تفسير سفر إشعياء أصحاح 62 للقمص تادرس يعقوب

الأصحاح الثاني والستون

الكنيسة عروس المسيح

يعلن الله عن غيرته على صهيون الجديدة، كنيسة العهد الجديد، بقبولها عروسًا مقدسة تحمل اسمًا جديدًا، وتتمتع بمجد عريسها السماوي، يحرسها بجنوده السماويين ويجعل من حياتها سرّ فرح وتهليل للبشرية…

اسم جديد وحياة مجيدة   [1-3].

من أجل صهيون لا أسكت ومن أجل أورشليم لا أهدأ حتى يخرج برّها كضياء، وخلاصها كمصباح يتقد، فترى الأمم برّك، وكل الأمم مجدك، وتسمين باسم جديد يُعيّنه فم الرب[1-2].

المتحدث هنا هو كلمة الله الذي تحتل الكنيسة مركز قلبه، فقد جاء إلى العالم ليخطبها لنفسه عروسًا أبدية. إن كان بوعز لم يهدأ حتى يتمم أمر زواجه براعوث  الأممية (را 3: 18)، فإن السيد المسيح لا يتوقف عن العمل الدائم حتى يضم إلى نفسه الكنيسة التي اقتناها بدمه الثمين عروسًا له. إنه شمس البر الذي يشرق عليها فتحمل بره برًا لها. وتتمتع بالبهاء وتصير مصباحًا روحيًا لا تقدر كل رياح العالم أن تطفئه. يُناجيها قائلاً: “وجملتِ جدًا جدًا فصلحتِ لمملكة، وخرج لكِ اسم في الأمم لجمالك لأنه كان كاملاً ببهائي الذي جعلته عليكِ يقول السيد المسيح” (حز 16: 13-14).

يهبها السيد المسيح بهاءه داخلها ومجده مجدًا لها فتتمتع بالتجديد الذي يشمل حتى الاسم علامة التجديد الكامل: “وتسمين باسم جديد يعينه فم الرب“. فإنه إذ جاء السيد المسيح وقدم لنا بروحه القدوس تجديدًا حملنا اسمه كاسم جديد وصرنا “مسيحيين”. لهذا كان المدافعون الأولون مثل الفيلسوف أثيناغوراس يقول: [إن الاتهام الحقيقي الذي كان موجهًا ضد المسيحيين هو اتهام “الاسم”. فكان الاضطهاد عنيفًا ضدهم ليس لأجل جريمة ارتكبوها،

وإنما لأجل الاسم الذي حملوه.

تمتعت كنيسة العهد الجديد بالانتساب إلى اسم المخلص كمصدر حيّ للتمتع ببره الفائق كسرّ جمال لها: “وتكونين إكليل جمال بيد الرب، وتاجًا ملكيًا بكف إلهكِ[3]. يدعوها الرب “إكليل جمال” و “تاجًا ملوكيًا” لا لتوضع على رأس الرب لأنه لا يحتاج إلى كرامة إضافية، إنما هي في يده؛ هي عمل يديه، مجدها من صنعه هو. يعتز بها ويبقى هو الرأس وهي جسده المجيد.

عروس سماوية   [4-5].

أحد الأسماء الجديدة التي تمتعت بها الكنيسة هي “عروس المسيح”. “لا يُقال بعد لكِ مهجورة، ولا يُقال بعد لأرضك موحشة، بل تدعين حفصيبة وأرضك تُدعى بعولة، لأن الرب يُسر بك وأرضك تصير ذات بعل؛ لأنه كما يتزوج الشاب عذراء يتزوجك بنوك، وكفرح العريس بالعروس يفرح بك إلهك[4-5].

خارج المسيح المخلص كانت تدعى “مهجورة” و”موحشة”، كأرض قفر بلا حياة ولا ثمر وكفتاة هجرها الكل فصارت نفسًا خربة يُحطمها الشعور بالعزلة والترك. الآن بالمسيح صارت عروسًا أبدية سماوية لذا حملت لقبين مكرمين عوض الاسمين القديمين: “حفصيبة” وتعني “مسرتي بها” و”بعولة” أي “ذات البعل” أو “متزوجة”؛ صارت موضع سرور الله تعيش في حضن عريسها السماوي.

يحب بنوها أرضها ويعملون بسرور وبهجة كأنهم متزوجون الكنيسة، يعملون لحسابها لا كعبيد ولا كأجراء ينتظرون المكافأة وإنما كبعل يُسر بعروسه يطلب راحتها وترفها… هذه هي سمة أولاد الله الذين بفرح يكرسون قلوبهم وأفكارهم وطاقاتهم للعمل في كنيسة المسيح.

يلاحظ أن هذه العروس فريدة وعجيبة من جهة الآتي:

أ. أنها عذراء وأم لها بنين في نفس الوقت، الأمر الذي لن يتحقق في حياة أية فتاة، لكنه تحقق في القديسة العذراء مريم والدة الإله. فقد ولدت يسوع رب المجد وبقيت دائمة البتولية، لأن ابنها واهب البتولية، فصارت العضو الأمثل في الكنيسة.

كنيستنا عذراء عفيفة (2 كو 11: 2)، وهي أم المؤمنين في نفس الوقت.

نحن أيضًا إذ نتقبل العضوية الكنسية تصير نفوسنا في الداخل بتولاً عفيفة، وبالحب تحمل نوعًا من الأمومة نحو البشر.

v   يلزم أن تكون بتوليتكم روحية…

حقًا لا يقدر كثيرون أن يكونوا بتوليين حسب الجسد، لكن يلتزم كل مؤمن أن يكون بتولاً حسب الروح.

إذن تيقظي يا نفسي، واحرصي على بتوليتك.

v   أم السيد المسيح عذراء، وعروسه “الكنيسة” عذراء أيضًا.

القديس أمبروسيوس[658]

v   النعمة جعلت العذراء أمًا ولم تحل بتوليتها.

الأب ثيؤدسيوس أسقف أنقرة[659]

ب. بقوله: “كما يتزوج الشاب عذراء يتزوجك بنوك[5]، يكشف عن وحدة الكنيسة فقد حسب كل أولادها أشبه بشاب واحد، لأن الجميع يعيشون بهدف واحد وغاية واحدة هي الاتحاد مع الآب في ابنه يسوع المسيح بالروح القدس. ومن ناحية أخرى يوضح أنه لا يعني الزواج بالمفهوم الجسداني، لأنه لا يليق بالأولاد أن يتزوجوا أمهم، إنما يعني تعلق أبناء الله بعروسه الكنيسة واتحادهم بها. أخيرًا تشبيه أبناء الكنيسة بالشاب يعني اتسامهم بالشبوبية الدائمة، حيث لا تلحق بهم شيخوخة ولا يصيبهم ضعف.

ج. بقوله: “وكفرح العريس بالعروس يفرح بك إلهك[5]، يكشف عن اتسام الكنيسة بالفرح الدائم، وعن بقائها في حالة عرس دائم فيه يشتاق الطرفان كل نحو الآخر. بمعنى آخر لا يَقْدَم العُرس ولا يخضع للزمن، إنما يبقى عرسًا دائمًا أبديًا.

والعجيب أنه في طقس الكنيسة القبطية توجّه الأنظار أثناء قداس الزواج نحو الكنيسة كعروس المسيح، وأيضًا نحو القديسة مريم كمثال حيّ للتمتع بعرس داخلي مع السيد المسيح. ففي نهاية خدمة هذا القداس يتغنى الشمامسة بهذا النشيد:

“السلام للعروس المضيئة،

أم الذي يضيئ،

السلام للتي قبلت إليها الكلمة الكائن في أحشائها،

السلام للتي هي أكرم من الشاروبيم،

السلام للتي ولدت لنا مخلص أنفسنا…”.

حراسة مع تهليل   [6-9].

عانى اليهود من السبي فحسبوا أنفسهم كزوجة هجرها رجلها أو أرض صارت قفرًا وها هو الرب يردهم ليصيروا أبناء عاملين في أرضهم (بلدهم). لكن ربما خشي البعض من التعرض للسبي مرة أخرى، لهذا يؤكد الرب حراسته لشعبه الراجع إليه.

إن كان عدو الخير قد أسرنا في أرضه، وحرمنا من أرض الموعد، ومن التمتع بالمقدسات السماوية، الآن بالصليب صرنا عروسًا للرب، ورجعنا كما إلى الفردوس كبيت خاص بنا أو كمدينة مقدسة نسكن فيها مع إلهنا الذي يُقيم حراسة مشددة يَقِظة عند أسوارنا تُراقب العدو ليل نهار بلا توقف [6].

من هم هؤلاء الحراس الذين يقيمهم الرب على كنيسته إلاَّ خدامه الأمناء اليقظين، خاصة بروح الصلاة الدائمة مع العمل الرعوي المملوء حبًا. هذا ما نلمسه في خدمة الرسول بولس القائل: “لذلك اسهروا متذكرين إني ثلاث سنين ليلاً ونهارًا لم أفتر عن أن أنذر بدموع كل واحد” (أع 20: 31). وأيضًا في خدمة صموئيل النبي القائل: “وأما أنا فحاشا لي أن أخطئ إلى الرب فأكف عن الصلاة من أجلكم بل أعلمكم الطريق الصالح المستقيم” (1 صم 12: 23). هكذا تلتحم الصلاة الدائمة مع الحب والتعليم المستمر بكونها جميعًا عمل حراسة لمدينة الرب.

في حياة الإنسان المسيحي الحق صاحب المعرفة الروحية العملية – الغنوسي- يلزم إقامة حراسة مستمرة داخلية، عبرّ عنها القديس اكليمندس الإسكندري بقوله: [يليق بالغنوسي أن يتأمل في الله قدر المستطاع[660]].

ما أروع العبارة: “يا ذاكري الرب لا تسكتوا، ولا تدعوه يسكت[6-7]. هكذا يدعونا الرب أن نذكره على الدوام ولا نسكت فيستجيب هو أيضًا ولا يسكت؛ نذكره فيذكرنا، فإنه مشتاق أن يُدخلنا معه في معاملات قوية ومستمرة، طالبًا أن يُثبتا كأورشليمه المجيدة، ويجعل منا “تسبيحة في الأرض[7]. كل من يتطلع إلينا أو يتلامس معنا يتمتع بأيقونة السماء، الفرح الداخلي الحق.

يهبنا الله أن نتمتع بثمر روحه القدوس من قمح وخمر ولا يغتصبه العدو منا. ما هو القمح إلاَّ التمتع بالشركة مع المسيح السنبلة الفريدة؟! وما هو الخمر إلاَّ عطية الروح القدس واهب الفرح؟! كأن سهرنا في الرب يحفظ شركتنا مع الله في المسيح يسوع قمحنا السماوي بواسطة روحه القدوس الخمر الفريد.

 

تهيئة الطريق لها   [10-12].

تهيئة الطريق للرب في حياتنا هو تهيئة لطريقنا نحن في سمواته. هو يعبر إلى أبواب قلوبنا ليحملنا إلى أبوابه الدهرية. أقام صليبه راية حب لنا لكي نجتاز بها المعركة الروحية وننال المكافأة السماوية. لذا قيل: “أعبروا أعبروا بالأبواب، هيئوا طريق الشعب، اعدوا اعدوا السبيل، نقوه من الحجارة، ارفعوا الراية للشعب. هوذا الرب قد أخبر إلى أقصى الأرض؛ قولوا لابنة صهيون: هوذا مخلصك آت ها أجرته معه وجزاؤه أمامه[10-11].

لقد جاء القديس يوحنا المعمدان يُهيئ الطريق للرب (مت 3: 3)، أما الذي يعمل حقيقة والذي يُكافئ فهو مخلص الكنيسة.

 

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى