنسان من الله . وهو المحور الأساسي في الكرازة بملكوت الله. لا لشعب إسرائيل بعد بل لكل العالم!

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى