قصة الخلاص

دار هذا الحوار بين بيتر ووليد…

وليد: قل لى يا بيتر.. هل حقًا تؤمنون أن المصلوب على هذا الصليب هو السيد المسيح؟

بيتر: نعم يا صديقى وهو الإله المتجسد.

وليد: إله؟ متجسد؟ وهل هذا معقول.. إله ويُصلب؟! ثم لماذا أصلاً يتجسد ويترك عرشه وملكه فى السماء؟!

ابتسم بيتر ابتسامة هادئة ثم أجاب قائلاً:

بيتر: أنت تعلم يا صديقى كيف أن الله قبل أن يخلق الإنسان، قام بخلق السماء والأرض، وجهزها بالنباتات والأشجار والأنواع المختلفة من الطيور والحيوانات، ثم جاء فى اليوم السادس بعدما كان كـل شىء مُعداً لاستقبال الإنسان قال الله: “وَقَالَ اللهُ: نَعْمَلُ الإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِنَا كَشَبَهِنَا فَيَتَسَلَّطُونَ عَلَى سَمَكِ الْبَحْرِ وَعَلَى طَيْرِ السَّمَاءِ وَعَلَى الْبَهَائِمِ وَعَلَى كُلِّ الأَرْضِ وَعَلَى جَمِيعِ الدَّبَّابَاتِ الَّتِى تَدِبُّ عَلَى الأَرْضِ” (تك 26:1).

وليد : اسمح لى يا صديقى.. نحن نعرف أن الله روح.. فكيف تقولون أنتم إنه خلق الإنسان على صورته كشبهه؟

بيتر : لم يخلق الله الإنسان على صورته فى الشكل أو المنظر، بل ميزه عن باقى المخلوقات بإمكانيات وقدرات خاصة إذ منحه..
 العقل: حتى يعرف الله ويؤمن به.
 القلب والمشاعر: ليحب الله ويحب إخوته.
 النفس الخالدة: ليشارك الله فى الحياة الأبدية.
 الإرادة: لكى يسير فى الطريق الذى يشاؤه.

إذاً فالمقصود بصورة الله هنا أن يسلك الإنسان بالمحبة لأن الله محبة، وأن تكون له المعرفة لأن الله كلى المعرفة وأن يكون طاهرًا صالحًا لأن الله قدوس القديسين وكل ذلك يكون بإرادة الإنسان واختياره.. وهنا منح الله الإنسان أعظم هدية.. شجرة معرفة الخير والشر.

وليد : عجباً.! أليست هذه الشجرة هى سبب سقوط آدم.. كيف تكون أعظم هدية؟

بيتر :الهدية هنا هى حرية الإنسان وإرادته.. فعندما طلب الله من آدم أن لا يأكل من الشجرة.. لم يجبره على شىء، بل منحه الحرية المطلقة، فى أن يسمع كلام الله ويطيعه وبذلك يتمتع معه بالحياة الأبدية.. أو أن يخالف الله – بإرادته – ويأكل من الشجرة، وهنا يقع عليه العقاب الإلهى “وَأَمَّا شَجَرَةُ مَعْرِفَةِ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ فَلاَ تَأْكُلْ مِنْهَا لأَنَّكَ يَوْمَ تَأْكُلُ مِنْهَا مَوْتاً تَمُوتُ” (تك 17:2). ولكن للأسف أساء الإنسان استخدام حريته وسقط بغواية الحية (الشيطان).. لقد أحب الرب آدم وحواء جدًا، وكان يريد منهما أن يبادلاه الحب من خلال الطاعة، على أن تكون هذه الطاعة بإرادتهما وبكامل حريتهما.

وليد : ألا ترى أن عقوبة الموت هذه قاسية جدًا على مثل هذا الخطأ؟ لماذا لم يكتفى الله بطردهما من الجنة؟

بيتر : أولاً يا صديقى.. إن الخطية فى أصلها هى “إنفصال عن الله”.. لأن الله كامل القداسة ليس فيه خطية قط.. والله أيضًا هو ينبوع الحياة.. إذاً فمن ينفصل عن الله – بفعل الخطية – تكون نتيجته الموت.. والموت هنا عدة أنواع:

 الموت الروحى: وهو انفصال عن الله والشركة معه.
 الموت الأدبى: وهو فقدان الصورة الإلهية.. وفساد الطبيعة البشرية.
 الموت الجسدى: وهو انتهاء عمر الإنسان وعودته إلى التراب الذى أُخذ منه (تك 19:2).
 الموت الأبدى: وهو الهلاك إلى الأبد.. كما أن هذا الخطأ كان موجهًا إلى الله كلى القداسة غير المحدود، فيجب إذاً أن تكون العقوبة غير محدودة.. فالإساءة إلى شخص بسيط، ليست كالإساءة إلى شخص عظيم.. فما بالك إذاً بالإساءة إلى الله شخصياً.

وليد : ألم تقل لى منذ قليل أن “الله محبة”.. لماذا إذاً لا يسامح الإنسان ويعفو عنه..؟

بيتر : لا تنس يا صديقى كما أن الله كامل فى محبته ورحمته، هو أيضًا كامل فى عدله.. وعدل الله هنا يقتضى أن يموت الإنسان المخطىء لأن “لأَنَّ أُجْرَةَ الْخَطِيَّةِ هِىَ مَوْتٌ” (رو 23:6).. كما إنه إذا سامح الله الإنسان فلن يحل هذا مشكلة الطبيعة التى فسدت وتشوهت بفعل الخطية.. تمامًا مثل أب نهى ابنه أن يشرب من زجاجة معينة لأن بها سم قاتل ولكن هذا الابن عاند أبوه وشرب منها وبينما هو على فراش الموت طلب الغفران من أبوه الذى سامحه بالفعل لكن هذا لا يمنع أن أثر السم مستمر فى جسد الابن ويجب أن ينقذه الأب من الهلاك.

وليد : إذاً لماذا لم يترك الله أدم يموت ويخلق إنسانًا غيره؟

بيتر : أولاً: لأن هذا يتعارض مع محبة الله ورحمته، فمع أن آدم أكل بإرادته إلا أن الشيطان أغواه..
ثانياً: إن إماتة آدم تتعارض مع كرامة الله، إذ كيف يسمح بأن ينتصر الشيطان على أدم فيخطىء ثم يموت.! هذا معناه أن الشيطان انتصر على الله وسيكون هذا هو مصير كل إنسان يخلقه الله فيما بعد!. وحاشا أن يكون هذا.

وليد : حسناً.. حسناً.. أدم أخطأ وكان يجب أن يموت.. فما ذنب أولاده إذاً.. لماذا يجب أن يتحملوا نتيجة خطأه؟

بيتر : كما قلت قبلاً يا صديقى.. أن من نتائج خطية أدم هى فساد الطبيعة البشرية التى ورثناها جميعًا – إذ نحن من صُلب أدم – ووقع الإنسان فى سلسلة من الخطايا بسبب هذه الطبيعة الفاسدة “الْجَمِيعُ زَاغُوا وَفَسَدُوا مَعاً. لَيْسَ مَنْ يَعْمَلُ صَلاَحاً لَيْسَ وَلاَ وَاحِدٌ” (رو 12:3).. وكما نقول نحن فى القداس الإلهى “ليس أحد بلا خطية ولو كانت حياته يوماً واحداً على الأرض”.. وأصبح للخطية والشيطان سلطان على الإنسان.

وليد : أفهم مما قلت يا بيتر أن نتيجة خطية الإنسان هى:
1- حكم الموت الذى نفذ على البشرية كلها.
2- وفساد الطبيعة البشرية بفعل الخطية.
لكن الله لا يريد موت الإنسان لأنه يحبه.. إذاً ما هو الحل فى هذه المعضلة؟؟

بيتر : الحل ببساطة يا صديقى هو أن يفتدى أحد الإنسان أى أن يموت – بإرادته – بدلاً منه.. فكما يقول الكتاب: “وَبِدُونِ سَفْكِ دَمٍ لاَ تَحْصُلُ مَغْفِرَةٌ!”
(عب 22:9). ولابد من توفر مواصفات فى الفادى الذى يكفر عن خطية البشرية كلها.

وليد : وما هى هذه المواصفات؟

بيتر : يجب أن الفادى يكون:
 إنسانًا.. لأن الإنسان هو الذى أخطأ.. إذاً لا ينفع أن يكون حيوانًا أو ملاك.

 يموت.. لأن أجره الخطية هى موت كما ذكرنا.
 بلا خطية.. فلو كان خاطئاً لكان بحاجة إلى من يفديه هو شخصيًا.. كما إنه لا يستطيع مذنب أن يكفر عن مذنب أخر فكلاهما مستوجبان الموت.
 غير محدود.. لأن خطية أدم موجهة إلى الله غير المحدود وعقوبتها أيضًا غير محدودة.. كما أن الكفارة يجب أن تشمل كل البشر من أول آدم إلى آخر الدهور.
 خالقًا.. حتى يستطيع تجديد الطبيعة البشرية مرة أخرى ويعيدها إلى صورتها الأولى قبل دخول الخطية.

وفيمن يا تُرى تتوفر هذه الشروط الصعبة؟!

لا تنطبق الشروط الثلاثة الأخيرة إلا على الله وحده.. فهو الخالق والقدوس (بلا خطية) وغير المحدود. وحتى ينطبق عليه الشرطان الأولان كان يجب أن يأخذ جسدًا حتى يصير إنسانًا قابل للموت أيضًا..

وبهذا يتقبل الله الموت فى جسده الإنسانى ويموت عن خلاص العالم كله ويبطل سلطان الخطية، مجدداً طبيعة الإنسان مرة أخرى ومظهراً محبته العجيبة للبشر “لأَنَّهُ هَكَذَا أَحَبَّ اللَّهُ الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ، لِكَىْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ، بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ” (يو 16:3). وكما يقول الكتاب أيضًا “عَظِيمٌ هُوَ سِرُّ التَّقْوَى: اللهُ ظَهَرَ فِى الْجَسَدِ” (1تى 16:3).

وليد: هذا هو ما لا أفهمه يا بيتر.. كيف أن الله القدوس العظيم يرضى أن يأخذ جسدًا إنسانيًا ضعيفًا؟!

بيتر : أولاً: يجب أن تعرف أن تجسد الله لا يتعارض مع كرامته فى شئ. لأن الإنسان هو تاج مخلوقات الله ومخلوق على صورته ومثاله وبعدما خلقه قال: “وَرَأَى اللهُ كُلَّ مَا عَمِلَهُ فَإِذَا هُوَ حَسَنٌ جِدّاً” (تك 31:1).
ولأن شعاع الشمس إذا وقع على كومة من القمامة يطهرها دون أن تتلوث الشمس أو تتأثر، هكذا حينما تجسد الله طهر طبيعتنا الساقطة، دون أن تنقص قداسته، فهى قداسة لا نهائية ومطلقة.
ثانياً: أن هذا التجسد هو دليل محبة الله للإنسان فقد أراد الله أن يسكن داخلنا ويتحد بنا ليعلمنا طريق الحياة الأبدية ويحمينا من عدو الخير.. فنزول الله للإنسان هو الممكن أما صعودنا نحن إليه فهذا مستحيل.

وليد : وكيف تم هذا التجسد؟

بيتر : بأن أخذ الله (اللاهوت) – الذى حل فى بطن العذراء – جسداً (الناسوت) من دمها، لكنه جسد بلا خطية، فصار إنساناً مثلنا فيه روح إنسانية، وجسد إنسانى، ونفس إنسانية، لكن بلا خطية. وكما نقول فى القداس
(شابهنا فى كل شىء ما خلا الخطية وحدها).

هذا عن التجسد.. فماذا عن الفداء.. كيف تم؟

لقد تم الفداء والخلاص للبشرية كلها حينما مات المسيح عنا معلقًا على خشبة الصليب ثم قُبر وقام بعد ثلاثة أيام.

وليد : مات؟! وهل الله يموت؟

بيتر : بالطبع لا.. لكن تذكر أن اللاهوت كان متحدًا بالناسوت.. وهذا الناسوت (الجسد) هو الذى مات على الصليب ودُفن فى القبر.

 

تدريب

ممارسة الصلاة القلبية بانتظام طول اليوم للإنشغال الدائم بالله من كل القلب: صلاة يسوع: يارب يسوع المسيح أرحمنى. يارب يسوع المسيح أعنى. أسبحك وأمجدك ياربى يسوع.
– حفظ أيه من الإنجيل يوميًا.
التناول كل أسبوع.

– التوبة اليومية والأعتراف المنتظم.

زر الذهاب إلى الأعلى