تفسير إنجيل متى 21 للقمص أنطونيوس فكري

الأصحاح الحادي والعشرون

مت1:21-11)

بيت عنيا وبيت فاجي هما من ضواحي أورشليم فهما تحسبان أنهما من أورشليم. فهناك طريق واحد منهما إلى أورشليم. وبيت عنيا توجد على السفح الشرقي، شمال جبل الزيتون، وبيت فاجي على السفح الشرقي، جنوب جبل الزيتون،

أمّا السفح الغربي لجبل الزيتون فيقع عليه بستان جثسيماني.ونلاحظ أن قمة جبل الزيتون تحجب رؤيا أورشليم عمن هو في بيت عنيا. وقد أتى المسيح إلى بيت عنيا لوليمة سمعان الأبرص عشية يوم الأحد.

ودخل المسيح فصحنا إلى أورشليم عشية يوم 10نيسان، وهو اليوم الذي يحفظ فيه خروف الفصح حتى يقدم يوم 14نيسان. فالمسيح دخل أورشليم في نفس اليوم الذي يختارون فيه خروف الفصح. كانت أورشليم تكتظ بالحجاج (أع8:2-11) ويقدرهم يوسيفوس بحوالي 2.700.000حاج.

ونلاحظ أن الأناجيل الأربعة إهتمت بهذا الأسبوع الأخير من حياة السيد المسيح فمثلًا إنجيل متى إشتمل على الإصحاحات 21-28 ليروي فيها ما حدث في هذا الأسبوع، أسبوع آلام السيد والذي قدّم فيه السيد نفسه ليكون فصحنا ويعبر بنا من الظلمة إلى ملكوته الأبدي.

 

الآيات (1-3): “ولما قربوا من أورشليم وجاءوا إلى بيت فاجي عند جبل الزيتون حينئذ أرسل يسوع تلميذين. قائلًا لهما اذهبا إلى القرية التي أمامكما فللوقت تجدان أتانًا مربوطة وجحشًا معها فحلاهما وأتياني بهما. وإن قال لكما أحد شيئًا فقولا الرب محتاج إليهما فللوقت يرسلهما.”

جاءوا إلى بيت فاجيومرقس يقول بيت فاجي وبيت عنيا.. وأنظر الرسم، ومنه نفهم أن حدود بيت عنيا وبيت فاجي مشتركة ولهم طريق واحد مشترك إلى أورشليم. وقلنا سابقًا أن بيت عنيا تعني بيت الألم والعناء. أمّا بيت فاجي فتعني بيت التين (ربما لكثرة أشجار التين فيها). ولكن التينة تشير للكنيسة التي يجتمع أفرادها في محبة، وهي في العالم في عناء (الحدود مشتركة) لكن المسيح في وسطها. يفرح بالحب الذي فيها ويشترك في آلامها ويرفعها عنها ويعزيها وهي على الأرض. أتانًا مربوطة وجحشًا معها= أمّا باقي الإنجيليين (مرقس ولوقا ويوحنا) فقد ذكروا الجحش فقط وقالوا لم يجلس عليه أحد قط. وقال معظم الآباء أن الأتان المربوطة تشير لليهود الذين كانوا مؤدبين بالناموس مرتبطين به، خضعوا لله منذ زمان. لكنهم في تمردهم وعصيانهم مثل الحمار الذي إنحط في سلوكه ومعرفته الروحية، يحمل أحمالًا ثقيلة من نتائج خطاياه الثقيلة، والحمار حيوان دنس بحسب الشريعة. وهو من أكثر حيوانات الحمل غباءً، هكذا كان البشر قبل المسيح. أمّا الجحش فيمثل الأمم الشعب الجديد الذي لم يكن قد استخدم للركوب من قبل، ولم يروَّض لا بالناموس ولا عَرِف الله، عاشوا متمردين أغبياء في وثنيتهم، لم يستخدمه الله قبل ذلك ولذلك فهم بلا مران سابق وبلا خبرات روحية. (مز12:49). أتان= أنثى الحمار. جحش= حمار صغير.

ومتى وحده لأنه كتب لليهود أشار للأتان والجحش، أمّا باقي الإنجيليين فلأنهم كتبوا للأمم أشاروا فقط للجحش. ربما ركب المسيح على الأتان فترة من الوقت، وعلى الجحش فترة أخرى ليريح الجحش. لكن الإنجيليين الثلاثة يشيروا لبدء دخول الإيمان للأمم.

ونلاحظ في (رؤ2:6) أن المسيح ظهر راكبًا على فرس أبيض يشير لنا نحن المؤمنين. فالمسيح يقودنا في معركة ضد إبليس وخرج غالبًا ولكي يغلب فينا. حينئذ أرسل يسوع تلميذين= رمز لمن أرسلهم المسيح من تلاميذه إلى اليهود والأمم. قولا الرب محتاج إليهما= هذه تشير لأن الله يريد أن الجميع يخلصون (يهودًا وأمم). ولاحظ أنه لم يقل ربك محتاج أو ربنا محتاج بل الرب محتاج فهو رب البشرية كلها، وأتى من أجل كل البشرية. وهو هنا يتطلع إلى البشرية ليس في تعالي بل كمن هو محتاج إلى الجميع، يطلب قلوبنا مسكنًا له وحياتنا مركبة سماوية تحمله. فحلاّهما= هذه هي فائدة الكرازة التي قام بها التلاميذ في العالم، أن يؤمن العالم فَيُحَّلُ من رباطات خطيته (يو22:20، 23) التي كان يحملها كما يحمل الحمار الأثقال على ظهره. الكنيسة تحل أولادها من رباطات الخطية ليملك عليها المسيح ويقودها لكن كفرس في معركة ضد الشيطان.

ونلاحظ أن المسيح لم يدخل أورشليم ولا مرّة، ولا أي مدينة أخرى في موكب مهيب بهذه الصورة سوى هذه المرة لإعلان سروره بالصليب، وهو قبل هذا الموكب فهو حسبه موكبه كملك يملك بالصليب. ويوحنا وحده الذي أشار لهتاف الجماهير بقولهم ملك إسرائيل. ونلاحظ أن المسيح لم يدخل كالقادة العسكريين على حصان، فمملكته ليست من هذا العالم، ويرفض مظاهر العظمة العالمية والتفاخر العالمي. ويطلب فقط مكانًا في القلوب، يحمل عنها خطاياها التي تئن من ثقلها (كالحمار) فترد لهُ جميله بأن تُسْكِنهُ في قلبها (مز22:73، 32) فيحولها لمركبة سماوية (مز10:18) إن قال لكما أحد شيئًا = غالبًا كان صاحب الحمار من تلاميذ المسيح الذين آمنوا به سرًا.

 

الآيات (4، 5): “فكان هذا كله لكي يتم ما قيل بالنبي القائل. قولوا لإبنة صهيون هوذا ملكك يأتيك وديعًا راكبًا على أتان وجحش ابن أتان.”

إبنة صهيون= أي سكان أورشليم (أش11:62+ زك9:9) والاقتباس تمامًا من السبعينية. يأتيك وديعًا = حتى لا يهابوه بل يحبوه لذلك دخل راكبًا أتان ولم يركب حصان في موكب مهيب كقائد عسكري. ولكنه الآن يركب حصان، فرس أبيض الذي هو أنا وأنت ليحارب إبليس ويغلب. ومن الذي يغلب إلاّ الذي دخل المسيح قلبه وملك عليه، فدخول المسيح أورشليم يشير لدخوله قلوبنا.

تطهير الهيكل (مت12:21-17 ):-

  • في بداية خدمة السيد المسيح طهَّرَ الهيكل (يو14:2-17). وهنا نسمع أنه يكرر تطهير الهيكل. ولكن نلاحظ فرقًا واضحًا بين متى ومرقس في ترتيب الأحداث فالإنجيلي متى يورد القصة كأنها حدثت بعد دخول المسيح إلى أورشليم مباشرة. أما مرقس فيذكر التفاصيل بصورة دقيقة. ففي يوم الأحد، يوم الشعانين عقب دخول السيد المسيح إلى أورشليم اتجه مباشرة للهيكل (مر11:11). ولم يفعل شيئًا سوى أنه نظر حوله إلى كل شيء. ثم نجد أن المسيح يذهب للهيكل صباحًا وفي طريقه إلى الهيكل لعن شجرة التين ثم ذهب للهيكل لتطهيره (مر15:11-19). ولا يوجد تناقض في هذا فمتى يكتب لليهود ويقدم لهم المسيح على أنه ابن داود الملك الذي دخل أورشليم كملك واتجه مباشرة إلى هيكله ليطهره، هنا متى لا يهتم بالترتيب الزمني بل بالمعنى أو الهدف من دخول أورشليم أن يذهب المسيح كملك إلى قصره. فكل ملك يدخل إلى قصره ولكن لأن المسيح ملك سماوي، بل هو الله فقصره هو الهيكل بيت الله أبيه. أمّا مرقس فأورد القصة في مكانها الزمني ولكن بطريقة تسترعى الانتباه فهو دخل للهيكل عقب دخوله أورشليم مباشرة كما قال متى، ولكنه لم يفعل شيئًا سوى أنه نظر كأنه يعاتب، ألم أطهر هذا المكان من قبل، وذكرت قصة تطهير الهيكل الأولى في (يو2: 13-22).. ما الذي حدث إذن؟ وترك الهيكل ومضى. ولكنه في الغد أتى وطهًّره بطريقة شديدة. وهكذا مع كل منّا قبل أن يطهر المسيح حياتنا بعنف يعاتب ويحذر ثم يتدخل بعنف.

 

(مت12:21-17)

متى يورد القصة مباشرة بعد دخول المسيح أورشليم، فمتى يريد أن يشير لملك المسيح الروحي على قلوبنا، فحين يدخل قلوبنا يطهرها ويملك عليها فهو الملك الإلهي. فإذ يدخل الرب أورشليمنا الداخلية إنما يدخل إلى مقدسه، يقوم بنفسه بتطهيره. والسوط الذي يستخدمه قد يكون صوت الروح القدس الذي يبكت على خطية وقد يكون بعض التجارب والآلام. (ونلاحظ أن الوحيد الذي أشار لموضوع السوط هو يوحنا إصحاح 2).

 

آية (12): “ودخل يسوع إلى هيكل الله واخرج جميع الذين كانوا يبيعون ويشترون في الهيكل وقلب موائد الصيارفة وكراسي باعة الحمام.”

يبيعون ويشترون= كانت هناك أماكن مخصصة لتغيير العملة ليدفع منها العابدين الجزية (ضريبة نصف الشاقل المقررة على كل يهودي. والشاقل هو العملة اليهودية وهي بدون صور)، ولما كان أناس يهود يأتون من كل العالم ومعهم عملاتهم كان لا بُد من تغييرها بالعملة المحلية.  وكانوا يبيعون الطيور لتقديمها كذبائح. ولكن الموضوع تطور ليصير تجارة تدر عائدًا ضخمًا على حنان وقيافا بل أن المكان الذي كان مخصصًا لصلاة الأتقياء من الأمم خصصوه للتجارة. ويرى البعض أنهم كانوا يقدمون قروض في مقابل هدايا عينية إذ أن الربا ممنوع. بل صاروا يتاجرون في كل شيء في الهيكل. والأسوأ من كل هذا الغش والسرقات التي صنع منها رؤساء الكهنة ثروات ضخمة.

 

آية (13): “وقال لهم مكتوب بيتي بيت الصلاة يدعى وانتم جعلتموه مغارة لصوص.”

(أش7:56+ أر11:7+ 1مل29:8+ نح17:11)

 

آية (14): “وتقدم إليه عمي وعرج في الهيكل فشفاهم.”

هذا هو المسيح الذي أتى ليشفي ويطهر  ليُعِدَّنا للملكوت السماوي.

 

آية (15): “فلما رأى رؤساء الكهنة والكتبة العجائب التي صنع والأولاد يصرخون في الهيكل ويقولون أوصنا لابن داود غضبوا.”

عجيب أن يصنع السيد المسيح ما فعله في الهيكل وهو شخص وحيد منبوذ بلا اعتبار، مكروه من رؤساء الكهنة والكهنة، بل هو في قلبه لموائد باعة الحمام والصيارفة يهاجم مصالح رؤساء الكهنة المادية وشاهدوا دمار مكاسبهم. ولكن يبدو أن جلالًا إلهيًا كان يبدو على ملامحه ونظراته أرعبتهم فسكتوا، ولم يستطيعوا أن يفعلوا شيئًا سوى أنهم غضبوا. وفي المقابل اكتشف الأطفال في براءتهم حلاوة وجهه ففرحوا به وسبحوا،  أمّا من أعمتهم شهوات قلوبهم فرأوا فيه إنسانًا مُضِّلًا للشعب. والأطفال لم يفهموا ما يقولونه لكنهم كانوا يرددون ما سمعوه من الكبار بالأمس= أوصنا لابن داود. الأطفال الذين بلا معرفة انفتح قلبهم وسبحوا أمّا دارسي النبوات فإنغلق قلبهم وعيونهم فلم يروا. والذي يريد أن يعرف كيف يسبح عليه أن يرجع ويصير مثل الأطفال في بساطتهم وبراءتهم وتصديقهم لما يسمعونه.

 

آية (16): “وقالوا له أتسمع ما يقول هؤلاء فقال لهم يسوع نعم أما قرأتم قط من أفواه الأطفال والرضع هيأت تسبيحًا.”

(مز2:8) أما الحكماء في أعين أنفسهم كالفريسيين فستكون لهم النبوات مجرد معلومات غير مفرحة ولا معزية.

شجرة التين غير المثمرة (مت18:21-19،[20-22])

هناك عدة تساؤلات في موضوع التينة:-

1- المسيح هنا جاع وطلب أن يأكل من شجرة تين رأى أوراقها عليها خضراء ولماّ لم يجد ثمرًا لعنها فيبست!! والسؤال هل هذا الموقف يمكن تفسيره بطريقة بسيطة؟ وهل المسيح الذي صام من قبل 40 يومًا ورفض أن يطلب من الآب أن يُحوِّل له الحجارة خبزًا، حينما لا يجد تينًا على الشجرة يلعنها لأنه جائع.

2- والأعجب أن الوقت ليس وقت إثمار التين (مر13:11).

من هذين السؤالين نفهم أنه لا يمكن تفسير هذه القصة إلاّ رمزيًا. فشجرة التين تشير لإسرائيل (لو6:13-9+ هو10:9+ يؤ7:1+ يه12). فالمسيح لا يشبع من التين بل من الثمار الروحية المباركة التي يراها في المؤمنين (يو31:14-35). ومنها نفهم أن المسيح يفرح بإيمان البشر، هذا ما يشبعه + أش11:53). وكان المسيح يتمنى أن يؤمن به اليهود فيشبع ولكنه كان يعلم أنهم لن يؤمنوا، فهذا ليس وقت إثمار شجرة التين اليهودية أي إيمان اليهود، فالمسيح “جاء إلى خاصته وخاصته لم تقبله” (يو1 : 12) . والمسيح لعنها إشارة لهدم القديم لتقوم شجرة التين المسيحية أي الكنيسة، ينتهي عهد قديم ليبدأ عهد جديد. لا يمكن أن تقوم مملكة السيد إلاّ بهدم مملكة الظلمة. ولاحظ أن لعن الأمة اليهودية كان بسبب عدم إيمانهم بالمسيح وصلبهم للسيد. بعد أن قدَّم لهم السيد كل إمكانيات الإثمار من ناموس وشريعة وأنبياء. لكنهم ظل لهم الورق، أي منظرًا حلوًا فهم لهم طقوسهم وهيكلهم وناموسهم لكنهم للأسف بدون ثمار، والثمار التي يريدها الله هي إيمانهم وأعمالهم الصالحة. والأوراق بدون ثمر تشير للرياء والرياء هو أن يظهر الإنسان غير ما يبطن مثل من له صورة التقوى ولكنه ينكر قوتها وهو بلا ثمر (2تي5:3). وتذكرنا أوراق التين، بما فعله آدم حين غطى نفسه بأوراق تين فلم تستره، لكن الله قدًّم له الحل في ذبيحة تشير لذبيحة المسيح وستره بها. وهذا يعني أن كل من يحاول أن يستر نفسه بأعمال تدين ظاهري دون ثمار إيمان داخلية، إيمان بصليب المسيح وفدائه يكون قد فعل كآدم ولم يستر نفسه. علينا أن نعترف بخطايانا ولا نكابر كآدم فيستر المسيح علينا.

قارن (مت19:21 مع مر20:11) فنرى أن متى قال أنها يبست في الحال بينما أن مرقس يذكر أنهم رأوا هذا في الغد فما تفسير ذلك؟!

هذا يذكرنا بأن الله قال لآدم “يوم تأكل.. تموت” ولكنه عاش أكثر من 900 سنة وبهذا نفهم أن وقت أن لعن السيد التينة انقطع عنها تيار الحياة ولكن بدأ يظهر عليها هذا الانحلال في غد الثلاثاء. (هذا يشبه من يقول أنه لو تم فصل التيار الكهربي عن مروحة لا بُد وستقف، ولكننا حين نفصل التيار تظل دائرة لمدة بسيطة ثم تقف) هكذا في موضوع آدم فهو يوم أخطأ بدأ يسرى فيه تيار الموت والانحلال ومات بعد مدة، ويوم لعن السيد التينة انقطع عنها تيار الحياة وقوة الحياة في الحال. وظهر عليها علامات الموت في اليوم التالي.

وهذا ما حدث مع اليهود فهم يوم صلبوا المسيح لُعِنوا وانقطع عنهم تيار بركة الله وحمايته وظهر هذا بعد أقل من 40سنة على يد تيطس حين خرّب أورشليم وهكذا كل إنسان يخطئ تسرى فيه عوامل الموت فورًا وإذا لم يقدم توبة ويتناول ليحيا، ستظهر عليه علامات الخراب سريعًا.

والعكس فمن يكون في خطيته محرومًا من بركة الله فحينما يقدم توبة ستعود له هذه البركات بالتأكيد حتى وإن تأخرت (حب17:3-18).

 

(مت18:21-22)

آية (21): “فأجاب يسوع وقال لهم الحق أقول لكم إن كان لكم إيمان ولا تشكون فلا تفعلون أمر التينة  فقط بل إن قلتم أيضًا لهذا الجبل انتقل وانطرح في البحر فيكون.”

لقد جفت تينة اليهود بسبب عدم إيمانهم، ولكن بإيمان الأمم إنطرح الجبل الحقيقي وإنطرح وسط بحر الأمم (أش6:49). ونحن إن كان لنا الإيمان بالسيد المسيح سيجفف تينة إنساننا العتيق، ويدخل إلى داخلنا كما ينطرح الجبل (حياة المسيح وسلامه) في البحر (قلبنا المضطرب) ليكون خلاص لنا. بالإيمان ننعم بكل شيء في المسيح يسوع مادمنا نناله فينا، أي تكون لنا حياة المسيح فينا (غل20:2).

وهناك معنى آخر فإن الجبل إشارة للمسيح. والبحر= إشارة للعالم الوثني المضطرب. = والمعنى فإن المسيح (الجبل) سيؤمن به العالم (البحر) . وهذا ما فعله التلاميذ بعد ذلك فعلا، فهم بكرازتهم آمن الأمم (البحر) بالمسيح (الجبل) . بإيمان التلاميذ وكرازتهم صار الحجر الذي قطع بغير يد جبلًا كبيرًا ملأ كل العالم (دانيال 2) . أي أن التلاميذ طرحوا المسيح الجبل وسط بحر الأمم، ليصير الأمم المؤمنين جبالًا، وهو ثابت على رأس هذه الجبال (إش2 : 2) .

 

آية (22): “وكل ما تطلبونه في الصلاة مؤمنين تنالونه.”

فمن يطلب وهو متشكك لا يستجاب له.. ولكن إن كان لنا إيمان قدر حبة الخردل ووقفنا نصلي يستجيب الله فيزداد إيماننا، فنصلي بإيمان أكثر وحينما يستجيب يتزايد وينمو إيماننا وينزاح وينطرح جبل الشك في البحر ونصير مؤمنين فالله يداوي ويعالج عدم أو ضعف إيماننا.

 

الآيات (مر 11: 12-14):

وفي الغد لما خرجوا من بيت عنيا جاع، فنظر شجرة تين من بعيد عليها ورق، وجاء لعله يجد فيها شيئا. فلما جاء إليها لم يجد شيئا إلا ورقا، لأنه لم يكن وقت التين. فأجاب يسوع وقال لها: «لا يأكل أحد منك ثمرا بعد إلى الأبد!». وكان تلاميذه يسمعون.

 

ملاحظات على موضوع التينة:

  • انتشرت وسط اليهود أيام المسيح أفكار وثنية مفادها أن هناك إله للخير وإله للشر، وفي موضوع لعن التينة نرى أن المسيح يلعن التينة وكانت المرة الأولى والوحيدة التي تخرج من فم الرب يسوع كلمات لعنة، وهو بهذا أظهر أن هناك إله واحد يجازي بالخير ويدين أيضًا ويعاقب بالشرور، هو القادر على كل شيء فهو يقيم لعازر من الأموات وهو يلعن الأمة اليهودية التي لها مظهر التدين لكنها بلا ثمر، وسيصل شرهم لأن يصلبوه. وطالما أظهر قدرته على فعل الخير وإلحاق الشر بمن يريد، فهو كان قادرًا أن يلحق الشر بصالبيه والجنود الذين أتوا ليلًا ليلقوا القبض عليه لكنه لم يُرِدْ وسلَّم نفسه طواعية وهو القادر.
  • التلاميذ رأوا صباح الثلاثاء التينة يابسة وبعد دقائق سألوا المسيح عن علامات الأياّم الأخيرة فقال لهم أن إحدى العلامات “أن شجرة التين يصبح ورقها أخضر، وربما نفهم هذا عن الأمة اليهودية التي ظلت في خراب حوالي 2000 سنة وبدأت منذ سنوات تظهر كدولة مرة أخرى. (راجع مت 24).

الآيات (6-8): “فذهب التلميذان وفعلا كما أمرهما يسوع. وآتيا بالأتان والجحش ووضعا عليهما ثيابهما فجلس عليهما.والجمع الأكثر فرشوا ثيابهم في الطريق وآخرون قطعوا أغصانًا من الشجر وفرشوها في الطريق.”

فرش الثياب هي عادة شرقية دليل احترام الملوك عند دخولهم للمدن علامة الخضوع وتسليم القلب. ونحن فلنطرح أغلى ما لدينا تحت قدميه. فما حدث يعني أنهم يقبلونه ملكًا عليهم، أو يملكونه عليهم. واستخدامهم لأغصان الأشجار (غالبًا شجر الزيتون) مع سعف النخيل يشير للنصرة (نصرة على الخطية) مع السلام. فالنخل يشير بسعفه للنصرة والغلبة (رؤ9:7). والأغصان تشير للسلام (حمامة نوح عادت بغصن زيتون) وهذا ما كان اليهود يفعلونه وهم يحتفلون بعيد المظال، عيد الأفراح الحقيقية وهذا يدل على فرح الشعب بالمسيح الذي يدخل أورشليم. وكل من يملك المسيح على قلبه يغلب ويفرح. وفرش الأرض بالخضرة هو رمز للخير الذي يتوقعونه حين يملك المسيح.

 

آية (9): “والجموع الذين تقدموا والذين تبعوا كانوا يصرخون قائلين أوصنا لابن داود مبارك الآتي باسم الرب أوصنا في الأعالي.”

استعمل البشيرون عبارات مختلفة ولكن هذا يعني أن البعض كان يقول هذا والبعض الآخر كان يقول تلك. وكل إنجيلي إنتقى مما قيل ما يتناسب مع إنجيله. أمّا تسابيحهم فتركزت في كلمة أوصنا نطق أرامي معناه خلصنا فهي مأخوذة من هوشعنا بمعنى الخلاص أي يا رب خلص (هو من يهوه)، فالفرح كان بالمسيح المخلص وغالبًا هم فهموا الخلاص أن المسيح سيملك عليهم أرضيًا ويخلصهم من الرومان. وهذه التسبحة (أوصنا….) مأخوذة من مزمور (118).

الجموع الذين تقدموا والذين تبعوا= طبعًا هذه تشير لأن بعض الجموع تقدموا الموكب وبعض الجموع ساروا وراء الموكب. ولكنها تشير لمن آمن بالله وعاشوا قبل مجيء المسيح من القديسين، ولمن آمن بالمسيح بعد مجيئه. فالكل استفاد بالخلاص الذي قدّمه المسيح. الكل في موكب النصرة. لذلك فالمسيح نزل إلى الجحيم من قِبَلْ الصليب ليفتحه ويخرج القديسين الذين كانوا فيه ويأخذهم إلى الفردوس. فالمسيح هو مخلص كل العالم. أوصنا لإبن داود= إشارة لناسوت المسيح وتجسده. أوصنا في الأعالي= فهو الذي أتى من السماء وسيذهب للسماء.. (يو13:3). ولاحظ أن متى الذي يتكلم عن المسيح ابن داود يشير لهذا بقوله أوصنا لابن داود فهو تجسد ليرفعنا فيه للأعالي= أوصنا في الأعالي.

 

الآيات (10-11): “ولما دخل أورشليم ارتجت المدينة كلها قائلة من هذا. فقالت الجموع هذا يسوع   النبي الذي من ناصرة الجليل.”

سكان المدينة لم يعرفوه. ولكن من سمع عنه وعمل معه معجزات قد عرفوه. وهؤلاء كان أغلبيتهم من الجليليين الذين هم في وسط الجموع. وكل من دخل المسيح قلبه يرتج قلبه فيطرد من داخله كل خطايا تمنعه من الفرح بالمسيح المخلص ويبدأ في التعرف عليه. لقد خطط المسيح دخوله أورشليم في هذا الموكب المهيب ليعلن أنه ملك ولكن على القلوب وكجزء من تدبير صلبه يوم الفصح (الجمعة). فهو بهذا أثار اليهود ضده فهو دخل كملك ظافر، المسيا الآتي لخلاص شعبه (فهو ملك بصليبه).

سؤال الرؤساء عن سلطان يسوع (مت23:21-27 )

(مت23:21-27): “ولما جاء إلى الهيكل تقدم إليه رؤساء الكهنة وشيوخ الشعب وهو يعلم قائلين بأي سلطان تفعل هذا ومن أعطاك هذا السلطان. فأجاب يسوع وقال لهم وأنا أيضًا أسألكم كلمة واحدة فان قلتم لي عنها أقول لكم أنا أيضًا بأي سلطان افعل هذا. معمودية يوحنا من أين كانت من السماء أم من الناس ففكروا في أنفسهم قائلين   إن قلنا من السماء يقول لنا فلماذا لم تؤمنوا به. وإن قلنا من الناس نخاف من الشعب لأن يوحنا عند الجميع مثل نبي. فأجابوا يسوع وقالوا لا نعلم فقال لهم هو أيضًا ولا أنا أقول لكم بأي سلطان افعل هذا.”

(مر20:11-33): “وجاءوا أيضًا إلى أورشليم وفيما هو يمشي في الهيكل اقبل إليه رؤساء الكهنة  والكتبة والشيوخ. وقالوا له بأي سلطان تفعل هذا ومن أعطاك هذا السلطان حتى تفعل هذا. فأجاب يسوع وقال لهم وأنا أيضًا أسألكم كلمة واحدة أجيبوني فأقول لكم بأي سلطان افعل هذا. معمودية يوحنا من السماء كانت أم من الناس أجيبوني. ففكروا في أنفسهم قائلين إن قلنا من السماء يقول فلماذا لم تؤمنوا به. وإن قلنا   من الناس فخافوا الشعب لأن يوحنا كان عند الجميع أنه بالحقيقة نبي. فأجابوا  وقالوا ليسوع لا نعلم فأجاب يسوع وقال لهم ولا أنا أقول لكم بأي سلطان افعل هذا.”

 (لو1:20-8): “وفي إحدى تلك الأيام إذ كان يعلم الشعب في الهيكل ويبشر وقف رؤساء الكهنة و الكتبة مع الشيوخ. وكلموه قائلين قل لنا بأي سلطان تفعل هذا أو من هو الذي أعطاك هذا السلطان. فأجاب وقال لهم وأنا أيضًا أسألكم كلمة واحدة فقولوا لي. معمودية يوحنا من السماء كانت أم من الناس. فتآمروا فيما بينهم قائلين إن قلنا من السماء يقول فلماذا لم تؤمنوا به. وإن قلنا من الناس فجميع الشعب يرجموننا لأنهم واثقون بأن يوحنا نبي. فأجابوا أنهم لا يعلمون من أين. فقال لهم يسوع ولا أنا أقول لكم بأي سلطان افعل هذا.”

أحداث كثيرة حدثت في هذا اليوم وهو آخر يوم يوجه الرب يسوع تعاليمه وأحاديثه وحواراته للشعب، وتحذيراته للفريسيين والصدوقيين، وكان آخر يوم ينادى فيه للكل بضرورة التوبة. وبدأ اليوم بملاحظة التلاميذ لشجرة التين التي يبست.

بدأ الرب هذا اليوم بتعليم الناس في الهيكل. فكان التعليم في الهيكل مسموحا به. ولكن بالنسبة للرب كانوا يراقبون ما يقوله وما يعمله، ولكنهم كانوا خائفين من التعرض له وسط الجموع. وكانوا يحاولون إصطياد شيء عليه لإثارة الجماهير ضده. وبدأت مشاورات السلطات لكي يجدوا طريقة لوقف هذا الخطر القادم. والمعروف أن التعليم في الهيكل يحتاج لموافقة السلطات والتأكد أن التعليم متفق مع التقاليد ومن أي مدرسة للربيين، بل ومن أي معلم تسلم تعليمه. فالتعليم يتم تسليمه من معلم لمعلم آخر. وكان هناك نظام لإعتماد أي معلم ويلزمه لذلك شهادة من ثلاثة ربيين معروفين، وتصريح من السنهدريم. ولذلك نجدهم هنا يسألون السيد وهو يُعلِّم في الهيكل عن من أعطاه السلطان ليفعل هذا، أو هل معه تصريح. وإذا لم يُظهر مصدر تعليمه فسيقولون أن بعلزبول هو الذي يقوده، ويثيروا الناس ضده. والسؤال أيضًا كان يشمل ما فعله في اليوم السابق بتطهيره للهيكل. وهذا السؤال لأي معلم يقوم بالتعليم لهم الحق فيه. ولكن سؤالهم للمسيح كان فيه تحايل وجبن. فأراد الرب أن يكشفهم ويسألهم عن معمودية يوحنا من أين كانت من السماء أم من الأرض؟ ويوحنا كان كنبى بين اليهود وشهد للمسيح. فلو قالوا من السماء سيكون الرد ولماذا لم تؤمنوا بي فهو قد شهد لي. ولو قالوا من الأرض لهاجت عليهم الجماهير. وبهذا السؤال أسكتهم الرب في هذه النقطة.

هو كملك دخل وطهر الهيكل وبهذا يعلن أنه ابن الله والسؤال بأي سلطان تفعل هذا. والرد كان بسؤال عن يوحنا فلماذا؟ لأن يوحنا دعاهم للتوبة ولو فعلوا لانفتحت بصيرتهم وعرفوه من هو. ورؤساء الكهنة والكتبة والشيوخ الذين يكونون مجمع السنهدريم، إذ شعروا بأن السيد سلب سلطانهم بطرد الباعة وتطهير الهيكل، بل وأنه كان يجلس في الهيكل يعلم سألوه بأي سلطان تفعل هذا (لو قال من الله وهو قالها مرارًا ولم يصدقوا، لقالوا اصنع معجزة، ولو صنع قالوا من إبليس) وأنت لست من سبط لاوي ولا أنت مكلف من رؤساء الكهنة، لو أتوا ليتعلموا ويبحثوا عن الحق لأجابهم السيد، ولكنهم أتوا يدافعون عن الظلمة ويقتنصوا منه كلمة.  وهم في ظلمتهم لم يدركوا أنه هو نفسه واضع الناموس. وهو طالما علَّم ولم يريدوا أن يفهموا فلماذا يجيب هذه المرة بوضوح وقلبهم متحجر. وكان أن المسيح سألهم هل معمودية يوحنا من السماء أم من الأرض وهنا نلاحظ عدة نقاط:

  1. أن يوحنا علَّم بدون سلطان منكم فلماذا تعترضون عليَّ بأنني لم أخذ منكم سلطانًا. فالمسيح لا يتهرب من الإجابة بل يواجه ضمائرهم.
  2. إن يوحنا قد شهد للمسيح. فإن كانت رسالة يوحنا صحيحة من السماء فلماذا لم يؤمنوا، بالمسيح. بل هم سبقوا واتهموا السيد أنه يخرج الشياطين بسلطان بعلزبول فهم يريدون التشكيك في المسيح أمام الجموع.

فهم لو أجابوا أن معمودية يوحنا من السماء فيكون السؤال لهم فلماذا لم تؤمنوا بالمسيح بل لماذا لم تعتمدوا من يوحنا، ولو أنكروا أن معمودية أي خدمة ورسالة يوحنا كانت من السماء فهم يستعدون الناس عليهم وهم بهذا ينكرون الحق أيضًا. وبالتالي لا يستحقون أن يجيبهم السيد. ولذلك تهربوا من الإجابة على سؤال المسيح وقالوا لا نعلم فأثبتوا أنهم وهم معلمو إسرائيل أنهم غير مستحقين لهذا المنصب ولا يستطيعون التمييز والحكم الصحيح وبالتالي لا يستحقون أن يجيبهم المسيح (فالحقيقة أنهم رفضوا يوحنا خوفًا على مراكزهم). ولكنه أجابهم بعد ذلك بمثل الكرامين الأردياء.

ونلاحظ أن مكر هؤلاء الرؤساء في سؤالهم أن المسيح لو قال أنا فعلت هذا بسلطان ذاتي لاقتنصوه بتهمة التجديف، ولو قال أنا فعلت هذا بسلطان من آخر يتشكك الناس فيه إذ هو يعمل أعمال إلهية وسطهم. لذلك لم يجيبهم السيد. ولنلاحظ أننا لو تقدمنا للمسيح بقلب بسيط يدخلنا إلى أسراره إذ يفرح بنا ويقودنا بروحه القدوس إلى معرفة أسراره غير المدركة، أمّا من يستخدم مكر العالم فلا يقدر أن يدخل إليه ويبقى خارجًا محرومًا من معرفته. وهذا حال كثيرين من دارسي الكتاب المقدس وناقدي الكتاب المقدس. فبينما ينهل البسطاء من كنوز الكتاب المقدس ويشبعون يقف النقاد بكتبهم ومعارفهم يحاولون اصطياد فرق بين كلمة وكلمة وبين فعل وفعل في الكتاب المقدس طالبين مجدهم الذاتي، ولذلك ضاع منهم سر معرفة لذة الكتاب المقدس ولم يعرفوا المسيح بل وجدوا أنفسهم. فالمسيح لا يعلن نفسه لمن يتشامخ عليه.

المثل الأول: الابنان (مت28:21-32)

(28:21-32): “ماذا تظنون كان لإنسان ابنان فجاء إلى الأول وقال يا ابني اذهب اليوم اعمل في كرمي. فأجاب وقال ما أريد ولكنه ندم أخيرًا ومضى. وجاء إلى الثاني وقال كذلك فأجاب وقال ها أنا يا سيد ولم يمض. فأي الاثنين عمل إرادة الآب قالوا له الأول قال لهم يسوع الحق أقول لكم أن العشارين والزواني يسبقونكم إلى ملكوت الله. لأن يوحنا جاءكم في طريق الحق فلم تؤمنوا به وأما العشارون والزواني فآمنوا به وانتم إذ رأيتم لم تندموا أخيرًا لتؤمنوا به.”

أمام خبث وعناد رؤساء الكهنة والشيوخ ومقاومتهم للمسيح ومن قبله يوحنا المعمدان قال لهم السيد المسيح هذا المثل. في طريق الحق= فيوحنا جاءكم يدعوكم للتوبة. لم تندموا أخيرًا= مازلتم مصرين على عدم التوبة وعلى عبادتكم الشكلية بينما قلوبكم شريرة. الابن الأول يمتدح مرتين [1] على صدقه في عدم إعطائه وعدًا قد لا ينفذه [2] لتراجعه عن خطأه بأن رجع لينفذ مشيئة أبيه. والابن الثاني يذم مرتين [1] لأنه أعطى وعدًا ولم ينفذه [2] لعصيانه مشيئة أبيه.

عمومًا حين تعرض مشيئة الله ينقسم الناس لقسمين [1] قسم يطيع وينفذ [2] قسم يعاند ويهاجم.

ونلاحظ أن الفريسيين هنا الذين لهم مظهر التدين ولكن قلبهم رديء، هؤلاء من قال عنهم السيد “ليس كل من يقول لي يا رب يا رب يدخل ملكوت السموات” (مت21:7).

هنا يظهر أن رب المجد طلب كرب بيت من إبنيه أن يمضيا ليعملا في كرمه أي كنيسته.

الأول: يمثل الأمم الذين بدأوا حياتهم برفض العمل ولكنهم ندموا أخيرًا وقاموا للعمل

الثاني: يمثل اليهود الذين قالوا ها أنا يا سيد لكنهم لم يمضوا، قبلوا العمل في الملكوت دون أن يعملوا. لذلك طردوا أنفسهم بأنفسهم من الكرم ليتركوه للأمم.

الأول: يمثل العشارين والخطاة الذين تركوا الرب أولًا لكنهم تابوا ورجعوا للرب أخيرًا.

والثاني: يمثل المتدينين تدينًا سطحيًا شكليًا مثل الشيوخ والكهنة والفريسيين، لهم مظهر الخضوع لكنهم لا يفعلون إرادة الله، لهم صورة التقوى لكنهم ينكرون قوتها (2تي3:5). هؤلاء سيتركون مكانهم للزواني والخطاة التائبين حقًا.

المثل الثاني: الكرامين الأشرار (مت33:21-46 + مر1:12-12 + لو9:20-19)

(مت33:21-46): “اسمعوا مثلًا آخر كان إنسان رب بيت غرس كرمًا وأحاطه بسياج وحفر فيه معصرة وبنى برجًا وسلمه إلى كرامين وسافر. ولما قرب وقت الأثمار أرسل عبيده إلى الكرامين ليأخذ أثماره. فاخذ الكرامون عبيده وجلدوا بعضًا وقتلوا بعضًا ورجموا بعضا. ثم أرسل أيضًا عبيدًا آخرين أكثر من الأولين ففعلوا بهم كذلك. فأخيرًا أرسل إليهم ابنه قائلًا يهابون ابني. وأما الكرامون فلما رأوا الابن قالوا فيما بينهم هذا هو الوارث هلموا نقتله ونأخذ ميراثه. فأخذوه وأخرجوه خارج الكرم قتلوه. فمتى جاء صاحب الكرم ماذا يفعل بأولئك الكرامين. قالوا له أولئك الأردياء يهلكهم هلاكًا رديًا ويسلم الكرم إلى كرامين آخرين يعطونه الأثمار في أوقاتها. قال لهم يسوع أما قرأتم قط في الكتب الحجر الذي رفضه البناؤون هو قد صار رأس الزاوية من قبل الرب كان هذا وهو عجيب في أعيننا. لذلك أقول لكم أن ملكوت الله ينزع منكم ويعطى لأمة تعمل أثماره. ومن سقط على هذا الحجر يترضض ومن سقط هو عليه يسحقه. ولما سمع رؤساء الكهنة والفريسيون أمثاله عرفوا أنه تكلم عليهم. وإذ كانوا يطلبون أن يمسكوه خافوا من الجموع لأنه كان عندهم مثل نبي.”

راجع (أش1:5-7) فالكرم يشير لإسرائيل. وبالتالي فالكرامين هم رؤساء الكهنة والمعلمين ولكل صاحب سلطان. وصاحب الكرم هو الله الذي أحاطهم بسياج من حمايته ومن الشريعة والناموس وبنى برجًا من الأنبياء. أكون لها سور من نار (زك5:2) في المثال السابق ظهر اليهود كأصحاب كلام بلا عمل، ففقدوا مركزهم ليحل محلهم من بالعمل أعلنوا ندمهم على ماضيهم، أما هنا فالسيد يكشف لهم أنهم عبر التاريخ كله لم يكونوا فقط غير عاملين وإنما مضطهدين لرجال الله في أعنف صورة حتى متى جاء ابن الله نفسه الوارث يخرجونه خارج أورشليم ليقتلوه.

ولقد أخذ السيد الحكم عليهم من أفواههم بأن على صاحب الكرم أن يهلكهم. ويسلم الكرم إلى آخرين الذين هم كنيسة الأمم، أو الكنيسة المسيحية عمومًا التي هي من الأمم واليهود الذين آمنوا.

الحجر المرفوض= (مز22:118-23). قيل أنه عند بناء هيكل سليمان أن البنائين وجدوا حجراً ضخماً فظنوا أنه لا يصلح لشيء فإحتقروه، ولكن إذ إحتاجوا إلى حجر في رأس الزاوية (ليجمع حائطين كبيرين) لم يجدوا حجراً يصلح إلاّ الحجر الذي سبق وإحتقروه. وكان ذلك رمزاً للسيد المسيح الذي إحتقره رجال الدين اليهودي، ولم يعلموا أنه الحجر الذي سيربط بين اليهود والأمم في الهيكل الجديد ليصير الكل أعضاء في الملكوت الجديد. وفي هذا القول إشارة لموته وقيامته. وسلمه إلى كرامين وسافر= هو حاضر في كل مكان، وعينه على كرمه يرعاه ويهتم بكل صغيرة وكبيرة، ولكن قوله سافر فيه إشارة لأنه ترك للكرامين حرية العمل وأعطاهم المسئولية كاملة علامة حبه للنضوج وتقديره للحرية الإنسانية. وتشير كلمة سافر إلى أنهم رأوا الله على جبل سيناء إذ أعطاهم الوصايا وما عادوا يرونه بعد ذلك، وكأنه بعيداً عنهم وهل نخطئ نحن ونظن أن الله لأننا لا نراه الآن هو غائب، ولن يعود ويظهر للدينونة. حفر معصرة= هو ينتظر الثمار من الكرم ليصنع خمراً. والخمر رمز للفرح. فالله يريد أن يفرح بثمار أولاده. ولكن المعصرة تشير لآلام المسيح (أش1:63-2) لأن أسرار آلام المسيح تبدو كالخمر الجديد، فهو الذي قدّم لنا دمه من عصير الكرمة وينتظر منّا أن نقدم له حياتنا ذبائح حية، ونحتمل الصليب فنملأ معصرته. أرسل عبيده ليأخذ أثماره= الله أرسل للشعب اليهودي أنبياء فقتلوهم وعذبوهم ورفضوهم، ورفضوا تعاليمهم. قالوا فيما بينهم هذا هو الوارث. هلموا نقتله= هم تشاوروا من قبل وسألوه بأي سلطان تفعل هذا وهو هنا يشير لأنه الابن = أُرْسِلُ ابْنِي الْحَبِيبَ وهو ابْنٌ وَاحِدٌ حَبِيبٌ إِلَيْهِ = فهو الابن الوحيد الجنس، ولأنه الابن فهو صاحب السلطان. ولكنه يتنبأ هنا عن موته على أيديهم. ويتنبأ عن قيامته في موضوع حجر الزاوية. هنا المسيح يظهر لهم أنه هو صاحب السلطان وأنهم هم المقاومين لسلطانه لرفضهم الحق.

