الدينونة العامة
1 – ماذا يقول العهد الجديد عن الدينونة العامة؟
يقول الرب فى عظته على الجبل: “كثيرون سيقولون لى فى ذلك اليوم: يارب يارب أليس باسمك تنبأنا وبأسمك أخرجنا شياطين وباسمك صنعنا قوات كثيرة. فحينئذ أصرّح لهم إنى لم أعرفكم قط. اذهبوا عنى يا فاعلى الإثم” (مت 7: 22 – 23).
“ولكن أقول لكم إن كل كلمة بطّالة يتكلم بها الناس سوف يعطون عنها حساباً يوم الدين” (مت 12: 36).
“فإن ابن الإنسان سوف يأتى فى مجد أبيه مع ملائكته وحينئذ يجازى كل واحد حسب عمله” (مت 16: 27).
“ويجتمع أمامه جميع الشعوب، فيميز بعضهم من بعض كما يميز الراعى الخراف من الجداء. فيُقيم الخراف عن يمينه والجداء عن اليسار. ثم يقول الملك للذين عن يمينه: تعالوا يا مباركى أبى رثوا الملكوت المُعد لكم منذ تأسيس العالم، لأنى جُعت فأطعمتمونى وعطشت فسقيتمونى. كنت غريباً فأويتمونى، عرياناً فكسوتمونى، مريضاً فزرتمونى. محبوساً فأتيتم إلىّ…” (مت 25: 32 – 37).
بعدما حدثنا سفر الرؤيا عن ملكوت الله الذى فى داخلنا لنتمتع به، والسلطان الذى لنا، وما سيحل بالكنيسة من ضيق من جراء حلّ الشيطان فى آخر الأزمنة دون أن يتركنا الرب، بل يعمل بروحه فى الكنيسة، عاد ليطمئن أولاده أنه يعقب هذا بقليل مجئ الرب للدينونة.
“ثم رأيت عرشاً عظيماً أبيض، والجالس عليه الذى من وجهه هربت والسماءن ولم يوجد لهما موضع!” (رؤ 20: 11).
هنا يظهر ربنا جالساً على عرش أبيض إشارة إلى السلام، أو لا يعود يحارب ولا يدافع، لأن الكنيسة كلها صارت فى أمان، ويأتى عدوها “إبليس” مقيداً ليُطرح فى النار، وقد هربت من أمام الرب الأرض والسماء الماديتان! لا يأتى فى فمه سيف (رؤ 1: 16؛ 19: 21، 15)، لا يظهر هنا كفارس خارج من سبط يهوذا ليحارب (زك 1: 8)، ولا كأسد ليطمئن نفوساً خائرة (رؤ 5: 5)، بل جالساً على العرش لكى يهب للغالبين شركة الأمجاد السماوية.
وصفه بأنه “الذى من وجهة هربت الأرض والسماء، ولم يوجد لهما موضع” (رؤ 20: 11)، فذلك لكى يطمئننا أننا لا نعود بعد إلى الحياة المادية القديمة، فلا نكون فى حاجة إلى أرض بماعليها من بحار ومواد طبيعية وغير طبيعية، ولا نحتاج إلى كواكب وأفلاك.
إنه بهذا ينزع من أمامنا كل ذكريات قديمة لحياة امتلأت بالتجارب والأتعاب. معارك كانت بيننا وبين إبليس، بل هى بين الله وإبليس. فأمجاده الأبدية تبتلع الصور القديمة وتنزعها من ذاكرتنا!
“ورأيت الأموات صغاراص وكباراً، واقفين أمام الله، وانفتحت أسفار وانفتح سفر آخر هو سفر الحياة، ودين الأموات مما هو مكتوب فى الأسفار بحسب أعمالهم. وسلم البحر الأموات الذين فيه، وسلم الموت والجحيم الأموات الذين فيهما، ودينوا كل واحد بحسب أعماله” (رؤ 20: 12).
فى لحظة يُدان الكل الأبرار صغاراً مع كبار المكتوبين فى سفر الحياة بحسب أعمالهم، ويُدان الأشرار ساكنوا الجحيم، الأموات روحياً حسب أعمالهم، لأنه ليس عند الله محاباة. ويُلاحظ هنا الآتى:
1. فتح أسفار… ويرى القديس أغسطينوس[86] أنها رمز إلى فتح سرائر كل البشرية، أى قلوبهم وضمائرهم، حتى يدرك الكل عدل الله.
2. انفتاح سفر الحياة… الذى هو الكشف عن شخص ربنا يسوع وعمله كشجرة حياة، من يأكلها فى أيام جهاده على الأرض يعيش إلى الأبد. إنه السفر المفتوح، فيه يقرأ المؤمنون برهم الذى ليس لهم من ذاتهم، بل فى شخص ربنا، عندئذ يتهللون قائلين: “إذا لا شئ من الدينونة الآن على الذين هم فى المسيح يسوع، السالكين ليس حسب الجسد بل حسب الروح. لأن ناموس روح الحياة فى المسيح يسوع قد أعتقنى من ناموس الخطية والموت” (رو 8: 2، 1).
3. سلّم البحر الأموات الذين فيه، وإذ يرمز البحر للعالم، لهذا يرى القديس أغسطينوس أن الإشارة هنا إلى الأشرار الذين يأتى عليهم يوم الرب ولا يكونوا قد ماتوا وانتقلوا إلى الجحيم. البحر الذى غرقوا فيه وفى ملذاته سيسلمهم للدينونة الأبدية.
4. يُسلم موت الروح والجحيم من بهما، فدينوا أيضاً على أساس عادل حسب أعمالهم الشريرة. يقول أيضاً: “وطرح الموت والجحيم فى بحيرة النار. هذا هو الموت الثانى. وكل من لم يوجد مكتوباً فى سفر الحياة طُرح فى بحيرة النار” (رؤ 20: 14 – 15).
هذه هى نهاية موت الروح والجحيم، أى نهاية السالكين حسب الجسد، حسب موت أرواحهم والذين صار نصيبهم بعد موتهم بالجسد الجحيم ينقلون إلى الموت الثانى، النار الأبدية.
ويرى القديس أغسطينوس أن هذا إشارة إلى الشيطان الذى هو رئيس الموتى بالروح، وزعيم سكان الجحيم، لقد طرح فى البحيرة المتقدة.
بهذا انتزعت صورة الشر تماماً ليسجل لنا الرسول فى الإصحاحين التاليين الصورة المبهجة لبيت الزوجية السماوى المملوء أماناً واطمئناناً، إذ طرح الشرير إلى الأبد بعيداً.
2 – ماذا يقول العهد القديم عن الدينونة العامة؟
“نزعاً أنزع الكل عن وجه الأرض يقول الرب، انزع الإنسان والحيوان. أنزع طيور السماء وسمك البحر والمعاثر مع الأشرار، وأقطع الإنسان عن وجه الأرض يقول الرب” (صف 1: 2 – 3).
“ويكون فى ذلك اليوم يقول رب الجنود إنى أقطع أسماء الأصنام من الأرض، فلا تُذكر بعد، وأزيل الأنبياء أيضاً والروح النجس من الأرض” (زك 13: 2).
“كنت أرى أنه وُضعت عروش وجلس القديم الأيام، لباسه أبيض كالثلج، وشعر رأيه كالصوف النقى. وعرشه لهيب نار، وبكراته نار متقدة. نهر نار جرى وخرج من قدامه. فجلس الدين، وفتحت الأسفار…” (دا 7: 9 – 10).
“ولولوا لأن يوم الرب قريب، قادم كخراب من القادر على كل شئ. لذلك ترتخى كل الأيادى ويذوب كل قلب إنسان، فيرتاعون. تأخذهم أوجاع ومخاض يتلوّون كوالدة. يبهتون بعضهم إلى بعض. وجوههم وجوه لهيب. هوذا يوم الرب قادم قاسياً بسخط وحمو غضب ليجعل الأرض خراباً ويبيد منها خُطاتها. فإن نجوم السماوات وجبابرتها لا تبرز نورها. تظلم الشمس عند طلوعها، والقمر لا يلمع بضوئه. وأعاقب المسكونة على شرها، والمنافقين على إثمهم وأبطل تعظم المستكبرين وأضع تجبّر العتاة… لذلك أزلزل السماوات وتتزعزع الأرض من مكانها فى سخط رب الجنود وفى يوم حمو غضبه” (إش 13: 6 – 13).
3 – ما هى البركات التى يتمتع بها المؤمنون الأبرار؟
افتتح السيد المسيح الموعظة على الجبل بتسع تطويبات (مت 5: 2 – 11)، تلاها بتشجيع المؤمنين أنهم ملح الأرض (مت 5: 13) ونور العالم (مت 5: 14)، وأبرز أبوة الله السماوى لهم (مت 7: 11)، وفى حديثه عن الملكوت، قال: “المُعد لكم منذ تأسيس العالم” (مت24، 25)، وعندما تحدث عن النار الأبدية قال: المعدّة لإبليس وملائكته “(مت 45: 41).
هذا هو منهج رب المجد فى تعامله مع مؤمنيه، يبرز ما هو إيجابى ومُفرح ويؤكد لهم أنه مشغول بهم منذ تأسيس العالم. وأما العقوبات فهى مُعدة لإبليس وملائكته. هذا المنهج اتبعه الرسول بولس، ففى رسائله يبدأ بإبراز ما هم عليه من أمور صالحة، ويعالج الأخطاء بعد ذلك، فيلمسون فيه تقديره لهم ومحبته وتشجيعه، وإن كان الروح القدس يتستّر على الأخطاء أو الخطايا خلال توبة المخطئ. أهم البركات التى يتمتع بها المؤمنون الأبرار هى الآتى:
أولاً: يفتتح الرب موعظته بتسع تطويبات. كلمة “طوبى” باليونانية لا توجد لها ترجمة دقيقة فى اللغات الأخرى، فهى لا تعنى مجرد “يا سعادة” أو “يا لفرح”. إنما تشير إلى الحياة الملائكية السماوية التى لا يُعبر عنها. هذا ما سنتمتع به حين نلتقى مع أبينا السماوى وندخل فى شركة مع السمائيين، وتصير الكنيسة المنتصرة أشبه بطغمة سماوية. هذا التطويب الذى ينتظر الأبرار يملأهم بالسعادة السماوية الدائمة التى لا يُنطق بها.
تدعونا كلمة الله أن نتذوق هذا التطويب أثناء جهادنا على الأرض وتمتعنا بالنعمة الإلهية.
يقول الأب شيريمون: [بالحقيقة علامة (تمتعنا) بالطوباوية العميقة وبالصلاح الفريد هو الاستمرار فى تعلم الحب وتعليمه للغير، هذا الذى به نلتصق بالرب، فنتأمل فيه كل أيام حياتنا، ليلاً ونهاراً، كقول المرتل، ونقوت أنفسنا التى تجوع بنهم إلى البرّ وتعطش إليه، باجترارها هذا الطعام السماوى[87]].
يرى المعلم دانيال الصالحى التطويب هو عطية الروح القدس الممنوحة لراغبيها فإن لفظ “طوبى” هو أحد القاب السيد المسيح، إذ يقول القديس بولس: “المبارك العزيز الوحيد، ملك الملوك ورب الأرباب” (1 تى 6: 15). وكأن لتطويب هو عمل الروح فينا باتحادنا مع المطوّب المبارك، رأسنا يسوع المسيح.
يُلاحظ البعض أن المرتل يطوب مقاومى الشر (مز1)، ليؤكد أن هبة هذه التطويب تُمنح كعطية مجانية لمقاومى الخطية. فيؤكد القديس أغسطينوس أن الشاب الذى يقاوم فكراً شريراً لا يثور فى مشاعر أو أحاسيس الطفل الصغير يهبه الله إكليلاً أعظم مما للطفل. فالشاب المقاوم للخطية ينال إكليل الجهاد عن حب وصراع، لا كالطفل لا يسقط فيه عن عجز. طهارة الشاب المقاومة للشر هى طهارة النضوج، أما طهارة الطفل فهى عن ضعف!
ثانياً: يتمتعون بفردوس الله الذى فى وسطه شجرة الحياة (رؤ 2: 7)، التى حُرم منه آدم وحواء بعصيانهما للوصية الإلهية. لقد تجسد كلمة الله بصليبه ندخل إلى الفردوس السماوى الذى يُدعى مدينة الله المقدسة النازلة من السماء من عند الله والمُعدة كعروس مزينة لرجلها (رؤ 20: 3). إنها خيمة الله التى يسكن فيها الأبرار مع الله، الحاملة مجد الله (رؤ 21: 11). والتى ليس بها هيكل لأن الله القدير والحمل هما هيكلها (رؤ 21: 22). إنها مجمع وكنيسة الأبكار الذين يتجددون فى السماء (عب 12: 23). هى الميراث غير الفاسد وغير الدنس الذى لا يزول، محفوظ فى السماوات (1 بط 1: 4).
يقول القديس مار أفرآم:
[شجرة الحياة (مصدر الخلود) رمز لابن الله الحىّ[88]].
[مجمع القديسين هو علامة خارجية للفردوس، يقطفون كل يوم ثمرة ذاك الذى يهب الحياة للجميع[89]].
[مبارك هو الرحوم، الذى رأى السيف بجوار الفردوس، يحجز الطريق إلى شجرة الحياة. جاء وأخذ لنفسه جسداً، الذى جُرح بفتح جنبه ليفتح الطريق للفردوس[90]].
[لعل تلك الشجرة المباركة، شجرة الحياة، بأشعتها هى شمس الفردوس. وأوراقها تتلألأ، يُطبع عليها بركات تلك الجنة. نسمات الأشجار الأخرى تنحنى، كما لو كانت تسجد أمام قائدة الأشجار وملكتهم[91]].
ثالثاً: ليس من يقدر أن يصف البهاء المنعكس على الأبرار، والجمال الفائق الذى يدهش السمائيين. سيتمتع الأبرار بشركة الطبيعة الإلهية التى اختبروها أثناء جهادهم فى هذا العالم فى حدود بعمل النعمة الإلهية فيهم، دون أن يفقد كل بار شخصيته وطبيعته البشرية. إذ اتحد كلمة الله بطبيعتنا البشرية وبقى إلهاً، نتمتع نحن بشركة الطبيعة الإلهية ونبقى بشراً.
فى جهادنا نحن مدعوون أن نتمتع بشركة الطبيعة الإلهية فكم بالأكثر فى الحياة الأبدية. نحن لنسا مدعّوين لفضائل خارجية بل للاتحاد بالله، والامتثال به، فيكون لنا حب الرب، وقداسته، وصبره واحتماله وطول أناته ووداعته وبساطته. لهذا يقول الرسول: “لكى تصيروا شركاء الطبيعة الإلهية هاربين من الفساد الذى فى العالم بالشهوة” (2 بط 1: 4).
رابعاً: يصيرون ملوكاً يجلسون عن يمين ملك الملوك. يملك الأبرار أبدياً، حيث لا يعانون من خوف أو جوع أو عطش أو صراع مع قوات الظلمة. إنما يسود الوفاق والتناغم والوحدة بين النفس والجسد، كما بين كل الأبرار ورثة المجد الأبدى وبعضهم البعض، وبينهم وبين الطغمات السماوية.
خامساً: يتمتع الأبرار بالوحدة بصورة فائقة، كطلب السيد المسيح من الآب قبل آلامه بفترة قصيرة: “ولست أسأل من أجل هؤلاء فقط، بل أيضاً من أجل الذين يؤمنون بى بكلامهم. ليكون الجميع واحداً، كما أنك أنت أيها الآب فىّ وأنا فيك، ليكونوا هم أيضاً واحداً فينا” (يو 20: 21).
سادساً: يرون الله كما هو، كقول القديس يوحنا الحبيب: “أيها الأحباء الآن نحن أولاد الله، ولم يُظهر بعد ماذا سنكون. ولكن نعلم أنه إذ أظهر نكون مثله لأننا سنراه كما هو (1 يو 3: 2). رؤيتنا له تخلق فينا فرحاً عظيماً كما حدث للتلاميذ أثناء التجلّى، حيث قال بطرس:” جيد يا رب أن نكون ههنا “(مت 17: 14). ويقول الرسول بولس:” ونحن جميعاً ناظرين مجد الرب بوجه مكشوف كما فى مرآة نتغيّر إلى تلك الصورة عينها من مجدٍ إلى مجدٍ كما من الرب الروح “(2 كو 3: 18). ويقول الرب:” حينئذ يضئ الأبرار كالشمس فى ملكوت أبيهم “(مت 13: 43).
لن يتوقف عطش المؤمن الحقيقى إلى رؤية الله بكل وسيلة، ليتمتع باللقاء مع محبوبه السماوى وجهاً لوجه. هذه الرؤية لن تحدث فى الحياة العتيدة وحدها، وإنما هى امتداد لحياة مُعاشة يختبرها المؤمن كل يوم.
شهوة قلب كل مؤمن وكل لاهوتى حقيقى ان يكون من حق المختارين أن يتمتعوا برؤية الله فى الحياة الأبدية. هذا ما يعلنه القديس يوحنا الرسول: “لأننا سنراه كما هو” (1 يو 3: 2). غير أنه فى ذات الرسالة يقول: “الله لم ينظره أحد قط” (1 يو 4: 12). ويؤكد الرسول بولس: “ساكناً فى نور لا يُدنى منه، الذى لم يره أحد من الناس، ولا يقدر أن يراه” (1 تى 6: 16). هذا يثير أسئلة كثيرة منها:
أ. هل هذه الرؤية محفوظة فقط للحياة الأبدية؟ أم يُمكن أن تبدأ هنا فى خبرة داخلية فى أعماق النفس؟
ب. هل رؤية السمائيين لله هى رؤية لجوهره؟
ج. هل يتمتع المؤمنون فى السماء برؤية الجوهر الإلهى؟
الكلمة الحقيقى والابن الوحيد الجنس وحده يرى الآب، رؤية الواحد معه فى ذات الجوهر. لا يضارعه فى هذا كائن ما على الأرض أو فى السماء. ليس من مجال للمقارنة بينه وبين إبراهيم أب الآباء أو موسى مستلم الشريعة أو غيره من الأنبياء، ولا وجه للمقارنة بينه وبين أية طغمة سماوية. يقول القيس ثاوفيلوس أسقف أنطاكية: [تقول لى: يامن ترى الله، هل تُظهر لى ما هى هيئة الله؟
اسمع يا إنسان. هيئة الله لا يُنطق بها، ولا يُمكن شرحها، إذ لا تراها الأعين الجسدية. إنه فى المجد غير مُدرك، وفى العظمة لا يُسبر غوره، وفى العلو لا يُدرك، وفى القوة لا يُقارن، وفى الحكمة منقطع النظير، وفى الصلاح لا يُضاهى، وفى الحنو لا يُنطق به.
عندم أقول عنه إنه “نور”، أنعت عمله،.
إن دعوته “الكلمة”، أدعو سلطانه؛
إن دعوته “عقلاً”، أتحدث عن حكمته؛
إن قلت إنه “روح”، أتحدث عن نسمته…
إن دعوته “العناية”، أشير إلى صلاحه؛
إن دعوته “الملكوت”، أشير إلى مجده؛
إن دعوته “الرب”، أشير إليه كديَّان؛
إن دعوته “الديان”، أشير إليه كعادل؛
إن دعوته “أب”، أتحدث عنه كمصدر كل شئ؛
إن دعوته “ناراً” أشر إلى غضبه… [92]].
[عندما تخلع عنك الفاسد وتلبس عدم الفساد ترى الله بحق. فإن الله يقيم جسدك فى عدم موت مع نفسك، وإذ تصير غير قابل للموت، ترى “الواحد الذى له عدم الموت”، إن كنت تؤمن به الآن[93]].
يرى القديس إيرينيئوس أن الإنسان يتقدم فى رؤيته لله حتى فى الحياة الأبدية: [حتى فى العالم الآتى سيُعلم الله على الدوام، ويتعلم الإنسان دائماً من الله[94]]. وأن الرؤية تختلف من شخص إلى آخر، لذا قيل: “فى بيت أبى منازل كثيرة (يو 14: 2) [95].
يقول القديس إكليمنضس السكندرى: [اقبل المسيح، اقبل البصيرة الداخلية، تقبل نورك حتى يمكنك أن ترى الله والناس حسناً. عذبة هى الكلمة التى تهبنا نوراً، إنها أثمن من الذهب والحجارة الكريمة، وأشهرى من العسل والشهد “[96]].
4 – كيف نتمتع برؤية الله؟ [97]
القلب النقى هو العين الروحية الداخلية التى ترى ما لا يُرى.
“النقاوة” كما جاءت فى التعبير اليونانى إنما تُشير إلى الغسل والتطهير كإزالة الأوساخ من الملابس، وتعنى أيضاً تنقية ما هو صالح مما هو ردئ كفصل الحنطة عن التبن، وتطهير الجيش من الخائفين. وتستخدم أيضاً بمعنى وجود مادة نقية غير مغشوشة، كتقديم لبن بلا مادة غريبة. هكذا القلب الذى ينحنى على الدوام عند أقدام ربنا يسوع المسيح يغتسل على الدوام بالدم المقدس فيتنقى من كل شائبة، ويقوم الروح القدس نفسه الذى تمتع به خلال سرى العماد والميرون بحراسته، فلا يترك مجالاً لفكر شرير أو نظرة رديئة أو تقتحمه، ولا يسمح لشهوة رديئة أن تسيطر عليه… وهكذا يصفوا القلب ويتنقى بكل اشتياقاته وأحاسيسه ودوافعه فلا يطلب فى كل شئ إلا الله وحده، فيعاينه خلال الإيمان بالروح القدس الساكن فيه.
يقول القديس أغسطينوس:
[لننق قلوبنا بالإيمان، لكى تتهيأ لذاك الذى لا يوصف، اى للرؤيا غير المنظورة].
[لنجاهد بالعفة حتى يتطهر ذاك الذى يرفع الإنسان لله[98]].
[هذا هو غاية حبنا، هذه هى النهاية التى بها نصير كاملين غير هالكين… فإننا إذ نعاين الله لا نحتاج بعد لشئ من أفعالنا وأعمالنا الصالحة واشتياقاتنا ورغباتنا الطاهرة. لأنه ماذا نطلب بعد مادام الله حاضراً؟ ماذا يُشبع الإنسان ما لم يشبعه الله؟…
سبق رب المجد فذكر المطوّبين وأسباب تطويبهم، ذاكراً أعمالهم وجزاءاتهم واستحقاقاتهم دون أن يذكر عن أحدهم أنه “يعاين الله”، ولكن عند ذكره نقاوة القلب وعد بمعاينة الله، ذلك لأن القلب يحوى العيون التى تُعاين الله هذه العيون يتحدث عنها الرسول بولس قائلاً: “إنارة عيون قلوبكم” (أف 1: 18). أنها تستنير الآن بالإيمان، إذ يتناسب مع ضعفنا، أما فى الأبدية، فتستنير بمعاينة الله بسبب قوتها: “فإذ… نحن مستوطنون فى الجسد، فنحن متغربون عن الرب. لأننا بالإيمان نسلك لا بالعيان” (2 كو 5: 6 – 7). وإذ نسلك الآن بالإيمان يُقال عنا: “فإننا ننظر الآن فى مرآة فى لغز، ولكن حينئذ وجهاً لوجه” (1 كو 13: 12) [99]].
[إن كل ما تقدّمه الكتب المقدّسة الإلهية لا يهدف إلا إلى تنقية النظر الباطنى مما يمنعه عن رؤية الله. وكما أن العين خُلقت لكى ترى هذا النور الزمنى حتى إذا دخلها جسم غريب عكّر صفوها وفصله عن رؤية ذلك النور، كذلك هى عين قلبك، فإنها إن تعكرت وجُرحت، مالت عن نور البرّ وما تجاسرت أو تمكنت من النظر إليه… وما الذى يُعكر صفاء عين قلبك؟ الشهوة والبُخل والإثم واللذة العالمية، هذا كلّه يُعكر عين القلب ويغلقها ويعميها[100]].
يقول العلامة أوريجينوس: [من له القلب النقى يرى الله (مت 5: 8). أما من ليس له القلب النقى، فلا يرى ما يراه الآخرون. أعتقد أنه يلزمنا أن نفهم شيئاً مثل هذا بخصوص المسيح ايضاً حين نُظر فى الجسد. فإنه ليس كل من ألقى بنظره عليه كان قادراً أن يراه. لقد رأوا جسمه، لكنهم لم يقدروا أن يروه من حيث أنه هو المسيح. أما تلاميذه فرأوه ونظروا عظمة لاهوته[101]].
يقول القديس إكليمنضس السكندرى: [ماذا يطلب الإنسان بعد أن ينال النور الذى لا يُدنى منه؟ [102]].
ويقول القديس يوحنا الذهبى الفم: [هنا يدعو “أنقياء” من حصلوا على كل فضيلة، أو الذين لا يحملون أية مشاعر شرّ فيهم، أو الذين يعيشون فى العفة. فإنه ليس شئ نحتاج إليه لمعاينة الله مثل الفضيلة الأخيرة. لهذا يقول بولس أيضاً: “اتبعوا السلام مع الجميع، والقداسة التى بدونها لن يرى أحد الرب” (عب 12: 14) [103]].
5 – ما هى المتاعب التى تحلّ فى يوم الدينونة على الأشرار الذين أصرّوا على عدم رجوعهم إلى الله؟
إذ تجسد كلمة الله وقدم الخلاص المُفرح، هذا الذى يريد ان جميع الناس يخلصون وإلى معرفة الحق يقبلون (1 تى 2: 4)، وحُسبت رسالته للبشرية إنجيلاً أى رسالة مفرحة، وفى نفس الوقت يحذر الأشرار المعاندين من ثمار عنادهم ورفضهم النعمة الإلهية، يجنون ثمر شرهم وهو:
أولاً: حرمانهم من النعمة الإلهية، إذ ينالون حسب قلوبهم العنيدة، فلا يرون الله فى مجده.
ثانياً: تعانى قلوبهم وأفكارهم من الدود الذى لا يموت، حيث لا يفارقهم الحزن والمرارة على ما فعلوه خلال حياتهم على الأرض.
ثالثاً: شركتهم مع إبليس وقوات الظلمة، فى البحيرة المتقدة ناراً لا تنطفئ.
رابعاً: فى قصة الإنسان الغنى الغبى ولعازر المسكين نسمع عن الهاوية والعذاب (لو 16: 23) وغير ذلك من المتاعب الأبدية التى لا يستطيع الإنسان أن يدركها.
6 – ماذا يقول الآباء عن المتاعب التى تحلّ فى يوم الدينونة على الأشرار الذين أصرّوا على عدم رجوعهم إلى الله؟
يقول القديس أغسطينوس:
[سيكون الديان هنا ابن الإنسان، سيكون ذلك الشكل هو الذى يدين، وقد كان تحت الحكم.
اسمعوا وافهموا ما قاله النبى بالفعل: “سينظرون إلى من طعنوه” (زك 12: 10؛ يو 19: 37). سينظرون ذات الشكل عينه الذى طعنوه بحرية. يجلس كديان ذاك الذى وقف أمام كرسى القضاء. سيحكم على المجرمين الحقيقيين، ذاك الذى جعلوه مجرماً باطلاً، سيأتى بنفسه بذات الشكل.
هذا تراه أيضاً فى الإنجيل عندما ذهب إلى السماء أمم أعين تلاميذه، وقفوا ونظروا وتكلم الصوت الملائكى: “أيها الرجال الجليليون ما بالكم واقفين… إن يسوع هذا الذى ارتفع عنكم إلى السماء، سيأتى هكذا كما رأيتموه منطلقاً إلى السماء (أع 11: 1)…
انظروا الآن على أى أساس كان هذا ينبغى أن يحدث وبحق إن الذين يلزم أن يُدانوا يرون الديان. فإن الذين يُدانون هم صالحون وأشرار معاً. “ولكن طوبى للأنقياء لأنهم يعاينون الله” (مت 5: 8). بقى أنه فى الدينونة يُعلن شكل العبد للصالحين والأشرار، ويحفظ شكل الله للصالحين وحدهم[104]].
[هل سيرى الشرير الله أيضاً هذا الذى قال عنه إشعياء: “ليُطرد الشرير فلا يرى مجد الله” (إش 56: 10LXX)؟… لذلك فإنه سيعلن نفسه للكل، للصالحين والأشرار، ولكن يحتفظ بنفسه للذين يحبونه… بعد قيامة الجسد عندما يُطرد الشرير فلا يرى مجد الله× فإنه “إذ أظهر نكون مثله، لأننا سنراه كما هو” (1 يو 3: 2)، هذه هى الحياة الأبدية[105]].
[كيف إذن لا يأتى الآب نفسه؟ ذلك بكونه لا يكون منظوراً فى الدينونة، “سينظرون إلى الذى طعنوه”. الشكل الذى ظهر أمام القاضى، سيكون هو الديان.
ذاك الشكل الذين حُوكم سيدين. لقد حُوكم ظلماً، سيدين بالعدل.
سيأتى فى شكل العبد، وهكذا سيظهر.
لأنه كيف يظهر شكل الله للأبرار والظالمين؟ لو أن الدينونة ستكون بين الأبرار وحدهم يظهر لهم شكل الله. ولكن لأن الدينونة هى للأبرار والظالمين، ولا يُسمح للظالمين أن يروا الله، لأنه “طوبى للأنقياء القلب، لأنهم يعينون الله” (مت 5: 8) [106]].
[هناك سيكون فصل (بين الأبرار والأشرار)، ولكن ليس كما هو الآن. الآن نحن منفصلون ليس من جهة المكان، بل حسب السمات والرغبات والإيمان والرجاء والمحبة.
الآن نعيش معاً، نعيش مع الأشرار، وإن كانت حياة الكل ليس واحدة.
فى السرّ نحن متمايزون، سراً نحن مفصلون، كالقمح فى البيدر، وليس كالقمح فى المخزن. فى الحقل القمح مفصول ومختلط، مفصول لأنه مختلف عن التبن، ومختلط لأنه لم يُغربل بعد.
بعد ذلك سيحدث فصل عام… فالذين صنعوا الصالحات سيعيشون مع ملائكة الله، والذين صنعوا السيئات يتعذّبون مع إبليس وجنوده…
سيعلن نفسه، كما وعد للذين يحبونه. إذ يقول: “من يحبنى يحفظ وصاياى، والذى يحبنى يحبه أبىن وأنا أحبه، وأظهر له ذاتى” (يو 14: 21) [107]].
يقول القديس كيرلس الكبير: [سيتطلع هؤلاء البؤساء إلى الذى سخروا به، إذ رأواه معلقاً على الصليب الثمين. سيرونه متوجاً بالمجد الإلهى، وسينحدرون إلى هوة الدمار فى مجازاة عادلة على شرهم من نحوه[108]].
7 – كيف نستعد ليوم الدينونة؟
أولاً: نتوقع سرعة مجيئه، أنه على الأبواب. يقول القديس مار أفرآم السريانى[109].
[احذروا يا إخوتى أن يعدم أحكم هذا الميراث السعيد. فإنه، ها هو على الأبواب!
نزل النور إلينا فأنارنا، وقربنا إليه، وأصعدنا معه. نزل إلينا فصار من أجلنا مثلنا، ليجعلنا مثله.
من لا يموت نزل إلى المائتين، وإذ جعلهم غير مائتين ارتفع إلى الآب،.
وسيجيئ بمجد أبيه المبارك، يدين الأحياء والأموات.
صار لنا طريق حياة مملوءة نوراً ومجداً، لكى نسلك نحن فى النور إلى الآب].
ثانياً: نلتحف بالمخافة الإلهية مع الحب الإلهى. يستخدم القديس باسيليوس الكبير توقع مجئ الرب كباعث على الإصلاح الروحى، ومخافة دينونة الله كدافع قوى على ممارسة الفضيلة بالنسبة للمبتدئين والمتهاونين، فمن كلماته:
[لكى نقدر أن نفلت من الغضب الذى يحلّ على أبناء المعصية[110]].
[لنسمع باجتهاد عندما يُقال (عن مجيئه)، ونطلب بغيرة أن نمارس الوصايا الإلهية، لأننا لا نعلم فى أى يوم أو اية ساعة يأتى ربنا[111]].
[ألا نضع أمام أعيننا يوم الرب العظيم المرعب هذا؟ [112]].
يقول الأب أمبروسياستر: [فى هذا اليوم سيُعلن الرب يسوع المسيح للمؤمنين وغير المؤمنين. عندئذ سيتحقق غير المؤمنين أن ما لم يريدوا أن يؤمنوا به هو حقيقة صادقة. أما المؤمنون فسيفرحون، إذ يجدون أن ما يؤمنون به أكثر عجباً مما كانوا يتخيلون[113]].
ويقول القديس مار اسحق السريانى:
[عندما تقترب من فراشك قل له: “هذه الليلة عينها ربما تكون أنت قبرى يا أيهاالفراش، فإننى لست أعلم إن كان فى هذه الليلة عوض نومى المؤقت يكون لى النوم الدائم”.
هكذا مادام لك رجلان أسرع إلى العمل، قبلما تُربط بذلك القيد الذى ما إن يُوضع لا ينحل بعد.
مادام لك يدان أبسطهما نحو السماء فى الصلاة، قبلما يسقط الذراعان من مفصليهما، حيث تشتهى أن تسحبهما فلن تقدر.
مادام لك أصابع ارشم ذاتك بالصليب، قبلما يحل الموت الذى يحل قوة أعصابها اللائقة.
مادام لك عينان، املأهما بالدموع، قبلما تأتى الساعة حين يغطى التراب ثيابك السوداء، وتتجه عيناك نحو اتجاه واحد بنظرة لا تدركها ولا تعرفها. لا، بل املأ عينيك بالدموع مادام قلبك تحكمه قوة التمييز، قبلما تهتز نفسك برحيلها منه، وتترك القلب بيتاً مهجوراً من ساكنه.
يا أيها الحكيم لا تنخدع بتوقعك حياة طويلة المدى! [114]].
يقول القديس مرقس الناس: [إن وضعت فى ذهنك دينونة الرب للأرض كلها (مز 7: 9، 1) كقول الكتاب المقدس، فإن كل حادث يعلّمك معرفة الله].
يقول الأب أوغريس الراهب: بتذكر على الدوام ساعة خروجك، ولا تنسى الدينونة الأبدية، فلا توجد فى نفسك خطية].
من أقوال آباء البرية: [كان أخ حاراً فى الصلاة، وإذ كان أخوه يمارس الخدمة، غلبته الدموع وكان أحياناً ينسى فقرات من المزمور. توسل إليه الأخ يوماً ما أن يخبره فيما هو يفكر أثناء الخدمة حتى يبكى هكذا بمرارة. قال له: “سامحنى يا أخى، فأنا أتأمل دائماً أثناء الخدمة فى الديان، ووقوفى أمامه، فإنى مجرم مذنب تحت الاستجواب. وإذ لا أجد تبريراً لنفسى أقف مرتعباً، ويُغلق فمى، فتعبر منى آية من المزمور. سامحنى على مضايقتى لك، فلنمارس الخدمة كل لوحده”. أجاب الأخ: “لا يا أبى، فإننى أعيش بلا ندامة، فعلى الأقل إذ أراك أخجل”. وإذ رأى الله تواضعه وهبه الندامة التى لأخيه. دعنا نحن أيضاً نحفظ أعيننا على هذه العطية، فيكون لنا ذات المنفعة مثل هذا الأخر[115]].
يقول القديس غريغوريوس النيسى: [لا نستطيع أن نصف الأفراح التى تنتظر هؤلاء الذين يعيشون وفقاً لمشيئة الله، ولا نستطيع أن نقارن معاناة الخاطئين فى الجحيم بأى شئ مشابه لم يحدث على الأرض].
ثالثاً: لنستقبل ربنا القادم من السماوات بالتسبيح! يقول القديس مار أفرآم السريانى:
[تعالوا يا أحبائى نسلك فى الطريق التى أظهرها لنا الرب.
لنصل بسرور إلى مملكته، ولنأخذ زاداً وزيتاً فى آنيتنا، فالطريق ليست قصيرة!
لنشد أحقاءنا بالحق، ومثل أناسٍ وعبيد حافظين منتظرين سيّدهم،.
نوقد مصابيحنا، ونستيقظ بشهامة، لأننا منتظرون أن نسقبل ربنا مقبلاً من السماوات.
فلا ننعس فيما بعد، لئلا تنطفئ مصابيحنا.
ها قد حلّ النور فرحل الليل، وأتى النهار.
يا بنى النور بادروا إلى النور. اخرجوا بفرح لاستقبال ربكم…
ليكن نظركم إلى فوق، متأملاً ذلك الجمال والسرور يا وارثى الآب، وشركاء ميراث ابن الله[116]].
يقول القديس أغسطينوس: [الآن هو زمن الرحمة، فيما بعد يأتى زمن الدينونة، إذ قيل “أسبح لك يارب الرحمة والحكم” (مز 101: 1) [117]].
لنسبح مع القديسين ماري عقوب السروجى، قائلين:
[اسمعوا أيها المتميزون أعجوبة الدينونة العظمى، وأعطوا التسبيح لديان الخفايا.
إنه لقول عجيب وسمع مدهش، بخصوص ذلك اليوم الذى فيه تُفحص كل أعمال البشر.
عندما تنحل السماء والأرض والعالم والبحر، وتصير دينونة كل القبائل أمام العدالة.
عندما تُعلن كل أشكال البشر، ويقفون عراة: إما ليخسروا وإما لينتصروا…
عندما يتواضع من تكبر بالاستعارات، ويرتفع من تواضع البساطة.
عندما يُلقى الكبرياء فى الحفرة، ويركب التواضع الغيوم ليرتفع.
عندما يوضع الضعفاء فى العلو كما هو مكتوب، وينزل الأقوياء إلى العمق، لأنهم آثموا.
عندما يحنى الفقر الأغنياء ويذلهم، ويصير كنز الملك العظيم مفتوحاً للفقراء…
عندما تردّ الدالة الأجرة حسب وعدها، فإنها لا تنكر (أجرة) من سقى حتى كأس ماء.
عندما تتحرك لتطالب بخاصتها بقوة، لا تنسى التعقيب حتى عن غمز العيون…
عندما يُظهر الديان لصفوفه قدرته الآمرة، وتصرخ طغمات القوات: مباركة هى دينونتك!
عندما يُمدح من قبل الملائكة والأبرار: مباركة هى أحكامك، ونيّر هو ميمر استقامتك!
عندما تصرخ الأرملة بألم ضد من ظلمها، واليتيم يوبخ من لطمه قدام الحاكم.
عندما تدخل تنهدات الأيتام العالية، وصوت حسراتهم يضرم النار فى سابيهم.
عندما تنتصر هناك الصدقات كالنيرات، وتُعلن درجات صانعيها سامية وبهية ومجيدة.
عندما تُفضح عيوب أبناء الإثم الممقوتة، ولا يستر الكذب من تمسك به.
عندما تهتك كل الأشكال عن كل الطغمات، وتقف هناك بعنث مكشوف كما هو مكتوب.
فى ذلك الحين ليفرح من مُجد، ولا يحزن أحد هنا أو يُلام.
فى ذلك النصر من انتصر هو من الظافرين، ولو انتصر هنا ولا يحظى بشئ[118]].
من كتاب كاتيكيزم الكنيسة القبطية الأرثوذكسية – جـ7 – الأخرويات والحياة بعد الموت – القمص تادرس يعقوب و الشماس بيشوي بشرى