تفسير سفر إرميا ٥ للقمص أنطونيوس فكري

تفسير إرميا – الأصحاح الخامس

 

الآيات 1-9:

– طوفوا في شوارع أورشليم وانظروا واعرفوا وفتشوا في ساحاتها هل تجدون إنسانًا أو يوجد عامل بالعدل طالب الحق فاصفح عنها. وأن قالوا حي هو الرب فانهم يحلفون بالكذب. يا رب أليست عيناك على الحق ضربتهم فلم يتوجعوا افنيتهم و ابوا قبول التاديب صلبوا وجوههم أكثر من الصخر ابوا الرجوع. أما أنا فقلت انما هم مساكين قد جهلوا لأنهم لم يعرفوا طريق الرب قضاء الههم. انطلق إلى العظماء واكلمهم لأنهم عرفوا طريق الرب قضاء الههم أما هم فقد كسروا النير جميعا وقطعوا الربط. من أجل ذلك يضربهم الاسد من الوعر ذئب المساء يهلكهم يكمن النمر حول مدنهم كل من خرج منها يفترس لأن ذنوبهم كثرت تعاظمت معاصيهم. كيف اصفح لك عن هذه بنوك تركوني وحلفوا بما ليست آلهة ولما اشبعتهم زنوا وفي بيت زانية تزاحموا. صاروا حصنا معلوفة سائبة صهلوا كل واحد على امرأة صاحبه. أما اعاقب على هذا يقول الرب أو ما تنتقم نفسي من امة كهذه.

وصف للشرور والأثام التي يرتكبونها وفي (1) فالخطية جماعية والكل يخطئ. وربما لو وجد الله إنسانًا قديسًا لما أهلكهم (راجع قصة سدوم وشفاعة إبراهيم عنها). الإنسان الكامل الوحيد الذي يشفع في البشر هو المسيح. وفي (2) هم مرائين يحلفون بالله كذبًا أو يمجدون الله بالشفاه والقلب بعيد. وفي (3) نرى أن الله عيناه على الحق فهو يعرف قلوبهم ولا ينخدع بالمظاهر. ونلاحظ هنا أن الله ضربهم ليؤدبهم ولكن هم رفضوا التأديب.ضربتهم ولم يتوجعوا وصاروا كأموات لا يتألموا بسبب خطاياهم.

والله يؤدب أولًا بضربات خفيفة تتزايد فإن لم يتب الإنسان تبدأ الضربات تشتد وفي النهاية يفنى الله هذا الإنسان. ومع يهوذا فالفلسطينيون كانوا يضايقونهم ثم الأراميون وإسرائيل في أيام أحاز، ثمأشور الذي أحرق 46 مدينة، لكن الله أنقذأورشليم. ثم ضايقهم بنقص المطر كما سنرى بعد ذلك. وفي كل هذا لم يتوبوا لذلك فضربة الإفناء بلا ريب آتية فهم صلبوا وجوههم. وفي (4) النبي يحاول أن يجد عذرًا لهم بأنهم إنما هم مساكين فقراء مهتمين بعملهم الشاق ولم تكن لهم فرصة لمعرفة الله، ولكن هذا ليس عذرًا لهم فهناك مساكين كثيرين قديسين، ولكنها محاولة من النبي. وفي (5) ذهب النبيللعظماء الأغنياء فوجدهم قطعوا النيرأي تحللوا من رباطاتهم مع الله لمحبتهم في الخطية. وفي (6) يصوِّر الله حالة الحصار. ومن هم حول المدينة مثل الحيوانات المفترسة، هم كأسد في قوتهم يقتلون وكذئب يلتهم حتى لو لم يكن جائعًا (عكس الأسد) وهم كالنمر في سرعة هجماته وبطشه.

وفي 8،7:- حلفوا بما ليست آلهة = أي وثنيتهم. والله أشبعهم وبدلًا من أن يشكروه ويسبحوه زنوا وبطريقة مقززة. بل في شبعهم صاروا حُصنًا معلوفة = من وفرة طعامهم تحسنت صحتهم فإستغلوا صحتهم في الزنا مع زوجات أصدقائهم . وفي (9) هل لا ينتقم الله لكل هذا؟ فالله لو سكت على كل هذا فسيتدنس اسمه القدوس ووصاياه تُزدَرَى.

 

الآيات 10-19:

– اصعدوا على اسوارها واخربوا ولكن لا تفنوها انزعوا افنانها لانها ليست للرب. لأنه خيانة خانني بيت إسرائيل وبيت يهوذا يقول الرب. جحدوا الرب وقالوا ليس هو ولا يأتي علينا شر ولا نرى سيفا ولا جوعا. والانبياء يصيرون ريحا والكلمة ليست فيهم هكذا يصنع بهم. لذلك هكذا قال الرب إله الجنود من أجل انكم تتكلمون بهذه الكلمة هانذا جاعل كلامي في فمك نارا وهذا الشعب حطبا فتاكلهم. هانذا اجلب عليكم امة من بعد يا بيت إسرائيل يقول الرب امة قوية امة منذ القديم امة لا تعرف لسانها ولا تفهم ما تتكلم به. جعبتهم كقبر مفتوح كلهم جبابرة. فياكلون حصادك وخبزك الذي ياكله بنوك وبناتك ياكلون غنمك وبقرك ياكلون جفنتك وتينتك يهلكون بالسيف مدنك الحصينة التي أنت متكل عليها. وأيضًا في تلك الأيام يقول الرب لا افنيكم. ويكون حين تقولون لماذا صنع الرب الهنا بنا كل هذه تقول لهم كما انكم تركتموني وعبدتم آلهة غريبة في ارضكم هكذا تعبدون الغرباء في ارض ليست لكم.

في (10) الله يعطى تفويض لبابل بالتخريب ولكن لا تفنوها = فهي ضربة تنقية لا إفناء.

إنزعوا أفنانها = أي أغصانها والمقصود شعبها فهي كرمة الرب ولكن الآن لخيانتها فهي ليست للرب. وفي (12) هم لم يخافوا الله ولم يعرفوا قدرته فتحدوه، وقالوا ليس هو = أي لا يرى ولا يلحظ فلن يأتي علينا شر. وكثيرون يوهمون أنفسهم أن الله غير جاد في إنذاراته منذ قال إبليس لآدم وحواء ” لن تموتا ” . ولاحظ أن الله يقول هنا لا تفنوها (10) ولكنها فنت وخربت بعد صلب المسيح ففنائها مؤجل حتى يكملوا أثامهم بصلب المسيح. وفي (13) يصيرون ريحًا = الأنبياء هنا هم الأنبياءالكذبة الذين تكلموا بالباطل فصاروا باطلًا، ويكون المتكلم هنا هو الله وقد أصدر عليهم أمرًا بالفناء. وفي (14) الله يخبر إرمياء بأن كل ما قاله سيتحقق بل تكون كلمته كنار تحرق هؤلاء الهازئين وهذا يعنى صدق النبوات. وفي (15) تفسير هذه النار بأنها أمة من بعد = أي بابل وهذه لا علاقة بينها وبين يهوذا حتى تشفق على يهوذا بل ستدمرها تدميرًا شديدًا. وهكذا الله قادر أن يجلب على الخاطئ مصائب من بعد أي من أماكن غير متوقعة. وهم أمة منذ القديم = أي معتزة ومتكبرة وتحتقر الآخرين لتاريخها. ولا تعرف لسانها = أي لن يتفاهموا معكم لا في سلم ولا في حرب، ولن يقبلوا توسلاتكم إذ هم لا يفهمونكم. وهناك معنى روحي وراء هذا. فإن الله يُسلِّمْ الخاطئ الذي إنجذب لإغراءات إبليس، يُسلِّمه لإبليس الذي هو من بعد. لكن إبليس لا يستطيع أن يقترب من إنسان لهُ علاقة بالله. وهو أمة منذ القديم قبل خلق الإنسان ولا نعرف لسانه فهو كله شر وخبيث وهو لا يرحم ومتكبر. وهو يستعبد الإنسان الذي يقبل إغرائه “أعطيك كل هذه إن سجدت لي” فثمن عطاياه هو الإستعباد لهُ. ولأن المسيح لم يقبل من يده شيء أبدًا قال “رئيس هذا العالم يأتي وليس لهُ فيَّ شيء”. وفي (16) أوصاف هؤلاء الأعداء أن جعبتهم كقبر مفتوح = والقبر يعنى موت، فأسلحتها لا تشبع أبدًا من القتل والمعنى أن القتلى سيكونون كثيرين.

وفي (18،17) المعنى المباشر أن البابليين سيخربون. ولكن تبقى بقية، والمعنى الروحي أن الشيطان خَرَّب الإنسان ولكن الله أبقاه بلا فناء أبدى حتى يوم الفداء. وآية (19) تشرح هذا فسبب كل الآلام التي فيها يهوذا أنهم عبدوا الأوثان وسبب كل ألامنا أننا نستجيب لإغراءات إبليس.

 

الآيات 20-24:

– اخبروا بهذا في بيت يعقوب واسمعوا به في يهوذا قائلين. اسمع هذا أيها الشعب الجاهل والعديم الفهم الذين لهم اعين ولا يبصرون لهم اذان ولا يسمعون. ااياي لا تخشون يقول الرب أو لا ترتعدون من وجهي أنا الذي وضعت الرمل تخوما للبحر فريضة أبدية لا يتعداها فتتلاطم ولا تستطيع وتعج امواجه ولا تتجاوزها. وصار لهذا الشعب قلب عاص ومتمرد عصوا و مضوا. ولم يقولوا بقلوبهم لنخف الرب الهنا الذي يعطي المطر المبكر و المتاخر في وقته يحفظ لنا اسابيع الحصادالمفروضة.

هنا دعوة للتوبة ولكن في (21) أصبح واضحًا أنهم أصبحوا كأصنامهم لا يسمعون ولا يبصرون فالخطية تعمى وتصم وهذا هو شكل الإنسان قبل أن تلمس النعمة قلبه. فيكون القلب معاندًا وصايا الله. وعمل الله أن يضع مخافته في قلوبنا وعملنا أن نحرك قلوبنا لنخافه. وفي (22) يشرح لهم لماذا عليهم أن يخافوا منه ويصوِّر لهم الله جبروته وعظمته وسلطانه على الطبيعة فالبحر يطيعه بينما هو قادر أن يغرق العالم فهو يوقف البحر ويضع لهُ حدًا بالرمال. فإذا كان البحر يطيعه فهل لا تطيعه قلوبنا. فإذا كانوا يهابون البحر أفلا يهابون ويخافون خالق البحر. وفي (24) الله هوالذي يعطينا خيراته(مطر مبكر يجىء بعد البذار بقليل لتتفتح البذار) ومطر متأخر (يأتي قبل الحصاد ليساعد على نضجالمحصول). وبذلك يحفظ لنا أسابيع الحصاد. فالحصاد يحسبونه بالأسابيع. والمعنى أن الله هو الذي يعطينا كل خيرات حياتنا أفلا نخافه ونمجده ونحبه فمن يتحكم في البحر هو أيضًا يتحكم في خيرات الأرض وقادر أن يمنعها. وبينما هو يعطى بسخاء ولا يُعَيِّر فإبليس يعطى لذات جسدية وحسية شهوانية خاطئة ويستعبد بعد ذلك.

 

الآيات 25-31:

– اثامكم عكست هذه وخطاياكم منعت الخير عنكم. لأنه وجد في شعبي أشرار يرصدون كمنحن من القانصين ينصبون اشراكا يمسكون الناس. مثل قفص ملان طيورا هكذا بيوتهم ملانة مكرا من أجل ذلك عظموا واستغنوا. سمنوا لمعوا أيضًا تجاوزوا في أمور الشر لم يقضوا في الدعوى دعوى اليتيم وقد نجحوا وبحق المساكين لم يقضوا. افلاجل هذه لا اعاقب يقول الرب أو لا تنتقم نفسي من امة كهذه. صار في الأرض دهش وقشعريرة. الانبياء يتنباون بالكذب و الكهنة تحكم على ايديهم وشعبي هكذا أحب وماذا تعملون في اخرتها.

في (25) أثامكم عكست هذه = أي طردت وأذهبت عنكم البركات السابق ذكرها. إذًا الخطية تحرمنا من بركات الله التي تعودنا عليها وتجعل السماء نحاسًا والأرض حديدًا. وفي (26) حينما إنحدر الشعب في الخطية إنحطوا جدًا وصاروا يتلذذون بأن يوقعوا الآخرين في شراكهم وهم يرصدون كمنحن = أي يكمنون في الطريق ليوقعوا آخرين. وفي (27) هم خونة مخادعين وبيوتهم مثل أقفاص الطيور = جمعوا حولهم الأبرياء في بيوتهم يخدعونهم مثل من يربى طيور في قفص ليذبحها. وهم في خداعهم عظموا وإستغنوا وظلموا كما في (28). وحين نجحوا وزادت ثروتهم تقسوا. وفي (31،30) نرى أنه من شدة الشر في الأرض فقد إرتعب البسطاء خوفا من الأقوياء الأشرار = قشعريرة ولكن هناك من أُعجبوا بمسلك هؤلاء الأشرار وكيف إغتنوا بشرهم = دهش. بل صاروا يشجعونهم على شرهم، وللأسف كان هؤلاء هم الكهنة والأنبياء الكذبة.

ولكن هناك سؤال لكل زمان ولكل مكانماذا تعملون في آخرتها؟ فلا يصح أن نحكم على الأمور كأن الحياة مستمرة للأبد أو كأن هذه الأرض لن تخرب يومًا ما أو كأن هذه الخيرات التي يتمتعون بها سيتمتعون بها طول العمر!! والأجابة “يا غبى في هذه الليلة تؤخذ نفسك”.

فاصل

فاصل

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى