سقوط الإنسان

1 – لماذا لم يستبعد الله الشيطان؟

الله محبة، وفى حبه لم يبخل على آدم فى شيءٍ، بل قدم له كل ما أمكن لسعادته، حتى يحيا فى ملء السلام، مغموراً بالحب الإلهى من كل جانب. لكن يتساءل الكثيرون: لماذا سمح الله للشيطان، العدو المخادع، أن يجرب حواء وآدم ويمتحنهما؟! ولماذا لا يزال يسمح للشيطان المُجرب، والعالم بمغرياته وآلامه، وللجسد بشهواته ورغباته، أن تحارب النفس البشرية؟

يمكننا القول إن السماح للشيطان أن يجرب حواء وآدم، هو لمسة من لمسات حب الله لهما. فبوجود هذه الحرب يعلن الله سلطان الإنسان وتقديره له، إذ وهبه حرية الإرادة. لو أن الله قدم لنا كل حبٍ، ووهبنا ما نحتاج إليه، وتركنا ننعم فى الفردوس بغير مُجربٍ، لكنا أشبه بقطع الشطرنج التى يحركها اللاعب. وعندئذ تصير الحياة بلا طعم، والفردوس بلا جمال، لعجزنا عن تقديم حب متبادل مع الله بإرادة حرة.

يقول العلامة ترتليان: [قدم الله فرصة للصراع، إذ كان يمكن للإنسان أن يحطم عدوه (الشيطان) بنفس الحرية التى بها استسلم له… وهكذا أيضاً يصير الإنسان مستحقاً لنوال خلاصه بالنصرة (بنعمة الرب)، ويصير فى نفس الوقت للشيطان عقوبة أشد، بالرغم من نوال الإنسان نصرة بذاك الذى سبق فأضره (أى بغلبته على الشيطان). وفى نفس الوقت يُظهر صلاح الله بصورة أعظم، حيث ينتقل الإنسان بعد حياته الحالية إلى فردوسٍ مجيدٍ، مع حقه فى جنى ثمرة شجرة الحياة.].

2 – هل يقدر الشيطان أن يؤذيك؟!

يقول القديس يوحنا الذهبى الفم: [قد يقول قائل: ألم يؤذِ الشيطان آدم، إذ أفسد كيانه، وأفقده الفردوس؟ لا، إنما السبب فى هذا يكمن فى إهمال من أصابه الضرر، ونقص ضبطه للنفس، وعدم جهاده. فالشيطان الذى استخدم المكائد القوية المختلفة لم يستطع أن يُخضع أيوب له، فكيف يقدر بوسيلة أقل أن يسيطر على آدم، لو لم يقدر آدم أن يسيطر بنفسه على نفسه؟! ماذا إذن؟ ألا يصيب الأذى من يتعرض للافتراءات ويقاسي من نهب الأموال، فيُحرم من خيراته، ويُطرد من ميراثه، ويناضل فى فقرٍ فادحٍ؟ لا، بل ينتفع إن كان وقوراً، لأنه هل أضرت هذه الأمور الرسل؟ ألم يجاهدوا دائماً مع الجوع والعطش والعري؟! وبسبب هذه الأمور صاروا مُمجَدين ومشهورين وربحوا لأنفسهم معونة أكثر من الرب؟! [347]] [لا نخشى شيئاً، فإننا لكى نقهر الشيطان يلزمنا أن نعرف أن مهارتنا لن تفيد شيئاً، وأن كل شيءٍ هو من نعمة الله[348].].

[لا يهزمنا الشيطان بالقوة أو بالسلطان أو بالعنف، وإلا لُدمر البشرية كلها. هذا واضح من حادثة الخنازير (مت8: 31)، إذ لم تستطع الشياطين أن تدخل فيها إلا بعد استئذان السيدِّ.].

3 – كيف لا نرهب الشيطان؟

أ – كرامة الغالبين أعظم من خزي المغلوبين. يقول القديس يوحنا الذهبى الفم: [الذين غلبوا إبليس لهم كرامة أفضل بكثير من المغلوبين، حتى ولو كان المغلوبون كثيرين والأولون قليلين، إذ قيل: “واحد يتقى الرب خير من ألف من المنافقين” (سيراخ 16: 3) [349].].

ب – وارء أذية المغلوبين كسلهم لا الشيطان. يقول القديس يوحنا الذهبى الفم: [لو اُستبعد الشيطان من العالم، تُجرح كرامة المنتصرين. لكن لو تُرك الشيطان، فإن الكسالى وذوي البطر لا يتأذون على حساب المتيقظين، إنما بسبب بطرهم وكسلهم. بينما لو استبعد الشيطان عن العالم، فإن المتيقظين يحزنون على حساب المتهاونين، حيث لا تظهر قوتهم ويُحرمون من الإكليل[350].].

ج – تهاون الإنسان جعل الشيطان يُدعى “مُضلاً” يقول القديس يوحنا الذهبى الفم: [هنا أيضاً أتعرض لتوضيح آخر حتى نتعلم أن التراخى والكسل هما اللذان يصرعان غير المنتبهين وليس إبليس[351].].

د – هل نستبعد الخليقة الجميلة أيضاً؟ يقول القديس يوحنا الذهبى الفم: [ماذا نقول عن الخليقة الجميلة والعجيبة؟! هل الخليقة شريرة أيضاً؟ من هو هذا الشرير والغبى الذى يجرؤ ويدين الخليقة؟! الخليقة جميلة وهى علامة حب الله وحكمته وقوته. لنستمع إلى النبى الذى يتعجب، قائلاً: “ما أعظم أعمالك يارب. كلها بحكمة صُنعت” (مز104: 24)… ولنستمع إلى القديس بولس الرسول، الذى يقول: “لأن أموره غير المنظورة تُرَى منذ خلق العالم مُدرَكة بالمصنوعات قدرته السرمدية” (رو1: 20). فكل شيءٍ من أمور هذه الخليقة – كما يقول الرسول – تقودنا إلى معرفة الله. والآن إن رأينا نفس هذه الخليقة الجميلة والعجيبة تصير سبباً لشر الإنسان، فهل نلومها؟ حاشا! بل نلوم الذين لم يستطيعوا استخدام الدواء استخداماً صائباً. إذاً متى تصبح الأمور التى تقودنا إلى معرفة الله علة شرنا؟ يقول الرسول، إن الحكماء “حمقوا فى أفكارهم… وعبدوا المخلوق دون الخالق” (رو1: 21 – 25)… لأنه ماذا يقول؟ هل ننزع الخليقة أيضاً؟ [352]].

ه – وهل نستبعد أعضاءنا أيضاً؟ يقول القديس يوحنا الذهبى الفم: [لنترك الخليقة ونأتى إلى أعضائنا، فحتى هذه نجدها سبباً فى هلاكنا، إذا لم نأخذ حذرنا. وهذا ليس عن طبيعة الأعضاء، بل بسبب تراخينا أيضاً. لقد وهبنا عيوناً نعاين بها الخليقة، فنمجد السيد الرب. ولكن متى نسيء استخدامها، تصير خادمة للزنا. وقد أُعطينا اللسان لنُعلّمِ حسناً، ونُسَبِّح الخالق، فإذا لم نحترز لأنفسنا، يصير علة تجديف. وأخذنا الأيادى لنرفعها فى الصلوات، لكننا إذاً لم ننتبه، نجدهما تعمل فى الطمع والجشع. ووُهبنا الأقدام لتسير فى الصلاح، وبإهمالنا تتسبب فى أعمال شريرة[353].].

و – حتى الصليب عند الهالكين جهالة. يقول القديس يوحنا الذهبى الفم: [بالتأكيد لا يوجد شئ يؤدى بنا إلى الخلاص أكثر من الصليب. لكن هذا الصليب صار جهالة للهالكين: “لأن كلمة الصليب عند الهالكين جهالة، أما عندنا نحن المخلصين فهى قوة الله” (1كو1: 18). ويقول أيضاً: “ولكننا نحن نكرز بالمسيح مصلوباً لليهود عثرة ولليونانيين جهالة” (1كو1: 23) [354].].

ز – صار الرسل رائحة موت لكثيرين. يقول القديس يوحنا الذهبى الفم: [والرسل صاروا رائحة موت لكثيرين. من يقدر أن يُعلِّم أفضل من القديس بولس والرسل؟! لكنهم صاروا رائحة موت لكثيرين. إذ يقول الرسول بولس: “لهؤلاء رائحة موت لموتٍ، ولأولئك رائحة حياة لحياةٍ” (2كو2: 16). الضعيف (الرافض) يؤذيه حتى الرسول بولس، وأما القوى فلا يقدر أن يؤذيه حتى إبليس؟! [355].].

ح – فى المسيح تعثّر كثيرون. يقول القديس يوحنا الذهبى الفم: [لننتقل بحديثنا إلى يسوع المسيح نفسه. من يقدر أن يقدِّر خلاصه؟! ما أكثر النفع الذى جنيناه من حضوره معنا! لكن هذا المجئ المبارك بعينه صار علة دينونة لكثيرين. “قال يسوع: لدينونة أتيت أنا إلى هذا العالم، حتى يبصر الذين لا يبصرون، ويعمى الذين يبصرون” (يو9: 39). ماذا نقول يا إخوتى: هل يصير النور سبباً فى العمى؟! ليس النور بل الشر الذى ملأ عيون النفس، فحجب عنها معاينة النور[356].].

ط – استفد من إبليس. يقول القديس يوحنا الذهبى الفم: [يمكن أن نتعلم هذا من القديس بولس الرسول، إذ يكتب بخصوص الزانى قائلاً: “أن يُسلم مثل هذا للشيطان لهلاك الجسد لكى تخلُص الروح” (1كو5: 5). انظروا حتى الشيطان، قد صار سبب خلاص، لا بطبيعته ولكن بمهارة الرسول كالطبيب الذى يُحضر حية ويستخرج منها دواءً… لذلك لا نخاف الشيطان بالرغم من كونه روحاً بغير جسد. فليس شيءٍ أضعف من ذاك الذى جاء بهذه الكيفية أنه غير جسدى، ولا شئ أقوى من الشجاع ولو كان يحمل جسداً قابلاً للموت! [357].].

4 – هل أبّرِئ الشيطان؟

يقول القديس يوحنا الذهبى الفم: [لنعرف جراحاتنا، وعندئذ يمكننا أن نستخدم الأدوية، لأن من يعرف مرضه لا يبالى بضعفه. إننا نخطئ كثيراً، هذا أعرفه جيداً، لأننا جميعاً مستحقون العقوبة، لكننا لا نُحرم من العفو، ولا نُستبعد عن التوبة، إذ لا نزال قائمين كمن فى مسرحٍ للمصارعة وفى صراع للتوبة[358].].

5 – لماذا لم يخدعكم الشيطان؟

يقول القديس يوحنا الذهبى الفم: [لقد بدأنا أول أمس فى الوعظ بخصوص “الشيطان”… وبينما كنا نبدأ فى الوعظ، ذهب البعض إلى المسارح يشاهدون عروض الشيطان. لقد كانت لهم شركة فى الأغانى الخليعة، أما أنتم فكنتم تشتركون فى الموسيقى الروحية. كانوا يأكلون من نفايات الشيطان، أما أنتم فكنتم تتغذون بدسمٍ روحيٍ. أسألكم من الذى خدعهم؟ ومن الذى فصلهم عن القطيع المقدس؟… فالشيطان شرير، وأنا أسلم بهذا. لكنه شرير بالنسبة لذاته، وليس بالنسبة لنا مادمنا حذرين. لأن هكذا هى طبيعة الشر. إنها مهلكة للذين يتمسكون بها وحدهم[359].].

6 – أليس انحراف الهدف هو الذى يؤذى الإنسان؟

إنك المخلوق الإلهى الذى وهبك الله سلطاناً على نفسك وحرية لإرادتك، فلا يستطيع شيطان ولا خليقة ما ولا سيف ولا فقر ولا قوة ما أن تؤذيك ما لم تؤذِ نفسك بنفسك!

أ. الاختلاف بين الخراف والجداء. يقول القديس يوحنا الذهبى الفم: [بالحقيقة لماذا هؤلاء خراف وأولئك جداء؟! لا لكى نتعلم وجود فارق فى طبيعتهم، بل بسبب اختلاف الهدف… كلا الفريقين أناس متشابهون (كبشرٍ)، وكلاهما نالا نفس الوعود، ووضعت المكافأة للجميع ليصنعوا خيراً… إن كل الأمور مشابهة بالنسبة لهؤلاء أو أولئك. فلماذا لم تكن النهاية واحدة؟ لأن الهدف (ليس واحداً) [360].

ب. الاختلاف بين العذارى الحكيمات والجاهلات. يقول القديس يوحنا الذهبى الفم: [قيل بأنه يوجد عشر عذارى (مت25). هنا أيضاً توجد أهداف مستقيمة وأخرى خاطئة، كلاهما بجوار بعضهما جنباً إلى جنبٍ، خطايا البعض والأعمال الصالحة للآخرين… ألا ترى أن الهدف وليس الشيطان هو الذى قرر مصيرهم[361].

ج – بين ملكة سبأ واليهود الجاحدين. يقول القديس يوحنا الذهبى الفم: [لو لم يكن لهؤلاء أن يدينوا ما قال عنهم إنهم يدينون هذا الجيل، وما قال بأن ملكة التيمن (الجنوب South) ستدين اليهود (لو11: 31)، لأنه ليس فقط سيدين شعب شعباً، بل ويمكن لإنسان أن يدين شعباً. وذلك عندما لا ينخدع إنسان كان يمكن أن يُخدع، بينما أولئك كان يمكنهم أن ينتفعوا ويرجعوا إذا بهم يرفضوا[362].].

7 – هل الظلم يؤذيك؟

يقول القديس يوحنا الذهبى الفم: [ماذا إذن؟! ألاَّ يُصاب بالأذى من يتعرض للافتراءات، ويقاسى من نَهْبِ الأموال، فيُحرَم من خيراته، ويُطرَد من ميراثه، ويناضل فى فقرٍ فادحٍ؟! لا، بل ينتفع إن كان وقوراً. لأنه هل أضرّت هذه الأمور الرسل؟ ألم يجاهدوا دائماً مع الجوع والعطش والعُري؟! وبسبب هذه الأمور صاروا مُمَجَّدين ومشهورين وربحوا لأنفسهم معونة أكثر من الرب؟! [363].].

