تفسير سفر الأمثال ١ للقمص أنطونيوس فكري
تفسير الأمثال – الإصحاح الأول
آية (1): “أمثال سليمان بن داود ملك إسرائيل.”
أمثال= كلمة مثل مشتقة من فعل معناه يحكم. وأتت هذه الكلمة لأول مرة في (تك16:1-18) “النور الأكبر (الشمس) لحكم النهار والنور الأصغر (القمر) لحكم الليل.. ولتفصل بين النور والظلمة. وعلى ذلك يكون معنى كلمة أمثال هو “مبادئ الحكم” فهي تحكم بنورها السماوي سلوك المؤمن في هذا العالم وتميز سلوكه عن سلوك أهل العالم أي تميز بين من يسلك في النور ومن يسلك في الظلمة.
سليمان بن داود ملك إسرائيل= هو رمز للمسيح فهو مشهور بالحكمة وهو ابن داود وهو ملك إسرائيل. والمسيح هو أقنوم الحكمة المتجسد كابن لداود ليملك على كنيسته إسرائيل الحقيقية بل كلمة سليمان تعني من يحيا في سلام والمسيح هو ملك السلام. وكانت أيام سليمان كلها سلام. ولنلاحظ أن داود بعكس سليمان كانت أيامه كلها حروب وداود اشتهر بكتابته للمزامير. وحياتنا هي مزيج من أيام يسودها السلام وأيام أخرى تسودها الحروب والآلام. فلنتعلم من سليمان حينما تسود حياتنا فترات سلام أن تكون هذه الفترات للتعليم والتأديب ولنتعلم من داود أنه حينما تسود حياتنا الآلام والحروب أن نصلي (يع13:5) ليملك المسيح علينا كل أوقات حياتنا.
الآيات (1-5): “لمعرفة حكمة وأدب لأدراك أقوال الفهم. لقبول تأديب المعرفة والعدل والحق والاستقامة. لتعطي الجهال ذكاء والشاب معرفة وتدبراً. يسمعها الحكيم فيزداد علماً والفهيم يكتسب تدبيراً.”
نجد هنا عشر كلمات (حكمة/ أدب.. تدبر) وهي صفات يحصل عليها كل من يتغذى على دراسة كلام الله ويعيش به، وهي بالعدد عشر لتناظر العشر وصايا.
- لمعرفة حكمة= الحكمة هنا ليست ذكاء الإنسان أو مهارته. بل هي حكمة إلهية يعطيها الله. وهو شئ عجيب أن يضع الله حكمته تحت طلب الإنسان لأجل راحته وسعادته وحتى تقوده بأمان وسط إضطرابات العالم، والله سمح بكتابة هذا القدر من أمثال سليمان الـ3000 لتعليم الأجيال المتعاقبة من الكنيسة كيف تسلك في حكمة وتميز بين الأشياء (في10:1).
- أدب= ونفس الكلمة ترجمت تأديب وقد وردت في هذا السفر 26مرة. وهي تعني التعليم بطريق التأديب (عب5:12).
- الفهم= تعني التمييز.
- تأديب المعرفة= تعني التعلم عن طريق الإختبار سواء اختباري أنا الشخصي أو اختبارات غيري (قصص الكتاب المقدس والسنكسار، بل ربما تعنى أيضاً أن أرى بعيني المصير السيئ للخاطئ فأتعلم أن للخطية عقوبة مؤلمة فأتوب). وبنفس الفكر إن لم أتعلم من قصص الكتاب المقدس ولا من تبكيت الروح القدس على خطيتي ولا من مشاهداتي لمصير الأشرار، هنا يلجأ الله لأسلوب التجارب المؤلمة حتى يستيقظ الإنسان من غفلته ويصبح معنى تأديب المعرفة هو الحصول على المعرفة عن طريق التأديب، (مثل مجاعة الابن الضال)0
- العدل= JUSTICE “الحكم بدون تحيز”
- الحق= JUDGMENT “اتحاد قرار بعد تمييز الأمور”
- الاستقامة= كلمة تشير للمبادئ القويمة.
- تدبر= تفكير سليم في المشاكل.
- الذكاء= القدرة على اكتشاف ما في الآخرين.
- معرفة= أي علم “معلومات ذات طابع سليم.
لتعطي الجهال ذكاء= كلمة جاهل هنا تشير للإنسان عديم الخبرة وهذا يكون معرضاً لكل تأثير. ولكن بدراسته لهذا السفر ودراسة كلمة الله عموماً لا يعود يخطئ ويبدأ يتعلم، وحتى أبسط الناس في معرفته قادر أن يستفيد من هذا السفر، والشاب المندفع يكتسب حكمة الشيوخ. يسمعها الحكيم فيزداد علماً= سفر الأمثال الذي هو بوحي الله لا ينفع الجهال والشباب فقط بل هو نافع أيضاً للحكماء فيزدادون حكمة، وهذه طبيعة تعاليم كلمة الله (1كو6:2،7). والحكيم حقاً هو من يشعر بإستمرار أنه في حاجة لأن يعرف المزيد (1كو18:3). وأما الحكيم في عيني نفسه فهو جاهل لأنه يشعر أنه أعظم من أن يتعلم. والعكس فالحكيم حقيقة يشعر في نفسه أنه جاهل ويريد أن يتعلم، فطابع الحكيم هو أنه على استعداد دائماً أن يتعلم. الفهيم= هو من اكتسب فهماً وتمييزاً صحيحاً ونما إدراكه بما يسمعه ويقبله من أقوال الحكمة. تدبير= مشورات حكيمة وقوة للتمييز. يكتسب تدبيراً= في السبعينية مترجمة “يصير مدير الدفة” أي يصير الفهيم فهيماً بالأكثر ومشوراته كلها حكمة فيقود دفة حياة من حوله بمشوراته.
آية (6): “لفهم المثل واللغز أقوال الحكماء وغوامضهم.”
اللغز= الكلمة الأصلية تحمل معنى “استخدام كنايات ومجاز للسخرية من شخص أو تأنيبه لدفعه على أن يترك ويتخلى عن طريقه الشرير. وهي نفس الكلمة التي استخدمت في أمثال المسيح لليهود” (راجع مت11:13،16 + يو16:12) غوامضهم= الكلام غير الواضح (راجع أع24:18-28، 27:8-39). والمسيح لم يكن يكلم اليهود سوى بأمثال أو ما يسمى ألغاز أي كلام يستخدم فيه الكناية وهم لقسوة قلوبهم لم يفهموا (راجع مت34:13 + مر34:4 + يو6:10 + يو25:16،29).
والله اختار أن يكون تعليمنا عن طريق التأمل واكتشاف الحقائق بمعونة الروح القدس ولم يقدم الحقائق الإيمانية بطريقة مباشرة فهو بحكمته وجد أن طريق التعلم أفضل لنا. وعمل الخدام هو مساعدة الشعب على فهم كلمة الله. وهكذا شرح فيلبس الكتاب للخصي الحبشي وهذا ما ينبه بولس تلميذه تيموثاوس أن يعمله فيفصل كلمة الحق بالاستقامة (2تي15:2) فهناك كلمات صعبة كتبها بولس الرسول وأساء البسطاء فهمها(2بط16:3). أما المتقدمين فهم يقارنون الروحيات بالروحيات.
آية (7): “مخافة الرب رأس المعرفة أما الجاهلون فيحتقرون الحكمة والأدب.”
مخافة الرب رأس المعرفة= تعتبر هذه الآية شعاراً للسفر كله ومبدأه الأساسي. وكلمة رأس تفيد نقطة الأبتداء والجوهر. فبدون معرفة الرب الإله ومخافته لا يمكن البدء بإكتساب الحكمة، التي تقدم إرشاداً للحياة كلها. ونفس هذا الشعار مكرر ثانية في(10:9) مع فارق طفيف في الكلمات (وراجع أش1:11،5) حيث تبدو معظم الهبات هنا كصفات المسيا وثمرة حضور روح الله.
الجاهلون= هم ذوي القلوب الفاسدة والطرق والأفكار الفاسدة. وهؤلاء يحتقرون الحكمة والأدب= فمن يخاف الله يحترم وصاياه ووصايا الله يمكن تلخيصها في محبة الله ومحبة القريب (والقريب هو كل إنسان أعرفه حتى لو كان عدوي). ونلاحظ أن محبة الله تنسكب في قلوبنا بالروح القدس (وهو أيضاً الذي يبكت على الخطايا). وبدون حب فلا طاعة “ومن يحبني يحفظ وصاياي” والعكس فمن لا يخاف الله ومن لا تكون عينه على وصايا الله لينفذها لن يعرف معنى الحب ولن تنسكب محبة الله في قلبه فيزداد جهلاً. وسفر الأمثال يؤكد في هذه الآية التي هي شعار السفر كله، أنه لا معرفة حقة بعيداً عن مخافة الرب.
الآيات (8،9): “اسمع يا ابني تأديب أبيك ولا ترفض شريعة أمك. لأنهما إكليل نعمة لرأسك وقلائد لعنقك.”
نجد هنا المبدأ الثاني للمعرفة وهو طاعة الوالدين. والمبدأ الأول هو مخافة الله. وطاعة الوالدين هي وصية من الوصايا العشر وهي أيضاً تعليم للعهد الجديد “راجع (أف2:6 + كو20:3 + لو51:2). ونرى في الكتاب المقدس أن طاعة الوالدين مقترنة مع الخضوع لله، لذلك فكثير من المفسرين يرون أن وصية أكرم أباك وأمك” هي من وصايا اللوح الأول، فهي من الوصايا التي تتجه نحو الله، فإكرام الوالدين هو اعتراف وتسليم بالسلطان الإلهي. وفي (2تي2:3) يضع الرسول عدم طاعة الوالدين في قائمة علامات إرتداد الأيام الأخيرة. ولنقارن بين التعاليم السماوية التي جاءت في الكتاب المقدس وبين تعاليم الشعوب التي لها سمات الحكمة العالمية البشرية فالفرس والرومان كانوا يعلمون بوجوب طاعة الأب فقط. أسمع= معناها أَطِعْ. شريعة= أي تعليم (تث9:4،7:6،19:11،46:32) نرى هنا ماذا يجب أن يعلم الآباء أبنائهم. فطاعة الوالدين واجبة إذا كانت تعاليمهم في ضوء مخافة الله.
يا ابني= سليمان كمعلم للحكمة يخاطب شعبه ومستمعيه وكل قارئ بلقب يا ابني وهذه الطريقة اتبعها معلمي الحكمة. وقد وردت في هذا السفر 26 مرة سواء بصيغة الفرد كما وردت هنا أو بصيغة الجمع “أيها البنون 1:4”. وهذا أسلوب رقيق في التخاطب وقد استعمل حزقيا نفس الأسلوب في (2أي11:29).
إكليل نعمة= نعمة أي جمال أو حلية والقلائد رمز للجمال (نش10:1) وللسلطان (دا7:5) وهكذا علينا أن لا نشعر بفخر أو مجد في شئ عالمي، بل نشعر بهما في طاعة وصايا الله.
ويبدأ من هنا 13 درساً في الحكمة:
1- تجنب أصدقاء السوء (8:1-19)
2- طلب الحكمة بجدية ومكافأتها (1:2-9)
3- ثق وأطع (1:3-10)
4- مسرات الحكمة (11:3-20)
5- مظاهر الحكمة ونتائجها (21:3-35)
6- سليمان تعلم الحكمة من أبيه (1:4-9)
7- ضرورة كراهية الشر (10:4-19)
8- ضرورة الالتصاق بالخير (20:4-27)
9- الحكمة في العلاقات بين الجنسين (1:5-23)
10- تحذير من بعض التصرفات الخاطئة (1:6-19)
11- تحذير من خطية الزنى (20:6-35)
12- خطورة الزنى (1:7-27)
13- الحكمة تقدم نفسها (1:8-36)
وفي الإصحاح الثامن نجد الدروس تصل إلى ذروتها، ونجد هنا درساً فيه الحكمة تتشخص في شخص المسيح وتكمل الصورة في الإصحاح التاسع بأن يقدم المسيح نفسه ذبيحة بل يقدم نفسه مأكلاً ومشرباً. وتختتم الدروس في الإصحاح التاسع بملخص مقارن بين الحكمة والجهالة ونرى وليمة يقيمها كلاهما يدعوان لها البشر. وكل منا حر في أن يستجيب لأحدهما.
الآيات (10-19): “يا ابني أن تملقك الخطاة فلا ترض. أن قالوا هلم معنا لنكمن للدم لنختف للبريء باطلاً. لنبتلعهم أحياء كالهاوية وصحاحاً كالهابطين في الجب. فنجد كل قنية فاخرة نملأ بيوتنا غنيمة. تلقي قرعتك وسطنا يكون لنا جميعاً كيس واحد. يا ابني لا تسلك في الطريق معهم امنع رجلك عن مسالكهم. لأن أرجلهم تجري إلى الشر وتسرع إلى سفك الدم. لأنه باطلاً تنصب الشبكة في عيني كل ذي جناح. أما هم فيكمنون لدم أنفسهم يختفون لأنفسهم. هكذا طرق كل مولع بكسب يأخذ نفس مقتنيه.”
هو درس تحذير من المعاشرات الرديئة:
أن تملقك الخطاة= فالشرير يحاول إغراء صديقه البسيط كما أغوت الحية أمنا حواء. لنختف للبريء= أي نتربص للبريء لأذيته. نبتلعهم أحياء كالهاوية= أي نفترسهم أحياء، كما تقع فريسة في الحفرة التي يحفرها الصياد. أرجلهم تجري إلى الشر= كناية عن شدة رغبتهم وشوقهم إلى فعل الشر. قنية فاخرة= هكذا كل إنسان عالمي شرير يتصور أن ما يحصل عليه هو قنية تملأ بيته، بينما ما يجب أن نعرفه ويعرفه كل إنسان روحي أن العالم باطل وما نمتلكه ما هو إلا تراب، بل أن ما نمتلكه بواسطة الظلم ما هو إلا نار تحرق ما هو موجود عندنا أصلاً. تلقي قرعتك وسطنا= يشرح سليمان هنا أن الغواية تبدأ بدعوة بسيطة من الأشرار لنا، أن نكون معهم ونعيش معهم. ثم تكون لنا معهم شركة= كيس واحد= وهذا الكيس يجب أن يكون ممتلئ لننفق منه على ملذاتنا. ولكن كيف نملأ هذا الكيس= نكمن للدم= أي نقتل الأبرياء لنسرق منهم ما يمتلكونه.
وسليمان هنا يدعو لاعتزال الشر والأشرار فلا يكون لنا قرعة معهم ولا أي شركة ولا كيس واحد (رؤ4:18،5 + أش11:52) ومع من تكون لنا شركة (أع42:2-47) وكل مفتوح العينين سيرى شباك الأشرار في محاولاتهم إغوائه، فالأشرار يحبون غواية الآخرين ليكونوا جماعة شريرة، فالخاطئ يحب الصحبة في طريقه الشريرة، وطريقهم في هذا غواية الأبرياء البسطاء. ودعوة سليمان هنا أن نمتنع عن الخطوة الأولى وهي أن لا نقبل صحبة الأشرار وإلا تبع ذلك خطوات كثيرة مخيفة في طريق الإنحدار إلى هاوية الشر. ولنلاحظ أن السلوك في طريق الشر يشبه الإنحدار على تل لأسفل، ولا شئ يستطيع أن يوقف المتدحرج، بل هو كلما أنحدر لأسفل تزيد سرعته ويزيد إقترابه للهاوية، وهل يقف الشرير أو يتحذر من العواقب السيئة لباقي الأشرار؟! أبداً!! فهو يندفع بالأكثر وذلك لأنه يصبح غير قادراً على ذلك بينما هو يهوي لأسفل التل. لأنه باطلاً تنصب الشبكة في عيني كل ذي جناح= الطائر المفتوح العينين يرى الشبكة المعدة لاصطياده فيهرب منها مستخدماً في ذلك جناحين القويين. ولاحظ أن الله يعطي بصيرة لأولاده يرون بها الشباك المنصوبة لهم ويعطيهم أجنحة ليهربون (الأجنحة هي حياتهم السماوية التي يرفضون بها الشر). أما هم فيكمنون لدم أنفسهم= أي يكون إندفاعهم في مؤامراتهم الشريرة لإهلاك الأبرياء هو إندفاع نحو هاويتهم وهلاكهم هم أنفسهم، أي أن الشرير سيمسك في نفس الشبكة التي ينصبها للبريء (هامان صُلب على الصليب الذي أعده لمردخاي البار) يأخذ نفس مقتنيه= الكسب الشرير يهلك نفس الذي اقتناه بطريق شرير (1تي9:6،10). وطريق فتح العينين هو كلمة الله التي تضئ الطريق فلا نبدأ في الإنحدار للهاوية. ولنرى التسلسل في الإنحدار الذي ينتهي بدمار الأشرار.
1- صداقة الأشرار 2- قبول غوايتهم (تملقهم) 3- يكون وجودنا معهم (قرعتنا)
4- شركة معهم (كيس) 5- إغراء المال (قنية فاخرة) 6- نكمن للدم (قتل)
الآيات (20-33): “الحكمة تنادي في الخارج في الشوارع تعطي صوتها. تدعو في رؤوس الأسواق في مداخل الأبواب في المدينة تبدي كلامها. قائلة إلي متى أيها الجهال تحبون الجهل والمستهزئون يسرون بالاستهزاء والحمقى يبغضون العلم. ارجعوا عند توبيخي هأنذا أفيض لكم روحي أعلمكم كلماتي. لأني دعوت فأبيتم ومددت يدي وليس من يبالي. بل رفضتم كل مشورتي ولم ترضوا توبيخي. فأنا أيضاً اضحك عند بليتكم اشمت عند مجيء خوفكم. إذا جاء خوفكم كعاصفة وأتت بليتكم كالزوبعة إذا جاءت عليكم شدة وضيق. حينئذ يدعونني فلا استجيب يبكرون إلىّ فلا يجدونني. لأنهم ابغضوا العلم ولم يختاروا مخافة الرب. لم يرضوا مشورتي رذلوا كل توبيخي. فلذلك يأكلون من ثمر طريقهم ويشبعون من مؤامراتهم. لأن ارتداد الحمقى يقتلهم وراحة الجهال تبيدهم. أما المستمع لي فيسكن أمناً ويستريح من خوف الشر.”
في الآيات (10-19) أظهر سليمان خطورة من يستمع لغواية إبليس، وفي هذه الآيات يظهر خطورة من لا يسمع لنداء الله.
رؤوس الأسواق= أي أهم الأسواق حيث يزدحم الناس. مداخل الأبواب= حيث يجتمع شيوخ المدينة والقضاة. والمقصود أن صوت الله ينادي لكل واحد ويصل لكل إنسان، في كل مكان. والمسيح لم يتكلم سراً (يو20:18) وهكذا علم تلاميذه (مت27:10 + أش19:45). وقارن مع الحكمة تنادي في الخارج. في الشوارع. وهنا نرى الحكمة شخصاً يتكلم وينادي ويدعو الناس ليبتعدوا عن طريق الجهل، تدعوهم وهم في التجارة والأسواق وبين طالبي العدل عند الأبواب، ونلاحظ أن الحكمة كشخص تكون المسيح أقنوم الحكمة. ثم نجد هنا درجات الرافضين لنداء الحكمة ومواصفاتهم فهم:
- الجهال= البسطاء، عديمو المعرفة، والدعوة لهم هنا معناها إلى متى لا تطلبون المعرفة “هلك شعبي من عدم المعرفة” (هو6:4). وهؤلاء البسطاء يسهل إنقيادهم للشر.
- المستهزئون= وهؤلاء يسخرون من الحكمة. ونلاحظ هنا درجة أعمق في الشر من الجاهل فالجاهل حينما يتقدم خطوة جديدة في الشر يبدأ في الاستهزاء بالحكمة. ونلاحظ أن من يرفض الحكمة ويرفض أن يتعلمها، سريعاً ما يتحول إلى مستهزئ.
- الحمقي= نرى هنا المنحدر الذي ينحدر عليه الجاهل، فهو أولاً كان جاهلاً بلا معرفة ثم بدأ طريق الإنحدار وصار مستهزئاً، وإزدادت سرعة الإنحدار ووصل لدرجة أسوأ وهي الحمق، فهو ينحدر من سيئ إلى أسوأ. والأحمق هو من صار في عناد يرفض المعرفة. ومعنى الكلمة العبرية المستخدمة هنا عن الأحمق أنه شخص عديم الشعور بالنسبة للحق الأدبي، ويتصرف بغير اعتبار له.
وهذه الدرجات رأيناها مع الفريسيين فقد سمحوا للرب يسوع أولاً أن يقرأ لهم في المجمع ولكنهم رفضوا أن يتعلموا فصاروا جهال ثم بدأوا يستهزئون به ثم أخيراً صلبوه. (لو10:4+2:15+14:16+مت20:27). وهنا نرى المسيح (أقنوم الحكمة) يخاطبهم لأني دعوت فأبيتم ومددت يدي وليس من يبالي. وقوله مددت يدي كناية عن التوسل والتضرع. (وقارن مع أش12:65+4:66_أر13:7،14).
هأنذا أفيض لكم من روحي. ولاحظ أن المتكلم.. هو المسيح الحكمة تنادي وقارن مع قول المسيح أنه يرسل لنا الروح القدس (يو7:16+يو26:15+يو38:7،39) ونلاحظ أنه بمعونة الروح القدس يتوب الإنسان ويكون للكلمة تأثير وقوة فالروح القدس عمله التبكيت (يو8:16) ولذلك يقول هناإرجعوا عند توبيخي. وقوله هذا يشير للتوبة التي تنشأ عن تبكيت الروح القدس (زك3:1). فالحكمة (المسيح) يدعو الخطاة للتوبة والروح القدس يبكت ويعين على التوبة.
أضحك.. أشمت= تعبيران مجازيان بلغة بشرية للتعبير عن موقف الله إزاء من احتقر دعوته. وقوله كزوبعة.. كعاصفة= إشارة للهلاك السريع المباغت ولاحظ في آية (29) ارتباط العلم بمخافة الله. وفي (28) يدعونني فلا أستجيب الله يعطي زماناً للتوبة، فإذا أضاع الإنسان فرصة التوبة لا يستجيب له الله بل يؤدبه ويعاقبه (رؤ21:2-23). وأيضاً رفض العذارى الجاهلات. وبنفس المفهوم فالغني في الجحيم كان يصرخ بلا استجابة. لأن ارتداد الحمقى يقتلهم= أي تحولهم عن طريق الحكمة إلى طريق الجهالة والشر. وعكس هذا تماماً المستمع لي يسكن آمناً= لأنه بنى بيته على الصخر (مت24:7،25). فمن يزرع يحصد فساداً (غل7:6،8).
مقدمة | تفسير سفر الأمثال | تفسير العهد القديم |
تفسير أمثال 2 |
القمص أنطونيوس فكري | |||
تفاسير سفر الأمثال | تفاسير العهد القديم |