حول الخطوط الرئيسية لليتورجيا القبطية
27 – ما هى سمات الليتورجيا المصرية؟
الشرق بصورة عامة، خاصة كنيسة مصر، بقى محافظاً على روح الليتورجيا الرسولية الآبائية. أما نص الليتورجية فلم يحدث فيه تغيير يذكر منذ القرن الخامس، الأمر الذى أعطى لدراسة الليتورجيا المصرية أهمية خاصة. يقول الأب جنجمان فى كتابه The Early Liturgy “([654]): [فى التكوين العام للقداس احتفظت الطقوس الشرقية بكثير من الملامح الأولى التى اختفت فى الطقس الرومانى… فبينما يتغير قداسنا من يوم إلى آخر، إذا بالشرق يكرر ذات الطقس بلا تغيير.” ويقول الراهب الانجليكانى دكس ([655]): بلغت الخطوط الرئيسية لكل تقليد شرقى قمته فى القرن الرابع، وكل تقدم بعد هذا لا يزيد عن كونه تعديل أو تكميل فى التفاصيل. وفى القرن الخامس لم تدخل عناصر جديدة كما حدث فى الغرب “.
28 – ما هى ليتورجيات الإفخارستيا التى تستخدمها الكنيسة القبطية فى وقتنا الحاضر؟
1. ليتورجيا القديس باسيليوس الكبير: تختلف عن الليتورجيا البيزنطية التى تحمل ذات الاسم، وتمثل هذه الليتورجيا الخدمة العامة، حيث تُستخدم كثيراً.
2. ليتورجيا القديس غريغوريوس (الثيؤلوغوس): غالباً ما تُستخدم فى المناسبات والأعياد. صلوات هذه الليتورجيا تخاطب أقنوم “الابن”. وهى ليست فريدة فى هذا، بل توجد ليتورجيات أخرى على غرارها مثل ليتورجيات مصرية أخرى، وثلاث ليتورجيات أثيوبية، وليتورجيا القديسين آداى ومارى السريانية، وليتورجيا القديس يعقوب السريانية.
3. ليتورجيا القديس كيرلس (مار مرقس): سجلها القديس كيرلس السكندرى وكمل عليها، فحملت اسمه، وهى أقل انتشاراً من السابقتين.
29 – ما هى الخطوط الرئيسية لليتورجيا الإفخارستيا القبطية؟
يمكن تقسيمها إلى ثلاث خدمات:
(1) تقدمة الحمل: حيث يُختار الحمل من بين القرابين، ويقوم الكاهن برشمه مع الأباركة باسم الثالوث القدوس. كان طقس “تقدمة الحمل” جزء من ليتورجيا المؤمنين، لكن منذ قبل القرن الخامس صار هذا الطقس يُمارس فى بداية الليتورجيا كلها حتى يتهيأ الشعب لتجديد العهد مع الله خلال سماعهم كلمة الله وتمتعهم بالشركة فى الأسرار المقدسة. وهى بدء انطلاق الرحلة، فيها تتعرف الكنيسة على حساب النفقة. فتلتزم بتقديم حياتها كلها فى المسيح الذبيح، ذبيحة للرب الذى ذُبح من أجلها والرب لا يقبل من كنيسته أقل من هذا: حياتها كلها… بل والرحلة تصير معوقه إن لم تدفع الكنيسة النفقة بكمالها.
(2) ليتورجيا (قداس) الموعوظين: يغلب عليها الطابع الكرازى والوعظى دون أن تجاهل الجانب التعبدى. ينصت الموعوظون مع المؤمنين إلى القراءات والعظة مع بعض الصلوات القليلة التى ترفعها الكنيسة عنهم لكى يهبنا الله فهماً وحكمة وإيماناً. لهذا كان الموعوظون منذ العصور الأولى يتمتعون بليتورجيا الكلمة “قداس الموعوظين” كإعداد لتقبل الأسرار المقدسة. وإذ ينالون أسرار العماد والمسحة والتناول، يبقون محتاجين لسماع الكلمة أيضاً بلا انقطاع ([656]).
(3) الليتورجا (قداس) المؤمنين (أو الإفخارستيا أو الأنافورا) ([657]): وهى عمل تعبدى، تحمل أيضاً اتجاهاً تعليمياً، فيها ترتفع الكنيسة بالروح القدس إلى السماء فى حضرة الله فى المسيح يسوع.
30 – من الذى يتلو القراءات الكتابية؟
يهتم القديس باسيليوس بأن تكون القراءة حسنة، أى يلزم أن يُجيد القراءة وأن يكشف أسلوبه فى القراءة عن خبرته العملية الروحية والسلوكية للإنجيل المقدس، وفهمه الإيمان باستقامة.
[إن كان الشمامسة يحسنون القراءة، فإنهم هم الذين يقرأون الإنجيل، وإن كانوا لا يعرفون أن يقرأوا (سواء من جهة النطق أو النحو أو عدم تمتعهم بالحياة بها)، يقرأ كبار الأناغنسطسيين (القارئين) المزامير. ويقرأ الشمامسة الإنجيل. ولا يقرأ إنسانٍ الإنجيل فى الكنيسة أقل من شماس أو قسيس، لا يتعدى أحد طقسه.
وإذا كان أناس يدرسون فى بيت ويقرأون الإنجيل، فليُوبخوا من جهة القسيس (خشية إساءة الهراطقة هذه الاجتماعات). فإن كان ضروريا فلا يُوبخوا (أى إن كانت بإشراف الكنيسة) ([658])].
31 – من يقدم كلمة الوعظ؟
كان الوعظ مُرتبطاً بالعمل الأبوى، حتى يشعر المستمعون أنه لا تٌقدم لهم أوامر، إنما يُقدم لهم حُب الله مُعلناً خلال أبوة الكاهن.
[إذا أكملوا (قراءة) الإنجيل، فإن كان الأسقف حاضراً فليمسك الإنجيل بيده، ويخاطب الشعب فى الفصول التى قرأت. وإن لم يكن الأسقف حاضراً، وكان القس يعرف (أن يعظ)، فليتكلم… تُقال صلاة تليق بفصل الإنجيل ([659])].
32 – ماذا يفعل المؤمنون بعد القراءات والعظة؟
تُقدم صلوات الأواشى وقانون الإيمان وصلاة الصلح. [يُصلى عن كل الكنيسة (الأساقفة والكهنة والشمامسة والشعب)، والطغمات كالملوك والعظماء، وعن نمو الثمار، وعن مرضى الشعب، وعن من هم فى غُربة (المسافرين). بعد ذلك يُقال قانون الإيمان والسلامة (أى صلاة الصلح مع الله ومع الناس) ([660])]. يستعد الكل لرفع قلوبهم إلى السماويات، والجلوس مع ربنا يسوع، لهذا تُعلن الكنيسة مصالحة الله مع الناس فى المسيح يسوع ومصالحتهم مع بعضهم البعض (صلاة الصلح).
لم يذكر الأواشى بحسب ترتيبها فى القداس الباسيلى، ولعل ما يشغله هنا تأكيد أن الكنيسة، كهنة وشعباً، ترفع القلب للصلاة عن الكهنة جميعاً والشعب، واحتياجاتهم الروحية والجسدية (مثل شفاء المرضى والمسافرين المتُغربين الذين لم يستطيعوا الحضور للقداس الإلهى، كما يطلبون عن الملوك والرؤساء وأصحاب السلاطين، فالكنيسة أم مُحبة للجميع! تصلى حتى عن الزروع والثمار.
33 – لماذا تُستخدم القبلة فى القداس الإلهى؟
يمارس رجال الكهنوت والشعب حتى الأطفال القبلة المقدسة فى القداس الإلهى، لتأكيد ممارسة الحب. يقول السيد المسيح: “فإن قدمت قربانك إلى المذبح، وتذكرت أن لأخيك شيئاً عليك، فأترك هناك قربانك قدام المذبح واذهب أولاً اصطلح مع أخيك، وحينئذ تعال وقدم قربانك” (مت5: 23). فالقبلة صُلح ولهذا السبب هى مقدسة. وكما يقول المطوّب بولس: “سلّموا بعضكم على بعض بقبلة مقدسة” (1كو16: 20). وأيضاً بطرس تحدث عن قبلة الإحسان (1بط3: 15).
وقد أكد القديس يوحنا الذهبى الفم أن القبلة مستعملة فى الكنيسة منذ العصر الرسولى ([661]). ويذكر العلامة أثيناغوراس أن قبلة السلام هى قبلة الإفخارستيا أو القبلة الرسولية فى القداس المسيحى. أشار القديس يوستين ([662])، من رجال القرن الثانى إلى القبلة الليتورجية كإعداد للإفخارستيا وخاتمة للصلوات السابقة لتقديس القداس.
يقول جريجورى دكس فى كتابه The Shape Of the Liturgy، لم تعد هذه القبلة قائمة سوى فى الكنيسة القبطية والكنيسة الأثيوبية. يقول القديس باسيليوس الكبير: [ثم إذا فرغوا من هذا (قداس الموعوظين)، فليخرجوا الموعوظين. بعد ذلك فليؤمر الجمع أن يُقبّلوا بعضهم بعضاً، الذكور يُقبلون بعضهم بعضاً، وأيضاً النساء يُقبّلن بعضهن بعضاً ([663])]. بهذه القُبلة يؤكد الحاضرون أنهم يودون أن يكونوا بالفعل “عائلة واحدة”.
خلال صلاة الصلح أو الأسبسمس (القبلة يحثنا الشماس أن يقبل كل واحد منا الآخر، قائلاً: “صلوا من أجل السلام الكامل، والمحبة، والقبلة الرسولية”. لا نستطيع أن ننعم بالمصالحة مع الله فى المسيح يسوع، والسلام مع الثالوث القدوس ما لم نكن فى سلام مع بضعنا البعض.
بهذه القبلة يؤكد الحاضرون أنهم يودون أن يكونوا بالفعل “عائلة واحدة”. وبها أيضاً يعلن لمن يقدم قرباناً أن يصطلح مع أخيه أولاً.
جاء فى الدسقولية السريانية ([664]) أن الشماس ينادى بصوت عالٍ فى لحظة التقبيل: “إن كان لأحد شئ على الآخر؟” وكأنه يقدم تحذيراً أخيراً، حتى متى وُجد شئ بين اثنين يقوم الأسقف بمصالحتهما.
يقول القديس كيرلس الأورشليمى: [يصرخ الشماس عالياً قائلاً: “قبلوا بعضكم بعضاً”. لا تظنوا أن هذه القبلة عامة التى تقوم بين الأصدقاء، ليست هكذا. بل تمزح هذه القبلة النفوس ببعضهما، وتحفظ لها غفراناً عظيماً. والقبلة علامة على أن نفوسنا قد اختلطت ببعضها ومحت كل تذكر للأخطاء. لهذا قال السيد المسيح: “فإن قدمت قربانك إلى المذبح، وتذكرت أن لأخيك شيئاً عليك، فأترك هناك قربانك قدام المذبح واذهب أولاً اصطلح مع أخيك، وحينئذ تعال وقدم قربانك” (مت5: 23). فالقبلة صُلح ولهذا فهى مقدسة، وكما يقول المطوّب بولس: “سلموا بعضكم على بعض بقبلة مقدسة” (1كو16: 20)، وأيضاً تحدث بطرس عن قبلة الإحسان (1بط3: 15) ([665])]. ويقول القديس أغسطينوس: [هى علامة السلام، فما تطهره الشفاه من الخارج يوجد فى القلوب فى الداخل! ([666])].
34 – بماذا يبدأ صلاة قداس المؤمنين؟
[يقول الشماس: ليقف كل واحد فى طقسه. يقول الكاهن: الربّ مع جميعكم. ويجيب الشعب: ومع روحك. بعد ذلك يقول الكاهن: ارفعوا قلوبكم إلى الربّ. يقول (الشعب): هى عنده.
ثم يقول: نشكرك يارب. يقول الشعب: مستحق أيها البار.
ثم يبتدئ بالصلاة التى تليق كما حدده لنا آباؤنا الرسل ([667])].
35 – هل يمكن الخروج قبل الانتهاء من قداس المؤمنين؟
ورد فى القانون 2: 7 للرسل: “ويقف الشمامسة على أبواب الرجال لئلا يخرج أحد، ولا يفتحون الأبواب فى وقت القداس الطاهر، ولو كان (القارع) على الباب مؤمناً”. [ولا يخرج أحد من بعد قراءة الإنجيل – بلا ضرورة – إلا بعد أخذ القربان (التناول من جسد الرب ودمه) ([668])].
36 – من له حق التناول؟
[يقول أول الشمامسة: من كان طاهراً فليدن من الأسرار، ومن كان ليس طاهراً فلا يدنُ، لئلا يحترق بنار اللاهوت. ومن كان قد أعثر صاحبه، من كان به فكر زنا، من كان به سكر نبيذ وغير منضبط، فليبتعد عن التناول. هكذا فليستعد الشعب للتناول لإبراء الإنسان… ([669]) “].
فى القداس الباسيلى فى الكنيسة القبطية يُحذر الكاهن الشعب قبل الاعتراف، قائلاً: “القدسات للقديسين”، ويجيب الشعب طالباً أن يمد الثالوث القدوس يده لتطهيرنا وتقديسنا، إذ يقول: “واحد هو الآب القدوس، واحد هو الابن القدوس، واحد هو الروح القدس القدوس”. لعل هذا ما يقصده قول القديس باسيليوس: “فليستعد الشعب للتناول لإبراء الإنسان” أو لشفائه روحياً، وذلك خلال التوبة الصادقة. فإن كانت هناك عثرة لأحد، أو فكر نجس مُتسلط أو سلوك غير منضبط، نحتاج أن نطلب نعمة الله القدوس، فهو الطبيب السماوى، الذى وحده يقدر أن يشفينا ويُطهرنا ويُقدسنا.
يقول مار يعقوب السروجى: [من الله تصدر القدسات إلى القديسين، ولهذا يكرر الكاهن: القدسات بصوت عال. يقول: لتنزل القدسات وتحل فى القديسين، فلا يقترب إلا من هو طاهر وقديس ([670])].
37 – بماذا تنشغل الكنيسة أثناء التناول من الأسرار المقدسة؟
تنشغل الكنيسة أثناء التناول من الأسرار المقدسة بالتسبيح بروح الكتاب المقدس. كانت الكنيسة تُحذر من الترانيم التى يضعها الهراطقة لبث التعاليم الفاسدة. هذا ما فعله أريوس واتباعه. قيل إن جاذبية النغم سحبت العامة، فكانوا يُغنون بها فى الأسواق العامة، مما دفع القديس أثناسيوس والعاملون معه أن يضعوا ترانيم بديلة، حفاظاً على الإيمان المستقيم.
[الذين يرتلون على المذبح، لا يرتلون بلذة (أى مُعجبين بأصواتهم)، بل بحكمة. لا يرتلون خارجاً عن المزامير (أى خارجاً عن روح كلمة الله). وإذا قال قوم شيئاً وضعوه (ألفوه) وحدهم أو سمعوه من آخرين، وليس مكتوباً فى الأبسلطس (كتاب المزامير) فليخرجوا خارجاً.
إذا قرأ الأغنسطسيون فى كتب غريبة، وينجسون مسامع الشعب، فليخرجوا خارجاً ([671])].
38 – ما هو دور الشعب فى القداس الإلهى؟
يؤكد القديس باسيليوس الكبير شركة الشعب فى القداس الإلهى، دورهم ليس مُجرد الاستماع بل الشركة. لذلك تحرص الكنيسة ألا ينفرد الكاهن مع الشمامسة فى العبادة الليتورجية، إنما هى عبادة الكنيسة كلها. [بعد المزامير يجيب الشعب بكل قوته. وإن كان أحداً مريضاً بجسده ولا يقدر أن يجيب (يشترك فى المردات والتسبيح)، فليس عليه عيب. إن كانت له قوة (للشركة فى العبادة) ويسكت، يصير وحده غير مستحق للبركة ([672])].
39 – ماذا يقول الكاهن والشعب أثناء التناول من الجسد والدم؟
[الذى يناول الجسد، يقول هكذا: “هذا هو جسد المسيح، هذا الذى بذله عن خطايانا”، ويقول الذى يتناول: “آمين”. وأيضاً الذى يناول من الكأس، يقول: “هذا هو دم المسيح الذى أهرقه عنا”، ويجيب المتناولون: “آمين” ([673])].
40 – ما هى سمات الخبز المُقدم حملاً؟
يُعلق القديس باسيليوس على ذبح خروف الفصح بكونه رمزاً لسرّ التناول (خر12: 1 – 14):
1. الشمامسة الذين يعدون القرابين، ويدخلون بها، فليتحفظوا ألا يكون الخبز مكسوراً أو بائتاً من عمل الأمس أو محروقاً، أو فيه عيب، لئلا يكونوا فى دنس. لأن الخروف الذى ذُبح فى زمان العبرانيين فى مصر، هو مثال لهذا السرّ…
2. قيل: “هكذا تأكلونه وأوساطكم مشدودة، وفى أيديكم عصيكم، وأحذيتكم فى أرجلكم”. هذا الكلام يخص أعضاء القلب، فيليق وسط القلب أن يكون مربوطاً بتركيز الحواس (على السرّ)، وبيده عصا الإيمان، وأرجله قائمة بحذاء السلام.
3. “لا يقرب غريب ولا غير مُختتن ليأكل الفصح”. هكذا أيضاً الإنسان الذى لم ينل المعمودية، وغريب عنا وموعوظ لم ينل تماماً (العضوية الكنسية)، لا يقف حتى يعاين الفرح العظيم.
قيل “سبعة أيام تأكلون الفطير قبل أكل الخروف” (خر12: 15 – 20). الويل لنا، فإن هذا القول عار علينا. إن كان قد أمر بأن يؤكل خبز الطهارة (1كو5: 7 – 8) سبعة أيام قبل ذبح الخروف، وهى بهيمة غير ناطقة، وضعت مثالاً لما سيكون، فما عسى أن تكون عقوبة من يجسر على تناول الحمل الكامل – المسيح – بينما لا يزال فيه (فى الإنسان) خمير الشر الذى هو الزنا ومحبة النصيب الأكبر والبغضة والاغتصاب والسرقة، ولم يحزن على ذلك قبل أن يسعى إلى السر؟! ([674])].
يُقارن القديس باسيليوس بين خروف الفصح والتناول من جسد الرب حمل الله ودمه:
1. يلزم أن يكون خروف الفصح بلا عيب، ويلزم تقديم الحمل فى القداس الإلهى طازجاً وليس مخبوزاً فى اليوم السابق، ولا يكون مُحترقاً.
2. يُشوى بالنار، أى يُقدم السرّ بنار الروحانية الملتهبة.
3. يأكلونه وأوساطهم مشدودة وفى أيديهم عصيهم وأحذيتهم فى أرجلهم. الوسط المشدودة يشير إلى وسط القلب المربوط بتركيز الحواس، وبيده عصا الإيمان، وأرجله تسلك فى السلام.
4. لا يشترك فيه غريب وغير مختون، أى لا يتناولون من الأسرار من لم يتمتع بالمعمودية، أو لا يزال بعد موعوظاً.
5. لا يأكلون خبزاً به خمير، بل فطيراً لمدة أسبوع قبل أكل خروف الفصح = لا يتناول أحد من جسد الرب ودمه، إلا بنزع خميرة الشرّ بالتوبة.
41 – بماذا يحذر القديس باسيليوس الكهنة عند تناول دم المسيح؟
يُحذر الكاهن من أن يشتهى شرب دم السيد المسيح بكونه خمراً، فيملأ الكأس حتى حافته، حتى يتبقى فى الكأس الكثير ليشربه. هذا ومن جهة أخرى امتلاء الكأس يعرضه أن ينسكب منه شئ على الأرض. يليق بالكاهن أن يمارس هذا السرّ بخوف الرب ووقار، ويُعطى الكرامة للذبيحة المقدسة، حتى لا يتعرض للهلاك مثل ابنى عالى الكاهن (1صم2: 29 – 34)، ولئلا يكون مثل الملك بيلشاصر الذى شرب الخمر فى أوانى بيت الرب المقدسة (دا5: 1 – 4)، أو مثل بنى قورح وداثان وأبيرام الذين قدموا ناراً غريبة، ففتحت الأرض فاها وابتلعتهم (عد16: 24 – 32) ([675]).
42 – ما هو شعور الكهنة والشعب عند التناول؟
الإفخارستيا دواء للكهنة والشعب كمرضى، فمن لا يشعر بمرضه لا يستحق التناول. بقول القديس مارفيلوكسينوس: [عندما يوزع (الكاهن) الأسرار يصرخ قائلاً: “جسد الله يُعطى لمغفرة الخطايا، ودم ابن الله يطهر من كل خطية”. إنه يعيد تلك الكلمات التى قالها الرب لتلاميذه عندما وزع الأسرار عليهم: “فيما هم يأكلون أخذ يسوع خبزاً وبارك وكسر وأعطى التلاميذ، وقال:” خذوا هذا هو جسدى “. وأخذ الكأس وشكر وأعطاهم قائلاً: اشربوا منها كلكم، لأن هذا هو دمى الذى للعهد الجديد الذى يُسفك من أجل كثيرين لمغفرة الخطايا” (مت26: 26 – 28). وهكذا عندما نتوب نتقدم من تناول الأسرار التى لمخلصنا، نتقدم كخطاة محتاجين، لأنه لا حاجة للدواء إلاّ فى حالة المرض، أو للشفاء إلا لمن هو مريض، لأنه: “لا يحتاج الأصحاء إلى طبيب بل المرضى” (مت9: 12). فمن الواضح إذا أن من يتقدم إلى الأسرار ينال غفراناً عن الخطايا أياً كان هذا الشخص، كاهناً أو من الشعب. فإذا لم يكن الروح القدس ساكناً فينا لأننا خطاة، فبأى سلطان يستدعى الكاهن الروح القدس (فى سر الإفخارستيا) وأن يقترب الشعب من الأسرار؟ ([676])].
43 – ما هو ارتباط الإفخارستيا بترقب المجئ الأخير للسيد المسيح؟
قدمت لنا الديداكية نصاً للإفخارستيا، فيه طُلب أن تجتمع الكنيسة معاً من أقاصى الأرض فى ملكوت الله المُعد ([677])، كما يسأل الشعب بحرارة الرب يسوع أن يأتى ([678]). [أذكر يا رب كنيستك، خلصها من كل شر واجعلها كاملة فى حبك، اجمعها من الرياح الأربع، هذه الكنيسة التى تقدسها فى ملكوتك الذى أعددته لها. لك السلطان والمجد أبد الدهور. آمين. تعال أيها الرب، وليعبر هذا العالم. آمين. أوصنا لإله داود! من كان مقدساً فليقترب ([679])].
[اسهروا على حياتكم، ولا تدعوا مصابيحكم تنطفئ، ولا أحقاءكم تنحل، بل كونوا مستعدين دائماً، لأنكم لا تعرفون الساعة التى يأتى فيها ربنا.
يليق بكم أن تجتمعوا دائماً وتطلبوا ما يخص نفوسكم، لأنه لا ينفعكم طيلة زمان إيمانكم إن لم تكونوا كاملين فى اللحظة الأخيرة… عندئذ تظهر علامات الحق:
أولاً: علامة السماوات مفتوحة.
ثانياً: علامة صوت البوق.
ثالثاً: قيامة الموتى، ليس جميعهم.
لكم كما قيل: سيأتى الرب ومعه جميع قديسيه، وسينظر العالم الرب آتياً على سحب السماء ([680])].
ما هو عمل الإفخارستيا فى حياة المؤمنين معاً؟
يقول القديس يوحنا الذهبى الفم: [إننا نشترك فى مائدة روحية، ليتنا أيضاً نشترك فى الحب. فإن كان اللصوص إذ يشتركون معاً فى الملح (والخبز) ينسون شخصياتهم (العنيفة). فأى عذر لنا نحن الذين نتناول جسد الرب باستمرار، ولا نقتدى بلطف اللصوص هذامع بعضهم البعض؟ هذا وإننا لسنا نشترك فى مائدة واحدة فحسب، بل ولنا مدينة واحدة أيضاً، وبيننا صداقة كافية. لنا نفس المدينة ونفس البيت والمائدة والطريق والباب ونحن من أصل واحد لنا حياة واحدة ورأس واحد وراعى واحد وملك ومعلم واحد وديان.
واحد، وخالق واحد وأب واحد إذ جميعنا نشترك معاً، فأى لوم نستحقه إن انقسمنا الواحد عن الآخر ([681])].
من كتاب: كاتيكيزم الكنيسة القبطية الأرثوذكسية – جـ3 – الكنيسة ملكوت الله على الأرض – القمص تادرس يعقوب و الشماس بيشوي بشرى.