تفسير سفر زكريا ٣ للقمص أنطونيوس فكري

الإصحاح الثالث

في الرؤى السابقة نجد وعد بإزدهار عظيم لأورشليم (وللكنيسة) وهنا نرى أن هذا الوعد مشروط بالإصلاح الخلقي والروحي. ويهوشع هنا كرئيس كهنة يمثل ليس الكهنوت فقط بل الأمة كلها.

هنا نجد الرؤيا الرابعة وهي على هيئة محكمة ويقوم بدور القاضي فيها الرب نفسه. بينما يقوم الشيطان بدور المدعي، أما يهوشع فهو المُدّعَي عليه، والشكاية هي ضده كنائب عن الكهنة والشعب. ويخبرنا عزرا أنه قد عاد مع زربابل 428كاهناً كانوا في حالة يرثى لها، ولا وجه للمقارنة بينهم وبين حالة الكهنوت الأصلية. فهؤلاء قدموا على المذبح الأعرج والأعمى فإحتقروا اسم الله واعتبروا الخدمة الكهنوتية مشقة (راجع ملاخي الإصحاح الأول) ولذلك صيرهم الرب محتقرين (مل9:2). والله جعل الشعب لا يعطوهم أعوازهم وصارت صورتهم مزرية. وصورة يهوشع الكاهن العظيم في هذا الإصحاح هي صورة المسيح رئيس كهنتنا الأعظم. وكونه يلبس ملابس قذرة فهذا يشير لأنه حمل عنا خطايانا، فالثياب هي ثياب الخطية والسبي، ووهبنا المسيح نفسه لباساً للبر وتاجاً طاهراً “ألبسوا المسيح”. (رو14:13).

 

آية (1): “وأراني يهوشع الكاهن العظيم قائما قدام ملاك الرب والشيطان قائم عن يمينه ليقاومه.”

يهوشع هو ابن يهوصاداق وحفيد سرايا، وقد ولد في بابل غالباً رمزاً للمسيح رئيس كهنتنا الذي ولد في العالم أرض العبودية. وكلمة يهوشع تعنى يشوع أو يسوع، وكما أدخل يشوع الشعب أرض كنعان، وكما أدخل يهوشع الشعب لأورشليم ثانية بعد السبي، هكذا سيدخل بنا يسوع لكنعان السماوية. فيهوشع هنا رمز للمخلص. والشيطان وقف هنا ليقاوم المسيح الذي غلبه لحسابنا. وهو أيضاً يقاوم الكنيسة، وذلك بأن يهجم على النقاط الضعيفة فينا ثم يشتكي علينا ويذيع نقائصنا الدفينة على الملأ، والشيطان يهاجم الخدمة عامة ويقاومها.

 

آية (2): “فقال الرب للشيطان لينتهرك الرب يا شيطان. لينتهرك الرب الذي أختار أورشليم. أفليس هذا شعلة منتشلة من النار.”

لينتهرك الرب= نلاحظ أن الرب انتهر الشيطان دون أن يطلب يهوشع منه ذلك، فهو يجيب قبل أن ندعوه. وكلمة ينتهرك أي يكبح جماح ثورتك الخبيثة وينتقم منك. والذي يتكلم هنا هو المسيح الابن وقوله لينتهرك الرب مثل قول المزمور “قال الرب لربي”. هذه مثل صلاة المسيح الشفاعية للآب وقوله للآب إحفظهم في إسمك (يو11:17). فحين ينتهر الله الشيطان فهو بهذا يحفظ شعبه من حروب إبليس. وقد صور بولس الرسول هذه المحكمة في (رو33:8،34) فالشيطان يشتكي علينا أمام القاضي، ومن هو القاضي؟ هو الديان أي المسيح ولكن في كل محاكمة يوجد محامي يشفع ويدافع ويحامي عن المتهم، وعن هو هذا المحامي بحسب رسالة رومية؟ هو أيضاً المسيح نفسه، إذاً قول الرب هنا “لينتهرك الرب” هي قول المسيح كشفيع وهو يقولها لله الديان؟ أليس هذا شعله منتشلة من النار= الشعلة المنتشلة من النار هي يشوع الكاهن الذي إنتشله الله من نار السبي وآلامها، وهي أمة اليهود التي إنتشلها الله من سبي بابل (الأتون البابلي) وهي الكنيسة التي إنتشلها الرب يسوع من نار سبي الخطية وسبي إبليس، وبهذا فهو قد إنتشلها من البحيرة المتقدة بالنار مصير إبليس ومن يتبعه. وما دام أن الله قد إنتشلنا فلنفرح بهذا فهو إذاً يريدنا.

 

آية (3): “وكان يهوشع لابساً ثياباً قذرة وواقفاً قدام الملاك.”

ثياباً قذرة= ترمز لخطايا الشعب الذي يمثله.

 

آية (4): “فأجاب وكلم الواقفين قدامه قائلاً إنزعوا عنه الثياب القذرة. وقال له أنظر.قد أذهبت عنك أثمك وألبسك ثياباً مزخرفة.”

فأجاب= لم نسمع أن زكريا سأل الله شيئاً!! ولكن الله يجيب عن شهوة قلبه دون أن يفتح فمه ويطلب. هبت عنك إثمك= هذا عمل الفداء فالمسيح الرب هنا يعلن عن نفسه وعن عمله، الذي قيل عنه “جعل الذي لم يعرف خطية خطية لأجلنا لنصير نحن بر الله فيه” وكيف ؟ دم يسوع يطهرنا من كل خطية. وألبسك ثياباً مزخرفة= كما لبس الابن الضال الحلة الأولى، والثوب المزخرف الذي لبسه المسيح هو كنيسته متعددة المواهب وكل منا خيط في هذا الثوب.

 

آية (5): “فقلت ليضعوا على رأسه عمامة طاهرة. فوضعوا على رأسه العمامة الطاهرة وألبسوه ثياباً وملاك الرب واقف.”

عمامة= عمامة رئيس الكهنة، أو هي إكليل ليظهر عظيماً. والله وهبنا إكليل النصرة. وملاك الرب واقف= كأنه مسرور وراضٍِ بما يراه أي بتجديد عهد الكهنوت مع يهوشع. وقد تعني وقوف ملاك الرب أمامه، أن ما حدث له من تعظيم هو بشفاعة ملاك الرب الواقف أمام الآب يشفع في كنيسته. (عب24:9 +19:10،20).

 

آيات (6،7): “فأشهد ملاك الرب على يهوشع قائلاً. هكذا قال رب الجنود أن سلكت في طرقي وأن حفظت شعائري فأنت أيضاً تدين بيتي وتحافظ أيضاً على دياري وأعطيك مسالك بين هؤلاء الواقفين.”

أشهد ملاك الرب= ملاك الرب يعلن له شروطاً، إن سار بموجبها تمتع بالكرامة الممنوحة له. ولكن إن كان يشوع الكاهن رمزاً للمسيح فلماذا توجه له هذه الوصايا؟ واضح أن هذه الوصايا موجهة لنا لأننا جسد المسيح، ولا يمكننا أن نلتزم بها بدونه “بدوني لا تقدرون أن تفعلوا شئ” والإنسان مشكلته أنه لم يستطيع أن يطيع الله، لكن جاء المسيح ليتحد بنا ويقدم بالنيابة عنا الخضوع للآب (1كو28:15) والمسيح يعطينا إمكانية أن نطيع الله ونلتزم بوصاياه. تدين بيتي= أي ترأس شئون الهيكل ويكون الكهنة خاضعين لك وتحت إرشادك، بل الشعب كله يخضع لك، فشعب الله هو بيته (عب6:3). وأعطيك مسالك= الله يعطيه أن يقف بين الواقفين أمامه من الملائكة، وتكون خدمته مقبولة وصلاته مسموعة، وسيكون عاملاً مع الملائكة على إتمام مقاصد الله، وبعد الموت سينضم للملائكة في تسبيحهم ووقوفهم أمام الله، ألم يوحد المسيح السمائيين والأرضيين ويجعلهما واحداً، وهو رأس لكليهما (أف10:1+13:2-16).ويهوشع كرمز للمسيح كون أن يعطيه الله مسالك، فهذه تعني دخوله بالجسد لقدس الأقداس ليشفع فينا.

 

آية (8): “فإسمع يا يهوشع الكاهن العظيم أنت ورفقاؤك الجالسون أمامك. لأنهم رجال آية. لأني هانذا آتي بعبدي الغصن.”

رجال آية= يهوشع كرئيس للكهنة، مع كهنته أقيموا ليكونوا علامات ورموز لكهنوت المسيح. وقد تعني الكنيسة التي جعلها الله ملوكاً وكهنة ولا يركضون وراء الخطايا بل يعيشوا كغرباء في العالم بعد أن طهرهم المسيح بدمه، فقد صاروا آية. عبدي الغصن= المسيح صار عبداً خلال التجسد (أش1:42+في6:2،7) وهو غصن لخروجه من شجرة داود الملكية التي قطعت في شخص صدقيا آخر ملوك يهوذا (أش2:4+ 1:11+ أر5:23). وكلمة غصن بالعبرية نازارت وهي نفس كلمة الناصرة، ومن هذه الآيات فُهم أن المسيح سيدعي ناصرياً.

 

آية (9): “فهوذا الحجر الذي وضعته قدام يهوشع على حجر واحد سبع أعين.هانذا ناقش نقشه يقول رب الجنود وأزيل إثم تلك الأرض في يوم واحد.”

الحجر= قد يكون حجر أساس الهيكل أو حجر كريم على أفود أي ملابس رئيس الكهنة، وفي كل الأحوال فهو يشير للمسيح الحجر الذي رذله البناؤون. والكنيسة مبنية على أساس الرسل ويسوع حجر الزاوية (أف20:2). وقد يكون حجر أساس الهيكل الجديد، وربما يكون قد وضع بكل مهابة في حضور يهوشع الكاهن العظيم. على حجر واحد سبع أعين= السبع أعين هي أعين الرب (راجع زك10:4) فعين الله بنظراته الكاملة على المسيح وعلى كنيسته، هذا وعد أن الله لن يرفع عينيه لا عن المسيح حينما كان موجوداً بجسده على الأرض، ولا عن كنيسته (رقم 7 يشير للكمال، وهذا يعني أن الله بنظرته يعرف كل ما يدبر حتى في الخفاء) وبالتالي فالله سيحمي المسيح بينما كان بجسده على الأرض (لذلك هم حاولوا قتله مراراً وفشلوا، قبل الصليب) وسيحمي الكنيسة جسد المسيح للأبد.

وهناك تأمل: أن الأعين هي أعين الكنيسة المتجهة لمسيحها (الحجر) في شدائدها لكي يحميها. وبمقارنة آية(8) بآية (9) هأنذا آتى بعبدي الغصن. فهوذا الحجر فالمسيح هو الذي صار عبداً، وهو الغصن وهو الحجر.

ناقش نقشه= كان ينقش أسماء أسباط إسرائيل على الحجارة التي ترصع صورة رئيس الكهنة. والنقش هنا يعني حفر على هذا الحجر، والنقش أعمق من الكتابة ويدوم أكثر منها. وإذا فهمنا أن الحجر هو المسيح، فنحن منقوشين على كفه (أش16:49). ولن ينسانا. ولكن النقش يشير أيضاً ليوم الصليب الذي محا فيه إثمنا ونقشت على جسده أثار المسامير والحربة وإكليل الشوك لماذا؟ بأن أزيل إثم تلك الأرض في يوم واحد. اليوم هو يوم الصليب الذي فيه نقشت آلامه على جسده، وبهذا رأينا نحن، كنيسته وجسده أننا منقوشين على كفه، فليس حب أعظم من هذا. هو فعل هذا ليزيل أثامنا ويتحد بنا.

 

آية (10): “في ذلك اليوم يقول رب الجنود ينادي كل إنسان قريبه تحت الكرمة وتحت التينة.”

هذه دعوة الكرازة التي تدعو الجميع للكنيسة، ليستظل كل إنسان بالكنيسة ويرمز للكنيسة هنا بالتينة= رمز الحب الذي في طعمه حلاوة، الحب الذي يجمع كل أعضاء الكنيسة في جسد واحد كالبذور داخل غلاف التينة. والكرمة هذه رمز لآلام الكنيسة التي تجتاز معصرة آلام العالم مثل عريسها، ويكون خمرها فرحاً للمسيح. وهو أيضاً يفرحها “أراكم فتفرح نفوسكم” ومن ثمار الروح فرح، فهو فرح متبادل. المسيح يفرح بكنيسته المتألمة لأجله. وهو يملأها فرحاً روحياً إلى أن تكمل جهادها فيكون لها فرحاً أبدياً.

فاصل

فاصل

تفسير زكريا 2 تفسير سفر زكريا
القمص أنطونيوس فكري
تفسير زكريا 4
تفسير العهد القديم

 

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى