العناية الإلهية
1 – ما هى العناية الإلهية؟
ورد فى سفر التكوين أن الله خلق العالم فى ستة أيام واستراح فى اليوم السابع (تك2: 2)، ليس بمعنى أنه ترك العالم للقوانين الطبيعية ولم يعد مكان للعالم فى فكر الله وتحت رعايته. هذا الفهم اعتقد به أرسطو، القائل إن الله حرك العالم وتركه يتحرك بحسب قوانين الطبيعة.
لقد استراح الله فى اليوم السابع، لأنه رأى كل شئ حسناً جداً، فحسب كمن سُرّ بهذا العالم، وبقى يرعاه ويعتنى به.
يبرز الكتاب المقدس بعهديه عناية الله بكل كبيرة وصغيرة فى العالم، خاصة فى حياة الإنسان، غير ان عنايته وخطته خاصة بالنسبة للمؤمنين غالباً ما تكون غير مدركة للبشر.
2 – هل العناية الإلهية هي من عمل الثالوث القدوس؟
تبرز العناية الإلهية فى عمل الثالوث القدوس معاً، من أجل خلاص الإنسان ونموه فى حياة التقوى وفى المعرفة وتمتعه بالميراث الأبدي. لقد أحب الله الآب الإنسان وبذل ابنه الوحيد من أجله، وسُرّ الابن أن يُصلب ويموت من أجله ليهبه الحياة المُقامة. والروح القدس يقدِّس ويجدّد ويقدم مواهب حتى يتشكّل المؤمن فيحمل أيقونة العريس السماوى.
إذ اشترك الثالوث القدوس فى الخلقة يبقى الثالوث يرعى الخليقة التى أوجدها. يترنم المرتل، قائلاً: “من مثل الرب إلهنا الساكن فى الأعالى، الناظر الأسافل (المتواضعين) فى السماوات وفى الأرض. المقيم المسكين من التراب، الرافع البائس من المزبلة… فى بيت أم أولاد فرحانة” (مز113: 5 – 9).
وفى العهد الجديد يقول السيد المسيح: “أبى يعمل حتى الآن وأنا أعمل” (يو5: 17). كما يقول: أليس عصفوران يباعان بفلسٍ، وواحد منهما لا يسقط عن الأرض بدون أبيكم. وأما أنتم فحتى شعور رؤوسكم جميعها محصاة. فلا تخافوا أنتم أفضل من عصافير كثيرة “(مت10: 29 – 31).
3 – ما هى علاقة العناية الإلهية بالنعمة الإلهية؟
ما كان يشغل آباء مدرسة الإسكندرية هو محبة الله العجيبة لبني البشر. لقد سبق أن أصدرت ثلاثة كتب بأوتوا، كندا عن مفاهيم مدرسة الإسكندرية وهى: الله، والنعمة الإلهية، والعناية الإلهية. الآن أود أن أبرز العلاقة بين النعمة الإلهية والعناية الإلهية.
أولاً: انشغل آباء الكنيسة بالنعمة كما بالعناية الإلهية، ولا يمكننا فصل إحداهما عن الأخرى. لأن غاية النعمة أن يدرك المؤمن أنه لن يسترد صورة الله فيه بدون النعمة. وغاية العناية الإلهية أن يرافق الله المؤمن فى كل حياته حتى فى أثناء نومه لينطلق به إلى الأحضان الإلهية. فحب الله للإنسان عجيب حتى من قبل خلقته إذ هو موضوع نعمة الله وعناية الله لنا.
ثانياً: النعمة تحفظ الإنسان ألاَّ ينحرف سواء بالسلوك غير اللائق بأبناء الله أو بتهدئة ضميره خلال الالتزام بالسلوك الظاهرى والاهتمام بالجانب الأخلاقى الحسن دون التمتع بالحياة الدائمة والتجديد والنمو فى معرفة الله والانطلاق من مجدٍ إلى مجدٍ خلال تذوقه عذوبة عربون السماء وهو بعد فى الجسد فى هذا العالم. وفى نفس الوقت تكشف لنا النعمة عن عناية الله بنا فى تقديسه لنا، وفى سلوكنا فى غربتنا فى هذا العالم حتى نلتقى مع الربّ وجهاً لوجه.
ثالثاً: تكشف لنا العناية الإلهية، كيف خلق الله الأرض وما عليها والبحار وكل الطبيعة حتى ما يبدو لنا تافهاً، وذلك من أجل بنياننا ونمونا فى المعرفة والقداسة. إنه يعتنى بكل الخليقة فكم بالأكثر بخلاص الإنسان؟!
4 – ماذا يقول الكتاب المقدس عن العناية الإلهية؟
يقول السيد المسيح: “انظروا إلى طيور السماء، إنها لا تزرع ولا تحصد ولا تجمع إلى مخازن، وأبوكم السماوى يقوتها، ألستم أنتم بالحريّ أفضل منها؟!” (مت6: 26). إن كان الله يعتنى بطيور السماء، كم بالأكثر تكون عنايته بالإنسان؟
يتغنى المرتل بعناية الله الفائقة به فيقول: “أقول للربّ ملجأى وحصني إلهى فأتكل عليه. لأنه ينجيك من فخ الصياد ومن الوبأ الخطر. بخوافيه يظللك وتحت أجنحته تحتمى… لا تخشى من خوف الليل، ولا من سهم يطير فى النهار…” (مز91: 2 – 5).
5 – كيف تلامس آباء الكنيسة مع رعاية الله؟
رأى القديس يوستين فى النبوات برهاناً أكيداً لرعاية الله لنا، وقد تحققت النبوات الخاصة بالخلاص المجانى على الصليب.
يقول القديس أثناسيوس الرسولى: إن كلمة الله الكامل والقدير [يبسط قواته فى كل موضع، ويهب استنارة للمنظورين وغير المنظورين، لكنه يهب حياة وحصانه للكل وبالكل ولكل واحد.].
يرى القديس إيرينيؤس أنه يليق بالكائنات العاقلة أن تعرف المعتني بها والذى يدبر أمورها[228].
يشِّبه القديس يوحنا الذهبى الفم الله بنهرٍ ينقسم إلى فروعٍ كثيرة ليروى كل الأرض، وأنه لا يوجد أحد لا ينتفع بعناية الله[229].
6 – ما هو حفظ الخليقة؟
الله المهتم بحفظ المخلوقات وضع قوانين طبيعية لتحقيق ذلك. يقول المرتل: “ما أعظم أعمالك يا رب، كلها بحكمة صُنعت. ملآنة الأرض من غناك… كلها إيّاك تترجى لترزقها قوتها فى حينه. تفتح يدك فتشبع خيراً (مز104: 24 – 28). حقاً إن بعض النباتات والحيوانات والطيور تنقرض، أما المؤمنون فيعيشون مع الله إلى الأبد.
7 – ما هو عمل العناية الإلهية فى حياتنا؟
فى العهدين القديم والجديد تعمل العناية الإلهية حتى فى الأمور التى تبدو لنا تافهة فى حياتنا، فلا نشعر أن أمراً ما يحدث لنا مصادفة. فالله يهب زنابق الحقل جمالاً فائقاً. وهو يطعم الطيور والحيوانات، فكيف لا يقوت بني البشر. لقد ميَّز الإنسان عن كل الخليقة الأرضية، إنه يُعد له ملكوت السماوات.
رعايته العامة للخليقة الأرضية تبقى إلى حين، أما الخاصة بأبراره المؤمنين فأبدية.
8 – ما هى العناية الإلهية فى الفكر الكنسي السكندري؟
قام العديد من قدامى الفلاسفة أمثال فيلون وشيشرون وسينيكا وابيكتيتوس ومرقس أوريليوس وآخرين بالتأمل فى الكون بقوانينه الجبارة وقدراته وجماله الخ. فآمنوا بعناية الله للكون كحقيقة واقعية لكنهم غالباً ما حسبوها قاصرة على خلق الكون بقوانينه الطبيعية، حاسبين أن الله قد تركه بعدما خلقه، تحكمه قوانينه! غير أن آباء الإسكندرية الذين تطلعوا إلى الفلسفة بكونها هبة إلهية تعلن الحق جزئياً، وليس فى كماله، آمنوا بالعناية الإلهية من مفهوم كتابى لا فلسفى، أعني أن العناية قد شملت كل الخليقة بوجه عام، والإنسان بوجه خاص. وأنها قد فاقت وتجاوزت الزمان والمكان، فقد اهتمت بأمر الإنسان حتى قبل خلقته، أى عندما كان فى فكر الله! هذه العناية الإلهية لا تزال تهتم بشئون الإنسان على الأرض، وستستمر فى عملها حتى فى الدهر الآتى. إنها تحتضن المؤمنين، بل وحتى المخلوقات غير العاقلة. ويُستعلن هذا من خلال مراحم الله الرقيقة وعطفه علينا وتأديبه لنا؛ فى الأحداث السارة والمحزنة. ترتبط العناية الإلهية بالنعمة الإلهية، التى تجلّت فى تجسد كلمة الله وصلبه وقيامته لنتمتع بالبنوة لله، ونتأهل للميراث الأبدى.
9 – ما هو مدى العناية الإلهية للكون؟
يؤكد القديس إكليمنضس السكندرى أكثر من مرة تنزيه الله وسموه عن الكون، ربما ليوضح الهوة القائمة بين جوهر الله وطبيعته وجوهر الكون وطبيعته، إذ يقول: [حديث الإنسان بالطبيعة قاصر وعاجز عن أن يعلن عن الله… لا أعنى جوهره لأن هذا مستحيل، وإنما أقصد قوة الله وعلمه[230].].
إذ يشرح القديس إكليمنضس تلك الهوة بين الله والخليقة، يعلن فى نفس الوقت أن الله ليس بعيداً عن العالم، خاصة عن أرقى خليقته، أعنى الإنسان. فقد خلق الله الكون من أجل حبه للإنسان كنعمةٍ من عنده؛ وبذات الدافع لا يزال يعتنى بكل شئون الكون؛ فهو يتدخل فى عالمنا من أجل حبه اللانهائى وأبوته السماوية لنا.
يعتقد القديس إكليمنضس أن الكون برهان ساطع على عناية الله. يقول W. E. G. Floyd: [إن دليل إكليمنضس على وجود العناية الإلهية، إذا ما كانت هناك حاجة إلى دليل. هو استخدام حوار لاهوتى يقوم على نظام الكون وتنسيقه. فهو يحاجج بأنه حتى فى النظرة السطحية جداً للعالم يوجد ما يضاد مهاجمى التعليم الصحيح[231].].
ويعبر القديس إكليمنضس عن العلاقة الوطيدة بين الله والكون، قائلاً: [البعيد للغاية قد صار قريباً جداً. يا له من أمر عجيب لا يدرك، “العليً إله من قريب، يقول الرب” (إر23: 23)… هو قريب جداً بفضل قوته (عناية) التى تهيمن على كل ما هو تحت سلطانه[232].].
يتحدث القديس أثناسيوس عن تنزيه الله فيؤكد أيضاً حضوره، قائلاً: [الله فى الكل وفى كل جزءٍ… هو يحوى كل شيءٍ ومع الكل[233].] يعلن القديس أن الله بصلاحه ونعمته ليس ببعيدٍ عن أى أحد منا، لأننا فيه نحيا ونتحرك ونوجد (أع17: 28). كما يقول: [اللوغوس فى الآب إذ ولده، أما المخلوقات فلأنها خارجة عنه تتصل به، لكنها غريبة عنه، تتصل بحرية اختيارها. الابن هو بالطبيعة واحد مع الذى ولده؛ أما من هو خارج عنه وقد صار ابناً فإنه ينتسب إلى الأسرة. من ثم يضيف موسى على الفور: “لأنه أى شعب هو عظيم له إله قريب منه كالرب إلهنا؟” (تث4: 7 الترجمة السبعينية)؛ وفى موضع آخر قيل: “أنا إله قريب” (إر23: 23 الترجمة السبعينية) [234]، فبالنسبة للمخلوقات يقترب منها مع كونها غريبة عنه، أما بالنسبة للابن، بكونه ابنه الخاص به، فهو لا يقترب منه، بل هو فيه[235].].
يا لمحبة الله العجيبة! نحن الذين كنا غرباء، صرنا ملتصقين بالله المنزه بفضل صلاحه ونعمته!
أوضح القديس إكليمنضس السكندرى أن الله الصالح لن يكف عن صنع الصلاح، وإلا توقف عن كونه إلهاً صانع خيرات[236]. يقول بأن الكون يشبه فأساً لا قوة لها فى حد ذاتها، لكنها تحتاج إلى يد الله ليستخدمها فى العمل اللائق لتحقيق غاية وجوده. [كما أن الفأس لا تقطع ما لم يستخدمها أحد، كذلك المنشار بدون إنسان لا ينشر؛ لأنهما آلتان لا تعملان من تلقاء ذاتيتهما، لكن لهما خواص مادية تحقق عملهما بمساعدة الحطاب الذى يستخدمهما، هذا أيضاً ما يُقصد بالعناية الإلهية[237].].
لنستعير كلمات القديس مقاريوس الكبير، الذى عبَّر عن حلول الله فى حياتنا الروحية، قائلاً: [إن كنت تبحث عن الرب فى العمق، هناك تجده. إن كنت تفتش عنه فى المياه، هناك تجده “صانعاً عجائب” (خر15: 11). إن كنت تطلبه فى الجب، فهناك تجده بين أسدين يحرسان دانيال البار. إن طَلَبْتَه فى النار، تجده هناك ينقذ عبيده. إن بحثت عنه أعلى الجبل، تراه مع موسى وإيليا. إنه فى كل مكان؛ تحت الأرض وفوق السماوات وفى داخلنا أيضاً[238].].
10 – ماذا يعنى أن الله يدبر أمور العالم؟
الله الكلي الصلاح يعتنى بالإنسان ويهيّئ له الفرص كى يتمتع بالحياة المقدسة، فيحقق خطة الله نحوه، ويتمتع بالميراث الأبدى.
يعطينا الله الفرصة كى نسأل ونطلب ونقرع، فنشعر بحبه ومسرته أن يهبنا أكثر مما نسأل وفوق ما نطلب. خلال تعاملنا معه نتلامس مع حنوّه وحكمته وقداسته.
الله فى رعايته طويل الأناة لا يتوقف عن تقديم الفرص للخطاة كى يرجعوا إليه حتى فى اللحظات الأخيرة من حياتهم. نسمعه دوماً يقول: “رأيي يقوم، وأفعل كل مسرّتى” (إش46: 10).
يشبِّه كل من القديسين ثاؤفيلس الأنطاكى ويوحنا الذهبى الفم الله بقائد سفينة يبحر إلى ميناء السلام ليكشف عن حكمته وإرادته المقدسة ليعبر بمؤمنيه إلى ميناء السلام. لن يحدث شئ ما فى العالم قضاءً وقدراً أو مصادفةً، إنما عناية الله تسبق وترى وتعرف ما سيحدث. فلا يحدث شئ مصادفة كما يظن البعض.
11 – ما هو دور العناية الإلهية فى خلقتنا؟
إننا مدينون لله صانع الخيرات بحبه لنا حتى من قبل أن نوجد! يعلن القديس إكليمنضس السكندرى، أن الإنسان هوأشرف المخلوقات، وأعزها لدى الله، كان فى فكره قبل الخليقة. ففى محبته اللانهائية خلق الكون لأجل الإنسان، ثم خلق الإنسان على صورته ومثاله ليتذوق الشركة معه. إنه يقول: [الإنسان بالحقيقة هو عزيز فى عينى الله، لأنه صنعة يديه، فقد أوجد الله الأعمال الأخرى فى الخلق بكلمةٍ (أمر فكانت)، أما الإنسان فخلقه بيديه، ونفخ فيه من عنده[239].].
يقول أوريجينوس: [ليس أحد – سواء كان يهودياً أو أممياً – خالٍ من هذا الناموس الذى فى البشر بالطبيعة. فقد أعطى الله الإنسان كل المشاعر والأحاسيس التى يستطيع بها أن يصارع لأجل بقائه فى الفضيلة ونموه فيها. بجانب هذا غرس الله فيه قوة العقل، به يدرك ماذا ينبغى أن يفعل وماذا يتجنب. وهب الله هذا للجميع على حد سواء[240].].
12 – لماذا وضع الله صانع الخيرات وصية لآدم وحواء فى الفردوس؟
لم تكن هذه الوصية حملاً على آدم وحواء، بل هبة قُدمت لهما بفضل عنايته الإلهية. كيف؟
أ. خلق الله الإنسان على مثاله، أى يحمل طبيعة الحب، يشتاق أن يحب ويُحَب من الآخرين. لقد أشبعه الله بحبه الخاص الشخصى، وكان الإنسان محتاجاً أن يُعَبر عن استجابته لحب الله بالحب. لذا جاءت الوصية طريقاً به يُمكن لأبوينا الأولين أن يعلنا عن حبهما العملى لخالقهما.
ب. بدون الوصايا لا يختبر الإنسان واحدة من أعظم عطايا الله له، أعنى حرية الإرادة؛ فمن خلال الوصايا يكون للإنسان حق الخيار أن يقبل الله فى حياته ويطيعه أو يرفضه ويعصى وصاياه!
ج. لم يتركهما الله وحدهما، بل كان معيناً لهما، إن أرادا. ويتحدث القديس مقاريوس الكبير عن إمكانيات آدم فى الله: [قدر ما كان كلمة الله (اللوغوس) معه، ومعه أيضاً الوصية كان يملك كل شيءٍ. كان الكلمة بالنسبة له هو ميراثه وملبسه ومجده، وقد صار مدافعاً عنه. كان مرشده… فكان كل شئ هو له، من معرفةٍ وخبرةٍ وميراثٍ وإرشادٍ… وهكذا مادام يتمسك بالوصية ويلتزم بها يصير صديقاً لله[241].].
13 – ما هو مدى العناية الإلهية فى حياة الإنسان؟
الله فى حبه للإنسان يهتم بكل شئون حياته، وعنايته تشمل كل شيءٍ حتى عدد شعر رأس الإنسان (مت10: 30؛ لو12: 7). لهذا يليق بنا أن نعرف أن كل الأحداث تحدث بعناية الله. يقول العلامة أوريجينوس: [إلى هذه الدرجة تشمل العناية الإلهية كل شيءٍ، حتى أنه يهتم بأن يحصى شعور رؤوسنا بنفسه! [242]].
14 – هل تشمل العناية الإلهية الحيوانات؟
يقول العلامة أوريجينوس: [لما كان الله يهيمن هيمنة واضحة على حركة السماوات وكل ما فيها، وكل ما على الأرض، وما فى البحر بقدرته الإلهية، فيتحكم فى المواليد وأصل الأشياء والأطعمة والنمو لكافة الحيوانات والنباتات، فمن الحماقة أن نغلق أعيننا ولا نتطلع إلى الله[243].].
15 – هل تتوقف العناية الإلهية عن العمل؟
يقول القديس إكليمنضس إن صلاح الله دائم العمل، كاهتمام الراعى بخرافه، والملك برعيته والأب بأولاده[244]. ويقول العلامة أوريجينوس: [كما أن الفلاح فى فصول السنة المتغيرة يؤدى أعمالاً زراعية متنوعة فى الأرض ومحاصيلها، هكذا يهتم الله فى كل الدهور والأزمان… يفعل ما يحتاجه الكون، الأمر الذى لا يُدرك بحقٍ فى عمق مفهومه وحقه إلاَّ بالله وحده[245].].
16 – ما هى غاية العناية الإلهية فى كل كيان الإنسان؟
يوضح القديس إكليمنضس أن العناية الإلهية تحتضن الإنسان ككلٍ: جسده وعقله ونفسه. الله الصديق الحقيقى للإنسان يعمل لأجل تقديسه، فيصير أيقونة لخالقه القدوس! يقول العلامة أوريجينوس: [ “ليس قدوس مثل الرب”، فمهما كان نمو الإنسان فى القداسة عظيماً، ومهما بلغ من طهارةٍ وأمانةٍ، لا يقدر أحد أن يبلغ قداسة الرب. هو واهب القداسة، بينما الإنسان ينالها. هو ينبوع القداسة، بينما الإنسان يشرب منه. هو نور القداسة، بينما الإنسان يتطلع إليه! [246]].
17 – ماذا يطلب الإسكندريون من العناية الإلهية؟
كان الآباء الإسكندريون الذين دأبوا على دراسة الكتاب المقدس، باحثين عن المعرفة الحقيقية، والذين أدركوا أن مخلصنا هو الحق والمعلم الحقيقى للحق، والطريق والباب المؤدى إلى الحق، هؤلاء تطلعوا إلى إعلان الحق أو إلى المعرفة الإلهية “الغنوصية” كواحدةٍ من أعظم هبات العناية الإلهية. لا يتعامل الإنسان مع الله كالعبد مع سيده، أو كأداةٍ صماء فى يد فنانٍ، بل كابنٍ يعرف أباه معرفة وثيقة حقيقية، وكعروسٍ تدخل مع عريسها إلى حجاله، يتحدان معاً فى الفكر والقلب قبل أن يتحدا فى الجسد. يقول العلامة أوريجينوس: [العضو الذى يعرف الله ليس هو العين الجسدية بل العقل، لأنه يرى بكونه صورة الخالق، وينال بعناية الله القدرة على معرفته[247].].
18 – ما هو موقف الملائكة الأبرار والأشرار من العناية الإلهية؟
فى القرون الأولى للمسيحية إذ كان العالم الوثنى فى قبضة الشياطين والأرواح الشريرة بشكلٍ رهيبٍ مفزعٍ، ثار سؤال: كيف نفسر وجود تلك الأرواح النجسة التى تسيطر على البشر فى عالم تهيمن عليه عناية الله؟ جاءت إجابة آباء الإسكندرية كالآتى:
أ – صار البشر بكامل إرادتهم أولاد إبليس (يو8: 44) عوض التبنى لله والتمتع بالاتحاد معه.
ب – شرح القديس إكليمنضس السكندرى والعلامة أوريجينوس أن خطة الشياطين هى محاولة إسقاط الإنسان وقيادته إلى العبودية واستمالته إليهم. لكن العناية الإلهية أيدتنا بالملائكة لحمايتنا إن قبلنا خدمتهم لنا (عب1: 14). وقيادتنا إلى العرس السماوى إن كان لدينا رغبة واشتياق!
ج – المعركة قائمة بين الله نفسه والشياطين. فإن اختفينا فى الله، تُغلب الشياطين. يقول العلامة أوريجينوس: [إذا ما قَبِلَ إنسانّ ما الإيمان، يعهد به المسيح الذى افتداه بدمه – من أسياده الأشرار – إلى ملاكٍ قديس، هذا الذى بسبب نقاوته العظيمة يُعاين دائماً وجه الآب[248].] ويقول البابا أثناسيوس الرسولى: [حقاً إن كانت السماء تفرح بخاطئ واحد يتوب (لو15: 7)… كم بالحرى تفرح أجناد السماء وتتهلل حينما ترانا فى اجتماعاتنا التى على الدوام، خاصة فى عيد القيامة؟ [249]].
19 – لماذا يؤكد الله دور الإنسان مع اعتماده على العناية الإلهية؟
يؤكد الله دور الإنسان لأجل أمرين: توضيح حرية اختيار الإنسان، بكونها هبة إلهية ثمينة. وتأكيد صداقة الله للإنسان، فهو يعمل مع حبيبه الإنسان على الرغم من أن الأخير لا يملك القدرة على أى عملٍ صالحٍ بدون نعمته ورعايته. يقول العلامة أوريجينوس: [لدى الإنسان القدرة على التفكير فى كل شئ، وتنظيم كل شئ، ناظراً أنه يتعاون مع عناية الله[250].] ويقول الأب بفنوتيوس: [إن كنا نمارس كل فضيلة بمجهودات لا تتوقف، لكننا لن نستطيع بلوغ الكمال بجهدنا وغيرتنا، فلا يكفى نشاط الإنسان وجهاده المجرد للبلوغ إلى عطية النعمة الغنية ما لم يصن جهاده بالتعاون مع الله وبتوجيهات الله للقلب نحو الحق[251].].
20 – ماذا تقدم لنا العناية الإلهية؟
أولاً: يرى آباء الإسكندرية أن أعظم ما تقدمه لنا العناية الإلهية تمتعنا بالله الذى يسكن فينا. يقول القديس مقاريوس الكبير: [كعروسٍ ثريةٍ مخطوبة لعريس تنال العديد من الهدايا والهبات قبل الزواج من حلىّ وملابس ثمينة وأوانٍ غالية الثمن، لكنها لا تشبع وتهنأ حتى زمان العُرس حيث تصير واحداً مع العريسٍ. هكذا أيضاً النفس، حين تُخطب كعروسٍ للعريس السماوى تنال دوماً من الروح القدس مواهب الشفاء أو المعرفة أو الاستعلان، لكنها لا تشبع حتى يتم لها الاتحاد الكامل، أعنى الحب الذى لا يتغير ولا يخيب ولا يسقط، الذى يحرر المشتاقين إليه دون شهوة أو قلق. أو مثل طفلٍ مُزينٍ بالآلئ والملابس الثمينة، حين يجوع لا يفكر فيما يرتديه، بل يتجاهل هذا كله ويهتم فقط بصدر أمه وكيف ينال منه اللبن طعاماً له؛ لهذا أتوسل إليكم أن تعرفوا أن نفس الشئ بالنسبة لمواهب الله الروحية، هذا الذى له المجد إلى أبد الأبد آمين[252].].
ثانياً: يعلن الله عن عنايته الإلهية فى غاية عمقها خلال أبوته للبشر. فيطلب قلوب أولاده ويرفعها إلى أمجاده، ليتمتعوا بحبه الأبدى. وقد شرح آباء الإسكندرية هذا الفكر الكتابى فى النقاط التالية:
أ. يعلن القديس إكليمنضس السكندرى أننا بالطبيعة غرباء تماماً، ومع هذا يحبنا ويهتم بنا كأبٍ نحو أولاده، فيقول: [رحمة الله غنية من نحونا، نحن الطين لا نمت بصلةٍ ما به. لست أتكلم من جهة جوهرنا أو طبيعتنا أو حتى الخواص المتعلقة بالجوهر، وإنما أتحدث فقط من جهة أننا عمل إرادته. فمن يقبل معرفة الحق عن طواعية، خلال التأديب والتعليم، يدعوه الله إلى التبنى، الذى هو أعظم الكل[253].] ويقول البابا أثناسيوس الرسولى أيضاً: [لم يخلقهم فقط ليصيروا بشراً، بل دعاهم ليكونوا أولاداً… الله ليس أبانا بالطبيعة وإنما باللوغوس (الكلمة) الذى فينا، فيه وبه نصرخ: “أبا الآب” (غل4: 6)… ويدعو الآب أولئك الذين يرى فيهم ابنه أبناء له[254].].
ب. أرسل الآب ابنه وحيد الجنس ليدعو المؤمنين أن يثبتوا فيه بالروح القدس، ومن ثم ينالون التبنى للأب. هذه العطية سبق فأنبأ بها إشعياء، قائلاً: “يسمي عبيده اسماً آخر” (إش65: 15). ما هو الاسم الآخر إلا “أبناء الله”؟ يقول القديس إكليمنضس السكندرى: [بحق يُدعى أولئك الذين يعرفونه أباً (لهم)، البسطاء الأطفال بلا عيب… أبو الكون يُبدىّ حنواً وعاطفة نحو الذين يهربون إليه، ويلدهم ثانيةّ بالروح القدس للتبنيّ، يعرفهم ويحنو عليهم، ويحبهم وحدهم (أى حباً خاصاً بهم)، يساعدهم ويدافع عنهم، ولهذا يهبهم أسم “أبناء” [255].] [الغنوصى (صاحب المعرفة الروحية)، بسبب حبه لله الواحد الحقيقى، هو حقاً إنسان كامل وصديق الله، نال رتبة “ابن” [256].] ويقول البابا أثناسيوس الرسولى: [نحن أبناء وآلهة بسبب اللوغوس الذى فينا، فإننا نصير فى الابن وفى الآب، ونُحسب واحداً فى الابن وفى الآبن لأن الروح (القدس) فينا، الروح الذى فى الكلمة وفى الآب[257].].
21 – هل عناية الله عامة لكل البشر أم تخص كل شخصٍ؟
يقول إكليمنضس: [عنايته خاصة (بكل أحدٍ) وهى عامة… إذ يهتم بالجميع[258].] ويقول العلامة أوريجينوس: [ليس كما يظن صلسس Celsus يهتم فقط بالكون ككلٍ، بل بجانب هذا يهتم بكل كائنٍ عاقلٍ على وجه الخصوص. مع ذلك فعنايته بالكل لا تخيب[259].].
22 – هل التأديب يتعارض مع العناية الإلهية؟
يقول W. Floyd: [بجانب الصورة الوردية للعناية الإلهية التى تظهر الله بكونه الرحوم لا يغفل إكليمنضس خلال هذه الصورة، أن العناية أيضاً فن تأديبى. يُؤدب الإنسان لأجل منفعته، ولكى يكون مثالاً للغير. وما اللوم إلاَّ علامة أبوة الله وصلاح مشيئته، وليس صادراً عن إرادة شريرة. فالله صالح بالرغم من الوعيد والخوف[260].].
