الثورة المكابية بقيادة ألكسندرا

(٧٦-٦٧ق.م )

قلَّد اسكندر حنَّاؤس زوجته سالومة (ألكسندرا) المملكة قبل وفاته، وكان ابنها الأكبر ضعيفاً غير سياسي بعكس ابنها الأصغر. ولكن هذه لعلمهـا أن الابن الأكبر لها ويُدعى هركانوس لا يستطيع أن يمنعها مـن مباشـرة كافـة سلطات المملكة، قلَّدته المملكة. هذا بالإضافة إلى ميل هركـانوس الطبيعـي لمعاشرة الفريسيين ومحبتهم، الأمر الذي جعل ألكسندرا في أمان مطلق من جهة معاملتهم الدينية المستمرة، خصوصاً وأنها كانت ذا أخلاق وسـلوك متـزن وتقوى عميقة.

كما يصرح يوسيفوس أنها استعادت كافة التقاليد الفريسية في إدارة شئون البلاد، فكانت هي بمثابة القائم مقام الملك، وكان الفريسيون أصحاب التدبير والسلطان.

وهكذا بدخول ألكسندرا الحكم احتل الفريسيون السلطان المدني والديني في الدولة وتقلَّدوا سلطة القضاء، وبذلك شـكَّلوا لأول مـرة في تـاريخ إسرائيل المجمع القضائي الديني والمدني “السنهدريم” وهو يعتبر الهيئة المتبلورة من نظام “شيوخ الشعب ” الذي كان مسئولاً عن كافـة الأحـوال المدنيـة والدينية والسياسية أيضاً في تاريخ إسرائيل السابق.

وقد ابتدأت تتبلور هيئة السنهدريم (الشيوخ ) “جيروسيا Gerousia” منذ أيام أنطيوخس الثالث، وكانت صفته الغالبة من الكهنة ورؤساء الكهنة، فكان طابعه ارستقراطياً محضاً. ولكن باحتلال الفريسيين سلطة السنهدريم وعملـه تغيرت طبيعته فمالت بالأكثر ناحية الديمقراطية التي كان يمثلـها الفريـسيون.
ومن سلطة السنهدريم القضائية والمدنية بدأ الفريسيون يفرضـون تعـاليمهم وتقاليدهم الدينية، ولكن ليس بصفة مطلقة لأن ر ؤساء الكهنة والكهنـة كانوا لا يزالون يُمثَّلون في السنهدريم أيضاً . أي أن سلطة الـسنهدريم كـان يتنازعها الصدوقيون (الكهنة) والفريسيون، وتتبادلها النزعات الارسـتقراطية والديمقراطية معاً.

ومنذ أيام ألكسندرا، بدأ الفريسيون يفرضون سلطانهم وتقاليدهم على الأُمة كلها بشكل واضح وشديد وعلى مستوى الممارسـات والتطبيـق العملـي.
فانتهزوا الفرصة واستعادوا سلطان الناموس القديم وصفُّوه من شوائب الثقافات اليونانية التي تسربت وصاغت مفهومات جديدة للناموس تختلف كثيراً عمَّـا كان يفهمه ويمارسه الآبـاء . وقـد اعتمـدوا أولاً في تـصفيتهم للنـاموس من الشوائب الثقافية الجديدة سواء كانت فارسية أو يونانية علـى الأسـفار المكتوبة التي عمل الكتبة على نسخها ونشرها بتدقيق شديد، لأن الكتبة كانوا يتبعون بصفة عامة حزب الفريسيين ومنهجهم الديني.

ولأن الكلمة المكتوبة لم تكن من الوضوح الكافي الذي يسهَّل فهمهـا أو تطبيقها المباشر بواسطة الشعب، لزم تفسيرها وشرحها واقتراح طرق تتميمها بما يناسب الظروف المتغيرة والأحوال المدنية الجديدة، وكان هذا هـو عمـل الفريسيين الأول واختصاصهم بلا منازع !

وبازدياد تأثير الفريسيين على الشعب تقوَّى سلطانهم، وبازديـاد أهميـة السنهدريم ازدا د خطر الفريسيين لأنهم بدأوا ينحرفون ناحية التجبَّر والاستبداد بالرأي والتعسف في الحكم مع كثير من الجور والظلم.

وأول صدام مع السلطة الحاكمة كان مع ألكسندرا نفسها التي أفـسحت لهم المجال للعمل والاجتهاد بأن أملوا رأيهم عليها بضرورة الانتقام من شـيوخ اليهود الذين أشاروا على أسكندر حنَّاؤس بصلب الثماني مائة وبذبح نسائهم وبنيهم أمام أعينهم . وبدأوا فعلاً بحكم الإعدام وتمَّ التنفيذ على ثلاثة منـهم، وكان معظمهم من الصدوقيين، وبذلك بدأ الاحتكـاك . ولكـن ألكـسندرا انحازت للصدوقيين وحمتهم من عتو الفريسيين وسلَّمتهم عدة قلاع ليتحصنوا فيها إذا لزم الأمر. وكان أرسطوبولس (الثاني) الابن الأصغر لألكسندرا ممالئاً للصدوقيين وعدواً للفريسيين، كما كان مبغضاً لأُمه وسياستها.

فلمَّا بدأت ألكسندرا تضعف بدأ سلطان ابنها أرسطوبولس يزداد، وبدأت الاحتكاكات بدورها تأخذ حرارتها بين الصدوقيين الـذين كـان يرأسـهم أرسطوبولس والفريسيين الذين كان يرأسهم هركانوس . وماتـت ألكـسندرا سنة ٦٧ ق.م فبدأ الصدام على المسرح. 

فاصل

المراجع:

  1. تاريخ بني إسرائيل – الأب متى المسكين

فاصل

كما يمكنك أن تقرأ أيضاً

 

زر الذهاب إلى الأعلى