القيامة وثقتنا في غفران الخطايا
الكنيسة ولمدة 50 يوما لا تكف عن ترديد تحية القيامة وتقول بكل قوتها : المسيح قام ! .. بالموت داس الموت!
فإذا كنا فعلاً نؤمن بهذا، ونقولها بكل قلوبنا، فعلينا أيضا أن نثق أن المسيح لم يدس ويغلب الموت فقط ؛ بل أنه أمات الخطية أيضاً.
المسيح اليوم صالح البشرية في نفسه بالأب، صالحها صلحاً أبدياً. وبهذا الصلح ألغى نهائياً مفهوم التعدي، فأصبح الإنسان اليوم مُبرأ تماماً وغير متعد على الله الآب. لا يوجد إنسان نقول إنه متعد على الله والمسيح موجود فيه! هذه مضادة لن تكون. نعم، بدون المسيح، يوجد متعدون كثيرون ؛ ومن ليس له الابن يمكث عليه غضب الآب. ولكن اليوم ، فلا دينونة على الذين هم في المسيح يسوع . لماذا؟ لأنه حدث صلح بين الإنسان والله. هذا هو إيماننا بالمسيح. وكل من هو في المسيح يسوع فهو أمام الله الآب بلا لوم في المحبة، بار وقديس.
في الحقيقة، إن الذي عمله المسيح بالنسبة للبشرية هو عمل كبير جداً جداً. لقد نقض الحاجز المتوسط بين الإنسان والله، وبين الإنسان والإنسان. أصبح الإنسان في حالة صلح و سلام مع الله الآب.
ولكن قد يسأل سائل : فأين هي إذن الخطية؟!
لم تعد هناك خطية، طبيعة الخطية أُلغيت تماماً و إلغاءً كلياً، لم تعد الخطية قادرة أن تحجب صلاح الله عنا، نحن الذين في المسيح يسوع. لذلك فالخطية لا تستطيع أن تفصلني عن المسيح أو تحرمني منه ، لأني إذا قلت هذا ، أكون كمن يلغي المسيح ويلغي دمه وصليبه . فعمل المسيح على الأرض هو إلغاء الخطية ، ولا توجد خطية على الأرض تستطيع أن تقف أمام المسيح.
تصور معي أشر خاطئ على الأرض، واضرب خطاياه في عشرة ، وضع عليها خطايا كل البلد، ثم كل القارة بل كل القارات من أول آدم حتى آخر إنسان ، وضعها على رأس هذا الشخص، فلن تستطيع كل تلك الخطايا أن تفصله عن قلب الله الآب طالما له علاقة بالرب يسوع ، فهو فيه مُصالح و مُبرر . فالأمر ليس بكثرة أو قلة أو بعمق الخطية وارتفاعها ، کل هذا ليس له أهمية، ولكن الأمر الخطير جداً. هو جوهر الخطية القتال . ولكن شكرا لله ، فالمسيح على الصليب نزع سم الخطية الميت ، وبدلاً من الخطية والموت الذي توارثته الأجيال وراء الأجيال، حتى صار الكيان البشري كله مُلوثاً؛ جاء المسيح وحقن البشرية بدمه ، وأخذ الإنسان قوة داخلية، قوة کیانية هائلة ضد الموت وضد كل مفاعيل الخطية الممرضة المميتة.
لذلك فالإحساس بالخطية القاتل والمميت لم يعد إحساساً صادقاً بالنسبة لإنسان يعيش في المسيح يسوع.
إياك أن تعتمد على إحساسك ، أنت الآن تحيا في نور المسيح ، في شمسه المشرقة. ودور الشيطان هو التزييف ، هو محاولة إيهامك إنك في الظلمة، يكذب عليك قائلاً : إنه لا فائدة ، يوهمك أنك لن تقدر ولن تستطيع … وكل هذه أكاذيب في أكاذيب ، كل المطلوب منك أن تخرج من الظلمة التي أنت فيها. الخطية لم يعد لها سلطان ، تماماً كعقرب انقطع ذيله، أو ثعبان أنتزع نابه، المسيح نزع ناب الشيطان الذي كان يعض به الإنسان. أصبح الشيطان بالنسبة لأولاد المسيح غير قادر أن يميتهم بالخطية التي كان يسكبها في عقولهم وأجسادهم ويحرمهم بها من النور الأبدي. نحن أقوى من الشيطان. الذين معنا أقوى من الذين علينا.
اليوم لم يعد للشيطان قدرة أن يزعج الإنسان أو يلوث ضميره أو يطرحه في يأس أو شك من خلاص نفسه.
ولكن ، ما هو الدليل على محو الخطية ؟ ما هو الإثبات على الفداء الذي تم على الصليب؟
الدليل هو : قيامة المسيح في اليوم الثالث ، الدليل هو جسده الذي قام . فلم تعد الخطية موجودة لأن جسده حي ، ولن يسود عليه الموت فيما بعد . وهكذا انتهت الخطية نهائيا وإلى الأبد . « الموت الذي قد ماته للخطية مرة واحدة ، والحياة التي يحياها فنحياها لله وذلك إلى الأبد».
وهكذا فإن المسيح أثبت ما عمله على الصليب بحمله خطايانا بالجسد ، أثبته بقيامته من الأموات، وأن هذا الجسد حي. فالمسيح قام حیا بعد معركة ضد الخطية في أعماقها.
المسيح واجه الخطية بلاهوته ، بفعل الدم الإلهي.
نحن نقول ، كأرثوذكس : [طبيعة واحدة لله الكلمة المتجسد] . فقوة اللاهوت التي في الدم أحرقت الخطية التي في دم الإنسان ، ليسا بعد طبيعتين بل طبيعة واحدة.
المسيح رفع خطية البشرية ، تلقى في جسده كل خطايا الإنسان، ثم قال : خذوا اشربوا هذا هو دمي الإلهي الذي فيه كل القوة القادرة أن تلغي الخطية بكل مفاعيلها القاتلة. لقد صار كل من يشرب دم المسيح لا يغلبه موت ولا تغليبه خطية. صارت الخطية شيئاً معدوماً، شيئاً لا كيان له، اللهم إلا في مظهرها وشكلها الخارجي المخيف والمُزيف ، أما في الجوهر فلا قوة لها ولا سلطان أو تأثير.
نشكر المسيح ، نشكر الله ، لقد أعطت قيامة المسيح برهاناً على أن الخطية غير قادرة أن تُميت الإنسان مرة أخرى! المسيح قام من الأموات ، بالموت داس الموت والذين في القبور أنعم لهم بالحياة الأبدية.[1]
صلاة
يا ابن الله ، يا من صعدت بنا إلى الآب وقدمتنا لنكون أمامه كل حين فيك وبك وأنت لنا شفيع وضامن وضمين لتكمیل خلاصنا إلى النهاية.
أعطنا سر قیامتك وسر صعودك وسر نفخة روحك القدوس فينا لنستمتع بقية أيام حياتنا، یا ربي ، في حياة جديدة ، في خليقة جديدة.
ننسى ما فات ، ننسى ما وراء ونمتد إلى ما هو قدام لعلنا نبلغ إلى قیامتك.
نعم ، يا ابن الله بلغنا إياها ؛ بل قد بلغناها فيك وسوف نأخذ استعلانها يوماً بعد يوم.
بارك ، يا ربي ، هذا اليوم ليكون لنا فيه غنى وليكون لنا منه تسبحة تدوم معنا إلى الأبد.
مبارك اسمك من الآن وإلى الأبد ، آمين.
1- من كتاب آحاد الخمسين المقدسة ص 102