سرّ المسحة

الميرون المقدس.

1 – ما هو عمل المسحة المقدسة فى حياة المؤمن؟

فى سر العماد يتمتع المؤمن بعمل الروح القدس فى مياه المعموية، لينال الميلاد الجديد، ويحمل طبيعة الإنسان الجديد الذى على صورة خالقه. إنه يولد كطفل فى حاجة إلى رعاية، الكنيسة، غير الغاش، لكنه يبقى محتاجاً إلى النمو والنضوج ليتهيأ بالحق للعرس الأبدى، فتصير نفسه عروساً تحمل مع كل يوم إشراقات بهاء عريسها، ملك الملوك. هذا ما تود كلمة الله وتعليقات آباء الكنيسة أن نختبره خلال ما يُدعى “سر المسحة”.

يقول القديس مقاريوس الكبير: [إذ نتمم وصايا الرب بواسطة روحه، الذى وحده يعرف إرادة الله (1كو2: 11)، وإذ يكملنا الروح فى نفسه (2كو12: 9)، وهو نفسه يكمل فينا (1كو10، 13؛ يو14: 12) حينما نتطهر من كل نجاسات الخطيئة وعيبها، يأتى بنفوسنا إلى المسيح كعرائس جميلات طاهرات بلا دنس، فتستريح نفوسنا فى الله فى ملكوته ويستريح الله فينا إلى دهر الدهور ([493])].

إلهنا الذى يود أن يقيم من شعبه مملكة سماوية، تحمل أيقونة عريسها ملك الملوك يهبنا خبرة يومية لعمل الروح القدس الساكن فينا والذى نلناه فى سر المسحة المقدسة.

2 – كيف مارس الرسل هذا السرّ؟

إذ كان الرسل يعمدون يصلون طالبين حلول الروح القدس على المعمدين بوضع الأيدى عليهم (أع8: 14 – 17؛ 19: 1 – 6). وكان الأساقفة أيضاً يضعون الأيادى على المؤمنين بعد عمادهم مباشرة لنوال عطية الروح القدس.

وإذ تزايد عدد الراغبين فى الانضمام إلى كنيسة المسيح، وأيضاً المولودين من عائلات مسيحية صار الكاهن يقوم بمسح المعمد حديثاً بزيت الميرون. وهى كلمة يونانية وقبطية معناها “طيب” أو “دهن”. يُصنع هذا الطيب من عقاقير وأطياب كثيرة، يقدس بكلمة الله والصلاة، ويقوم الأساقفة بإعداده.

يُمسح به المعمد حديثاً على إشارة الصليب على ستة وثلاثين عضواً من أعضاء الجسم ليمتلئ كل كيانه بالروح القدس، ويصير مسيحاً للرب. غير أن هذه المسحة لم تبطل طقس وضع الأيادى بالنسبة للأساقفة. يُعرف سر الميرون أو المسحة Chrism فى الغرب بسرّ التثبيت Confirmation. ومنذ بدء انطلاق الكنيسة عُرف باسم “ختم الروح”، يُوهب مع العماد.

إلى ماذا تشير المسحة على أعضاء الجسم؟ مسحة الجبهة تشير إلى تقديس الذهن، ومسحة الظهر إلى تقديس القلب والرغبات، ومسحة العينين والأذنين والشفتين إلى تقديس الحواس، مسحة اليدين والقدمين تشير إلى تقديس أعمال الإنسان المؤمن وتحركاته الخ.

3 – ما هو دور كل من سر العماد وسر المسحة؟

نتمتع فى سر العماد بالميلاد الجديد وغفران الخطايا، وفى سر المسحة ننال الروح القدس ساكناً فينا. ولما كان السران يتمان غالباً فى وقت واحد، يتحدث البعض عن سر العماد بمعنى واسع يضم معه سر المسحة.

وردت عبارة فى كتابات العلامة أوريجينوس توضح الاستخدام المحدد والمتسع معاً لكلمة “العماد”. إذ يقول: [فى أعمال الرسل يُعطى الروح القدس بوضع الأيادى فى المعمودية ([494])].

هذا هو المعنى الواسع للعماد، حيث يضم السرين معاً. ويكمل بعد قليل: [كانت نعمة الروح القدس وإعلانه تُسلم بوضع أيادى الرسل بعد العماد ([495])]. هنا المعنى المحدد للعماد. جاءت العبارتان تكملان بعضهما البعض، وتوضح التمييز بين السرين، مع ارتباطهما معاً.

يقول الأب ملشيادس Malchiades أسقف روما فى القرن الرابع: [ينزل الروح القدس على مياه المعمودية فيعطى صحة فى الجرن يهب كماله لكى يعطى براءة، وفى التثبيت يقدم ما هو أكثر، فينتج نعمة! فى المعمودية تجددنا للحياة، أما بعد المعمودية فتقوينا للمعركة.

فى المعمودية اغتسلنا، أما بعد المعمودية فصرنا أقوياء ([496])]. فى القرن الثانى يقول العلامة ترتليان [توضع اليد علينا فى البركة ويُستدعى الروح القدس… الذى يحل بإرادته من عند الآب على الأجساد التى تطهرت وتباركت ([497])].

ويميز باسيوس Pacian أسقف Barcelona فى القرن الرابع بين السرّين بقوله: [بالجرن تغسل الخطايا وبالميرون ينسكب علينا الروح القدس هذان الأمران يتحققان بيد الأسقف وفمه، بهذا يولد الإنسان كله مرة أخرى ويصير جديداً فى المسيح ([498])].

وأيضاً يميز القديس أغسطينوس بين العماد والمسحة، الأول يدعوه “ميلاداً بالروح” والثانى “قوتاً بالروح”. وبالعماد يولد المؤمن بالروح، فيتقبل غفران الخطايا. هذه الهبة الأولى تهيئ لعطايا أخرى للروح. إنها تهب قبول الروح نفسه الذى به نتطهر حيث نقبل العفو، ويسكن فينا لعمل البرّ ونموه وكماله ([499]).

4 – هل يتم العماد بدون عمل الروح القدس؟

يقول القديس كبريانوس: [لا يقدر الماء وحده أن يزيل الخطايا ويقدس الإنسان، وإنما فقط عندما يصاحبه الروح القدس… ليس من عماد حيث لا يوجد الروح القدس فلا يمكن العماد بدون الروح].

5 – ماذا يعنى وضع الأيادى والمسحة؟

وضع اليد علامة على نقل القوة، ليس من شخص إلى آخر، وإنما من الله مصدر كل قوة ونعمة إلى من تكرس للعمل الإلهى. كما فعل موسى النبى، إذ أمره الرب أن يضع يديه على يشوع (عد27: 18)، وكما فعل الرسل ليحل الروح القدس على المعمدين (أع8: 17 – 18) والذى دُعى بسر “ختم الروح” أو “سر التثبيت” أو “سر المسحة” موضوع حديثنا، وأيضاً فى السيامات (أع6: 6؛ 2تى1: 6؛ 1تى4: 14)، وفى طلب الحِل (1تى5: 22)، وفى مسحة المرضى (مر16: 18)، واعتبر القديس بولس “تعليم المعموديات ووضع الأيادى” من كلام بداءة المسيح (عب6: 1 – 2)، أى ألف باء أو أحد الأساسيات فى الحياة المسيحية.

استخدم الرسول بولس بخصوص مسحة الروح القدس فى 2كو1: 21 – 22 أربع كلمات يونانية: التثبيت والمسحة والختم وعربون الروح. يقول: “ولكن الذى يثبتنا معكم فى المسيح، وقد مسحنا هو الله. الذى ختمنا أيضاً، وأعطى عربون الروح فى قلوبنا”.

يتحدث العلامة ترتليان فى القرن الثانى عن المسحة كعادة مستقرة فى أيامه، وأنها مرتبطة بالعماد، مع وضع الأيادى. إذ يقول: [بعد الخروج من مكان الغسل (أى من جرن المعمودية بالتغطيس)، نُدهن بالكامل بالمسحة المغبوطة… تجرى المسحة على الجسد، لكنها تفيدنا روحياً. بنفس الطريقة كما أن العماد فى ذاته عمل مادى حيث فيه نغطس فى الماء، لكن فاعليته روحية، إذ نتحرر من الخطايا. بعد هذا توضع اليد للبركة مستدعياً وداعياً الروح القدس (ليحل) خلال البركة ([500])].

يقول القديس كبريانوس: [السامريون الذين عمدهم فيلبس الشماس الذى أرسله الرسل، نالوا عماد الكنيسة القانونى، ولم يكن لائقاً أن يعمدوا من جديد، وإنما ما كان ينقصهم هو ما مارسه بطرس ويوحنا، أعنى الصلاة التى قدّموها عنهم ووضع الأيدى، لكى يستدعوا الروح القدس وينسكب عليهم والآن أيضاً يحدث هذا بيننا، الذين يعتمدون فى الكنيسة يقدمون لأساقفة الكنيسة وبالصلاة ووضع الأيادى يقبلون الروح القدس ويكملون بختم الرب ([501])].

ويتحدث القديس أغسطينوس عن وضع الأيادى والمسحة أيضاً فى علاقتهما بعطية الروح القدس، كعطية من الله وليس من التلاميذ شخصياً: [صلى التلاميذ لكى يحل الروح القدس على الذين وضعوا علهيم أياديهم (أع19: 6)، هم لن يعطوا الروح القدس ([502])].

6 – لماذا دُعيت المسحة ختم الله على النفس؟

كان الختم علامة عامة عن الملكية، فكان بعض المكرسين للآلهة الوثنية أحياناً يسمون أنفسهم بعلامة فى جسدهم، تحمل اسم الإله الذى ينتمون إليه ويحتمون فيه. العماد بالروح هو العلامة غير المنظورة (الختم) لعدم الفساد فى المسيح ([503]).

يقول القديس كبريانوس: [ “لا تحزنوا روح الله القدوس، الذى به خُتمتم ليوم الفداء” (أف4: 30) “الذى فيه أيضاً أنتم إذ سمعتم كلمة الحق إنجيل اخلاصكم، الذى فيه أيضاً إذ آمنتم، خُتمتم بروح الموعد القدوس. الذى هو عربون ميراثنا لفداء المقتنى لمدح مجده” (أف1: 13 – 14). كما أن الرسولين بطرس ويوحنا بعد صلاة واحدة حل الروح القدس على سكان السامرة بوضع الأيادى (أع8: 14 – 17)، هكذا فى الكنيسة أيضاً منذ ذلك الحين، ينال جميع المعمدين الروح القدس، ويُختمون بختمه عند دعاء، الكهنة ووضع أياديهم ([504])].

كما يقول: [الذين يعتمدون فى الكنيسة يتقدمون إلى مدبرى الكنيسة (الأساقفة)، وبصلاتنا ووضع الأيدى يتقبلون الروح القدس ويتكملون بختم الرب ([505])].

[انظروا كيف صرتم مشاركى اسم المسيح كهنوتياً، وكيف أعطى لكم ختم شركة الروح القدس ([506])].

[كما أن الرسولين بطرس ويوحنا بعد صلاة واحدة حل الروح القدس على سكان السامرة بوضع الأيدى (أع8: 14 – 17) هكذا فى الكنيسة أيضاً منذ ذلك الحين ينال جميع المعمدين الروح القدس ويختمون بختمه عند دعاء الكهنة ووضع أياديهم].

ويقول القديس مار أفرآم السريانى: [كما يطبع المالك على قطيعه خاصة يتعرف بها عليهم، خلالها تظهر أنها ملك له، هكذا يختم الروح القدس من له فى المعمودية بواسطة مسحة الزيت المقدس التى يتقبلونها فى العماد ([507])]. [قد ختمت جميع قواكم النفسية بختم الروح القدس… وقدوضع الملك عليكم رسالته، خاتماً إياها بختم النار لكى لا يقرأها الغرباء ويحرفوها ([508])].

ويقول القديس ديديموس الضرير: [الروح القدس يهبنا بعلامته الخلاصية العودة إلى شبهنا الأول، لأن القطيع الذى لا يُميز بعلامة يكون غنيمة سهلة للذئاب، فلا يكون له عون الختم ولا يكون معروفاً كالقطيع الآخر من الراعى الصالح ([509])].

يقول القديس أمبروسيوس: [يمسحك الله ويختمك المسيح. كما ذلك لأنك تُختم برسم صليبه وآلامه ([510])]. [قد قبلت الختم الروحى… حافظ على ما اقتبلت… فقد وسمك الله الآب بعلامة المسيح ربنا وثبتك وأعطاك الروح القدس ([511])]. [تذكروا أنكم قبلتم ختم الروح: “روح الحكمة والفهم، روح المشورة والقوة، روح المعرفة ومخافة الرب” (إش11: 2)]. [عندئذ يأتى الختم الروحى الذى سمعنا عنه فى قراءات اليوم، لأنه بعد الجرن يتبقى قبول الكمال بحلول الروح القدس خلال استدعاء الكاهن ([512])].

ويقول القديس يوحنا الذهبى الفم: [كما يُطبع الختم على الجند هكذا يُطبع الروح القدس على المؤمنين ([513])].

ويقول القديس غريغوريوس النزينزى: [إن كنتم تحصنون أنفسكم بالختم فتوُسم نفوسكم وأجسادكم بالزيت (المسحة) والروح ماذا يمكن أن يحدث لكم؟! القطيع الموسم بالعلامة لا يُسلب بمكر بسهولة، أما القطيع الذى لا يحمل العلامة فهو غنيمة للصوص… يمكنكم أيضاً أن تموتوا فى سلام. لا تخافوا من أن تحرموا من عون الله الذى يهبه لكم لأجل خلاصكم ([514])].

7 – ما هو ارتباط يد القدير باليد البشرية؟

فند القديس أغسطينوس بكل قوة ومقوماً أية فكرة بأن الروح القدس يُوهب من رسول أو أسقف بذاته. يقول إن هذا الفكر غريب عن الكنيسة، فإن وضع اليد فى المسحة كما الماء فى المعمودية وأيضاً وضع اليد فى سيامة الكهنة هذه علامات خارجية تصحبها الصلوات لنوال مواهب الروح القدس من عند الله وليس من إنسان ما.

8 – كيف يتمتع المؤمن بالنمو الروحى الدائم والنضوج؟

يقول القديس أغسطينوس: [يُطحن الموعوظون كالقمح خلال الصوم، ويعجنون بالماء فى المعمودية، ويتشكلون كجسد المسيح، ويُخبزون بنار الروح القدس فى الدهن بالمسحة].

وجاء فى صلوات الساعة الثالثة (الأجبية): [روحك القدوس يارب الذى أرسلته على تلاميذك القديسين ورسلك المكرمين فى الساعة الثالثة، هذا لا تنزعه منا أيها الصالح، لكن جدده فى أحشائنا. قلباً نقياً أخلق فىّ يا الله، وروحاً مستقيماً جدده فى أحشائى].

ويقول القديس إيرينيؤس: الذين وضع (الرسل) أياديهم عليهم قبلوا الروح القدس الذى هو الطعام القوى للحياة (مقابل اللبن الذى قال القديس بولس أنه أطعمهم به) ([515])].

9 – لماذا دُعى هذا السر بالمسحة المقدسة؟

يقول القديس ثيؤفيلس الأنطاكى: [دُعى المسيحيون بهذا الأسم، لأنهم ممسوحون بزيت الله ([516])].

ويقول القديس كبريانوس: [من اعتمد يلزم أن يُمسح أيضاً، لكى يصير بواسطة المسحة ممسوحاً لله ويأخذ نعمة المسيح ([517])].

ويقول القديس أغسطينوس: [إن اسم المسيح من المسحة، فكل مسيحى يقبل المسحة، إنما ذلك ليس للدلالة على أنه صار شريكاً فى الملكوت فقط، بل صار من المحاربين للشيطان].

يقول القديس كيرلس الأورشليمى [بحق دُعيتم للمسيح، وعنكم قال الله: “لا تمسوا مسحائى، ولا تسيئوا إلى أنبيائى” (مز105: 15). جُعلتم مسحاء بقبولكم نموذج ([518]) الروح القدس. وكل الأشياء عُملت فيكم اقتداء (بالمسيح) لأنكم صورة المسيح. هو اغتسل فى نهر الأردن ونشر معرفة ألوهيته فى الماء. وصعد من (النهر) وأضاء عليه الروح القدس فى تمام وجوده وحلّ كذلك عليه. ولكم أنتم فشبه ذلك بعد أن صعدتم من الينابيع المقدسة صار لكم دهن شبه الذى مُسح به المسيح. وهذا هو الروح القدس الذى قال عنه المطوّب إشعياء فى نبوته عن شخص الرب: “روح السيد الرب علىّ، لأن الرب مسحنى” (إش61: 1). لأنه لم يُمسح المسيح من بشر بزيت أو دهن مادى، لكن الآب عينه من قبل ليكون مخلصاً للعالم أجمع، كما قال بطرس: “يسوع الذى من الناصرة، كيف مسحه الله بالروح القدس” (أع19: 38). صرخ داود النبى أيضاً قائلاً: “كرسيك يا الله إلى دهر الدهور، قضيب استقامة قضيب ملكك. أحببت البرّ وأبغضت الإثم من أجل ذلك مسحك الله إلهك بدهن الابتهاج أكثر رفقائك” (مز45: 6، 7). وإذ صُلب المسيح ودفن وقام حقاً، أنتم فى العماد حُسبتم جديرين أن تُصلبوا وتُدفنوا وتقوموا معه على مثاله: هكذا فى الدهن أيضاً. وكما مُسح بزيت مثالى، زيت الابتهاج، لأنه منشئ الفرح الروحى، هكذا أنتم مُسحتم بدهن، إذ أصبحتم شركاء للمسيح وأتباعه…

لكن احذروا أيضاً لئلا تظنوه دهناً بسيطاً لأنه كما فى خبز الإفخارستيا بعد حلول الروح القدس لا يصير خبزاً عادياً بعد، بل جسد المسيح، هكذا هذا الدهن لا يكون دهناً بسيطاً أو عادياً بعد الصلاة، لكن هى موهبة المسيح بالنعمة وبحلول الروح القدس أصبح لائقاً لعمل طبيعته الإلهية…

وإذ يُرشم جسدك بالدهن المنظور تطهر نفسك بالروح القدس واهب الحياة.

ورُشمت على الجبهة كأنك تتخلص من العار الذى حمله الإنسان الأول معه فى كل مكان، وأنه بوجه مكشوف كما فى مرآة ناظرين مجد الرب (2كو3: 18). ثم على آذانك حتى تتقبل الآذان سريعاً سماع الأسرار الإلهية التى قال عنها إشعياء النبى: “أعطانى الرب أذناً للسمع” (إش50: 4). وقال سيدنا الرب يسوع المسيح: “من له أذنان للسمع فليسمع” (مت11: 15؛ مت13: 9، 43؛ مر4: 9، 23؛ لو14: 35). ثم على الأنف حيث تتقبل الدهن المقدس، فيمكنك أن تقول: “لأننا رائحة المسيح الذكية، لله فى الذين يخلصون” (2كو2: 15). بعد ذلك على صدرك، حيث “قد لبستم درع البرّ” (أف6: 14)، حتى تقدروا “أن تثبتوا ضد مكايد إبليس” (اف6: 11). لأن المسيح بعد عماده وحلول الروح القدس ذهب وغلب الشرير، هكذا أنتم أيضاً والمسحة السرية، إذ لبستم كل سلاح الروح القدس، لكى تقفوا ضد قوة الشرير وتقهروه قائلين: “أستطيع كل شئ فى المسيح الذى يقوينى” (فى4: 13) ([519])].

ويقول القديس أثناسيوس الرسولى: [نزول الروح عليه فى الأردن إنما كان نزولاً علينا نحن، بسبب لبسه جسدنا. وهذا لم يصر من أجل ترقى اللوغوس، بل من أجل تقديسنا من جديد، ولكى نشترك فى محبته، ولكى يُقال لنا: “أما تعلمون أنكم هيكل الله، وروح الله يسكن فيكم؟” (1كو3: 16). فحينما اغتسل الرب فى الأردن كإنسان، كنا نحن الذين نغتسل فيه وبواسطته. وحينما اقتبل الروح، كنا نحن الذين صرنا مقتبلين للروح بواسطته. ولهذا السبب، فهو ليس كهارون أو داود أو الباقين، لقد مُسح بالزيت هكذا، بل بطريقة مغايرة لجميع الذين هم شركاؤه، أى بزيت الابتهاج (مز45: 7 – 8)، الذى فسّر أنه يعنى الروح، قائلاً: “كيف مسحه الله بالروح القدس” (أع10: 38). متى قيلت عنه هذه الأشياء، إلا عندما صار فى الجسد، واعتمد فى الأردن، ونزل عليه الروح (مت3: 16)؟ وحقاً يقول الرب لتلاميذه إن “الروح يأخذ مما لى” (يو16: 14)، و “أنا أرسله” (يو16: 7)، و “اقبلوا الروح القدس” (يو20: 22). إلا أنه فى الواقع هذا الذى يُعطى للآخرين ككلمة الآب وبهاءه يُقال الآن أنه يتقدس يسوع، وهذا من حيث أنه قد صار إنساناً، والذى يتقدس هو جسده ذاته ([520])]. [ما كان لنا أن نصير شركاء الروح القدس ولا أن نتقدس لو لم يكن اللوغوس المتجسد، الذى هو واهب الروح قد مسح نفسه بالروح لأجلنا، ولهذا فمن المؤكد أننا كنا نحن الذين قبلنا الروح القدس حينما قيل انه مُسح بالجسد. لأن جسده الخاص هو الذى تقدس أولاً، وإذ قيل عنه كإنسان، إن جسده قد نال هذا (الروح)، فلأجل هذا ننال نعمة الروح آخذين إياها “من ملئه” ([521])].

10 – لماذا دُعيت المسحة المقدسة سرّ التثبيت؟

يقول الرسول بولس: “ولكن الذى يثبتنا معكم فى المسيح، وقد مسحنا هو الله. الذى ختمنا أيضاً وأعطى عربون الروح فى قلوبنا” (2كو1: 21 – 22). كما يقول القديس يوحنا الحبيب: “ومن يحفظ وصاياه يثبت فيه وهو فيه. وبهذا نعرف أنه يثبت فينا من الروح الذى أعطانا” (1يو3: 24). يقول القديس أمبروسيوس: [وسمك الله الآب بعلامة المسيح ربنا وثبتك، وأعطاك الروح القدس عربون الخلاص كما يُعلم الرسول ([522])].

11 – ما الفرق بين مسحة السيد المسيح ومسحة الميرون للمعمدين؟

استقر الروح على كلمة الله الذى تجسد لأجلنا بكونه واحداً معه ومساوى له، فصار لنا الحق أن ينسكب فينا كمؤمنين كنعمة مجانية. يقول القديس أمبروسيوس: [(بالنسبة للسيد المسيح) استقر الروح عليه… بخصوصنا فإن سخاء المُعطى يعين بفيض، أما بالنسبة له فيسكن فيه كمال الروح أبدياً. يسكب إذن حسبما يكفينا، وما يسكبه لا ينفصل ولا ينقسم، أما ما هو له فهو وحدة الكمال الذى به ينير بصيرة قلوبنا حسب قدرتنا على الاحتمال. أخيراً نحن نتقبل حسب ما يتطلبه تقدم ذهننا، من أجل كمال نعمة الروح غير منظور، ولكن يساهم فينا حسب إمكانية طبيعتنا ([523])]. كما يقول: [لداود الحق أن يصرخ، كإنسان قد تجدد، “وسأتى إلى مذبح الله، إلى الله الذى يعطى فرحاً لشبابى” (مز43: 4). كما قال قبلاً إنه شاخ وسط أعدائه… وهو يقول هنا إنه قد استعاد الشباب بعد طول شيخوخته وسقوط الإنسان. لأننا قد تجددنا بالتجديد الذى نلناه فى المعمودية، وتجددنا خلال سكب الروح القدس، وسنتجدد أيضاً بالقيامة، كما يقول فى نص آخر: “فيتجدد مثل النسر شبابك” (مز103: 5) فاعلموا طريقة تجديدنا: “تنضح علىّ بزوفاك فأطهر، تغسلنى فأبيض أكثر من الثلج” (مز51: 9) وفى إشعياء: “إن كانت خطاياكم (حمراء) كالقرمز تبيض كالثلج” (إش1: 18) ومن يتغير من الظلمة، ظلمة الخطية، إلى نور الفضيلة وإلى النعمة، إنما قد تجدد فعلاً لهذا فإن ذاك الذى تلطخ قبلاً بالدنس الأحمق، يشرق الآن بسطوع أكثر بياضاً من الثلج ([524])].

12 – ما الفرق بين مسحة العهد القديم ومسحة العهد الجديد؟

جاء ذكر “المسحة” فى الكتاب المقدس لأول مرة عندما رأى يعقوب فى حلم سلماً منصوباً على الأرض ورأسه يمس السماء، والرب واقف عليه وملائكة الله صاعدين ونازلين، قال: “ما أرهب هذا المكان، ما هذا إلا بيت الله! وهذا باب السماء!” ثم أخذ الحجر الذى وضعه تحت رأسه وصب زيتاً على رأسه (تك28: 12 – 18). جاءت المسحة تعلن تقديس الموضع وتكريسه ليكون “بيت إيل” أو “بيت الله”. وأوصت الشريعة الموسوية بمسح الملوك والكهنة وأماكن (الهيكل) والآنية المكرسة لخدمة بيت الرب… غاية هذه المسحة أن الشخص أو الشئ يصير مُكرساً لله وحده. كان هذا كلّه عبر الأجيال رمزاً يشيراً إلى مجئ المسيح الذى مسحه الآب بزيت البهجة (مز45: 7) ليبشر المساكين (إش61: 1). فهو موضع سرور وبهجة الآب، لأنه وهو الكلمة الإلهى والابن وحيد الجنس يتجسد ليصالح البشرية كلها مع الآب، فيبعث بالفرح السماوى على المساكين الذين حرموا من فيض بهجة الحياة السامية. مُسح السيد المسيح بزيت البهجة لكى نُمسح نحن فيه، بكوننا أعضاء جسده، فنُحسب مسحاء.

يقول القديس مار يعقوب السروجى: [جميع الصديقين صوروا المسحة وزينوها باستعلانهم. وصف كل واحدٍ منهم جمالها فى الزمان الذى بلغه. وأتى موسى، ووضع المائدة فى مسكن الزمان، وقدسها بدم الذبائح والزيت. بالزيت أعطى صموئيل المملكة لبنى شعبه، وخدم إليشع أيضاً بالسر مسحة الملوك. أما المسيح فهو علة جميع الرتب المسيحية، وبه خُدمت جميع الأسرار النبوية… رسم سيد الغنم المسحة ([525])].

13 – ما دور كل من مسحة الكهنوت فى العهد القديم ومسحة الميرون فى العهد الجديد؟

أول ما عرف عن مسحة الأشخاص فى تاريخ الخلاص هو مسحة الكهنة، هرون وبنيه (خر29: 7). كان هرون كرئيس للكهنة فى العهد القديم يلتزم أن يضع الصفيحة التى من ذهب نقى ونُقش عليها “قدس للرب” على جبهته دائماً للرضا عن الشعب أمام الرب (خر28: 36 – 38). كان رمزاً لرئيس الكهنة السماوى ربنا يسوع (رو8: 34). فى نفس الوقت لا يستطيع أن يدخل قدس الأقداس سوى مرة واحدة كل سنة بعد تقديم ذبائح عن نفسه وعن الشعب (لا16: 34؛ عب9: 7)، أما نحن إذ صرنا كهنة الرب فى المسيح يهبنا بره كصفيحة على جباهنا وأذهاننا وحواسنا وكل طاقاتنا التى للجسد والنفس والروح، نقدم الصلوات والعبادة إذ لبسنا المسيح، هذا ما عبّر عنه الكتاب، قائلاً: “من هو الذى يدين؟ المسيح هو الذى مات بل بالحرى قام أيضاً الذى هو أيضاً عن يمين الله الذى أيضاً يشفع فينا” (رو8: 34). “فمن ثم يقدر أن يخلص أيضاً إلى التمام الذين يتقدمون به إلى الله إذ هو حىّ فى كل حين ليشفع فيهم” (عب7: 25). وجعلنا ملوكاً وكهنة لله أبيه له المجد والسلطان إلى أبد الأبدين أمين (رؤ1: 6). وجعلتنا لإلهنا ملوكاً وكهنة فسنملك على الأرض (رؤ5: 10). مبارك ومقدس من له نصيب فى القيامة الأولى هؤلاء ليس للموت الثانى سلطان عليهم بل سيكونون كهنة لله والمسيح وسيملكون معه ألف سنة (رؤ20: 6). وسنتحدث بمشيئة الله فى شئ من الاستفاضة عن التمييز بين الكهنوت العام وسرّ الكهنوت فى البند الخاص بسرّ الكهنوت.

14 – ما هو عمل مسحة الميرون فى المتمتع بسرّ العماد؟

أولاً – سكنى روح الله فيه: يقول الرسول: “أما تعلمون أنكم هيكل الله وروح الله يسكن فيكم” (1كو3: 16).

ثانياً – تدشين النفس والجسد وتكريسهما: يقول العلامة ترتليان: [يُغسل الجسد لكى تتطهر النفس من الدنس (بالمعمودية)، ويُمسح الجسد لكى تتكرس النفس، ويُرشم الجسد (بعلامة الصليب) لكى ما تُحفظ النفس، يُظلل الجسد بوضع اليد لكى ما تستنير الروح، يتغذى الجسد بجسد المسيح ودمه، لكى ما تقتات النفس بالله. لا يمكن فصلهما (الجسد والنفس)… عندما يتحدا معاً فى أعمالهما ([526])].

ويقول القديس كيرلس الأورشليمى: [يُعطى هذا الميرون للذين اعتمدوا حديثاً، وإذ يُمسح الجسد تتقدس النفس بالروح القدس ([527])].

ويقول القديس أثناسيوس السكندرى: [كذلك أيضاً بوضع أيدى الرسل كان الروح القدس يُعطى لمن ولدوا ثانية… ومتى تم هذا إلا عندما جاء الرب، وجدد كل الأشياء بالنعمة؟ فروحنا تجدّدت… يقول الله إن روحه هو الذى به تتجدد أرواحنا ([528])].

بقول القديس باسيليوس الكبير: [إننا ختمنا بالروح القدس بواسطة الله. وكما نموت فى المسيح لكى نولد من جديد، هكذا نُختم بالروح القدس لكى ننال بهاءه والصورة والنعمة التى هى بدون شك ختمنا الروحى. وبالرغم من أننا نُختم بشكل منظور على أجسامنا، إلا أننا نُختم روحياً فى قلوبنا بكل تأكيد، لكى يرسم الروح القدس فينا مثال الصورة السمائية ([529])].

ثالثاً – تكريس النفس كعروس سماوية: العجيب فى المزمور 45 حيث يتغنى المرتل بسرّ اتحاد السيد المسيح بكنيسته أو زواجه بها، يرى الله الآب نفسه يقوم بالمسحة الإلهية الفريدة غير المنظورة، فيقول: “مسحك الله إلهك بزيت (بدهن) الابتهاج” (مز45: 7). وقد أخذت الكنيسة القبطية عن هذا المزمور المسيانى الزيجى طقس دهن العروسين بالزيت أثناء سرّ الزيجة. لكى يدرك العروسين أن عرسهما إنما هو ظل للعرس السماوى.

رابعاً – التمتع بالإنارة العقليّة والحماية الإلهيَّة من إبليس وقوات الظلمة: “وأما المعزى الروح القدس الذى سيرسله الآب باسمى فهو يعلمكم كل شئ، ويذكركم بكل ما قلته لكم” (يو14: 26).

يقول القديس كيرلس الأورشليمى: [إنك تُحفظ بختمك (أى بالمسحة) من هجمات الشرير الشريرة، هذا الذى بعمادك لم يعد له سلطان عليك. احفظوا هذه المسحة طاهرة، لأنها تعلمكم كل شئ إذا لبثت فيكم كما سمعتم أقوال يوحنا الطوباوى (1يو2: 20، 27) الذى نطق بأقوال حكيمة كثيرة فى هذه المسحة، لأن الروح القدس حرز للجسد وخلاص للنفس ([530])]. ويقول: [الآن ينقش اسمك وتدعى للدخول إلى المعسكر (الروحى)]. [يأتى كل واحد منكم ويقدم نفسه أمام الله فى حضرة جيوش الملائكة غير المحصية، فيضع الروح القدس علامة على نفوسكم. بهذا تُسجل أنفسكم فى جيش الله العظيم ([531])].

يقول القديس كبريانوس: [لقد أردت أن أحارب بشجاعة، واضعاً السر sacramentum الذى لى، حاملاً سلاحى التكريس والإيمان ([532])]. ويقول العلامة ترتليان: [لقد دعينا إلى جيش الله… عندما نجيب على كلمات السر Sacramentum ([533])].

يقول القديس باسيليوس الكبير: [كيف يدافع عنك الملاك الحارس كيف يحفظك من العدو، إن لم يكن قادراً على رؤية ختم المسحة؟ ألا تعلم أن المُهلك عبر على بيوت المختومين بالدم فى الأيام الأولى لموسى المنقذ، وقتل أبكار البيوت التى لغير المختومين؟ الكنز غير المختوم يسرقه اللصوص بسهولة، والقطيع الذى لا يحمل علامة يُسرق بأمان]. ويقول القديس أمبروسيوس: [الروح القدس هو الذى يخلصنا من دنس الأمم! سامية هى هذه النعمة التى تغير غضب الوحوش إلى بساطة الروح ([534])].

ويقول القديس أغسطينوس: [تمسك بما نلته، فإنه لن يتغير، إنه وسم ملكى! ([535])].

ويقول القديس يوحنا الذهبى الفم: [ليتنا لا ننزع عنا الختم الملوكى والعلامة الملوكية لئلا نُحسب مع غير المختومين، فلا نكون أصحاء، إنما يليق بنا أن نكون متأسسين بثبات على الأساس، فلا نُحمل إلى هنا وهناك].

خامساً – يهب تعزيات سماوية: “وأنا أطلب من الآب فيعطيكم معزياً آخر، ليمكث معكم إلى الأبد” (يو14: 16). يقول القديس مقاريوس الكبير: [فلنلتمس من الله أن يهب لنا أجنحة حمامة (مز55: 6)، أى الروح القدس، لنطير إليه ونستريح، ولكى ينزع الريح الشرير ويقطعه من نفوسنا وأجسادنا، أى الخطيئة الساكنة فى أعضاء نفوسنا وأجسادنا، لأنه هو وحده القادر على فعل ذلك ([536])].

سادساً – يشفع فينا: “وكذلك الروح أيضاً يعين ضعفاتنا، لأننا لسنا نعلم ما نصلى لأجله كما ينبغى، ولكن الروح نفسه يشفع فينا لا ينطق بها. ولكن الذى يفحص القلوب يعلم ما هو اهتمام الروح لأنه بحسب مشيئة الله يشفع فى القديسين” (رو8: 26 – 27).

يعلق القديس أغسطينوس على أنات الروح القدس فينا، قائلاً: [لا يئن الروح القدس فى ذاته مع نفسه فى الثالوث القدوس، فى جوهره الأبدى… إنما يئن فينا، أى يجعلنا نئن. فإنه ليس بالأمر الهين أن الروح القدس يجعلنا نئن، إذ يهبنا أن ندرك أننا غرباء نسلك فى أرض غربتنا، ويعلمنا أن ننظر نحو وطننا، فنئن بشوق شديد ([537])].

سابعاً – يعلن لنا الحق الإلهى: “روح الحق الذى لا يستطيع العالم أن يقبله، لأنه لا يراه ولا يعرفه، وأما أنتم فتعرفونه لأنه ماكث معكم ويكون فيكم” (يو14: 17). يقول القديس أغسطينوس: [ “أما أنتم فلكم مسحة من القدوس وتعلمون كل شئ” (1يو2: 20). هذه المسحة هى الروح القدس الذى فيكم، وهو الذى يكشف أسرار الله فى القلب ويعلمنا ويذوقنا حلاوة العشرة معه، ويفتح أذهاننا فنتعلم كل شئ ([538])].

ثامناً – حلول الثالوث القدوس: يقول القديس أثناسيوس السكندرى: [حينما يكون الروح فينا يكون الكلمة، الذى يمنح الروح، هوأيضاً فينا، وفى الكلمة يكون الآب نفسه ([539])].

تاسعاً – يقدم مواهب روحية: “ولكن هذه كلها يعملها الروح بعينه قاسماً لكل واحد بمفرده كما يشاء” (1كو12: 11). القديس غريغوريوس النيسى: [النفس التى لم تستنر ولا تجملت بنعمة الميلاد الجديد، لا أعرف إن كانت الملائكة تتقبلها بعد تركها الجسد! حقاً إنهم لا يستطيعون أن يتقبلوها مادامت لا تحمل الختم Asphragiston، ولا أية علامة خاصة بمالكها. حقاً إنها تصير محمولة فى الهواء، وتتجول بغير راحة، دون أن يتطلع إليها أحد، إذ هى بلا مالك. إنها تطلب الراحة فلا تجدها، تصرخ باطلاً، وتندم بلا فائدة ([540])].

وبقول القديس ديديموس السكندرى: [لا يمكن لأحد أن يحصل على المواهب السماوية ما لم يتجدد بروح الله القدوس، ويدفع بختم قداسته، ولو كان كاملاً فى حياة بلا عيب فى كل شئ آخر ([541])].

عاشراً: للتبكيت على الخطية: “ومتى جاء ذاك يبكت العالم على خطية وعلى برّ وعلى دينونة” (يو16: 8). يقول: القديس يوحنا الذهبى الفم [يبكت “على خطية”، هذا يعنى انه سيقطع كل أعذارهم، ويظهر أنهم عصوا عصياناً فاحشاً ([542])].

15 – ماذا يعنى “لا تحزنوا روح الله القدوس الذى به ختمتم ليوم الفداء؟

يقول القديس يوحنا الذهبى الفم: [إنه هو الذى يجعلنا قطيعاً ملوكياً. هو الذى يفصلنا عن الأمور الماضية، ولا يسمح لنا أن نسقط فى ما يعرضنا لغضب الله، فهل تحزنه؟

أنظر كيف أن كلماته مُحذرة، إذ يقول: “لأن من يرذل لا يرذل إنساناً بل الله” (1تس4: 8)، ويقطع بذلك هنا: “لا تحزنوا رُوح الله القدوس، الذى به خُتمتم” (1تس4: 8). ليكن هذا الختم باقياً على فمك، لا تحطم بصماته، فإن الفم الروحى لا ينطق بأمر كهذا.

لا تقل: “ماذا يعنى إن نطقت بكلمة غير لائقة وشتمت إنساناً، إنها كلا شئ!” إنه شر عظيم حتى وإن بدا لك كلا شئ… لك فم روحى، فلتفكر أية كلمات تنطق بها، وذلك حالما تتولد فيك…

أنت تدعو الله “أبا”، فهل تهين أخاك فى نفس الوقت؟!…

ليحفظ إله السلام ذهنك ولسانك ويحصنك بحصن منيع بمخافته، بربنا يسوع المسيح الذى له المجد مع الروح القدس إلى الأبد، آمين ([543])].

ويقول القديس مقاريوس الكبير: [إذا جاء خادم إلى قصر الملك ليستخدم الأوانى الموجودة هناك، يأخذ من الخيرات الخاصة بالملك إذ لا يُحضر معه شيئاً، بل يخدم الملك بأوانى الملك الخاصة.

هذا الخادم يحتاج هنا إلى حكمة كثيرة وبصيرة تمييز، حتى لا يرتكب خطأ فى الخدمة، كأن يحضر إلى المائدة الملوكية نوعاً من الأطباق غير الذى كان يجب أن يحضره.

وينبغى أن يرتب الأوانى على المائدة بنظام من الأول إلى الاخر بالترتيب السليم، فإذا كان بسبب الجهل وعدم التمييز لا يخدم الملك بالنظام السليم وبترتيب، يفقد مكانه ومعيشته فى القصر.

بنفس الطريقة فإن النفس التى تخدم الله بالنعمة والروح يلزمها أن تبصر كثيراً ويكون لها معرفة لكى لا ترتكب خطأ فى أوانى الله، أى فى خدمة الروح، بعدم حفظ إرادتها الخاصة فى توافق مع النعمة ([544])].

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى