سر المعمودية وسلطان المسيح

 من كتاب المعمودية: الأصول الأولى للمسيحية 
للأب متى المسكين

الفصل الأول
الجزء النظري 
2- سر المعمودية وسلطان المسيح

  • من واقع تاريخ الكنيسة والمسيحية نجد أن المعمودية صارت ممارستها الأُولى من اليوم الأول الذي حلَّ فيه الروح القدس “يوم الخمسين” شاهداً لقيامة المسيح. وهكذا سارت المعمودية بدفع الروح القدس وعمله، وتجديده للخلقة الجديدة للبشرية على أساس موت المسيح وقيامته. وهكذا قبلت المسيحية المعمودية دون أي سؤال أو استفسار أو شك، على مدى تاريخ المسيحية كله حتى هذا اليوم.
  • وقد قبلها جميع العلماء بلا نقد وبلا تقديم البديل كحقيقة عامة لا تحتاج إلى شرح.
  • والحيرة والسؤال الذي يمكن أن يخطر على بال أي إنسان أو عالم، هذا تبنَّاه نيقوديموس وقدَّمه للمسيح فأجاب إجابته التي صارت رسماً إلهياً لواقع ومعنى وحتمية المعمودية، كميلاد من فوق وهو نفسه الميلاد من الماء والروح. ولا يمكن أن تبحث في ماهيتها كما لا يمكن أن تبحث في ماهية هبوب الريح من أين وإلى أين.
  • أمَّا ما هي أول شروط المعمودية ولوازمها ففسَّرها ق. بطرس في قصة كرنيليوس، حيث لخَّصها في خطابه أمام الكنيسة التي اجتمعت لمساءلته عن معموديته لرجل أُممي فأجاب:

+ » فإن كان الله قد أعطاهم الموهبة كما لنا أيضاً بالسوية مؤمنين بالرب يسوع، فمن أنا، أقادر أن أمنع الله؟ فلمَّا سمعوا ذلك سكتوا. وكانوا يمجِّدون الله قائلين إذاً أعطى الله الأُمم أيضاً التوبة للحياة! «(أع 11: 17و18)! هكذا فُهمت المعمودية عند الرسل أول ما فُهمت أنها “للتوبة للحياة”.

  • وفي قصة كرنيليوس حدث أمر خطير هو حلول الروح القدس قبل العماد، هذا ليس استثناءً كما يقول العلماء، ولكن هو حقيقة إلهية، فقد حدث ذلك ليرغم ق. بطرس على العماد بالماء غير مرتاب، وفي الوقت نفسه يرفع عنه الترفُّع والكبرياء ويرفع عن كل التلاميذ في أُورشليم أنهم كأنهم هم الذين لهم السلطان على العماد فقط، فقد نحَّى الله الإنسان، كل إنسان، عن أن يكون له سلطان التعميد واحتفظ به لنفسه ليطمئن كل معتمد أن الأمر بعماده صادر من
    فوق وبيد المسيح، لتكون ولادته من فوق صدقاً وحقًّا ومن الله، ويكون للإيمان النصيب الأوفر في الاستحقاق للعماد!
  • الإيمان بالمسيح بموته وقيامته في المعمودية هو السر الذي يقوم عليه العماد.
  • وأيضاً حلول الروح القدس على كرنيليوس وأهل بيته قبل العماد يكشف عن أن الله ليس مربوطاً بطقس من الطقوس أو بشخص مهما كان، فهو له السلطان الكامل فوق الطقس.
  • ووراء كل مُعمَّد يقع عماد المسيح بالماء، وعماد المسيح بالدم على الصليب([1]). لهذا فدخول المسيح إلى ملكوته بعد قيامته صار هو نفس الباب الذي يدخل منه كل مَنْ يعتمد باسمه.
  • ليس طقس العماد هو الذي يُعطي الخلاص لمن يعتمد، ولكن هو فعل الله والمسيح الذي وراء الطقس بعد أن مارسه بنفسه في الأُردن بالماء وعلى الصليب بالدم!
  • لذلك فالمعمودية هي تحقيق للكريجما، أي تحقيق لتعليم الرسل عملياً كفعل استجابة، فهي فعل إيمان.
  • فالمعمودية هي التعبير العملي للإيمان بكل بنوده، كفعل استجابة بعد فعل سماع وطاعة.
  • المعمودية هي الختم الواحد الوحيد الذي يناله كل مسيحي لتكوين وحدة مسيحية واحدة من أعضاء المسيح في الجسم الواحد للكنيسة وللمسيح. فالمعمودية عملية تطعيم فرع الزيتونة المرَّة في الجسد الإلهي الزيتونة الطيبة، ليكون للجميع نفس فكر المسيح وحياته ويستمدوا منه مقوِّمات الحياة الأبدية.
  • حينما نقول إن المعمودية هي تأسيس إلهي بسلطان المسيح لا نعتمد على أقوال قيلت، بل بالأكثر على حياة المسيح ومثاله إن في موته أو قيامته أو مواعيده. فالمعمودية هي عبور مأساوي أكمله المسيح بالصليب سابقاً للدخول إلى راحته.
  • على أن المعمودية هي الدعوة الإلهية الرسمية للوليمة العظمى ولبس ثياب العرس للدخول إلى فصح المسيح ليغتذي الإنسان لأول مرَّة من طعام الحق: » جسدي مأكل حق ودمي مشرب حق. «(يو 55:6).

 

([1]) «لي صبغة (b£ptisma أي معمودية) اصطبغها وكيف أنحصر حتى تُكمل.» (لو 50:12)

فاصل

شرح المعمودية قيمتها ومعناها كتب الأب متى المسكين عماد المسيح وسر المعمودية المقدَّسة
كتاب المعمودية الأصول الأولى للمسيحية
المكتبة المسيحية

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى