تفسير سفر صموئيل الأول ٢٩ للقمص تادرس يعقوب
الأصحاح التاسع والعشرون
عدم اشتراك داود في الحرب
كان داود بلا شك في مأزق، تظاهر بالخروج مع الأعداء الساكن في وسطهم لمحاربة شعبه، أما قلبه فكان مُحطمًا. أعلن أقطاب الفلسطينيين لأخيش عدم ثقتهم في داود، وكانت هذه الإهانة ملجأ داخليًا لداود، إذ قال: “إنفلتت أنفسنا مثل العصفور من فخ الصيادين، الفخ انكسر ونحن انفلتنا” (مز 124: 7).
- رفض اشتراك داود [1-5].
- أخيش يعتذر لداود [6-11].
- رفض اشتراك داود:
تحرك جيش الفلسطينيين من شونم نحو الجنوب إلى أفيق بالقرب من معسكر الإسرائيليين الذين كانوا قد انتقلوا إلى يزرعيل بالقرب من جبل جبلوع، عند عين هناك، ربما “عين حرود” الحالية، التي نزل إليها جدعون (قض 7: 1). وجاء داود ورجاله مع أخيش في مؤخرة جيش الفلسطينيين، أما قلب داود فكان يحترق من جهة موقفه الحرج، فهو لا يستطيع أن يهرب برجاله عندما تدور المعركة فيحسبه أخيش خائنًا، إذ استضافه في بلاده وأعطاه كل إمكانية للعمل بحرية، وإن دخل المعركة مع الفلسطنيين يشعر بخيانته لوطنه وشعبه. ماذا يحدث لو قتل شاول؟ أما ينظر الشعب إلى أن داود المتحالف مع الأعداء هو القاتل؟
كانت التجربة قاسية للغاية، لكن كما قيل: “الله أمين الذي لا يدعكم تُجربون فوق ما تستطيعون بل سيجعل مع التجربة أيضًا منفذًا” (1 كو 10: 13).
- أخيش يعتذر لداود:
عبر أقطاب الفلسطينيين، أي عظماء المدن الكبرى إلى أخيش يطالبونه برجوع داود إلى موضعه في صقلغ وألا ينزل معهم إلى الحرب لئلا ينقلب عليهم أثناء المعركة، قائلين له:
“أرجع الرجل فيرجع إلى موضعه الذي عينت له ، ولا ينزل معنا إلى الحرب، ولا يكون لنا عدوًا في الحرب.
فبماذا يرضى هذا سيده؟ أليس برؤوس أولئك الرجال؟
أليس هذا هو داود الذي غنين له بالرقص قائلات: “ضرب شاول ألوفه وداود ربوات؟” ]4-5].
كان أخيش يحب داود جدًا ويثق به فدافع عنه أمام الأقطاب لكنه كان واحدًا بين الخمسة لذا خضع لهم، لذا اعتذر لداود طالبًا منه أن يرجع بعد أن أقسم بالرب أنه يعلم باستقامته وأنه يشتاق أن يشترك معه في الحرب، وأنه لم يجد فيه شرًا من يوم مجيئه حتى وقت الحديث معه، وأنه يتطلع إليه كملاك الله.
حقًا، ما أعظم شهادة الخارجين عن نقاوة قلب الإنسان وصلاحه! فإن الحياة الصالحة لا يمكن أن تختفي أو تُنكر!
لقد طلب أخيش من داود أن يرجع مع رجاله بسرعة حتى تبدأ المعركة: “بكر صباحًا مع عبيد سيدك” دعاهم عبيد شاول، لأن داود ورجاله لم يغيرِّوا جنسيتهم.
لقد وجد داود الحل للمأزق الذي عاش فيه ورجع إلى صقلغ، لكن نفسه مُرّة من أجل شعبه.