تجديد الذهن بالتوبة
كلمة تغيير الذهن . باليونانية “ميطانيا ” ومعناها أن التائب هو إنسان فكر ذهنياً في عواقب الإنفصال عن الله والإنغماس في الخطايا، فأدرك أن الخطية:
1- تدمر الروح : لأنها تفصلنا عن الله.
2- تدمر الفكر : حيث يصاب بالظلمة والتشتت.
3- تدمر النفس : إذ تتمرد علينا الغرائز والشهوات.
4- تدمر الجسد : فالتدخين يدمر الرئة والقلب ، والمسكرات تدمر الكبد والمثانة ، والمخدرات تدمر العقل ، والنجاسة تدمر الجسد كله بالأمراض.
5- تدمر العلاقات : فالإنسان المنحرف روحياً فاشل اجتماعياً، إذ لا يأتمنه أحد على شيء. أما القداسة فهي تبني الرو : حين تشبع بالله، والذهن: حين يستنير بالكتاب المقدس، والنفس : حين تنضبط بالجهاد الروحي والنعمة ، والجسد : حين يبتعد عن الأخطاء التي ذكرناها ويهتم بالرياضة والنشاط ، والعلاقات : فالناجح روحياً ناجح اجتماعياً، يحب الناس ويحبه الجميع. ولنا أمثلة من التاريخ تعبر عن التوبة الحقيقية منها القديس أغسطينوس.
فهو من أعظم معلمى الكنيسة شرقاً وغرباً، القديس الأسقف الذي فاقت توبته آثامه السالفة ، كانت أمه من المسيحيات التقيات جداً، علمته أصول المسيحية والحياة الروحية في مهده، لكن ما كاد ينهي دروسه الإعدادية على أيدى أساتذة وثنيين حتى كان قد نسي مبادئ الدين، ولم يبق منها سوى أضواء ضئيلة أخذت تتلاشى شيئاً فشيئاً من عقله وقلبه ، ثم كانت قراءته لكتب فلاسفة وشعراء الوثنية قضت على ما تبقى – ومن ثم انحرف انحرافاً شديداً ، وتمرغ بضعف في حماة الشهوة … لكن الأم التقية لم تهدأ وأخذت تسعى خلف ولدها من مكان إلى مكان ذارفة الدموع السخينة، حتى أن القديس أمبروسيوس الذي شاهدها تبكي مرة بحرقة قال لها : “ثقي يا امرأة أنه لا يمكن أن يهلك ابن هذه الدموع “.
عرف أغسطينوس طريق الرب في سن الثالثة والثلاثين وبدأ حياة التوبة والدموع. توفيت والدته بعد أن فرحت يتوبة ثمرة بطنها. أما هو فباع أملاكه ووزع ثمنها على الفقراء وترهب، وبدأ حياة النسك والصلاة والتأليف وخدمة الله و الكنيسة ، ورُسم قساً فأسقف على إحدى مدن شمال أفريقيا، وصار من أعظم فلاسفة المسيحية، ومن أشهر مفسري الكتاب المقدس . كما جاهد في سبيل الدفاع عن الإيمان والرد على الهراطقة، وكان حجة للعقيدة في عصره ، ومازالت كتبه العديدة بين أيدينا حتى الآن ، ولعل أشهرها كتاب الإعترافات الذي مازلنا نقرأ فيه عبارته الخالدة ( لقد خلقتنا لك يا الله وقلوبنا ستظل قلقة حتى ترتاح فيك ) .
+ مادامت الخطية انفصالاً عن الله : تكون التوبة إذن هي الرجوع إلى الله.
+ وما دامت الخطية خصومة مع الله أو خيانة الله ، فالتوبة هي اصطلاح مع الله ، فما تزال أمامك فرصة للرجوع إلى الله.
يقيناً أنك لا تستطيع أن تستمر في هذا الإنفصال عن الله في قلبك، لا تنتظر حتى يرسل الله إليك ضيقة ترجعك بل ارجع من نفسك حباً لله ، وحبا للخير وحباً للملكوت الأبدی ، اعرف أن الخطية قد بعدتك عن كل ما هو خير ، ولم تقدم لك أي شئ ، والإنسان التائب يدعو كل مشتهيات العالم نفاية ويقول في رجوعه للرب “خسرت كل الأشياء، وأنا أحسبها نفاية لكي أربح المسيح ( في 8:3 ) . بل يقول أيضا : “إني أحسب كل شيء أيضاً خسارة من أجل فضل معرفة المسيح يسوع ربي” ( في 8:3 )
جاهد إذن بكل قوتك لتضع نهاية لهذا الإنفصال ، وإن لم تستطع اصرخ إلى الله وقل له : أنا يارب لا أستطيع أن أبعد عنك لحظة واحدة . ولا طرفة عين . أنت بالنسبة إلى الحياة ذاتها ” لأن لى الحياة هي المسيح” ( في 21:1 )، إن إنفصلت عنك أصير ضائعاً بلا هدف ، وتصبح حياتي بلا حياة ، وكأني ميت أو لا وجود لي لأن وجودي الحقيقي هو فيك. لا يمكن أبداً أن أنفصل عنك وإن إنفصلت في وقت ما ، أرجعني إليك بأية وسيلة ..
رد نفسي .. إذ انفصلت عنك فهذا يعني أنني انفصل عن القوة والنعمة وأصبح لا شئ أعود تراباً كما كنت بل عصافة تزريها الريح ( مز 21 ). لذلك لا تسمح يارب أن انفصل عنك …