8 – هل الأذى يصيب الظالم أم المظلوم؟

يقول القديس يوحنا الذهبى الفم: [ما اكثر شقاء تلك المرأة التى لفيلبس (مت14: 3)، حيث قطعَتْ رأس يوحنا؟ وما أعظم شقاء إخوة يوسف الذين باعوه للغرباء وأرسلوه إلى أرض غريبة؟! وشقاء الشيطان الذى ضايق أيوب بهذه النكبات العظيمة؟! لأنه لا يدفع حساباً عنيفاً عن شروره فحسب، بل وبسبب ما فعله بأيوب أيضاً…

وماذا أقول عن القديس بولس الرسول، ألم يحتمل أحزاناً كثيرة لا يُمكن احصائها؟!… يكفى أن أقول إنه كان يموت كل يومٍ. وبالرغم من هذه الآلام المبرحة، لم ينطق بكلمة تجديف، بل أكثر من هذا فى وسط هذه كان فحراً مفتخراً، بها. إذ يقول: “أفرح فى آلامي” (كو1: 24). ومرة أخرى: “وليس ذلك فقط، بل نفتخر أيضاً فى الضيقات” (رو5: 3). لقد كان فرحاً فى أثناء تعذيبه بهذه الضيقات الشديدة، مفتخراً بها[364].].

9 – هل الفقر يؤذيك؟

يقول القديس يوحنا الذهبى الفم: [قد يقول قائل: إن الفقر يجعل الناس متضجرين، وغالباً ما يدفعهم إلى النطق بكلمات تجديف، وينزل بهم إلى الأعمال الدنيئة. ليس الفقر هو الذى يفعل بالإنسان هكذا، بل دناءة النفس. لأن لعازر كان فقيراً، نعم كان فقيراً جداً، ويعانى بجانب فقره من ضعف جسدى أقسى بكثير من الفقر فى أية صورة من صوره، الأمر الذى جعل فقره قاسياً جداً (لو16: 20 – 21). وبجانب هذا الضعف أيضاً، كان محروماً تماماً من الذين يعولونه، مع صعوبة إيجاد أية مئونة لسد اعوازه، الأمر الذى ضاعف من مرارة فقره وضعفه… ورغم هذا كله، فإن شيئاً من هذه الأمور لم تؤذِ لعازر، إذ لم ينطق بكلمة قاسية، ولا تكلْم بحديث دنيءٍ، إنما كان كقطعة الذهب التى تشع ببريقٍ أعظم كلما تنقت بنار متزايدة. بالرغم من هذه الضيقات، إلاّ أنه تسامى عليها وعلى ما تنتجه هذه الأمور من هياجٍ[365].].

10 – هل الموت يقدر أن يؤذيك؟

يقول القديس يوحنا الذهبى الفم: [لماذا أتحدَّث عن النفى فى أرضٍ غريبةٍ، أو الفقر أو تشويه السمعة أو الأسر، فأى ضرر أصاب هابيل بموته، مع أنه مات موتاً عنيفاً، فى غير أوانه، وبيديّ أخيه؟! أليس بسببب هذا صارت سمعة هابيل تجوب المسكونة كلها؟! [366].].

11 – ما هوموقف الثلاثة فتية؟

يقول القديس يوحنا الذهبى الفم: [هل فسدت فضيلة “الثلاثة فتية” بسبب المتاعب التى حلَّت بهم؟ بالرغم من صغرهم… ألم يخضعوا للأسر المؤلم الخطير؟ ألم يُقصوا بعيداً جداً عن بلدهم؟… ألم يُحرَموا من بلدهم وبيوتهم وهيكلهم ومذبحهم وذبائحهم وتقدماتهم حتى من أدوات الترتيل بالمزامير؟!… ألم يٌسلَّموا فى أيادٍ همجية هم ذئاب أكثر منهم بشر؟

لم يبالوا بالسلطان القاسى المطلق، مع أنه كان لديهم ما يبررون به طاعتهم له، لكنهم قدَّموا نصيحة ورأياً مناسباً حتى يتجنبوا الخطية رغم تجريدهم من كل شيءٍ…

ربطهم نبوخذنصر، وألقى بهم فى الأتون، لكنه لم يستطع أن يحرقهم، بل بالعكس أفادهم وردهم ممجدين… فإن كان السبي والعبودية… لم يقدرا أن يفسدا الفضيلة الداخلية للثلاثة فتية المأسورين (دا3)، المستعبدين، الغرباء… بل صارت مقاومة الأعداء بالنسبة لهم بالحري فرصة لنوال ثقة (إيمان) أعظم، فأى شئ يمكن أن يضر الإنسان الضابط لنفسه؟ لا شيءٍ يضره، ولو قام العالم كله فى جيوشٍ ضده… كان الله واقفاً معهم، وحماهم من النيران. بالتأكيد هذا حدث، فإن قمتَ أنت بواجبك قدر قوتك، فإن العون الإلهى حتماً سيرافقك[367].].

12 – ماذا احتمل أيوب المجرب؟ (للقديس يوحنا الذهبى الفم)

1 – افتقر أكثر من الشحاذين.

2 – احتمل الآلام الجسدية.

3 – احتمل موت اولاده.

4 – احتمل سخرية المقربين إليه، زوجته وأصدقائه.

5 – احتمل أهوال الليل.

13 – كيف جلب علينا أكل آدم وحواء من شجرة معرفة الخير والشرّ الموت؟

لأنهما عصيا الله ولم يطيعا وصيته، فانعزل الإنسان عن الله وحُرم من نعمته وتغرب عن حياة الله وعن قداسة الله القدوس.

14 – لماذا دُعيت الشجرة “شجرة معرفة الخير والشر”؟

دُعيت هكذا لأنه إن أطاع الإنسان الله تصير شجرة معرفة الخير، وإن عصى وصية الله تصير شجرة معرفة الشر.

15 – ما هو الموت الذى حلّ على آدم وحواء بسبب عصيانهم الله؟

حلّ موت مضاعف عليهما: موت الجسد بأنفصاله عن النفس مصدر حياة الجسد، وبالتالى يفقد الجسد حواسه وينحل. أما النفس إذ تموت بالخطية تفقد النور الروحى والفرح الداخلى والسلام الإلهى والسعادة، لكنها لا تنحل كالجسد، بل تبقى فى ظلمةٍ وألمٍ ومرارةٍ.

حلّ أيضاً الفساد بنسلهما وصاروا قابلين للموت. يقول الرسول بولس: “من أجل ذلك كأنما بإنسانٍ واحدٍ دخلت الخطية إلى العالم، وبالخطية الموت، وهكذا اجتاز الموت إلى جميع الناس إذ أخطأ الجميع” (رو8: 12).