يقول: John Patrick [الجدل الذى أثاره مرقيون قاد إكليمنضس لتناول العلاقة بين العدالة الإلهية والصلاح الإلهى[261].] ينسب مرقيون العدل لإله العهد القديم، واصفاً إياه بالعنفٍ فى عقابه للبشر، بينما ينسب الصلاح لإله العهد الجديد، واصفاً إياه بالحنان والشفقة نحو البشر. يوضح القديس إكليمنضس أن إله العهد القديم هو نفسه إله العهد الجديد، وأن الله رحوم وصالح فى عدله، وعادل فى صلاحه. وأن العقاب الإلهى لا يصدر عن غضبٍ، فهو بحق عادل وصالح فى آن واحد؛ عقابه للبشر ليس بغرض الانتقام، بل هو عقاب تأديبى وعلاجى دائماً. يؤدب لثلاثة أسباب:
أ. لصالح الشخص الذى يؤدبه، ليصير فى حالة أسمى، هادفاً نحو خلاص الساقط تحت اللوم.
ب. ليكون مثالاً للآخرين، حتى باللوم والتحذير بحجمون عن اقتران الآثام.
ج. يؤدب الله فاعل الإثم حتى لا يسقط الخاطئ تحت الدينونة بسبب خطئه.
يقول إكليمنضس السكندرى: [قيل “يا ابنى لا تحتقر تأديب الرب، ولا تكره توبيخه” (أم3: 11). يا لحب الله الفائق للإنسان! فإنه لا يتحدث كمعلمٍ مع تلاميذه، ولا كسيدٍ إلى خدمه، ولا كإلهٍ إلى البشر، وإنما كأبٍ يوبخ الرب أولاده[262].].
23 – ما هي خطورة تجاهل عناية الله؟ [263]
يجيب القديس يوحنا الذهبى الفم: [إنه طيش الفكر وفضوله، أن يشتهى الإنسان أن يفهم كل علل الأحداث التى تحل بنا، والرغبة فى مقاومة عناية الله غير المُدْرَكة ولا موصوفة، تلك العناية التى تفوق كل فحصٍ واستقصاءٍ! ومع هذا لا يخجل الإنسان من هذا الموقف الفضولى المملوء تهوراً.
تُرى من فاق القديس بولس الرسول فى حكمته؟ أخبرنى، ألم يكن إناءً مختاراً؟ ألم يأخذ نعمة الروح الفائقة غير المنطوق بها؟ ألم يتكلّم المسيح فيه؟ ألم يكشف الله له عن أمورٍ لا يُنطَق بها؟ ألم يسمع ما لا يحق لإنسانٍ أن ينطق به؟ ألم يُختطَف إلى الفردوس ويرتفع إلى السماء الثالثة؟ ألم يجوب البحار والبر يجذب الوثنيّين إلى المسيحيّة؟ ألم ينل من مواهب الروح المتنوّعة؟… ومع هذا كلّه فإن هذا الرجل بعظمته وحكمته وقوته وامتلائه بالروح، إذ خصّه الله بهذه الامتيازات، عندما يتطلّع إلى عناية الله، لا فى كل جوانبها، بل فى جانب واحد منها، يصير منسحقاً، ويتراجع سريعاً خاضعاً لله غير المدرك… فإنه بحث عن عناية الله الخاصة باليهود واليونانيين، وشرح كيف دعا الله الأمم ورفض اليهود ثم أوضح كيف حقق الخلاص… وحينما أدرك هذا، اكتشف الرسول أنه أمام محيط واسع، وإذ حاول فحص أعماق هذه العناية ارتجف متحققاً استحالة تفسير عللها، وارتعب قدام عناية الله اللانهائية غير المحدودة ولا موصوفة ولا مفحوصة ولا مدركة، فتراجع فى مهابه متعجباً، وهو يقول: “يا لعمق غنى الله وحكمته وعلمه”! (رو11: 33) لقد أوضح بعد ذلك كيف تلامس مع أعماقها دون أن يفلح فى استقصائها قائلاً: “ما أبعد أحكامه عن الفحص وطرقه عن الاستقصاء؟”…
أنهى حديثه – وقد امتلأ عجباً ورعدة – بأنشودة شكراً، قائلاً: “لأن من عرف فكر الرب، أو من صار له مشيراً. أو من سبق فأعطاه فيكافأ؟! لأن منه وبه وله كل الأشياء. له المجد إلى أبد الأبد. آمين” (رو11: 34 – 36).
يريد القول إن الله ينبوع كل الخيرات ومصدرها، ليس فى حاجة إلى شريكٍ أو مشير. هو بدء كل الخيرات وأساسها وموجدها. هو الخالق، دعا غير الموجود موجوداً. يدير ويُرتّب ويحفظ كل شئ حسب إرادته!… “منه وبه وله كل الأشياء” هذه كلمات إنسان يود أن يؤكد أن الله خالق كل الكائنات ومبدعها، ومُدبِّر حياتها وحافظها.].
24 – هل معرفة الرسل هنا مثل معرفتهم فى الحياة الأخرى؟
يجيب القديس يوحنا الذهبى الفم: [عندما أراد الرسول توضيح الفارق بين معرفتنا هنا ومعرفتنا فى الحياة الأخرى لجأ إلى هذا التصوير: “لما كنت طفلاً كطفلٍ كنت أتكلم، وكطفلٍ كنت أفطن، وكطفلٍ كنت أفتكر، ولكن لما صرت رجلاً أبطلت ما للطفل. فإننا ننظر الآن فى مرآة، فى لغز، ولكن حينئذ وجها ً لوجه” (1كو13: 11). هل لمستَ مدى الفارق بينهما؟ إنه كاختلاف معرفة الطفل الصغير عن معرفة الرجل الناضج، وكاختلاف الرؤية فى مرآة عن التطلع وجهاً لوجهٍ، إذ تشير المرآة إلى التعبير العميق لكن فى غموضٍ!… فلماذا إذن لا نصدق قول بولس: “من أنت أيها الإنسان الذى تجاوب الله؟ ألعل الجبلة تقول لجابلها لماذا صنعتنى هكذا؟!” (رو9: 20)…
الله الذى تود أن تخضعه لفضولك الطائش لا يخضع للموت أو التغيير. إنه سرمدى لا بداية له ولا نهاية، غير مُدرَك، فائق لكل فهمٍ وكل مَنْطِقٍ، غير موصوفٍ ولا منظورٍ! هذه الصفات التى لا نقدر إدراكها أنا وأنت أو حتى الرسل والأنبياء، بل وحتى القوات السمائية، فبالرغم من طهارتها غير المنظورة وروحانيتها ومعيشتها فى السماء على الدوام لا تقوى على إدراكها.].
25 – هل تدرك الطغمات السماوية الله ويمكنها الدنو منه؟
يقول القديس يوحنا الذهبى الفم: [حري بذاك الذي يتجاسر ليفحص عناية الله الذى لا تقدر القوات السمائية على لمسها أو التعبير عنها ان يختبئ مختفياً تحت الآكام.].
26 – من يعلن لنا أحكام الله؟
يقول القديس يوحنا الذهبى الفم: [كيف عرفنا حكمة الله يا بولس؟ ومن كشفها لنا؟ ومن أوضح لنا الأمور التى لم ترها عين ولم تسمع بها أذن ولم تخطر على بال إنسان؟ أخبرنا، من الذى وهب لنا هذه المعرفة العجيبة؟ يقول: “أعلنه الله لنا بروحه”. ولئلا يظن أحد أن الروح القدس لا يعرف إلا ما قد أعلنه، وليس كل أسرار الله، قال: “لأن الروح يفحص كل شيءٍ حتى أعماق الله. لأن مِنْ من الناس يعرف أمور الإنسان إلا روح الإنسان الذى فيه؟! هكذا أيضاً أمور الله لا يعرفها إلا روح الله” (1كو2: 10 – 11)… لماذا تحاول استقصاء الأمور العميقة بقوتك الذاتية، مع أن غالبيتها تفوق قوة تفكيريك التى وهبها الله لك؟].
27 – كيف يكشف لنا الله عن عنايته بنا؟
يكشف لنا الكتاب المقدس عن هذا الحب الإلهى وعنايته بنا بمقارنته بحب الناس بأمثلة كثيرة.
أ. مقارنته بحب الأم والأب: يجاوب النبى القائلين: “قد تركنى الرب، وسيدى نسينى”، قائللاً: “هل تنسى المرأة رضيعها، فلا ترحم ابن بطنها؟” (إش49: 15) كأنه يقول: يستحيل على الأم أن تنسى المرأة رضيعها، فبالأولى لا ينسى الرب البشرية. يؤكد ربنا أن حبه يفوق محبة الأب لأولاده، إذ يقول: “أم أى إنسان منكم إذا سأله ابنه سمكة يعطيه حية؟! فإن كنتم وأنتم أشرار تعرفون أن تعطوا أولادكم عطايا جيدة فكم بالحري أبوكم الذى فى السماوات يهب خيرات للذين يسألونه؟!” (مت7: 9 – 11).
ب. الحب بين محبوبين: يقول المرتل: “لأن مثل ارتفاع السماوات فوق الأرض، قويت رحمته على خائفيه” (مز103: 11). وبروح الحب لم يستنكف الرب من القول: “فندم الرب على الشر الذى قال إنه يفعله بشعبه” (خر32: 14).
ج. الحب الزوجى: “كفرح العريس بالعروس، هكذا يفرح بك الرب” (إش62: 5). فالحب يكون فى أوجه عند البداية (بين العروسين). استخدم هذا الأسلوب كى نلمس شدة التهاب محبته الحقيقية.
د. حب الصانع لعمل يديه: غضب يونان لهلاك يقطينة، فعزاه الرب قائلاً له: “أنت تشفق على اليقطينة التى لم تتعب فيها ولا ربيتها، التى بنت ليلة كانت وبنت ليلة هلكت. أفلا أشفق أنا على نينوى المدينة العظيمة التى يوجد فيها أكثر من اثنتي عشرة ربوة من الناس الذين لا يعرفون يمنيهم من شمالهم؟!” (يونان4: 10 – 12).
من كتاب كاتيكيزم الكنيسة القبطية الأرثوذكسية – جـ2 – العقائد المسيحية – القمص تادرس يعقوب و الشماس بيشوي بشرى.