تفسير سفر الأمثال ١٥ للقمص تادرس يعقوب
الأصحاح الخامس عشر
عبور الحياة بقلبٍ باشٍ
في الأصحاح السابق يشتهي الحكيم أن يتمتع المؤمن بمخافة الرب لتقوده في الحياة، فيسلك بروح الحكمة والتمييز، ويتمتع بالحصانة الإلهية. هذه الحياة الورعة ليست كما يظنها البعض تتسم بالحرمان والكآبة، وإنما تتسم بالشبع الداخلي وفرح الروح، هذا الفرح الذي ينعكس على كل حياة الإنسان حتى على وجهه، فيسكب عليه روح البشاشة مع وقارٍ واتزانٍ وفي اعتدالٍ.
- اللطف والحوار بلا غضبٍ 1-2.
- الاهتمام بإرضاء الله لا الناس 3.
- عذوبة اللسان 4.
- قبول التأديب الأبوي 5.
- كنز البار 6-7.
- عبادة مقبولة 8-11.
- بغض المستهزئين له 12.
- بشاشة الوجه والقلب 13-15.
- القناعة مع الحب 16-17.
- السلام مع طول الأناة 18.
- الاجتهاد 19.
- تهليل الأسرة به 20.
- فهم وتروٍ 21-22.
- كلمات حكيمة مفرحة 23-24.
- استقرار عائلي 25-27.
- قلب متعقل 28.
- قرب لله 29.
- فرح داخلي 30.
- استماع وتعقل 31-32.
- التواضع واهب الكرامة 33.
اللطف والحوار بلا غضبٍ
“الجواب اللين يصرف الغضب
والكلام الموجع يهيج السخط” [ع 1]
كثيرون تحولوا من أصدقاء إلى أعداء لسنوات طويلة بسبب الكلمات الجارحة، بينما كسب البعض أعداءهم وصاروا أصدقاء لهم بالكلمات اللطيفة الرقيقة.
تحت ستار الدفاع عن الحق، أو تحت ستار الصراحة والحب، كثيرًا ما نجرح مشاعر إخوتنا بالكلمات العنيفة القاسية. في عتاب السيد المسيح للمرأة الخاطئة قال: “أما دانِكْ أحد… ولا أنا أُدينك. اذهبي ولا تخطئي أيضًا” (يو 8: 10-11). وفي حواره مع المرأة السامرية في لطفٍ طلب منها أن يشرب كمن هو محتاج إليها (يو 4: 7)، وإذ أجابته: “كيف تطلب مني لتشرب، وأنت يهودي وأنا امرأة سامرية؟” لأن اليهود لا يعاملون السامريين، لم يجرح مشاعرها بكلمة واحدة، بالرغم من معرفته لماضيها المُشين وحاضرها غير اللائق. بلطفه كسبها، بل وكسب كل مدينة سوخار.
V فم العفيف يتكلم بالطيبات، ويلذذ صاحبه، ويُفرِّح سامعيه. من كان كلامه مرتبًا وعفيفًا، وهو طاهر بقلبه، فهو ابن ميراث المسيح، ومن كان كلامه بقلقٍ ومعكر بالغضب، فهو شيطانٍ ثانٍ.
V فم الجاهل يفيض مرارة، ويقتل صاحبه، ويُسكر الذين ينصتون إليه.
V الذي يلطف كلامه ويمكر ليضر هو شيطان ثانٍ[460].
الشيخ الروحاني
V قدم ربنا أغلب معونته بالإقناع أكثر من اللوم. الأمطار الهادئة تلين الأرض وتتسلل إليها تمامًا، أما المطر الشديد فيجعلها قاسية ويفسد سطح الأرض، فلا تمتص المياه. “الكلام الجاف يهيِّج السخط” ومعه يحدث ضرر. بينما تفتح الكلمة الجافة الباب يدخل الغضب، وعلى أعقاب الغضب يتم الضرر[461].
القديس مار أفرام السرياني
V من لا يقدر أن يضبط لسانه وقت الغضب، لن يقدر أن يغلب حتى ولا صغيرة من صغار الآلام (الشهوات)[462].
الأب إيرايس
V “الغضب يحطم حتى المتعقل، والجواب اللين يصرف الغضب، والكلمة الموجعة تهيج السخط”، كل شيء يعتمد على قرارك، أن تثير الغضب أو تسلك بهدوءٍ… وإن كان الغضب يدمر حتى المتعقل، كم بالأكثر يدمر أولئك الذين يُقال عنهم إن هذا الغضب يهلك الجاهل؟ هذا يحدث بلا شك للمتعقل بسبب الإهمال. لكن الجواب اللين يصرف الغضب، أي الجواب بتواضعٍ ظاهر دون فظاظة[463].
القديس يوحنا الذهبي الفم
“لسان الحكماء يحسن المعرفة،
وفم الجهال ينبع حماقة” [ع 2]
اللسان هو باب القلب، فالحكيم يُخرج كلمات معرفة لبنيانه وبنيان إخوته. والجاهل يُخرج كلمات حماقة تفسد حياته وحياة إخوته.
الحكيم يعرف ماذا يقول، ومتى، وإلى أي مدى، فكل كلمة لها وزنها الخاص، يفكر فيها قبل أن ينطق بها.
من أروع الأمثلة إجابة جدعون المملوءة حكمة وتواضعًا عندما خاصمه رجال أفرايم بشدة لأنه لم يدعُهم عند ذهابه لمحاربة المديانيين، إذ قال لهم: “ماذا فعلت الآن نظيركم؟ أفليس خصاصة أفرايم خيرًا من قطاف أبيعزر. ليدكم دفع الله أميريّ المديانيين غرابًا وذئبًا. وماذا قدرت أن أعمل نظيركم” (قض 8: 2-3). ويعلق الكاتب: “حينئذ ارتخت روحهم عنه، عندما تكلم بهذا الكلام”. وعلى العكس عندما أخذ رجال أفرايم نفس الموقف مع يفتاح عند محاربته بني عمون، عوض الإجابة بروح التواضع وبخهم ودخل معهم في حرب، قُتل فيها اثنان وأربعون ألفًا من أفرايم (قض 12: 1-6).
V الذي يصوِّم فمه من الطعام ولا يصوِّم قلبه من الحقد ولسانه من الأباطيل فصومه باطل، لأن صوم اللسان أخير من صوم الفم، وصوم القلب أخير من صوم الاثنين. قوة الجسد في المأكولات وغذاء النفس في الكلام والحكايات، وكما أن الشره إلى كثرة الحكايات هو رغبة النفس؛ هكذا السكوت فهو ثمرة الحكمة المزمعة. الذي يُزيل من ضميره هفوات قريبه يزرع السلام في قلبه. الساذج الحكيم بالله أخير من الفهيم الغاش بضميره. الذي استعبد بطنه ولسانه أخير من الذي استعبد الأسد، والذي قمع الكلمة في قلبه أخير من الذي طمر وزنته في الأرض. الإنسان المجرد من الصلاح ويجادل بخصوص الفضائل لا فرق بينه وبين الأعمى المجرد من النور ويجادل بخصوص الحجارة الكريمة والألوان الكثيرة.
القديس إسحق السرياني
- الاهتمام بإرضاء الله لا الناس
“في كل مكان عينا الرب مراقبتين الطالحين والصالحين” [ع 3]
إذ يدعونا الحكيم إلى الحديث اللطيف واللين حتى نصرف روح الغضب عمن يضايقنا، كما يُعلن أن كلماتنا هي ترجمة لما في قلوبنا وأفكارنا من حكمةٍ ومعرفةٍ صادقةٍ، فإن ما يشغلنا حقيقة هو إرضاء الله لا الناس. فمع الكلمات العذبة يلزمنا أن تكون أعماقنا مقدسة تتناغم من عذوبة الكلمات. فإن عينيّ الرب تتطلعان إلى أعماقنا.
عندما أرادت امرأة فوطيفار أن تجتذب يوسف الشاب للخطية، قال لها: “كيف أصنع هذا الشر العظيم وأخطئ إلى الله؟” (تك 39: 9). وسط كل الظروف القاسية التي عاشها حيث حُرم من والديه، وبيع كعبدٍ، والتي تغريه هي سيدته، لكنه كان يدرك أن عينيّ الله تراقبانه!
أخطأ موسى النبي حين “التفت إلى هنا وهناك ورأى أنه ليس أحد فقتل المصري، وطمره في الرمل” (خر 2: 12). إنه لم ينظر إلى فوق ليدرك أن الله يراه! يليق بنا في كل تصرفاتنا، حتى في عبادتنا أن يشغلنا تطلع الله إلى قلوبنا ومشاعرنا الداخلية!
V عندما نجتمع مع الإخوة في موضعٍ واحدٍ ونحتفل بالذبيحة الإلهية مع كاهن الله، يلزمنا أن نضع في أذهاننا التواضع والتأدب ولا نقذف بصلواتنا بطريقة عشوائية بأصوات فظة ولا نلقي بطلباتنا بثرثرة عنيفة. بل بالحري يلزم أن تقدم طلبتنا لله في تواضعٍ، فإن الله يسمع لقلوبنا لا لأصواتنا.
الله الذي يرى أفكارنا، لا يُعاتب بصيحات، وكما يقول الرب: “لماذا تفكرون باطلاً في قلوبكم؟” (راجع مت 9: 4). وفي موضع آخر يقول: “ستعرف كل الكنائس أنني فاحص الاشتياقات والقلوب” (راجع رؤ 2: 23)[464].
الشهيد كبريانوس
- عذوبة اللسان
“هدوء (سلامة صحة) اللسان شجرة حياة،
واعوجاجه سحق في الروح” [ع 4]
بين الحين والآخر يعود الحكيم إلى الحديث عن اللسان، مدركًا مدى خطورته، ففي سلامته يتمتع المؤمن كما بشجرة الحياة، وفي اعوجاجه يفقد حياته، إذ تنسحق روحه وتتذمر! يمكن أن يكون اللسان بركة تحمل الإنسان إلى التمتع بالحياة الأبدية، كما يمكن أن يكون لعنة تدفع به إلى العقوبة الأبدية.
اللسان السليم ذو الصحة هو اللسان الذي يصنع سلامًا بين الإخوة، أما اللسان المريض المعوج، فهو الذي يصنع خلافات وانشقاقات بين الإخوة. يقول إبراهيم لابن أخيه لوط: “لا تكن مخاصمة… لأننا نحن أخوان” (تك 13: 8).
V “سلامة اللسان هي شجرة الحياة“. اللسان الذي لا يخطئ بالكلام يتسم بالصحة، فإن مرض اللسان هو خطيته. من يقدر أن يضبط لسانه ولا يخطئ، يكون مملوءً بالروح القدس[465].
القديس يوحنا الذهبي الفم
V كن مالكًا قلبك واضبط لسانك (يع 1: 26). لا يلذّ لكَ أن تسمع قولاً ضد أحد حتى يكون لكَ سلام مع جميع الناس، لأن كل قديسي الرب هم في سلام، والله يسكن فيهم. كما هو مكتوب: “سلامة جزيلة لمحبي شريعتك” (مز 118: 165). فالذين يحبون الله يعيشون في سلام مع جميع الناس.
القديس إسطفانوس الطيبي
V الراهب الذي لا يخطئ بلسانه هو حقًا كوكب مضيء على هذه الأرض.
القديس هيبريشيوس الكاهن
- قبول التأديب الأبوي
“الأحمق يستهين بتأديب أبيه،
أما مُراعي التوبيخ فيُذكى” [ع 5]
من الغباء أن يرفض الإنسان في كبرياء الانتفاع بخبرة من سبقه في الطريق، سواء من والديه أو من أبيه الروحي.
الإنسان الذي يحرص على خلاص نفسه يقبل انتهار من سبقوه وتأديباتهم، كما يقبل تأديبات الرب نفسه بكونه أباه السماوي المهتم بخلاص نفسه والدخول به إلى الأمجاد السماوية. قبول التأديب برضا دليل قوي على محبة الحكمة، يزكي المؤمن أمام الله.
V التعقل الحقيقي هو معرفة ما يلزم أن تفعله وما لا تفعله. من يقتنيه لن يحجم عن ممارسة الأعمال الفاضلة، ولن يُجرح بسهم الرذيلة القاتل. هكذا من يفهم كلمات التعقل يعرف الفرق بين ما هو غادرٍ، مبني على الخداع، وبين ما يذكرنا بهدوء الطريق الأفضل لنمارس الحياة. وذلك مثل ممارسة الصراف، فإنه يحجز ما هو حسن ويمتنع عن كل شبه شرٍ (1 تس 5: 21).
هب مثل هذا التعقل لباني بيته، فيضع أساساته على الصخر، أي يسنده بالإيمان بالمسيح، فلا يتزعزع عندما تهاجمه الرياح والأمطار والعواصف (مت 7: 25). فإن الرب يعلمنا خلال هذا المثل أن نبقى ثابتين عند هبوب التجارب، سواء كان مصدرها بشريًا أو فائقًا للطبيعة. بجانب هذا يعلمنا ألا نجهل الأمور الضرورية، بل نتزود بها في رحلة الحياة، فنتوقع مجيء العريس بقلوبٍ غيورةٍ[466].
التعقل هو السمة التي بها تتم كل الأشياء خلال مثابرة ماهرة، وبنفس الطريقة المكر هو السمة التي بها يُرتكب الشر. فإن كل نشاطٍ يمكن أن يُضاف إليه التعقل، حتى الشرور أيضًا يمكن أن تحدث في كل الأمور، لهذا فإن اسم التعقل يعني حقيقتين (من يمارس العقل للصلاح أو للشر).
فمن يستخدم الذكاء والمهارة لدمار الآخرين هو شرير، أما من يعمل باستقامة وحكمة يكشف عن صلاحه، هذا يقتني التعقل المستحق المديح.
اَنصتوا باجتهاد إلى صوت النفس المتعقلة، فستعرفون أنها تحوي مركزًا فيه تُقدم المشورة السليمة لنفعها ونفع قريبها ومستحقة المديح. أما التعقل الذي يُستخدم لأذية القريب فمستوجب الإدانة[467].
القديس باسيليوس الكبير
V إذا أخطأنا، فإنّ الله قد يُنهِض علينا أعداءنا ليؤدِّبنا، وعلى ذلك ينبغي ألا نحاربهم، بل أن نحاسب أنفسنا ونثقِّفها. وطالما أطلقهم علينا بسبب خطايانا، فمتى حاربناهم نصرهم علينا، ولهذا أمرَنا ألاّ ننتقم من أعدائنا. فلنقبل الامتحانات كقبول الأدوية من الطبيب لكي نخلص، وكقبول التأديب من الأب لكي نتهذّب. ولهذا قال الحكيم: “يا بُنيّ إن أقبلتَ على خدمة الرب الإله فاثبت على البرّ والتقوى وأعدد نفسك للتجربة” (سي 2: 1).
القديس يوحنا الذهبي الفم
V الذي يماحك قبالة التأديب يبعد عنه المراحم الأبوية. الذي يتذمر مقابل التجارب تتضاعف عليه. الذي لا يتأدب ههنا وينسحق بالتجارب يتعذب هناك بلا رحمة.
القديس مار اسحق السرياني
- كنز البار
“في بيت الصدِّيق كنز عظيم،
وفي دخل الأشرار كدر” [ع 6]
بيت الصدِّيق الذي هو قلبه يضم كنزًا ثمينًا لا يُقدر، هو ثمر الروح من فرح ومحبة وسلام الخ. (غل 5: 22)، أما دخل الأشرار أو ما يقتنوه من شرورهم، فهو الكراهية والقلق والاضطراب الخ. هذه هي محصلة شرورهم!
سمة البار الفرح الداخلي والسلام الذي يفوق العقل، وسمة الشرير القلق والاضطراب الداخلي.
كنز الصدِّيق هو العريس السماوي، عمانوئيل الذي يحل بالإيمان في قلوبنا، وكدر الشرير حرمانه من العريس السماوي.
يتمتع الأبرار بقلوبٍ تحولت إلى بيوت عرس للعريس السماوي، وتتحول قلوب الأشرار إلى جحيم يسكنه عدو الخير.
V حرف “إيتا” يعني “إيل” باللغة العبرية التي تعني “الله”، لأنّ النبي إشعياء قال: “عمانوئيل” (إش 7: 14)، والقديس متى الإنجيلي المبشر بالفرح الذي لا يُنطَق به فسّرها بقوله: “عمّانو” تعني “معنا”، و”إيل” تعني “الله” (مت 1: 23).
فلنفحص أنفسنا، إذن، لنرى إن كان الله حقًا معنا. فإن كنا بعيدين عن الشرور، وغرباء عن الشيطان مصدرها، يكون الله حقًا معنا.
إذا ملكَت علينا شهوة الأعمال الصالحة وسررنا بها مع الاعتياد على اعتبار سيرتنا في السماويات (اُنظر في 3: 20)؛ يكون الله حقًا معنا.
إذا اعتبرنا جميع الناس متساوين وجميع الأيام كأنها متشابهة؛ يكون الله حقًا معنا.
إذا أحببنا الذين يُبغضوننا والذين يُهينوننا والذين يقسون علينا والذين يحتقروننا والذين يُسيئون معاملتنا والذين يكدِّروننا، مثل الذين يحبوننا والذين يمدحوننا والذين يُحسِنون إلينا ويُريحوننا؛ يكون الله حقًا معنا.
والعلامة على أنّ الإنسان قد بلغ إلى هذه الدرجة من الكمال هي إحساسه بأنّ الله دائمًا معه – وهو بالفعل دائمًا معه – وشعوره بأنه حصل على كل ذلك.
فليفرح في الرب مَنْ أدرك ذلك ومَنْ سيدركه ومَنْ له رجاء في أن يدركه!
“إيتا” تعني “مرشِد”، والمرشِد هو الذي يقود.
إنه يقودك إلى النور، فلا تطلب الظلمات.
هو يقودك إلى الاستقامة، فلا تطلب الكذب.
إنه يقودك إلى الحق، فلا يخدعك الوهم.
هو يقودك إلى السلام، فلا تطلب الخصام.
إنه يقودك إلى الفرح، فلا تسعَ إلى الحزن.
هو يقودك إلى التواضع، فلا تستسلم للكبرياء.
إنه يقودك إلى العدل، فلا تبحث عن الظلم.
يقودك ليُعينك على احتمال الشتائم والإهانات التي توجَّه ضدّك، فلا تطلب المديح والمجد الباطل.
إنه يقودك إلى الإماتة، فلا تطلب الراحة والهناء.
يقودك إلى ناحية اليمين، فلا تضع نفسك بين الذين عن اليسار.
إنه يقودك إلى الحياة الأبدية، فلا تطلب العقاب الأبدي في جهنم، النار التي لا تُطفَأ.
والعلامة في رفض الإنسان لما يجب أن يُرفض هي في اختياره للصالحات، وفي عدم الاستهانة قط بصلوات النهار والليل. فليفرح في الرب مَنْ أدرك ذلك ومَنْ سيدركه ومَنْ له رجاء في أن يدركه!
القديس برصنوفيوس
“شفاه الحكماء تذر معرفة،
أما قلب الجهال فليس كذلك” [ع 7]
شفاه الحكماء تعلن عما في قلوبهم من معرفة صادقة تبني النفوس وتبث البركة على السامعين. أما الجهلاء الأشرار فينطقون بما في قلوبهم من غباوة لا تفيد أحدًا إن لم تضرهم.
في بافوس تكلم بولس وبرنابا مع الوالي الذي كان يلتمس أن يسمع كلمة الله (أع 13: 7)، أما عليم الساحر فأراد بكلماته أن يفسد الوالي عن الإيمان (أع 13: 8).
- عبادة مقبولة
“ذبيحة الأشرار مكرهة الرب،
وصلاة المستقيمين مرضاته” [ع 8]
إذ يطلب الله نقاوة القلب يقبل صلاة الأبرار ويُسر بها، ويرفض ذبائح الأشرار وتقدماتهم. الله ليس بمحتاج إلى تقدماتنا وذبائحنا وعبادتنا، إنما يطلب قلوبنا.
V لا يحتاج الله إلى ذبائح، كما هو واضح جدًا في الأسفار المقدسة. “قلت للرب: أنت إلهي، لا تحتاج إلى خيراتي” (راجع مز 16: 2)، فإنه في قبولها أو رفضها يتطلع فقط إلى خير الإنسان. الله لا ينال أية منفعة من عبادتنا، إنما نحن ننال ذلك[468].
القديس أغسطينوس
V لم يبدأ قايين شره عندما قتل أخاه. فإنه حتى قبل ذلك، فإن الله الذي يعرف القلب لم ينظر إلى قايين ولا إلى ذبيحته. وإنما ظهرت دناءته واضحة عندما قتل هابيل[469].
العلامة أوريجينوس
V أول كل شيء قبل الله تقدمة هابيل بسبب نقاوة قلبه، ورُفضت تقدمة قايين (تك 4: 4). كيف نعرف أن تقدمة هابيل قُبلت، بينما رُفضت تقدمة قايين؟ وكيف شعر هابيل بقبول تقدمته؟ وكيف تأكَّد قايين من رفض تقدمته؟ سأحاول قدر استطاعتي شرح ذلك.
أنت تعلم يا عزيزي أن علامة التقدمة المقبولة من الله هي نزول نار من السماء وحرق التقدمة. عندما قدَّم هابيل وقايين تقدماتهما معًا، نزلت النار الحيَّة التي تخدم أمام الله (مز 104: 4) والتهمت ذبيحة هابيل النقيَّة، بينما لم تمس ذبيحة قايين غير النقيَّة. وهكذا عرف هابيل قبول تقدمته، وقايين رفض تقدمته. لقد عُرفت ثمار قلب قايين بعد ذلك حين اُختبر ووجد أن قلبه مملوء غشًا، حين قتل شقيقة، وهكذا فما حبل به في فكره ولدته يداه. ولكن نقاوة قلب هابيل كانت أساس صلاته[470].
الصلاة المحبوبة هي الصلاة النقيَّة الخالية من كل غش. وتكون الصلاة قويَّة عندما تعمل قوَّة الله فيها.
عزيزي، كتبت إليك أن الإنسان عندما يلتزم أن يتمم مشيئة الله، وتكون المحور الأساسي لصلاته، يسمو الإنسان في صلاته. قلت لك هذا لا تهمل الصلاة[471].
القديس أفراهاط
V يمكننا أن نكتشف مشورات كثيرة بخصوص أمور أخرى أيضًا مثل الصلاة. يقول الكتاب: الأعمال الصالحة هي صلاة مقبولة لدى الرب. يوصف الطريق للصلاة: إذا رأيت عريانًا أن تكسوه، وأن لا تتغاضى عن أعضاء أسرتك. حينئذ ينفجر مثل الصبح نورك، وتشرق ثيابك سريعًا، يسير برَّك أمامك، ومجد الرب يحوط بك (راجع إش 58: 7-8)[472].
القديس إكليمنضس السكندري
“مكرهة الرب طريق الشرير،
وتابع البرّ يحبه” [ع 9]
مسرة الله أن يتمتع الإنسان بالبنوة له، فيسلك كابن لله، حسب الروح، وليس حسب الجسد. “لأن اهتمام الجسد هو عداوة لله… فالذين هم في الجسد لا يستطيعون أن يرضوا الله” (رو 8: 7-8). كما سبق فقال إن ذبيحة الأشرار مكرهة الرب، ذلك لأن قلوبهم شريرة، وطرقهم شريرة. فلا يليق بالخاطي أن يقدم شيئًا لله ما لم يقدم التوبة، أي يرجع بقلبه لله، وتنحني نفسه بالطاعة له مشتاقة أن تتمتع بوجهه. هكذا إذ يتبرر الخطاة أمام الرب خلال التوبة، ويجدون مسرتهم فيه، ويطلبونه بإخلاص، يُسر هو أيضًا بطرقهم وعبادتهم وذبائحهم الروحية.
كأن الله يطلب قلب الإنسان وتجديد إنسانه الداخلي وتمتعه بعمل روحه القدوس، عندئذ يصير بكليته موضع سرور الله. بهذا يمكن للمؤمن أن يرتل بإخلاص ويقين: “أدخل إلى بيتك بمحرقات، أوفيك نذوري التي نطقت بها شفتاي، وتكلم بها فمي في ضيقي. أصعد لك محرقات سمينة مع بخور كباش أقدم بقرًا مع تيوس” (مز 66: 13-15). كما يقول: “إن راعيت إثمًا في قلبي لا يستمع لي الرب. لكن قد سمع الله، أصغى إلى صلاتي” (مز 66: 18-19).
V واضح أن الذبائح لم تُقم من أجل ذاتها، وإنما لكي توحي ببقية طريقة سلوكهم. فعندما أهملوا التزاماتهم الرئيسية ولم ينشغلوا بشيء إلا بالذبائح، قال الله لهم إنه لا يعود يقبلها (عا 5: 22، إر 6: 20، مي 6: 6-8).
القديس يوحنا الذهبي الفم
V يقول الله نفسه إنه يطلب الطاعة لوصاياه عن تقديم ذبيحة له. يعلن الله ذلك، وقد أعلن موسى ذلك لشعب إسرائيل، كما يكرز بولس بذلك للأمم. لتفعلوا هذا الذي ترونه أفضل… “أريد رحمة لا ذبيحة” (مت 9: 13)[473].
القديس إمبروسيوس
V معرفة الله أفضل من تقديم ذبيحة ومحرقات، إذ تحضرنا إلى الكمال في المسيح. فإننا به وفيه نعرف الآب، ونصير أغنياء في التبرير بالإيمان[474].
القديس كيرلس الكبير
“تأديب شر لتارك الطريق،
مبغض التوبيخ يموت” [ع 10]
يترجمها البعض: “التأديب (الإصلاح) خطير لمن يترك الطريق“، وذلك مثل آخاب الذي كان يبغض من يقدم له نصيحة صادقة أو يخبره بخطئه. قال آخاب ليهوشفاط: “إنه يوجد بعد رجل واحد لسؤال الرب به، ولكني أبغضه، لأنه لا يتنبأ عليّ خيرًا بل شرًا، وهو ميخا بن يملة” (1 مل 22: 8) وأيضًا حين التقى بإيليا قال له: “هل وجدتني يا عدوي!” (1 مل 21: 20) كما قال له: أأنت هو مكدر إسرائيل؟” (1 مل 18: 17). هكذا أيضًا كان موقف يهوياقيم بن يوشيا، الذي إذ سمع جزء مما جاء بالدرج أنه “شقّة بمبراة الكاتب، وألقاه إلى النار التي في الكانون، حتى فني كل الدرج في النار التي في الكانون” (إر 36: 23). مثل هذين الملكين لا يحتملون كلمة الله، ولا يقبلون رجال الله، ولا يقدرون قيمة التوبة، بل يبغضون كلمة الحق والإرشاد الصادق. هؤلاء إذ يبغضون التأديب يموتون في خطاياهم.
“الهاوية والهلاك أمام الرب،
كم بالحري قلوب بني آدم” [ع 11]
في الآية 3 يقول الحكيم إن عينيّ الرب مراقبتان الطالحين والصالحين في كل موضع. هنا يؤكد أن الله النور الحقيقي يرى كل شيء، حتى الهاوية والهلاك حيث قمة ظلمة الموت والدمار، فهما أمامه وليسا مخفيين عنه، فهل يختفي شيء مما في قلوب البشر عنه. وكما يقول الرسول: “كل شيء عريان ومكشوف لعينيّ ذاك الذي معه أمرنا” (عب 4: 13).
ما يبدو لكثير من البشر أنه غير منظور مثل السماء والفردوس وجهنم والجحيم هي حقائق منظورة بواسطة الله، يقدمها لبنيه بروحه القدوس، فلا يرونها خيالاً كما يظن الآخرون، بل يرونها وقائع، ويشتاقون بكل قلوبهم للعبور إلى الفردوس، والدخول في السماء، والخلاص من قوات الظلمة.
لقد وعدنا السيد المسيح أن روحه القدوس يأخذ مما له ويعطينا (يو 16: 15)، أي يأخذ مما هو منظور بالنسبة له، ويعلنه لنا، بل ونختبر الحياة الفردوسية، ونتذوق عربون السماويات، فلا نخشى الجحيم لأن لا موضع لنا فيه.
V لنعجب إلى أين رفع الكنيسة؟ لقد رفعها كما بوسيلة معينة وأقامها في الأعالي، وأجلسها على عرشٍ سامٍ، لأنه حيث يكون الرأس هناك يوجد الجسد أيضًا. لا يوجد فاصل بينهما، وإلا فلا يعود الجسد جسدًا، ولا الرأس رأسًا[475].
V في استطاعتنا – إن أردنا – ألا نكون في الجسد، ولا على الأرض، بل نكون في الروح، في السماء.
لندخل إلى نفوسنا… إلى السماء، في الروح!
لنمكث في سلام الله ونعمته، ولنتحرر من الجسديات، فننعم بالصالحات في المسيح ربنا[476].
V يليق بكم وأنتم خارجون من هذا الموضع أن تعلنوا عنه أنه موضع مقدس. تخرجون كأناسٍ نازلين من السماء عينها، مملؤين وقارًا وحكمة، ناطقين وعاملين كل شيءٍ بلياقة…
علِّموا الذين في الخارج أنكم في صحبة السيرافيم.
علِّموهم أنكم محصون مع السمائيين، معدودون في مصاف الملائكة، تتحدثون مع الرب، وتكونون في صحبة السيد المسيح.
وإذ يتطلعون إلى جمال نفوسكم المتلألئة تلتهب قلوبهم بمظهركم الصالح، مهما بلغ غباؤهم، لأنه إن كان جمال الجسد يغري ناظره، كم بالأحرى جمال النفس وتناسقها يهز ناظريها ويجذبهم إلى ذات الغيرة ؟![477]
V الكنيسة هي أعلى من السماء وأكثر اتساعًا من المسكونة[478].
القديس يوحنا الذهبي الفم
- بغض المستهزئين له
“المستهزئ لا يحب موبخه،
إلى الحكماء لا يذهب” [ع 12]
بهذا المثل يوضح بالأكثر ما ورد في الآية 10. فالشخص غير الجاد، والمستهزئ لا يبالي بالأمور الأخروية، حتى وإن كانت حقائق راسخة منظورة أمام الرب. ما يشغله ملذاته وكرامته، فيبغض من يوبخه، ولا يود مجالسة الحكماء والحديث معهم. يحسب أحاديثهم عن الأبدية خيالاً ومضيعة للوقت وحرمانًا من الملذات.
- بشاشة الوجه والقلب
“القلب الفرحان يجعل الوجه طلقًا،
وبحزن القلب تنسحق الروح” [ع 13]
تملأ التعزيات الإلهية قلب الإنسان الروحي، فتعكس على وجهه بشاشة دائمة، قادرة على مواجهة الضيقات.
يرى الإنسان الروحي مسيحه مقيمًا في قلبه يشبعه، ويقود حياته ويخلصه من الضيقات، بل ويحول الآلام إلى أمجاد، حيث تصير شركة آلام معه.
ليس شيء يحطم الإنسان مثل الحزن الداخلي الخفي، وعدم إدراكه لحقيقة عمل السيد المسيح بكونه مخلصه من الخطايا وحامل أثقاله.
V هذا الفرح لا ينفصل عن الحزن، لأنه بالحرى يلتصق بنا بطريقة عميقة. من يحزن على أخطائه ويعترف بها يفرح. فعِوض الحزن على الخطايا يتحقق الفرح في المسيح… بهذا يقول: “افرحوا في الرب” (في 4: 4). فإن هذا (الحزن) يصير كلاشيء بقبول حياة تتأهل للفرح[479].
القديس يوحنا الذهبي الفم
في (الأحكام المطولة) جاء السؤال 17 بخصوص الضحك وقد أوضح القديس باسيليوس الكبيرضرورة التمييز بين الضحك المفسد وبين الضحك بمعنى فرح النفس وتهليلها بالله.
V أولئك الذين يعيشون تحت التأديب (انضباط النفس) يلزمهم تجنب حتى مثل هذا العمل المسرف بكل حرص حتى يستخدم بطريقة خفيفة. فالانغماس في الضحك بطريقة غير منضبطة ومُبالغ فيها علامة على الإسراف ونقص ضبط الإنسان لمشاعره، والفشل في قمع طيش النفس باستخدام العقل بحزمٍ. إنه ليس بالأمر غير اللائق أن نشهد عن مرح النفس بابتسامة مبهجة، إن كانت فقط توضح ما هو مكتوب: “القلب الفرحان يجعل الوجه طلقًا” (أم 15: 13). أما الضحك الأجش والذي بلا ضبط لحركات الجسم فهو ليس بمؤشرٍ عن نفس لها تدبيرها الحسن المعتدل أو عن وقارٍ شخصي أو من يسود على نفسه.
هذا النوع من الضحك يشجبه الجامعة خاصة بكونه مخربًا لثبات النفس، وذلك بالكلمات: “للضحك قلت:خطأ (مجنون)” (جا 2: 2). مرة أخرى: “كصوت الشوك تحت القدر هكذا ضحك الجهلاء” (جا 7: 6). علاوة علي هذا فإن الرب يظهر أنه أختبر هذه العواطف الضرورية الملازمة للجسم، كما أيضًا تلك التي ترتبط بالفضيلة، كمثال الحزن مع الحزاني والحنو عليهم، ولكن كما نعلم من قصة الإنجيل أنه لم يضحك قط. على العكس أعلن عن الذين يستسلمون للضحك أنهم غير سعداء (لو 6: 25).
لا نسمح لكلمة (الضحك) أن تخدعنا إذ لها معنيان.
فكثيرًا ما تستخدمها الأسفار المقدسة عن فرح الروح وبهجة المشاعر التي تتبع الأعمال الصالحة. كمثالٍ تقول سارة: “قد صنع إليّ الله ضحكًا” (تك 21: 6). ويوجد قول آخر: “طوباكم الباكون الآن، لأنكم ستضحكون” (لو 6: 21). بطريقة مماثلة كلمات أيوب: “عندما يملأ فاك ضحكًا” (أي 8: 21). كل هذه الشواهد للبهجة يشير إلى مرح النفس عوض المرح الصخب. لذلك من يكون سيدًا لكل هوى ولا يشعر بهياجٍ في مسرته، أو على الأقل لا يظهر تعبيرات خارجية، بل يميل إلي ضبط كل لذة ضارة بحزمٍ، مثل هذا فهو عفيف كامل، وهو في نفس الحق متحرر من كل خطية بكل وضوح…
إن كان إنسان يهرب من كل مثيرات الخطية لكنه يسقط فريسة ولو لواحدة منها، مثل هذا الإنسان ليس بعفيفٍ. وذلك كمن هو ليس بسليمٍ صحيًا متي عانى من مرضٍ واحد وحيد. وكمن يحسب ليس بالإنسان الحر من يسقط تحت سلطان أي شخص، بغض النظر عمن هو هذا الشخص[480].
القديس باسيليوس الكبير
“قلب الفهيم يطلب معرفة،
وفم الجهال يرعى حماقة” [ع 14]
قلب الفهيم لا يتشامخ بفهمه ومعرفته، إنما يعطش إلى أعماق جديدة للمعرفة، فيبقى دومًا يتطلع إلى نفسه كمن ينظر في مرآة في لغز، حتى يلتقي مع السيد المسيح – حكمة الله – وجهًا لوجه. عطشه للمعرفة وجوعه الدائم للحق يهبانه تواضعًا مع جدية وسعي للتمتع بخبرات سماوية إلهية جديدة.
أما فم الجهال فيفيض بما في قلوبهم من لهوٍ ومزاحٍ وعدم مبالاة بالأبدية، فتخرج كلماتهم كمرعى للحماقة، لا تشبع قلب أحدٍ ولا تسنده.
“كل أيام الحزين شقية،
أما طيب القلب فوليمة دائمة” [ع 15]
من لا يختبر عذوبة الخلاص يتملك الحزن على قلبه، وتأسره الكآبة، فيعيش في شقاءٍ وبؤس, أما من يتذوق حلاوة العشرة مع السيد المسيح، فيتحول قلبه إلى وليمة عرس بهجة. يفرح ويُفرِّح معه إخوته كما يبتهج الرب به، ويتهلل السمائيون بخلاصه.
V “افرحوا في الرب كل حين” (في 4: 4). هذا معناه أن نتيجة الوحدة في الفهم والإيمان هي أن يفرحوا في الرب، وأن يكون كل منهم عزيزًا لدى الآخرين. يقول: “افرحوا في الرب”، هذا قليل جدًا “وأقول أيضًا افرحوا”. فإنكم إذ تتحدون معًا بالقلب تفرحون في الرب، وإذ تفرحون في الرب، تتحدون بالقلب وتقفون في الرب[481].
ماريوس فيكتورينوس
- القناعة مع الحب
“القليل مع مخافة الرب،
خير من كنز عظيم مع هم” [ع 16]
هنا يقيم مقابلة بين مخافة الرب والهم، وكأن مخافة الرب ترتبط بالتسليم الداخلي الحقيقي والاتكال على القدير والتمتع بالسلام الداخلي. والحرمان من المخافة الإلهية يفقد الإنسان سلامه، حتى وإن تمتع بكنوز هذه مقدارها.
ليس من وجه للمقارنة بين دانيال المسبي بلا إمكانيات وجماعة الحكماء والسحرة مشيري أعظم ملك في ذلك الحين. الأول اقتنى مخافة الرب، فرفض أن يأكل من أطايب الملك المقدمة للأوثان، ليس من أجل صحته الجسدية (رجيم)، وإنما لأجل مخافة الرب، فصار الرجل الثاني بعد أعظم ملوك ذلك الزمان، أما الحكماء فكادوا أن يُقتلوا لو لم ينقذهم دانيال النبي بتفسيره حلم الملك.
“أكلة من البقول حيث تكون المحبة،
خير من ثور معلوف ومعه بغضة” [ع 17]
V هذه هي ذكرى لما سبق فقلناه إن البقول ليس أغابي في ذاتها، إنما يجب أن تُمارس الوجبات بمحبة. الطريق الوسطى هي الطريق الصالحة في كل شيء، وبالأخص في الولائم. المبالغات في الواقع خطيرة، التواضع حسن، وكل ما يتجنب الحاجة المُلحة فهو متواضع. الاشتياقات الطبيعية لها حدودها بالشبع الداخلي[482].
القديس إكليمنضس السكندري
V “أكلة من البقول حيث تكون المحبة خير من ثور معلوف ومع بغضة” (أم 15: 17). غالبًا ما نفضل الضيافة البسيطة الاقتصادية من المستضيفين الذين يقابلوننا بضميرٍ صالحٍ – ولكن ليس لديهم القدرة أن يقدموا ما هو أكثر – عن الذين بكلمات متعجرفة متشامخة ضد معرفة الله (2 كو 10: 5)، ويغووننا بتعلم غريب عن أب ربنا يسوع (مت 5: 17)[483].
العلامة أوريجينوس
V كن مقتنعًا بما لديك، ولا تسمح بتحسين حالك بإصابة قريبك بضررٍ. تجد سبيل عيشك في بساطة البراءة. من له صلاحه الخاص به لا يعرف شيئًا عن وضع كمين للآخرين. إنه غير ملتهبٍ بالرغبة التي للطمَّاع، الذي ينال ربحه على حساب الفضيلة وبدافع الجشع. لذلك يلزمه أن يتعرف على بركاته، فيصير الفقير سعيدًا بحق، إذ يعيش بالبرّ بطريقة أفضل من كل كنوز العالم، فإن “القليل ومعه مخافة الرب أفضل من كل كنوز عظيمة بدون مخافة”… ليتنا نستخدم وزناتنا لطلب النعمة ونوال الخلاص، وليس بالتحايل على الغير الذين لم يضرونا في شيء[484].
V إذ يدعو أحد ضيوفًا جائعين للعشاء ولهم شهية مفتوحة للأكل، فإنه وإن قدم مائدة متواضعة تبدو وفيرة في نظر الضيوف الذين يسقطون على الأطباق برغبةٍ عظيمةٍ. بنفس الطريقة بخصوص الشهية الروحية التي لكم، فلا تتخلفوا، إن كنا نقدم لكم مائدة فقيرة وضيعة نقدمها بطريقة عادية أمام صلاحكم.
هذا أيضًا ما لاحظه حكيم فقال: “أكلة من البقول حيث تكون المحبة خير من ثورٍ معلوفٍ ومعه بغضة” (أم 15: 17)، مقترحًا أن المحبة تعطي وجهة نظر مختلفة، فتظهر الأمور العادية أمام أعينها غنية، وتظهر النفايات شهامة وسخاء[485].
القديس باسيليوس الكبير
V حسنة هي الضيافة بالبقول. إنني سأوضح ما يقوله (سليمان). من يخاف الرب ويُسر بمنافع الناس، خير له أن يكون له القليل عن أن يكون له الكثير. حقًا المسرة ليست في الوفرة (من الخيرات)، إنما الوفرة هي في المسرة[486].
القديس يوحنا الذهبي الفم
- السلام مع طول الأناة
“الرجل الغضوب يهيج الخصومة،
وبطيء الغضب يسكن الخصام” [ع 18]
التسرع في الغضب هو ثمرة طبيعة للكبرياء، حيث لا يحتمل المتكبر من يجرح مشاعره بإهانة، أو بما يبدو له من سلبٍ لحقوقه، فتلتهب فيه نيران الغضب، ويصعب عليه إخمادها، ويتحول الغضب إلى الخصومة وهياج. أما المتواضع فيشتاق إلى كسب كل نفسٍ مهما كانت التكلفة، وإن وجدت خصومة يقوم بتلطيفها خلال الكلام اللين.
عندما حمى غضب شاول الملك على داود حاول قتله، ولم يحتمل دفاع ابنه يوناثان عنه، حتى صوّب الرمح نحوه ليطعنه (1 صم 20: 33). صمم شاول على قتل داود، وعندما سقط شاول في يد داود لم يمسه بل قطع طرف جبة شاول، ولم يحتمل حتى ذلك إذ ضربه قلبه على ذلك. وفي لطف نادى وراء شاول، وخرَّ على وجهه إلى الأرض وسجد (1 صم 24: 8). وقال: “هوذا قد رأت عيناك اليوم هذا، كيف دفعك الرب اليوم ليدي في الكهف، وقيل لي أن أقتلك، ولكنني أشفقت عليك، وقلت لا أمد يدي إلى سيدي، لأنه مسيح الرب هو” (1 صم 24: 10). رفع شاول صوته وبكى، ثم قال لداود: “أنت أبرّ مني… الرب يجازيك خيرًا عما فعلته لي اليوم هذا”.
- الاجتهاد
“طريق الكسلان كسياج من شوك،
وطريق المستقيمين منهج” [ع 19]
بينما يظن الكسلان أنه يستريح بعدم العمل، إذا بسياج من الشوك ينبت في أعماقه كما حَوله، فلا يجد سلامًا في أعماقه. أما السالك باستقامةٍ وباجتهادٍ، فمع كل ما يلاقيه من مقاومات، يصير طريقه ممهدًا. تتحول المضايقات إلى العمل لحسابه.
الأول مع كل تراخٍ تتعقد كل الأمور في حياته، فتصير حياته سلسلة من السأم الذي يحل به. أما الثاني إذ يعرف الطريق، ويتلمس هدفه في الحياة، يصعد من درجة إلى درجة. وإن تعثر في الطريق يقوم بأكثر قوة في رجاء مفرح.
إذ لم يعرف داود الكسل ترنم قائلاً: “لأني بك اقتحمت جيشًا،، وبإلهي تسورت أسوارًا” (مز 18: 29).
V إذ ينحرفون عن الطريق الملوكي يعجزون عن أن يصلوا إلى المدينة التي يلزمنا أن نبلغ إليها في رحلتنا، ويفقدون اتجاههم. يقول الجامعة: “تعب الجهلاء يحل بالذين لا يعلمون كيف يذهبون إلى المدينة” (جا 10: 15)… أعني أورشليم السماوية أمِّنا جميعًا (غل 26: 4)[487].
القديس يوحنا كاسيان
V يوجد أولئك الذين يُدعون كسالي في سفر الحكمة، الذين يكسون طريقهم بالأشواك، ويحسبون الغيرة في حفظ وصايا الله أمرًا مضرًا للنفس، المعترضون على الوصايا الرسولية، الذين لا يأكلون خبزهم بالتعب، وإنما يترددون على الغير، ويجعلون من الخمول سُنة الحياة. عندئذ الحالمون، الذين يحسبون خداعات الأحلام موضع ثقة أكثر من تعاليم الأناجيل، ويدعون الخيالات إعلانات. بخلاف هؤلاء يوجد أيضًا الذين يقيمون في بيوتهم، ويحسبهم الغير غير اجتماعيين وحشيين لا يعرفون وصية الحب ولا يعرفون ثمر طول الأناة والتواضع[488].
القديس غريغوريوس النيسي
- تهليل الأسرة به
“الابن الحكيم يُسر أباه،
والرجل الجاهل يحتقر أمه” [ع 20]
جاء هذا المثل مشابهًا ما ورد في أمثال 10: 1.
وكما سبق فقيل إن الابن الحكيم يشير إلى المؤمن الذي يفرح به أبوه السماوي، ويستقبله كوارثٍ للآب، وارث مع المسيح. أما الإنسان الجاهل الذي يعتد بآرائه الشخصية في تشامخٍ فيحتقر الكنيسة أمه، حاسبًا نفسه أكثر حكمة وفهمًا وروحانية من الكنيسة.
- فهم وتروٍ
“الحماقة فرح لناقص الفهم،
أما ذو الفهم فيُقوِّم سلوكه” [ع 21]
الإنسان الجاهل، ناقص الفهم، يجد مسرته في الشر، وفي تصرفاته غير المسئولة الحمقاء، أما ذو الفهم فيسلك في مخافة الرب باستقامة، ويرفض الملذات الشريرة واللهو والمزاح.
“مقاصد بغير مشورة تبطل،
وبكثرة المشيرين تقوم” [ع 22]
الإنسان الحكيم لا ينفرد برأيه في الأمور الهامة، بل يستمع لأصحاب المعرفة والخبرة. لعله لهذا السبب أرسل الرب تلاميذه ورسله اثنين اثنين، حتى يتشاورا معًا، ويشتركا في الكرازة والعبادة.
- كلمات حكيمة مفرحة
“للإنسان فرح بجواب فمه،
والكلمة في وقتها ما أحسنها” [ع 23]
الإجابة اللائقة في الوقت المناسب، وبأسلوب لائق، وفي حدود سليمة تبهج قلب المتكلم وقلب المستمع، ولا تترك مجالاً للإنسان أن يأسف على ما نطق به.
هنا يركز على أسلوب الإجابة وعلى اختيار الوقت المناسب. فالإجابة السليمة في الوقت غير المناسب قد تضر أكثر من الصمت وعدم الإجابة. وأيضًا الإجابة الخاطئة في الوقت المناسب قد تسبب كارثة!
“طريق الحياة للفطن إلى فوق
للحيدان عن الهاوية من تحت” [ع 24]
إذ يتمتع الحكيم بالحيـاة الحقيقية يعيش دومًا في مصاعد، يرتفع من مجدٍ إلى مجد (2 كو 3: 18)، وفي نفس الوقت يتفادى الانحدار إلى أسفل في الهاوية.
لا تعرف الحياة السكون، إما صعود نحو السماويات أو انحدار نحو الهاوية. ويشبِّهها البعض بمن يسبح في وسط النهر، إما يُكمل طريقه ليعبر إلى الشاطئ أو يتوقف عن السباحة فيغرق.
أمام الإنسان طريقان، طريق الحياة لا يعرف الخمول أو طريق الموت.
V لا يستطيع من يسعى في إثر الكمال، ويتمسك بالصعود إلى السماء، ويتطلع إلى درب العلو، أن يتمتع ويتوقف في علوٍ واحدٍ، ظانًا أنه اكتمل في عمله، ولم يعد في حاجة إلى الصعود إلى درجة أخرى، لكنه يسرع يوميًا ليرتفع إلى الأعلى، إلى أن يفتح له الموت الباب ليبلغ إلى ميناء القديسين. أقول لك يا محب الفضائل، يحسن بك أن تفكر وتتأمل أن تتقدم نحو الأمام. ويجدر بك أن تحسب أنه توجد سيرة أعظم من سيرتك. لو فكرت أنك تسلقت بواسطة الفضيلة بقدر ما كان ينبغي أن تتسلق، لكان سعيك باطلاً، وتبدأ في الهبوط بسبب الادعاء الذي يخامر نفسك، فتنحدر من جمال التواضع[489].
V إنني أصرخ بكل قواي: إذا وجدت موضعًا أبعد منك أهرب إليه، وإذا وجدت موضعًا في داخلك فانزوي إليه. لا تتوقف عن الهروب، ولا تسترح من الركوض إلى أن تدرك ذاك الذي من أجله أدركك المسيح (في 3: 13)[490].
القديس مار يعقوب السروجي
V يتم النمو تدريجيًا من الطفولة حتى النضوج والكمال في المسيح. لأن الإيمان يزداد بواسطة عمل الروح القدس الإلهي وينمو. وتبعًا لذلك تتحطم حصون الأفكار الشريرة تدريجيًا إلى أن تنهدم بالكلية[491].
القديس مقاريوس الكبير
- استقرار عائلي
“الرب يقلع بيت المتكبرين،
ويوطِّد تخم الأرملة” [ع 25]
لم يُقل عن الله أنه يقاوم فئة معينة من البشر سوى المستكبرين (1 بط 5: 5). هنا يؤكد أنه يقتلعهم كما من جذورهم، إذ يحملون روح إبليس الذي بكبريائه أراد أن يقيم من نفسه إلهًا معبودًا تخضع له كل الخليقة.
ذاك الذي يقاوم المستكبرين المعتدِّين بإمكانيتهم وقدراتهم وسلطانهم، يهتم بتخوم الأرملة التي يطمع فيها الكثيرون ليسلبوا حقوقها ويستولوا على ممتلكاتها. إنه قاضي الأرامل وأب الأيتام والمدافع عن المظلومين والمُضطهدين والمُذلين.
“مكرهة الرب أفكار الشرير،
وللأطهار كلام حسن” [ع 26]
إن كان الله يبغض الذبائح والتقدمات التي يقدمها الأشرار المصرون على شرورهم، فإنه يليق بهم أن يتخلوا عن شرورهم وأفكارهم الدنسة التي لا يطيقها القدوس.
يبغض الله الأفكار الشريرة، ويُسر بكلمات أولاده المقدسين، ويقبلها كتسابيح شكر طاهرة مقبولة ومرضية لديه.
V إن كانت الكلمة الشريرة مكرهة الرب إلهكم، كم بالأكثر تكون الكلمة الشريرة الجاحدة (للإيمان) والتي تعلن علنًا عن إله آخر، والقَسَمْ الشرير[492].
V نحن لا نقسو على الذين يتوبون. بالأحرى الأشرار هم أشرار لأنفسهم، لأن من يجهل التعليم يبغض نفسه. ومع هذا فإنه يلزمنا أن نطلب لهم الشفاء بكل طريقة ممكنة، حتى بالنسبة للشخص الذي انحرف تمامًا، ولم يعد يشعر بشروره، بل يسكر بمسكر أخطر من الخمر، المُسكر الذي يصدر عن ظلمة الشر[493].
العلامة أوريجينوس
“المولع بالكسب يكدِّر بيته،
والكاره الهدايا يعيش” [ع 27]
يشير البيت إلى الكنيسة، يكدّرها من يحولها عن رسالتها الروحية إلى عملٍ تجاري، أو عن قداستها، كما كدّر عاخان بن كرمي شعب الله كله (يش 7: 25).
ربما يشير هنا إلى القضاة والشهود، إذ تلعب محبة المال أحيانًا دورًا خطيرًا في المنحرفين منهم، فيحكمون أو يشهدون بالزور من أجل هدايا أو رشاوى تُقدم لهم، دون اعتبار لمشاعر المظلومين ومصائرهم.
- قلب متعقل
“قلب الصدِّيق يتفكر بالجواب،
وفم الأشرار ينبع شرورا” [ع 28]
لا يسرع الإنسان البار بالكلام، بل يعطي الفرصة لقلبه أو فكره أن يدرس الأمر ليصدر إجابة حكيمة صادقة. أما الأشرار فينطقون في تهورٍ دون تفكيرٍ أو تروٍّ، لأن ما يشغلهم مكاسبهم المادية أو المعنوية.
يخشى البار الرب لا الناس، فيزن كل كلمة بكل تدقيقٍ، حتى لا يُغضب الله أو يظلم أحدًا.
- قرب لله
“الرب بعيد عن الأشرار،
ويسمع صلاة الصدِّيقين” [ع 29]
اقتبس القديس بطرس الرسول عن المرتل القول: “لأن عينيّ الرب على الأبرار، وأذنيه إلى طلبتهم، ولكن وجه الرب ضد فاعلي الشر” (مز 34: 15-16؛ 1 بط 3: 12). حقًا إن الله يسمع كل شيء، ويرى كل شيء، لكن الأشرار ليسوا أهلاً أن يكونوا موضع معرفة الله ونظره وسماعه لهم. يصيرون كأنهم بعيدون عنه، إذ لا شركة بين القدوس والشر!
V بائس هو الإنسان الذي له أقنعة للشر، وسعيد هو الإنسان الذي له أقنعة كثيرة للصلاح[494].
V “الأشرار كالتراب الذي يذريه الريح” (مز 4:1). يقول الكتاب المقدس إن الشرير سيكون بائسًا، فلا يكون حتى كتراب الأرض. فالتراب يبدو كأن ليس له كيان، لكن حتمًا له نوع من الوجود في ذاته… إنه يتبعثر هنا وهناك وليس له موضع واحد بل يجرفه الريح، وليس له قوة للمقاومة. نفس الأمر بالنسبة للشرير. ما أن ينكر الله حتى تجرفه نسمة الشيطان بالضلال ويلقيه أينما أراد[495].
القديس جيروم
V سيقبل الله أولئك الذين يتوبون، ويعاقب الذين يبقون في خطاياهم[496].
الأب هيسخيوس الأورشليمي
- فرح داخلي
“نور العينين يفرح القلب،
الخبر الطيب يسمن العظام” [ع 30]
الأخبار المؤلمة تفسد سلام الإنسان وتنزع عنه فرحه الداخلي، وتؤثر حتى على صحته الجسدية. والأخبار المفرحة في الرب تنعش النفس، وتقوي عظام الإنسان، أي هيكله الداخلي، وتؤثر حتى على صحته.
تعبير “سمنة العظام” يقابله “جفاف العظام”، وهو يناسب البلاد التي تعتمد على الأمطار، فإذا حدث جفاف تفقد البلد رخاءها وتحل بها مجاعة، وقد تصاب بأمراض. فسمنة العظام تشير إلى الرخاء والانتعاش وفيض الخيرات.
- استماع وتعقل
“الأذن السامعة توبيخ الحياة تستقر بين الحكماء” [ع 31]
أول كلمة في الوصايا العشرة “اسمع”، فالذي يهتم أن ينصت لصوت الحق يتأهل للانضمام إلي جوقة الحكماء.
الاستماع بروح الطاعة مرتبط بالحكمة.
“من يرفض التأديب يرذل نفسه،
ومن يسمع للتوبيخ يقتني فهما” [ع 32]
المتكبر الذي لا يقبل التأديب لا يرذل المشيرين بل يرذل نفسه، ويستخف بأبديته. أما من يتقبل كلمات النقد باهتمامٍ شديدٍ فينال فهمًا ومعرفة.
V يا لسعادة من يُميت إرادته، ويترك تدابير نفسه لذاك الذي أعطاه الله إياه أبًا ومعلمًا، فسيكون موضعه عن يمين يسوع المسيح المصلوب[497].
القديس يوحنا الدرجي
V يزرع الشيطان الشر في الناس عن طريق كراهيتهم للإرشاد وعندئذ يسقطون مثل الأوراق.
V إذا طلب الإنسان المشورة يكتشف خطط العدو. وإذا خضع للإرشاد يهرب الشيطان ولن يقدر أن ينشر شباكه. لذلك يحث الآخرين دائمًا إلا يخضعوا للإرشاد وألا يطلبوه.
القديس دوروثيؤس من غزة
- التواضع واهب الكرامة
“مخافة الرب أدب حكمة،
وقبل الكرامة التواضع” [ع33]
يختم حديثه في هذا الأصحاح بمخافة الرب التي ينالها المتواضعون، فينالون أدبًا وحكمة، ويكرمهم الله كما البشر. كأن الدرس الأول والأخير هو طلب مخافة الرب بروح التواضع فنتعلم من الله الذي يرفع المتواضعين.
V التواضع صالح في كل وقت، وهو ينجى الذين يقتربون منه من كل ضيق.
ثمار التواضع عديدة، فهو يلد خيرات كثيرة. منه يُولد الكمال، وبه تزكى نوح أمام الله فخلصه، كما هو مكتوب أن الله قال له: “لأني إياك رأيت بارًا وكاملاً في جيلك” (أنظر تك 7: 1)[498].
القديس أفراهاط
V يريدنا ألا نغتصب الرئاسات لأنفسنا، بل نبلغ العلويات السامية بالتواضع… يا لعظمة التواضع، إذ تربح (النفس المتواضعة) سكنى الآب والابن والروح القدس[499].
الأب ثيؤفلاكتيوس
V رفع التواضع موسى، أما المتكبرون فابتلعتهم الأرض.
V البس التواضع كل حين، وهو يجعلك مسكنًا لله[500].
V تسربل يا أخي بالتواضع كل حين فإنه يُلبس نفسك المسيح معطيه[501].
القديس يوحنا سابا
من وحي أمثال 15
احملني فاَبتهج بك يا حكمة الله!
V لاَقتنيك يا كُلي الحنو، فأنعم بطول الأناة.
لن تخرج من فمي كلمة جارحة تثير نيران السخط.
بل تكون مملحة بملح روحك القدوس.
تبعث في نفسي كما في نفوس السامعين روح الفرح.
V لينفتح فمي، ويتكلم لساني، بما تسكبه أنت في قلبي.
تخرج كل كلمة لبنيان نفسي، وبنيان إخوتي،
ولا يكون للحماقة مكان على لساني.
V إذ أتكلم أراك بالحب تتطلع إلى كلماتي كما إلى قلبي!
نظراتك ترفعني كما إلى السماء.
عيناك تسحقانني بالحب الفائق.
V لساني لن ينطق إلا بكلمات السلام,
إذ هو سوي، يتقدس بك،
يصير كشجرة حياة، اقتطف منها ثمرًا لنفسي!
احملني بحبك، وأدبني حسب رحمتك.
فأنت أبي، كُلي الحكمة والحنو.
ترعاني في مراعيك العجيبة،
تسندني بعصاك وعكازك.
فلا أَنحرف يمينًا ولا يسارًا.
V أتطلع إلى أعماقي، فأراك ساكنًا فيها.
أراك كنزي الذي لن يسلبه مني أحد.
أراك تشرق عليَّ بنور المعرفة.
وتتقبل كل عبادة مني موضع سرور لك.
تهبني برّك فأعيش به، تملأني فرحًا سماويًا،
يصير وجهي دائم البشاشة بفضل نعمتك!
V حولت قلبي إلى وليمة دائمة!
وليمة حب نحوك، ونحو البشرية.
V أراك دائم العمل في حياتي،
تنزع عن قلبي شوك الكسل وحسك التراخي.
تهبني روح الاجتهاد الدائم،
والنمو بلا انقطاع!
V لأعمل بك ومعك،
أطلب دومًا إرشاد روحك القدوس.
وانحني بالطاعة لعروسك، الكنيسة المقدسة.
بك أتواضع، لأنك وديع ومتواضع القلب.
V ترملت زمانًا طويلاً،
لكنك قبلت نفسي عروسًا لك،
فأنت قاضي الأرامل، وسند الضعفاء.
V أخيرًا ماذا أطلب إلا أن تهبني مخافتك.
بمخافتك أطلب الحكمة التي عندك.
بمخافتك ينهدم كل تشامخ وكبرياء في داخلي.
بمخافتك تصير برِّيتي جنة مبهجة،
تقدم دومًا ثمر روحك القدوس!
تفسير أمثال 14 | تفسير سفر الأمثال | تفسير العهد القديم |
تفسير أمثال 16 |
القمص تادرس يعقوب ملطي | |||
تفاسير سفر الأمثال | تفاسير العهد القديم |