16 – لماذا لم يسمح الله لآدم وحواء بالأكل من شجرة الحياة؟

بسقوط الإنسان فى عصيان الوصية صار عارفاً للشر، وساقطاً تحت سلطانه، وأصابه الفساد، وخضع للموت وطُرِدَ من الجنة. ومن محبة الله للإنسان أنه لم يسمح له بالأكل من شجرة الحياة وهو على هذا الحال المؤلم، لأنه إذا أكل منها وهو على هذا الحال فسيحيا إلى الأبد هكذا، أى يبقى فى الموت والفساد إلى الأبد. لذلك قال الرب: “والآن لعلَّه يَمُدَّ يده ويأخذ من شجرة الحياة أيضاً ويأكل ويحيا إلى الأبد”. وكلمة “الآن” يقصد بها هنا وقت ما بعد السقوط، وما وصل إليه الإنسان من فساد وموت. من جانبِ آخر، بالسقوط صار محكوماً على الإنسان بالموت، أى بالحرمان من الحياة. وبالتبعية صار محروماً من الأكل من شجرة الحياة التى فى وسط الجنة، فأقام الله الكاروبيم ولهيب سيفٍ مُتقلِّبٍ لحراسة طريق شجرة الحياة.

الآن بعد تجسد الكلمة نقول مع القديس يوحنا الرسول عن ربنا يسوع: “الذى كان من البدء الذى سمعناه، الذى رأيناه بعيوننا، الذى شاهدناه، ولمسته أيدينا من جهة كلمة الحياة. فإن الحياة أُظهِرَت، وقد رأينا ونشهد ونخبركم بالحياة الأبدية التى كانت عند الآب وأُظهِرَت لنا”. (1يو1: 1 – 2). لذلك عاد الإنسان ليأكل من شجرة الحياة الحقيقية، مرَّةً أخرى، من خلال سرِّ الإفخارستيا الذى فيه نأكل جسد ربنا يسوع المسيح ونشرب دمه المبذول عنا، هذا السرُّ الذى بواسطته نُعطَى خلاص وغفران للخطايا وحياةً أبديةً لكل مَنْ يتناول منه.

جاء الابن الكلمة متجسداً حتى تسمعه مع يوحنا وبقية التلاميذ ينادى الخطاة والعشارين بأسمائهم مترفقاً بهم بلا عتاب أو توبيخ. تسمعه بأذنين نقيتين يغفر لك خطاياك، مصالحاً إياك مع أبيه، دافعاً ثمن المصالحة: دمه الثمين. وتشاهده يبحث عنك كراعٍ صالحٍ وأبٍ حقيقىٍّ. يذهب بإرادته إلى الصليب ويُفتح جنبه حصناً وستراً لك، ترى فيه الأحشاء الملتهبة حباً لك. تراه قائماً من بين الأموات، صاعداً إلى السماوات، فيرتفع قلبك به ومعه ويستقر فيه، لتكون حيث هو جالس. وتلمسه مع أمه العذراء مريم فتشتاق إليه، مقدماً نفسك عروساً بتولاً عذراء نقية له، وتلمسه مع توماً معترفاً بألوهيته وربوبيته. تلمس قدميه مع المرأة الزانية، وتغسلهما بدموعك. فلا يستنكف منك بل يطوِّبك ويباركك. لا يرفض لمسات يدك ولا يستخف بدموعك، بل يحرص عليها كجواهرٍ ثمينةٍ لديه. إنه شجرة الحياة التى صارت لنا.

كما جاء فى سفر الرؤيا: “مَنْ يغلب فسأعطيه أن يأكل من شجرة الحياة التى فى وسط فردوس الله.” (رؤ2: 7) وأيضاً: “طوبى للذين يصنعون وصاياه لكى يكون سلطانهم على شجرة الحياة، ويدخلوا من الأبواب إلى المدينة، لأن خارجاً الكلاب والسَّحَرَة والزناة والقَّتَلَة وعَبَدَة الأوثان وكل مَنْ يُحِبَّ ويصنع كَذِباً” (رؤ22: 14، 15).

هكذا يؤكِّد سفر الرؤيا أن الأكل من شجرة الحياة لن يكون إلاَّ للغالبين الذين تمسَّكوا بوصايا الله فى حياتهم على الأرض لينالوا الحياة الأبدية فى ملكوت السماوات. فالقلب الفاتر فى حبه قلب جائع، لذلك يحتاج إلى الشبع من الرب “شجرة الحياة”، فهو المشبع للقلب والشافي له (رؤ22: 2) وهو المكافأة المقدمة للغالبين.

17 – هل فقد آدم وحواء الرجاء فى الخلاص بعد سماعهما الحكم كثمرة لعصيانهما؟

إن كانت ثمرة الخطية هى الموت، فقد أعلن الله رحمته عليهما وعلى نسلهما، بأن ينزل ابنه الوحيد متجسداً، ويقدم لهما الخلاص المجانى بصلبه وقيامته وصعوده إلى السماء. بهذا انفتح باب الرجاء خلال مراحم الله. لقد سمعا قول الله للحية “” وأضع عداوة بينك وبين المرأة، وبين نسلك ونسلها. هو يسحق رأسك، وأنت تسحقين عقبه “(تك3: 15).

18 – هل تعرف من أنت؟

كثيراً ما يتصاغر الإنسان أمام نفسه، فيرى نفسه، المخلوق الصغير أمام تلك الطبيعة بكل جبروتها. إنه يظهر قليلاً، وكخيال يتمشى على الأرض ليختفى. قد يعثر بحجرٍ صغيرٍ، فيسقط ميتاً، أو يهاجمه ميكروب ما، فيلقيه على الفراش يتلوَّى سنوات طويلة، يتوق إلى الموت فلا يجده. إنه كائن ضعيف، ربما من أجل شهوة بسيطة دنيئة ينسى كرامته، ويبعثر أمواله، ويهدم وحدة الأسرة، وربما يفقد كل شيءٍ، وهو يعلم أنها لذة وقتية سرعان ما تزول!

أتريد أن تعلم من أنت؟ إنك موضوع حب الله، موضوع اهتمامه وعنايته، حتى يبدو كما لو نسي العالم كله من أجلك. عندما خلقك، “رأى الله كل ما عمله، فإذا هو حسن جداً” (تك1: 31). يتطلع إليك، فيرى فيك صورته ومثاله. فيك العقل، ولك حرية الإرادة، أنعم عليك بالقدرة على الحب، والانجذاب نحو الخالق لتشبع منه، وتنعكس انطباعاته عليك، فيفرح بك.

خلق السماء والأرض ليزولا يوماً ما (مت24: 35)، أما أنت فاوْجدك لتحيا خالداً إلى الأبد. هذه هى نفسك التى لم يقبل الرب أن يقارنها بالعالم كله قائلاً: “ماذا ينتفع الإنسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه؟ (مر8: 36)”.

19 – ماذا فعلت بي الخطية؟

لقد اخترتُ بإرادتى الاستقلال عن الله ليكون لى كيان خاص بي، بعيداً عن لُجَّة محبة الله. هذه هى خطية آدم الأولى، بل وكل خطية نرتكبها. فقد فصلت نفسي عن مصدر سعادتها وشبعها وحياتها، وسقطت تحت نير الخطية، ووقعت تحت سطوة ظلمها. إذ اخترت الخطية بإرادتي، قدمت لي كل ما عندها ورغماً عني، وماذا لدى الخطية إلا الحرمان والظلم والموت الخ.

أ. حرمان: قدمت لي تفاحة من “شجرة جيدة للأكل، بهجة للعيون، وشهية للنظر”، لكنها أفقدتني الشبع، وحرمتنى من الفردوس، أبعدتنى عن السلام والفرح والخير والمعرفة الحقيقة.

ب. ظلم: الخطية لا تعرف قانوناً ولا ناموساً. إن كان لها قانون، فهو التشويش والظلم عينه.

ج. موت: الخطية هى انفصال عن الله خالق كل شيءٍ. هي حرمان للنفس عن الله واهب الحياة. هذا ما وصلت إليه النفس البشرية بإرادتها. انحرفت الصورة عن أصلها، فتلاشى جمالها، وفسدت طبيعتها، وزال سلطانها، ولم تعد قادرة على الحياة أو اللقاء مع الله مصدر حياتها.

ارتبك الإنسان وارتعب، ولكن عبثاً يحاول أن يخضع نفسه لإلهة بقوته الذاتية. لقد حاول آدم أن يُصلح خطأه بذاته، فأكد رغبته بالأكثر فى استقلاله عن الله بذاتيته الخاصة، مما أضاف إلى النتيجة الأولى نتائج متوالية. فإذ صنع لنفسه لباساً من ورق التين، جف الورق، وكان اللباس فى ذاته كافياً ليؤكد للإنسان عريه، ويفضح جريمته أمام نفسه. لقد فلت زمام الأمر من يديّ الإنسان، وصار لابد أن يتدخل الله ليمحو نتائج ما ارتكبه الإنسان بإرادته.

هل يتدخل الله على حساب العدالة فيغفر، ولكن كيف تتحقق العدالة التى بلا حدود. هل يمكن لإله هذا هو حبه ورحمته، أن يترك الإنسان يشقى ويهلك هلاكاً أبدياً؟! هناك حاجة إلى عملية مصالحة بين الله والإنسان، فيها يدفع الله أجرة الخطية دون أن يتنازل عن عدالته، ويحقق العدالة فى أعماق حبه!

يقول القدِّيس مقاريوس الكبير: [أمور النعمة، يصحبها فرح وسلام ومحبة وحق… أما أشكال الخطية، فيصحبها اضطراب وليس محبة ولا فرح نحو الله[368].] كما يقول: [النفس فى ذاتها لا هى من طبيعة اللاهوت، ولا هى من طبيعة ظلمة الخبث، بل هى خليقة عاقلة، جميلة، عظيمة، وحسنة كمثال لله وصورته. وإنما عن طريق التعدي دخل فيها خبث أهواء الظلمة[369].].

ويقول القدِّيس أغسطينوس: [أما الإنسان الذى له طبيعة تميل بين الطبيعة الملائكية والحيوانية، فإن الله خلقه هكذا، حتى إذا بقيَ خاضعاً لخالقه، كسيدٍ له بحقٍ، ويحفظ وصاياه بورعٍ، تصير له شركة مع الملائكة، وينال خلوداً مباركاً أبدياً، دون أن يصيبه الموت. أما إذا عصى الرب إلهه باستخدامه حرية إرادته بعجرفةٍ وفى عصيانٍ، فإنه يخضع للموت، ويسلك عبداً للشهوة، ويُحكم عليه بالموت الأبدي.].

ويقول: [يا لشقائي… لقد سادت عليَّ الظلمة، ومع أنك أنت النور، إلا أنني حجبت وجهي عنك!

يا لشقائي… أصابتنى جراحات كثيرة، ومع أنك أنت المعزي واهب السلام، غير أننى ابتعد عنك!

يا لشقائي… لقد انتابتنى حماقات جمَّة، ومع أنك أنت هو الحق، غير أننى لم أطلب منك المشورة!

يا لشقائي… لقد تعددت طرق ضلالي، ومع أنك أنت هو الطريق، إلا أننى ابتعدت عنك!

يا لشقائي، فالموت يحطمنى بضربات كثيرة، ومع انك أنت الحياة، لكننى لم أكن معك أبداً!

يا لشقائي، فإننى أسقط فى الشر والعدم كثيراً، ومع أنك أنت هو “الكلمة” الذى به كان كل شيءٍ، إلا أننى انفصلت عنك، يا من بدونك لم يكن لى وجود!

أيها الكلمة ملكي، أيها الكلمة إلهى، أيها النور الخالق، أيها الطريق والحق والحياة… يا مبدد الظلمة والشر والضلال والموت…

أيها النور بدونك يصير الكل فى ليلٍ دامسٍ. أيها الطريق بدونك لا يوجد سوى الضلال. ايها الحق الذى بدونك لا يوجد سوى الباطل. أيها الحياة الذى بدونك يخيِّم الموت على الكل].

الآن ما هو موقف الله بعد أن حطمت الخطية كل كيان الإنسان؟ حتماً لن يقف متفرجاً عل محبوبه، بل سبق فوضع خطةً لأجل خلاصه ليتمتع بغفران خطاياه، ويحمل البرّ الإلهي، وينطلق إلى الأحضان الإلهية ويستقر فيها. ما هى هذه الخطية، وما هو دور الثالوث القدوس فيها؟ وكيف أعدّ البشرية لإدراكها والتفاعل معها. وكيف تحققت؟ وكيف ننعم بها؟

هذا ما يدعونا إلى الحديث عن حاجاتنا إلى الخلاص والمخلص الإلهى[370].

20 – ما هو موقف الله من الإنسان بعد عصيانه للوصية الإلهية؟

اشتاق الإنسان إلى العالم، وصار الوجود فى حضرة الله بالنسبة له هو مجرد ألفاظ وكلمات! صارت الخطية وكأنها من روتين فى حياة الإنسان، يشعر أحياناً بثقلها ومرارتها، ولكن فى لحظات يعود لينحنى لها بكل جوارحه وميوله ورغباته وكل طاقته. وهكذا فقد أمسك الإنسان بعجلة القيادة فى داخله. وكما يقول الرسول “فإنى أعلم أنه ليس ساكن فيّ، أى فى جسدى شيءٍ صالح، لأن الإرادة حاضرة عندى، وأما أن أفعل الحُسنى، فلست أجد. لأنى لست أفعل الصالح الذى أريده، بل الشر الذى لست أريده فإياه أفعل. فإن كنت ما لست أريده إياه أفعل، فلست بعد أفعله أنا، بل الخطية الساكنة في” (رو7: 18 – 20). فما هو موقف الله من الإنسان؟ هل لازال يحبه؟!

وماذا يفعل الإنسان لكى يجدد طبيعته التى أفسدها بإرادته؟

هل الله مشغول بأمجاده فى سماواته، أم ينزل إلى الإنسان؟

هل يحرره من سلطان الخطية التى سمح لها الإنسان بإرادته أن تحتل مركز القيادة؟

أقول لله إلهى: هل لازلتَ أيها الحب تحب الإنسان، وتشتاق أن ترده إلى أحضانك؟

لن يستطيع الإنسان الصعود إليك، فهو غارق فى خطاياه وضعفاته، فهل تنزل إليه أيها القدوس؟

أيها الحب الأزلي الخالد، هوذا السماء تشتاق أن تتعرف على سرّ حكمتك المملوءة حباً، هل تعلن لها ولنا أسرار حبك؟

الآن يا إلهى ها قد فسدت حياتنا وصرنا محتاجين إلى من يغير طبيعتنا ويرفع عنا موتنا الأبدي، فماذا تفعل من أجلنا أيها الحب المطلق؟!

يقول القديس كيرلس الكبير: [الله من فرط محبته للإنسان هيأ له طريق الخلاص والفداء، وذلك بالإيمان بالله الآب والابن والروح القدس، والاعتراف بهذا الإيمان أمام الجميع حتى ينقيه من خطاياه، ويمتلئ بغنى الروح القدس، وشركة الطبيعة الإلهية[371]، ويحصل على نعمة التبنّي.].

الإيمان بالثالوث القدوس إعلان إلهى خلاله يختبر المؤمن الحب الإلهى الفائق، والدخول فى خبرة شخصية مع الآب والابن وبالروح القدس. يجد المؤمن الحقيقى فى الثالوث شبعاً لكل احتياجات الداخلية. إيماننا بالثالوث يمس حياتنا وكياننا، فلا حياة لنا دون خبرة التمتع بحب الثالوث القدوس لنا، مع أعمال محبته الفائقة. يقول القديس غريغوريوس النزينزي: [ليقودنى الكلمة الإلهى فى نهاية حياة مملوءة بالدموع إلى المسكن غير المتغير، حيث يوجد ثالوثى، وبهاء سموه المجتمع، ظلال الثالوث تمجدنى[372].].

21 – لماذا لم يكتفِ الله بأن يُقدِّم الإنسان توبةً عن خطيته؟ [373]

إن كان الله رؤوف وكثير الرحمة، إلاَّ إنه صادقً أيضاً فى أحكامه ووعوده وكلامه حيث يقول الكتاب المقدس: “ليكن الله صادقاً، وكل إنسانٍ كاذباً” (رو3: 4)، كما يتكرَّر مراراً فى الكتاب تعبير “صادقةً هى الكلمة” (1تي3: 8؛ 2تي2: 11) أى كلمة الله. لذلك لم يكن يليق بالله أن يتراجع عن الحكم الذى سبق أن حذَّر آدم منه إذا أكل من شجرة معرفة الخير والشر. ويقول القديس أثناسيوس: [لأن الموت أيضاً، وكما قلتُ سابقاً، صارت له سيادة شرعية علينا (بسبب التعدِّى)، منذ ذلك الوقت فصاعداً، وكان من المستحيل التهرُّب من حكم الناموس، لأن الله هو الذى وضعه بسبب التعدِّى، فلو حدث هذا لأصبحت النتيجة مرعبة حقاً وغير لائقة فى نفس الوقت. لأنه من غير اللائق طبعاً أن الله بعدما تكلَّم بشيءٍ مرَّةً يتَّضح أنه فيما بعد كاذبً، أى أن الله بعد أن أمَرَ أن الإنسان يموت موتاً، أن يتعدَّى الوصية ولا يموت، بل تَبطُل كلمة الله. وسيكون الله غير صادق إن كان الإنسان لا يموت بعد أن قال الله إنه سيموت[374].].

ويضيف القديس أثناسيوس أن الندم على فعل الخطية أو التوبة عنها لم تكن كافيةً لرفع حكم الموت: [لكن إن كان هذا هو ما يجب أن يحدث، فمن الناحية الأخرى نجد أنه لا يتفق مع صدق الله الذى يقتضى أن يكون الله أميناً من جهة حكم الموت الذى وَضَعَه، لأنه كان من غير اللائق أن يظهر الله أبو الحق كاذباً من أجلنا. إذاً، ماذا كان يجب أن يُفعَل حيال هذا؟ أو ما الذى كان يجب على الله أن يعمله؟ أيطلب من البشر التوبة عن تعدِّياتهم؟ ويمكن أن يرى المرء أن هذا يليق بالله ويقول: كما أن البشر صاروا إلى الفساد بسبب التعدِّى، فإنهم بسبب التوبة يمكن أن يعودوا إلى عدم الفساد وللخلود. لكن التوبة تعجز عن حفظ أمانة الله لأنه لن يكون الله صادقاً إن لم يظل الإنسان فى قبضة الموت (لأنه تعدَّى فحُكِمَ عليه بالموت كقول الله الصادق). ولا تقدر التوبة أن تُغيِّر طبيعة الإنسان، بل كل ما تستطيعه هو أن تمنعه عن أعمال الخطية. فلو كان تعدِّى الإنسان مجرد عمل خاطئ ولم يتبعه فساد، لكانت التوبة كافية. أما الآن بعد أن حدث التعدِّى، فقد تورَّط البشر فى ذلك الفساد الذى كان هو طبيعتهم ونُزِعَت منهم نعمة مماثَلة صورة الله، فما هى الخطوة التى يحتاجها الأمر بعد ذلك؟ أو مَنْ ذا الذى يستطيع أن يُعيد للإنسان تلك النعمة ويرده إلى حالته الأولى إلاَّ كلمة الله الذى خلق فى البدء كل شيءٍ من العدم؟ [375]] يؤكِّد هنا القديس أثناسيوس نفس النقطة السابقة عن أن قبول الله لتوبة الإنسان يتعارض مع صدق أقواله “التوبة تعجز عن حفظ أمانة الله”.

ويضيف القديس أثناسيوس: “ولا تقدر التوبة أن تُغيِّر طبيعة الإنسان، بل كل ما تستطيعه هو أن تمنعه عن أعمال الخطية. فلو كان تعدِّى الإنسان مجرد عمل خاطئ ولم يتبعه فساد، لكانت التوبة كافية”. أى أن التوبة لا يمكن وحدها أن تعيد الإنسان إلى حالة النقاوة التى كان عليها أولاً، كما لا تستطيع التوبة أن تشفى طبيعة الإنسان التى أصابها الفساد نتيجة الخطية.

ويمكن تشبيه هذا الأمر بمريض مصاب بنزلة برد لتعرُّضه للبرد الشديد دون أن يستعد بالملابس الثقيلة المناسبة، فيذهب إلى الطبيب للعلاج. فهل يمكن أن يكتفى الطبيب بأن ينصحه بألا يفعل ذلك ثانيةً وأن يلبس الملابس الثقيلة المناسبة للجو البارد؟! بالطبع لا، بل عليه أن يقدِّم له العلاج أولاً ثم تأتى النصيحة بعد ذلك.

لكن وإن كان الله لم يتراجع عن الحكم على الإنسان بالموت، ولم يكتف بتوبته لأنها غير كافية لشفاء طبيعته من الفساد، إلا أنه بمقتضى رحمته أخذ طبيعتنا البشرية بالتجسُّد لكى يُجدِّدها، ويأخذ عنِّا حكم الموت الذى كان محكوماً به علينا عن استحقاقٍ.

ومن ذلك نفهم أن الله لم يسامح الإنسان، ولم يتراجع عن الحكم عليه لأن هذا يتعارض مع صدق أقوال الله وأحكامه. ومن جهةٍ أخرى لم يكتفِ الله بأن يقدِّم الإنسان توبةً لأن التوبة لا تستطيع نزع الفساد من طبيعته وتجديدها.

22 – ما هو التدبير الإلهى لخلاصنا؟

ما ان سقط الإنسان فى الخطية وفقد قداسته ونقاوة قلبه حتى كشف الله لآدم وحواء عن التدبير الإلهى لخلاص محبوبه الإنسان. حينما نقول “التدبير الإلهى” نقصد خطة الثالوث القدوس وعمله لأجل خلاصنا، لأنه هو عمل إلهى واحد، ولكل أقنوم دوره المتميّز فى خلاصنا.

أعلن السيد المسيح عن محبة الله الآب بقوله: “هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكى لا يهلك كل من يؤمن به، بل تكون له الحياة الأبدية” (يو3: 16) وكشف الرسول بولس عن محبة الابن بقوله: “أحبنى وأسلم نفسه لأجلى” (غل2: 20)، كما كشف لنا السيد المسيح عن دور الروح القدس فى خلاصنا بقوله: “يأخذ مما لى ويخبركم” (يو16: 14).

23 – كيف يعمل الثالوث القدوس معاً فينا؟

مع وحدة جوهر الله، الثالوث القدوس، وتمايز الأقانيم، فإن كل عملٍ إلهىٍ يعبِّر عن حبه الفائق للإنسان، إنما هو عمل الثالوث القدوس معاً. وكما يقول البابا أثناسيوس الرسولى: “يعمل الآب كل الأشياء بالكلمة فى الروح القدس، بهذه الوسيلة تُحفظ وحدة الثالوث القدوس[376]. كل الأعمال الإلهية سواء الخلقة أو الخلاص أو القيامة أو نوال الأمجاد الأبدية هى عطايا إلهية يقدمها الآب فى ابنه الوحيد الجنس بروحه القدوس.

يقول القديس كيرلس السكندرى: [لم ينل قوة من آخر لكى يخلق، وإنما هو قوة الله الآب، الابن الوحيد، الذى يعمل كل شيءٍ مع الآب والروح القدس. لأن كل شيءٍ من الآب بالابن، لأنه لو خلق الابن منفصلاً عن الآب لما استطاع الابن أن يقول: “أنا فى الآب والآب فيِّ” (يو14: 10).].

يقول القديس أمبروسيوس: [إذ تعتمدون باسم الثالوث، فإننا فى كل ما نفعله نحفظ سرّ الثالوث. فى كل موضع الآب والابن والروح القدس، عمل واحدا، قداسة واحدة… كيف؟ الله (الآب) مسحك، والرب ختمك، ووضع الروح القدس فى قلبك. لهذا تسلمت الروح القدس فى قلبك[377].] كما يقول: [إن كانت توجد نعمة واحدة، وحب واحد، وشركة واحدة (2كو13: 14) للآب والابن والروح القدس، فحتماً توجد عملية واحدة، وحيث توجد عملية واحدة بالتأكيد لا يمكن تقسيم القوة، ولا فصل الجوهر[378].].

يقول القديس يوحنا الذهبى الفم: [أتستطيعون أن تروا عظمة حب الله لنا؟ من هو الطرف الذى هُوجم؟ إنه هو! من الذى بدأ بالخطوة الأولى للمصالحة؟ إنه هو! قد يقول البعض إنه أرسل ابنه بدلاً منه، لكن فى هذا سوء فهم للموقف. لم يأتِ المسيح منعزلاً عن الآب الذى أرسله، لقد انشغل كلاهما فى عمل المصالحة (2كو5: 19) [379].].

يمكننا مع القديس باسيليوس الكبير أن نقول بأن العمل الإلهى أو محبة ألله للإنسان تجلت فى ثلاثة أنواع من الخلقة تتكامل معاً، يقوم بها الثالوث القدوس. [يشير الكتاب المقدس إلى ثلاثة خلائق: الخليقة الأولى الانطلاق من اللاوجود إلى الوجود. والثانية: التغير من الرديء إلى الأفضل. والثالثة القيامة من الموت. فى هذه الخلائق الثلاثة تجدون الروح القدس يعمل مع الآب والابن… الآن تُخلق البشرية للمرة الثانية بالمعمودية. “إن كان أحد فى المسيح، فهو خليقة جديدة” (2كو5: 17) [380].].

24 – ما هو دور كل أقنوم فى حياتى؟

أ. حب الله الآب لى:

1 – خلقنى أعظم من كل خليقة على الأرض!

2 – رعايته الإلهية تحتضنى!

3 – يحول كل الإمور لخيرى!

4 – أبوته الحانية حتى فى تأديبه لى!

5 – بالحب والحكمة يمنحنى المواهب اللائقة.

6 – قدم لى الخلاص بالمجانى!

7 – أحضانه الإلهية تُرحب بىّ!

ب – نعمة الابن الوحيد تخلصنى:

1 – أسماؤه وألقابه تعلن حبه لى! 2 – تجسد لأجلى.

3 – تألم لأجلى! 4 – صُلب لأجلى!

5 – أقامنى معه! 6 – أصعدنى إلى سماواته!

7 – وهبنى الحياة الجديدة.

ج – شركة الروح القدس:

1 – وهبنا الوحى بالأسفار المقدسة. 2 – قدم لنا الشركة مع الله.

3 – أعطانا روح التبنى للآب (الميلاد الجديد فى المعمودية).

4 – خليقة جديدة للنفس! أو إعادة طبيعتنا إلى الصورة الإلهية.

5 – مغفرة الخطايا. 6 – استنارة الذهن.

7 – العضوية فى الكنيسة جسد السيد المسيح.

8 – قوة النصر على الخطية والموت والشيطان، مع رفع القلب إلى السماء.

25 – لماذا صدر الحكم على الإنسان: “موتاً تموت”؟

لم يكن هذا عن عدم حب لله من جهة الإنسان، أو بسبب غضب الله عليه، أو للانتقام منه؛ إنَّما هو ثمرة طبيعية للخطية، يجنيها الإنسان مما فعله بإرادته. فبغباوة أقحم الإنسان نفسه فى دائرة الموت، وما كان لله المحب أن يلزم الإنسان على الامتناع عن الخطية، أو يوقف عملها الطبيعى.

رفض الغنوصيون العهد القديم لأنهم صُدموا فى بعض نصوصه التى تشير إلى غضب الله أو ندمه. وكان سبب صدمتهم أنهم فسروها تفسيراً حرفياً وليس روحياً. يقول أوريجينوس إن الإشارة إلى التشبيهات البشرية لله anthropomorphism مثل غضب الله لا يمكن فهمها حرفياً. “حينما تسمع عن غضب الله وسخطه لا تفهم ذلك بمعنى ممارسة الله لمشاعر الغضب والحنق”. يستخدم الله اللغة البشرية، والهدف هو تصحيح الأخطاء البشرية، كما يوجّه الأب طفله. “نحن أيضاً يكون لنا وجه عنيف الملامح حينما نوّجه أطفالنا، ليس لأن هذه هى مشاعرنا الحقيقية، ولكن من أجل نزولنا إلى مستواهم، فإذا ما سمحنا لملامحنا الطيبة فى الظهور على وجوهنا نُفسد الطفل. الله لا يغضب فى الحقيقة، لكننا نختبر آثار غضبه حينما نقع فى تجربة بسبب شرنا، هذا هو التأديب الذى ندعوه” غضب الله[381] “.

26 – كيف أفسد الخطية رؤية الإنسان لله؟

بسقوط الإنسان فى العصيان فسدت مفاهيمه، وانغلقت بصيرته عن أن تعاين الله فى حبه. صار الإنسان يراه الإله القاسي. لقد وقف أيوب البار فى لحظات ضعفه، عندما أثقلته التجارب ونصائح أصدقاؤه، فرأى الله قاسياً، إذ يقول له: “يداك كوَّنتاني وصنعتاني كلي جميعاً، أفتبتلعني؟… أفتعيدني إلى التراب؟… وإن ارتفعت أتصطادني كأسدٍ؟، ثم تعود فتتجبَّر عليَّ. تجدِّد شهودك تجاهي، وتزيد غضبك عليَّ. فلماذا أخرجتنى من الرحم؟… كف عنيّ، فأتبلج (فأبتسم) قليلاً” (أى10: 8 – 20).

يتطلع القلب الذى أفسدته الخطية، فيرى الله فى دينونته قاضياً ظالماً، يحصد من حيث لم يزرع، ويجمع من حيث لم يبذر (مت25: 24). لا يترفق بضعفات الإنسان ولا يشعر بعجزه، يعد حياة أبدية لقدِّيسين يندر أن يُوجدوا، ويهّيّئ عذابات يكيلها لخطاة هذا عددهم!

أليس كثير من الفلسفات الحديثة تحاول ان تتخلص من هذا الإله؟ أليس حتى بعض رجال الدين يحاولون أن يُظهروا أن هذا الإله لا علاقة له بشئون البشر الخاصة، وهم فى هذا يظنون أنهم يحاربون الموجة الإلحادية!

أخى، لا يوجد من ينكر وجود الله، حتى أولئك الملحدين، ففى أعماق نفوسهم يشعرون به. لكنهم يرونه حسب فكرهم إلهاً قاسياً ظالماً، فيحاربونه ويحاولون التخلص منه. لهذا فإننا محتاجون اليوم، لا أن نثبت وجود الله، قدر ما نشهد عن حب لله للإنسان فى حياتنا العملية.

27 – ماذا وراء قصة الأقمصة من الجلد؟

بعد السقوط فى الخطية، ألبس الله آدم وامرآته أقمصة من الجلد (تك3: 21). يكشف القميص الجلدى عن تقديم ذبيحة دموية، هى فدية عنه فيما ارتكب، تقوم بالنيابة عنه فى تنفيذ حكم الموت، ولستر عورته! وقد جاءت الأجيال المتعاقبة، كل يتعلم من سلفه أن يقدم ذبائح دموية، حتى يندر أن تجد ديانة يخلو طقسها من سفك دم، وإن كانت قد تشوّهت عبر الأجيال بصورة أو أخرى فى كثير من الأديان، حتى صار البعض يذبحون أولادهم!

وقد حان الوقت الذى فيه تسلّمت البشرية على يديّ موسى الشريعة المكتوبة التى تحتم ضرورة تقديم ذبائح دموية، لأنه “بدون سفك دم لا تحصل مغفرة” (عب9: 22). بالدم يتقدس كل شيءٍ، وبغيره لن يكون شئ ما أو إنسان ولو كان رئيس كهنة مقدساً للرب. “لأن موسى بعدما كلم جميع الشعب بكل وصية بحسب الناموس، أخذ دم العجول والتيوس مع ماء. وصوفاً وقرمزياً وزوفاً، ورشَّ الكتاب نفسه، وجميع الشعب، قائلاً: هذا هو دم العهد الذى أوصاكم الله به؛ والمسكن أيضاً وجميع آنية الخدمة كذلك بالدم، وبدون سفك دم لا تحصل مغفرة” (عب9: 19 – 22).

28 – كيف هيأت الذبائح الدموية لذبيحة العهد الجديد؟

الذبائح الدموية التى أعلنها لآدم، وأوضحها بالتفصيل فى سفر اللاويين، ليس لها فى ذاتها القدرة للإعلان عن حب الله للإنسان الخاطئ، لأن الإنسان محتاج إلى العودة لحياة القداسة، التى بدونها لا يقدر أحد أن يعاين الله أو يتلامس معه. إنه عاجز عن أن يتلامس مع حب الله أو مبادلته الحب بالحب. لهذا يحتاج إلى مُصلح قادر أن يتوسط بين الله وبينه.

لقد كنا فى حاجة إلى تجسد الله الابن، الكلمة، الأقنوم الثانى، ليتقدم هذا الإله المتجسد فى أعماق محبته لى، حاملاً الموت عنِّي فى جسده. لكن هذا الأمر من يقدر أن يقبله، لأن العقل يعجز عن إدراك أعماق حب الله له. كيف يمكن لله الكلمة أن يصير جسداً، وهو المالئ الكل بلاهوته؟! هل الله الكلمة بتجسَّد ليتألم ويحمل العار؟!

“أليس أنا الرب ولا إله آخر غيرى. إله بار ومخلص ليس سواى” (إش45: 21).

“إلهاً سواي لست تعرف، ولا مخلِّص غيري” (هو13: 4).

إنه إذ يحبنى لا يريد أن يوجه أنظارى إلى غيره، فهو فادىّ ومخلصى. هو – الابن – شفيعى عند الآب. تجسَّد لأجلى، ومات كذبيحة كفَّاريَّة عن خطاياى (1يو2: 1).

هذا هو الخلاص الذى قدمه الابن، بل اشترك فيه الثالوث القدُّوس كل أقنوم يكمل الأقنومين الآخرين، كل الأقانيم تعلن عن الحب الإلهى لنا. لكن كيف تتقبل البشرية هذا الخلاص، هذا هو موضوع الكتاب المقدس فى العهد القديم قبل مجيء المخلص، وفى العهد الجديد أيضاً.

29 – ما هو الوعد بالخلاص الإلهى والتنبؤ بمجيء المخلّص عبر الأجيال؟

نذكر على سبيل المثال، أن الوعد تكرر مع إبراهيم، إذ قيل له: “يتبارك فى نسلك جميع أمم الأرض” (تك22: 18). وتكرر بعد ذلك مع داود النبى والملك: “أقيم بعدك نسلك الذى يخرج من أحشائك وأثبت مملكته، هو يبنى بيتاً لاسمي وانا اثبت كرسى مملكته إلى الأبد” (2صم7: 12 – 13). وأيضاً مع آخاز: “يعطيكم السيد نفسه آية. ها العذراء تحب وتلد ابناً وتدعو اسمه عمانوئيل” (إش7: 14).

30 – ما هو مفهوم المصالحة مع الله؟

يقول القديس كيرلس إن ربنا يسوع المسيح ليس فقط صالحنا مع الآب خلال ذبيحته، وإنما هو نفسه الأقنوم الذى يصالحنا، لأننا أخطأنا ضده[382].

فاصل

من كتاب كاتيكيزم الكنيسة القبطية الأرثوذكسية – جـ2 – العقائد المسيحية – القمص تادرس يعقوب و الشماس بيشوي بشرى.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى