من عظات القديس غريغوريوس النزينزي للمعمَّدين

العظة رقم “40” على المعمودية([1])
من كتاب المعمودية: الأصول الأولى للمسيحية 
للأب متى المسكين

 

3 – والآن لنتكلَّم عن الميلاد الثاني الذي هو لازم وضروري لنا. والذي يُعطي اسمه “الاستنارة” لعيد الأنوار (عيد الغطاس). فالاستنارة هي مجد النفس وتحوُّل الحياة، وهي معين ضعفنا، وإنكار اللحم واتباع الروح، وشركة الكلمة، وتجدُّد الخليقة، وسحق الخطية، وشركة النور، وانحلال الظلمة. هي الانطلاق نحو الله، وهي الموت مع المسيح، وكمال العقل، وقوة الإيمان، ومفتاح الملكوت، وتغيير الحياة وإلغاء العبودية، وفكاك السلاسل، وإعادة صياغة الإنسان. ولماذا أزيد على ذلك؟ فالاستنارة هي أعظم وأمجد عطايا الله. وكما نقول “قدس الأقداس” و“نشيد الأنشاد” لنعبِّر عن أعظم قدس وأعظم نشيد، فهكذا الاستنارة باعتبارها أكثر قداسة من أي إنارة.

4 – أسماء المعمودية: كما أن المسيح وهو معطيها يُدعى بأسماء كثيرة، هكذا أيضاً هذه العطية سواءً بسواء من شدة البهجة التي في طبيعتها، وبسبب كثرة مفاعيلها. فنحن نسمِّيها العطية، والنعمة والمعمودية، والمسحة، والاستنارة، وغلق باب الموت، وحميم الميلاد الثاني، والختم. فهي العطية لأنها تُعطَى لنا مقابل لا شيء من جهتنا، وتُدعى النعمة لأنها تُعطى حتى للمديونين، وتُدعى معمودية لأنها تدفن الموت والخطية في الماء، وتُدعى المسحة بسبب صفتها الكهنوتية والملكية لأن هذه هي صفة الذين يُمسحون، وتُدعى استنارة لأنها فائقة في معرفتها، والغطاء لأنها تُخفي عارنا، والحميم لأنها تغسلنا، والختم لأنها تحفظنا ولأنها علامة السيادة. إن السموات تفرح بها، والملائكة يمجِّدونها من أجل عظم بهائها، وهي صورة لمنتهى السعادة السماوية، ونحن دائماً نشتهي أن نتغنَّى بمدائحها ولكننا غير مستحقين لذلك!

8 – ولأننا مخلوقون من جسد ونفس، الأول منظور والثاني غير منظور. هكذا جاء الغسيل في المعمودية أيضاً على عمل منظور وعمل غير منظور بالماء والروح. عمل الماء يستقبله الجسد بحسب المنظور وعمل الروح يشترك معه بطريقة غير منظورة بعيداً عن الجسد. الماء حقيقة ملموسة والروح حق لا يُرى. ويغسل إلى الأعماق. هذا هو الذي يأتي به لنا الميلاد ويجعلنا جدداً عوض العتيق. وهكذا يجدِّدنا
الله دون أن يكسرنا. والمعمودية نعرف أنها عهد مع الله لحياة ثانية أكثر نقاءً وطُهراً. وبالحقيقة ما يجب أن نخافه جدًّا ونحترس به من جهة أنفسنا، كل واحد منَّا بكل اهتمام، هو أن لا نصير كذَّابين من جهة هذا التعهُّد. لأنه إن كنا نستشهد بالله على أي تعهُّد يُقام بين البشر وبعضهم، فكم يكون الخطر إن وُجِدنا متعدِّين على العهد الذي صنعناه مع الله نفسه. فإن وُجِدنا مدانين أمام الحق الإلهي حيث لن يوجد بعد ذلك ميلاد آخر أو إصلاح من أي نوع أو خلقة أخرى لإعادتنا إلى وضعنا السابق … إذن فلنمسك بالواقع الذي أخذناه مجاناً والكل سواء، أخذناه سهلاً كما نستنشق الهواء وكانسكاب النور … هذه الفرحة العُظمى التي نشترك فيها جميعاً.

10 – … الآن المعمودية هي الحماية بمائها وروحها التي تطفئ كل سهام الشرير الملتهبة (أف 16:6)، إنه الروح الذي يمزِّق الجبال (1مل 11:19)، والماء التي تطفئ سعير النار. حصِّنوا أنفسكم بكلمة الحياة الخبز الحي النازل من السماء معطي الحياة للعالم.

11 – نعتمد لننال النصرة إذ نشترك في ماء التطهير الأكثر تطهيراً من الزوفا، أطهر من دم ذبيحة العجول، وأكثر قداسة من رماد عجلة، نحن نعتمد اليوم حتى لا نعاني الشدَّة في الغد (أي في الدهر الآتي).

 

([1]) قيلت في القسطنطينية مساء يوم “عيد الأنوار” 6 يناير 381م NPNF, 2nd ser., vol. VII, pp. 360ff

فاصل

من عظات القديس كيرلس الأُورشليمي للمعمَّدين كتب الأب متى المسكين المعاني اللاهوتية لنصوص المعمودية عند القديس بولس الرسول
كتاب المعمودية الأصول الأولى للمسيحية
المكتبة المسيحية

زر الذهاب إلى الأعلى