القديس مار يعقوب السروجي
كانت فضائله وتعاليمه تتضح في كتاباته واستحق أن يطلق عليه “مزمار الروح القدس” و “قيثارة الكنيسة الأرثوذكسية الجامعة وملفانها”.
ولد في قرية كورتم على نهر الفرات في مقاطعة سروج من أبوين فاضلين.
تعلم يعقوب وتخرج في مدرسة الرُها وقد أتقن علومها اللغوية والفلسفية واللاهوتية. وقد ذكر عن هذه المدرسة، وعن تعاليم ديودور الطرسوسي، في رسالته إلى لعازر رئيس دير مار باسوس نحو 511 م قائلاُ: “إنه قبل خمس وأربعين سنة (عندما كان فتى عمره خمس عشرة سنة يومذاك) عندما كنت أدرس الكتب الإلهية في مدينة الرها، في تلك الغضون كانت کتب دیودور المنافق تنقل من اليونانية إلى السريانية، وكان في المدينة مدرسة للفرس الذين كانوا متمسكين بتعاليم ديودور تمسكاً شديداً، تلك المدرسة التي أفسدت بلاد الشرق كلها، والتي تقوَّضت بهمة السعيد الذكر مار قورا أسقف الرها وأمر الملك المؤمن زينون… عثرت على أحد تأليف ديودور هذه فرأيت فيه أضاليل كثيرة.”
: في 473م في الاثنين والعشرين من عمره اجتمع 5 أسافقة في كنيسة بطنان سروج لاختبار ملفنته بحضور جمهور من المؤمنين وكان هناك صورة للمركبة الإلهية التي تجلت لحزقيال على جدار الكنيسة فسألوه أن يصفها. فارتجل على البحر الاثني عشر قصيدته الشهيرة في أكثر من ۷۰۰ بيت و أورد فيها 396 آيه من الكتاب المقدس. وفي خلالها تنبأ عن دمار آمد فاستوقفه الأساقفة كأنه شرد عن الموضوع غير أنه واصل نبوته واستوفي حوادثها المؤلمة ثم عاد إلى موضوعه فتأكدوا أن ملفنته هي من الروح القدس. (في ۵۰۲م تحققت نبوته في آمد).
نظم القصائد وهو في الخامسة عشرة من عمره وقال عن نفسه ببیت من الشعر بخصوص هذه الموهبة: لما منحتني إياها لم أفقه آنذاك ماذا نلت، أما الآن فبعد أن ضاعفتها زدني منها أضعافاً كثيرة.
ترهب ورسم قسيساً ثم قلد رتبة زائر لبلدة حورا من أعمال مدينة سروج. في 519م وفي عمر يناهز ال 68 رسم أسقفا لبطنان المدينة الرئيسية في سروج. وبعد انتقاله دفن فيها بكل تكريم.
كتب مار يعقوب:
إن الإله صار إنساناً وظل إلهاً، وإن البتول ولدته وظلت بتولاً، حتى إن مريم تعرف بأنها بتول حقاً وأم حقاً، وليست اثنتين ولئن كانت في شكلين، لكنها واحدة، أي أنها أم وبتول معاً، وعلى هذا النمط فإن العجيب الذي ولدته أيضا هو إله وهو عينه إنسان أيضاً، ليس فيه أشكال وأعداد لكي يعرف الواحد إلها والآخر إنسانا”.
كتاباته
بعض من مؤلفاته النثرية وبالأخص الرسائل وأيضا شروحات وخطابات وأناشيد دينية ومزامير مازالت موجودة. و يعد مار يعقوب السروجي أمير الشعراء السريان بلا منازع، بكثرة الإنتاج وجودته.
و أكثر ما يشتهر به هو حوالي 760 قصيدة وعظية (میامر) فُقد أغلبها ولم يبق منها سوى ۳۰۰ قصيدة، وهي القمة لغة وبياناً وبلاغة وسلاسة ومعنى، وكلها على البحر الاثني عشر الذي استنبطه و عُرف بالسروجي نسبة إليه. ويقول ابن العبري إن سبعين كاتباً كانوا يلتقطون ما يمليه من الميامر ويكتبون قصائده.
كتاباته بصفة عامة تدل بوضوح على أرثوذكسية عقائده بالنسبة للهرطقات المعاصرة له.
من أعماله النثرية:
ليتورجيا
طقس العماد
طقس التثبيت
عدة رسائل
6 عظات على الميلاد، الغطاس، الصوم المقدس، أحد الشعانين، الآلام، القيامة.
من أعماله الشعرية:
تناول في معظم قصائده شخصيات وأحداث العهدين القديم والجديد، وبالأخص أقوال وأعمال السيد المسيح”.
عن اتضاع والدة الإله كتب يقول: الاتضاع هو كل الكمال، لذلك فالإنسان ينظر أولا إلى الله ثم حينئذ يسلك باتضاع. كان موسی متواضعا، العظيم بين كل الرجال، فنزل الله إليه على الجبل في إعلان. مرة أخرى نرى الاتضاع في إبراهيم، فبالرغم من كونه بارا دعا نفسه ترابا ورمادا… وأيضا كان يوحنا متضعا لأنه أعلن أنه غير مستحق أن يحل سيور حذاء العريس ربه… الاتضاع هو الطريق العظيم الذي به يقترب الإنسان إلى الله. ولكن لايوجد على الأرض من اتضع مثل مريم، ومن ذلك يتضح أنه لم يرتفع أحد ويتمجد مثلها… فقد جعلها أمه، ومن مثلها في الاتضاع.
في عظته عن السيدة العذراء والدة الإله مريم كتب يقول: دعتني القديسة العذراء اليوم لأتكلم عنها… السماء الثانية، التي حل رب السماء في بطنها وأشرق منها ليطرد الظلمة من الأرض. المباركة في النساء، التي بها استؤصلت لعنة الأرض وانتهى الحكم الذي كان عليها… ابنة الفقراء التي صارت أما لرب الملوك وأعطت الغني للعالم المحتاج لكي يحيا به (أي بالمسيح). السفينة الحاملة الكنز والبركات من بيت الآب أتت وسكبت الثروة على أرضنا المعدمة، الحقل الصالح الذي بدون بذرة أعطى ثمرة، وأنمی غلة وفيرة بدون تفليح. العذراء التي صارت مثل مركبة سمائية في مهابة تحمل ذاك الجبار، الحامل الخليقة. إنه من الأسهل أن أصور أو أصف الشمس بضوئها وحرارتها عن أن أخبر بقصة مريم في روعتها وعظمتها.