في إنجيل (لو10:20-12) يحدد لوقا أن صاحب الكرم أرسل ثلاثة رسل قبل ابنه:-

الأول: يمثل الناموس الطبيعي أي الضمير وكان قايين أول من كسره بقتله لأخيه.

الثاني: يمثل ناموس موسى. وموسى نفسه ممثل الناموس هاجوا عليه.

الثالث: هم الأنبياء ونبواتهم وطالما قتل الشعب اليهودي هؤلاء الأنبياء.

والمسيح يتهم اليهود الذين أمامه من القادة والرؤساء بأنهم مازالوا يعملون ضد الناموس الطبيعي، وضد الناموس الموسوي وضد النبوات، في حياتهم وسلوكهم وفي رفضهم له وهو المخلص الذي تكلم عنه الأنبياء.

وتسمية المسيح نفسه بالوارث، فهذا يشير لناسوته، أمّا لاهوته فله كل المجد دائمًا. وبناسوته سيحصل على المجد بعد الصليب لحسابنا لنرث نحن فيه.

(لو10:20): وفي الوقت= وقت الحصاد والإثمار= بعد أن أعطى الله كهنة اليهود فرصة لرعاية الشعب، أرسل ليطلب النفوس التقية المؤمنة التي يفرح بها.

في (لو16:20) المسيح هنا هو الذي يقول “يأتي ويهلك” بينما في متى، فهو ينسب هذا القول للكهنة والفريسيين والحل بسيط. أن الفريسيين هم الذين قالوا هذا، والسيد كرر ما قالوه تأمينًا على كلامهم أي هو يوافق على ما قالوه.

ونأخذ ميراثه= هنا المسيح يشير لسبب أحقادهم عليه ألا وهو حسدهم له بسبب إلتفاف الشعب حوله وإعجابهم به. وليس بسبب عدم المعرفة لشخصه. والكرامين الأردياء هنا يشيرون لرؤساء الكهنة، والكهنة ورؤساء الشعب والفريسيين. وكانت العادة أن يُسَلِّم صاحب الكرم كرمه لكرامين يعملون فيه، ويحصل هؤلاء الكرامين على ثلث المحصول أو ربعه في نظير عملهم كأجر لهم، ويحصل صاحب الكرم على باقي المحصول. ويشير المثل لأن الله سلَّم شعبه إسرائيل لكرامين هم رؤساء الكهنة، والكهنة، ورؤساء الشعب. وطالب هؤلاء بثمار من شعبه هي شعب تائب. ولكن هؤلاء الرؤساء إعتبروا الكرم ملكا خاصا لهم يستغلونه لمصلحتهم. فأهانوا الأنبياء الذين أرسلهم الله وقتلوا بعضهم. وأخيرا أرسل ابنه وهنا قرروا قتله ليصير الكرم ملكا لهم إذ شعروا أن هذا الابن يريد ميراثه أي كرمه. وكان سبب صلب المسيح – حسدهم له إذ إلتف الشعب حوله فخسروا مكاسبهم المادية التي كانوا يحصلون عليها من الشعب – وهكذا فهمها بيلاطس (مر15 : 10).

فأخذوه وأخرجوه خارج الكرم= فهم صلبوه خارج أورشليم (عب13:13).

هذا المثل يقدم ملخصًا رمزيًا لعمل الله الخلاصي وتدبيره ورعايته للإنسان غير المنقطعة فتحدث عن عطية الناموس الطبيعي وناموس موسى والأنبياء وعن تجسد الابن وصلبه وطرده للكرامين القدامى وتأسيس الكنيسة بالروح القدس ليكونوا كرامين جدد (التلاميذ ورسل المسيح والكهنوت المسيحي) ولكن لنلاحظ أن كون الكنيسة هي الكرمة الجديدة فهذا لا يعطيها مبرر أن تتشبه باليهود فلا يكون لها ثمر. ففي (رؤ5:2) نجد أن الله على استعداد أن يزحزح منارة كنيسة أفسس لأن محبتها نقصت.  فإن كان الله لم يشفق على الكرمة أو الزيتونة الأصلية فهل يترك الكرمة أو الزيتونة الجديدة إن كانت بلا ثمر. الله مازال يطلب الثمار في كنيسته وفي كل نفس (رو17:11-24). ولنلاحظ أن الله أعطى الجنة لآدم ليعملها. وكانت الجنة في وسطها شجرة الحياة. والله أعطى لنا الكنيسة وفي وسطها المسيح، فكل منّا مطالب بأن يعمل في هذه الجنة، فمنَّا من يزرع ومنّا من يسقي والله يطالب بالثمار أي المؤمنين التائبين. ولكن هناك من يتضايق إذا طلب الله الثمار وهو لا يريد أن يقدم شيء.

والحجر هو المسيح. الحجر الذي قطع بغير يدين (دا34:2) إذ وُلِدَ بدون زرع بشر وصار جبلًا يملأ المسكونة. وهو حجر مرذول مرفوض، في تواضع ميلاده في مزود، وفي تواضع حياته وفي عار صليبه وموته والإهانات التي وجهت إليه. لكنه صار رأس الزاوية من سقط على الحجر يترضض= هم من لم يؤمنوا بالمسيح ورفضوه كما رفضه البناؤون، فعدم إيمانهم صار لهم صخرة عثرة. ومن يتعثر في المسيح يضر نفسه، ويكون كمن سقط على الحجر، هذا يقال على كل من يسمع الإنجيل ولا يؤمن. فكل من يرفض المسيح ويقاومه يتعب ويفقد سلامه ويعذب نفسه هنا على الأرض.

ومن سقط هو عليه يسحقه= هؤلاء يمثلون من يقاوم المسيح وإنجيله والإيمان الحقيقي ويبذلون جهدهم لتعطيله، هؤلاء يسحقهم المسيح إمّا هنا على الأرض (آريوس) أو يوم الدينونة. وكل من يظل رافضًا المسيح ويقاومه فنهايته الهلاك حين يظهر المسيح في مجيئه الثاني ليدين العالم.

فاصل

إنجيل معلمنا متى : 12345678 910111213141516171819202122232425262728 

تفسير إنجيل معلمنا متى : مقدمة – 12345678910111213141516171819202122232425262728 

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى