في البدء كان الكلمة للقديس يوحنا ذهبي الفم

في البدء كان الكلمة (وضد الذين يحرفون الكلمة)

ولادة الكلمة

لقد إختتمنا حديثنا بالأمس بالإشارة إلى النسر العظيم، وهو بالحقيقة نسر عظيم، وقد تجاوز السماء بالروح، بل وتجاوز كل القوات السمائية، وبدأ من القمة التي تعلو على كل شيء. لأن يوحنا بشرنا من قبل قائلاً: ” في البدء كان الكلمة “. وتناول بحكمة كبيرة الحديث عن الطبيعة غير المخلوقة، وقد إرتفع فوق كل الخليقة، بإمكانيات وقدرات تتخطى قدرات النسر، تجاوز صوت الرعد ، لأنه هو وحده الذي كرز بالحكمة السماوية. فصوت الرعد أيها الأحباء، يخيف ويدعو للذهول من خلال ما يحدثه من أصوات مدوية، وفي ذات الوقت يسقط مطرا عند تصادم السحب.

إذا فقد توزع صوت يوحنا، من ناحية ليروي الكنيسة، ومن ناحية أخرى ليثير الذهول والحيرة في مجمع الهراطقة. لأنه عندما تكلمت الأعين، وعرفت الحقائق، لم يتجرأوا أن يعترفوا بها كحقائق، بل تجيشت الأصوات الإنسانية الصاخبة ضد الكتب الإلهية. وحينئذ صرخ القديس يوحنا ، قائلاً ” في البدء كان الكلمة والكلمة كان عند الله وكان الكلمة الله”، أثار بصوته، الرعب والذهول في نفوس المعارضين، بينما سبق داود فشهد، قائلا: ” أعطت السحب صوتا. صوت رعدك في الزوبعة. فعندما يقول القديس يوحنا ” في البدء كان الكلمة والكلمة كان عند الله وكان الكلمة الله”، فإنه يريد أن يوضح أن ولادة الكلمة، كانت بلا ألم. فقد دعاه بالكلمة، حتى أنه من خلال تلك الأمور التي تُثار ضدك، يصيغ ما هو ملائما ومناسبا لك. 

لأنه كما أن الذهن عندما يلد الكلمة، لا يتألم، لا يتجزئ، لا ينساب، ولا يعاني من أي نوع من المعاناة الجسدية، هكذا فإن الولادة الإلهية هي بلا ألم، ومن غير الممكن أن يعبر عنها بالكلام، ومن المستحيل أن تُدرك، لأنها لا تتجزئ، ولا تتوزع.

ولكن بالنسبة للهراطقة الجاحدين، غير المؤمنين، الكلمة التي الذين يحملون نوايا شريرة، فإنها تتجزئ. لكن لماذا عبر القديس يوحنا الإنجيلي عن ولادة الكلمة بهذه الطريقة، ولم يقل: في البدء كان الإبن؟ الجواب: حتى لا تكون ولادة الإبن مرتبطة بالألم. بل دعاه ” الكلمة”، لكي يشير إلى الولادة التي لا يصاحبها ألم، ولكي لا تعتقد أنه يتكلم عن تخرج من الفم، أكمل قائلاً: ” وكان الكلمة الله”. حتى تدرك معنى ولادة الكلمة بلا ألم، ومن ناحية أخرى تدرك قدرة الله غير المحدودة. وبعد ذلك، وبعدما صاغ كل ما هو مرتبطا بولادة الكلمة، بدأ يتكلم عن القيمة الكبرى التي للخليقة.

الروح يفحص كل شيء

” كل شيء به كان”، ليس كمثل أبناء الهراطقة الذين يحرفون المعنى، يقول: ” كل شيء به كان وبغيره لم يكن شيء مما كان”. فإن كان هناك شيئا قد خلق بالكلمة، فعلى كل الأحوال، هذا لا يتضمن الطبيعة غير المخلوقة التي للروح. فإن كنت تعطي إهتماما لتعبير ” كل شيء” وتتجاهل الطبيعة المقدسة، فماذا ستقول عندما تسمع الرب وهو يقول: جميع الذين أتوا قبلي هم سراق ولصوص”. فهل يسمي موسى، لصا ، ، ويدعو الأنبياء سراقا؟ إذا لماذا يقول ” جميع الذين أتوا قبلي سراق ولصوص؟”. المعنى يتضح إذا ما عرفنا لمن يتوجه بحديثه هذا.

أما الحديث الآن، فهو عن الخليقة، ويقول إن الخليقة كلها تمت، وتحققت بالكلمة، لكن هذا لا يشمل الروح الذي يعرف أمور الله، تماما كما أن أمور الإنسان لا يعرفها إلا روح الإنسان التي فيه، وهذا ما يقوله الرسول بولس: ” لأن من من الناس يعرف أمور الإنسان إلا روح الإنسان الذي فيه؟ هكذا أيضا أمور الله لا يعرفها أحد إلا روح الله فلو أن روحي، مختلفة عن طبيعتي، وأن روح الله، مختلف عن طبيعة الله، فلماذا يقول الرسول بولس ” الروح يفحص كل شيء حتى أعماق الله”. لكن الهرطوقي عندما يسمع كلمة ” يفحص”، يفهم المعنى بشكل سيء وشرير.

لأنه إن كان الروح يعرف أمور الله، فما كان له أن يفحص . هكذا يقول . فعملية الفحص تشهد على عدم معرفته. فإن كان الروح القدس يفحص أعماق الله، فإنه يتهم هكذا بعدم المعرفة. لكن هل عندما تری الله يفحص قلوب البشر، ستنسب له عدم المعرفة؟ إسمع الرسول بولس وهو يتكلم عن الروح القدس، قائلا: ” الروح يفحص كل شيء حتى أعماق الله”، هكذا يتكلم عن الله بكل حكمة ، قائلاً: ” الذي يفحص القلوب يعلم ما هو اهتمام الروح.

إذا وفقا لهذه الرؤية الهرطوقية، فالله لأنه يفحص، فهو لا يعرف أيضا، وهكذا الروح أيضا ، لأنه يفحص، إذا فهو لا يعرف. لكن هل تعلم بأنه عندما يقوم أحد بالفحص، فهذا ليس دليلاً على الجهل أو عدم المعرفة، بل دليل على المعرفة؟ لذلك أضاف: ” أمور الله لا يعرفها أحد إلا روح الله”. إنه ينسب للروح المعرفة، أي ليس الفهم والإدراك الطبيعي، بل المعرفة التي هي بالطبيعة.

يمين القوة

وبناء على ذلك لا تجزئ الطبيعة غير المجزأة، ولا تقسم الجوهر غير المنقسم، ولتقر وتعترف بهذه القوة التي للثالوث الواحد في الجوهر، فالآب والإبن والروح القدس، هم واحد. بالنسبة للآب، يقول الإبن: “من الآن تبصرون إبن الإنسان جالسا عن يمين القوة”. لقد تكلم عن القوة، وحدد المجد الذي سيناله الإنسان، حتى إنك تندهش لهذا المعنى. لقد دعى الله الآب، بالقوة، فعندما تحدث مع قيافا، قال له: ” تبصرون ابن الإنسان جالسا عن يمين القوة . 

أيضا وصف الروح القدس بالقوة، هكذا قال المخلص لتلاميذه: ” فأقيموا في مدينة أورشليم إلى أن تلبسوا قوة من الأعالي “. إذا فلتكونوا أيها الأحباء عارفين، بأن هذه القوة ذاتها ، توجد في الآب والإبن والروح القدس، وهذا إيماننا الثابت الذي لا يتزعزع. ولا يجب أن تُجزئ ولا أن تقسم المجد غير المدرك، ولكي تعرف ذلك، لأبد أن تنال الإستنارة الروحية. أنظر إلى أبناء النعمة الذين أزهروا بقوة رئيس الكنهة الأعظم، أنظر إلى أبناء النور الذين يركضون نحو بشائر النور. لأنه ينبغي لأولئك الذين ولدوا ثانية ونالوا إستنارة الروح القدس، أن يركضوا نحو أولئك الذين بعثوا المسكونة من جديد.

لنقل نحن أيضا مع النبي، ومع الرسل أيضا، ” إرفعي عينيك حواليك وانظري. كلهم قد اجتمعوا ، أتوا إليك، وأيضا: ” حي أنا، يقول الرب، إنك تلبسين كلهم كحلي، وتتنطقين بهم كعروس” إذا فقد وقف إشعياء ليقول ذلك، لجموع المستنيرين الذين ولدوا من الروح القدس، الذين تجددوا جميعا، الذين تحولوا نحو إتجاه واحد ، الذين تغيروا من مخلوقات أرضية، إلى أيقونات سماوية. ولماذا ذهل إشعياء قائلاً ” من سمع بمثل هذا الأمر؟ من رأى شبيها له؟ أتولد أرض في يوم واحد. أم تخرج أمه في لحظة؟”. لأن تجديد الروح القدس، سريع، ولا يتحين الفرص، ولا ينتظر وقتا طويلاً، ولا ينتظر أجيالاً، بل إن أراد على الفور يلد المهيىء أن يولد ولادة ثانية. لائق بأبناء النور، أن يعبروا السوق في موكب: يمجدون، ويسبحون ذاك الذي نزل من السماء لأجلهم، حتى أن كل المسكونة تُرفعه عاليا، لأنه يليق بإسمه كل رفعة وسمو.

لقد نزل المسيح من السماء، دون أن يتركها ، وصعد إلى السماء، دون أن يترك الأرض. لأنه عندما نزل إلى الأرض، لم يترك السماء خالية من وجوده ، ولا حينما صعد، ترك الأرض محرومة من رعايته. كان ينبغي لأبناء النور أن يحملوا مصباح الكلمة إلى السوق، وهكذا لن يهان السر، وسيكون إعلان الحقيقة من خلال أولئك الذين نالوا إستنارة بالروح، موضع تقدير لدى جميع الذين آمنوا، ولهم كرامة في أعين الكافة. كان ينبغي لأولئك أن يرنموا في الميادين والساحات ” الحكمة تنادي في الخارج. في الشوارع تعطي صوتها. تدعو في رؤوس الأسواق، في مداخل الأبواب.

الذين يحرفون الكلمة

لننقي الهواء من أناشيد الهراطقة الملوثة، فقد لوث أولئك الكافرون بأفكارهم المسمومة، أذهان البسطاء. الآن قد تنقى الهواء بالكلمة الحاملة للنور. وكذلك الأرض والسماء، لأنه كما أن السماء والأرض قد تنهدتا، بسبب شرور الجاحدين الكافرين، هكذا أيضا قد إبتهجتا ببر أولئك الذين نهضوا وقاموا من موت  الخطية. لأن الإنسان عندما يخطىء، تغضب السماء والأرض، كما يقول إرميا النبي ” ابهتي أيتها السماوات من هذا، واقشعري وتحيري جدا، يقول الرب، لأنّ شعبي عمل شرين”. أرايت كيف إنزعحت السماء والأرض، حين إرتكب البشر الخطية؟ لكن عندما تحولوا إلى ممارسة التقوى، إسمع ماذا يقول النبي ترتمي أيتها السماوات، وابتهجي أيتها الأرض، لتشد الجبال بالثرثم، لأن الرب قد عزى شعبه”. لتقل الكنيسة التي ترعى كل هذه الجموع، قد بقيت وحدي من قبل، وهؤلاء متى كانوا لي؟ كنت عاقرًا بلا أبناء، وأرملة، وهؤلاء من ولدهم لي؟ وليقل أبناء الكنيسة: أين وكيف يستمر صوت الأنبياء مدويا ، متوجها نحو الله، قائلاً ” ضيق علي المكان، وسعي لي لأسكن”.

لأنه عندما تكون أعمال الخداع في أوج قوتها ، عندما تكون هذه المدينة قد رضعت بشراهة من هذه الهرطقة، فهي بهذا تكون قد قادت أبناء الكنيسة إلى الهلاك. وتماما مثل الجراد الذي غطى كل الأرض، وأكل ثمارها، هكذا هو التعليم الفاسد ، قد أكل ثمار التعليم الصحيح والحقيقي، وأيضا ثمار التقوى. لكن اليوم أيها الأحباء، قد طرد التعليم الفاسد إلى الخارج، ودخلت النعمة المخلصة التي ولدت الشعب من جديد، إلى الداخل. يقول الكتاب: ” وأعوض لكم عن السنين التي أكلها الجراد، الغوغاء والطيار والقمص “

لماذا تتنازع أيها الهرطوقي، وتتضامن مع اليهود ، حتى تخفي مجد الإبن الوحيد الجنس؟ أولئك اليهود حاولوا بكل ما أوتو من قوة أن يكذبوا القيامة، أما أنت فتحاول أن تحجب عنه الأولوهية، ولكن كل ما هو متعلق بك، لا تُعلنه، ولم يستطع اليهود تمييز الحقيقة ، وأنت أيضا غير متوافق مع التقوى. إسمع ما يقوله النبي ” جلاله غطى السماوات، والأرض امثلات من تسبيحه”. فالأمر هنا متعلق بالثناء على عمل الله وتمجيده، وليس بإدراكه، مرتبط بالإيمان، وليس بالإنتقاد، مرتبط بالمحبة، وليس بالفحص الباطل، لم نتعلم البحث باطلاً، بل تعلمنا أن نؤمن فقط. لقد آمنا، وإستنرنا، وإعتمدنا ، دون أن ننشغل بأعمال غريبة. ينبغي الا تخدعك الأفكار المنطقية التي للهراطقة، إذ لديهم معمودية، وليس إستنارة، فهم يعتمدون بالجسد، أما نفوسهم فتظل غير مستنيرة. مثل سيمون الذي تعمد، ولكنه لم يستنر، هكذا قد لحق به هؤلاء الهراطقة.

إذا فلتفرح أرواح الرسل الذين إجتذبوا جموع هذا الشعب الكثير، بواسطة عمل الروح القدس. الآن قد تحقق أمام أعيننا ذلك الصوت النبوي القائل ” في تلك الأيام، يقول الرب، أنهم لا يقولون بعد: تابوت عهد الرب””، ” ولا يخطر لهم ببال ولا يذكرونه ولا يفتقدونه”. لماذا؟ يقول الكتاب: ” هأنذا أُرسل إلى جزافين كثيرين، يقول الرب، فيصطادوئهم “٥”. يا لهذا الصيد العجيب! فذاك الذي تم إصطياده بالأمس، اليوم هو يصيد. لأن الأرض إمتلأت بمجد المسيح، وإمتلأت أرجاء المسكونة بالإيمان، إذا لا ثهين هذه القيمة التي لتدبير الخلاص. فاليهود هم الذين أشاعوا أن قيامة المسيح لم تحدث، وأن تلاميذه قد أتوا وسرقوه. وهؤلاء اليهود قد عبروا عن أفكارهم من جهة قيامة الأجساد، لكن التلاميذ وضحوا وشرحوا كل ما يتعلق بهؤلاء في إطار لآهوتي، وبشكل ملائم. واليوم يسود الخداع على هؤلاء اليهود، بينما يكرز في الكنيسة، بالحياة الأبدية. وإن أردت المزيد ، فلديك صورة قديمة :

فعندما صنع أخوة يوسف به شرا، فإن يعقوب وكل بيته قد حزنوا عليه وإنتحبوا كثيرا ، بإعتباره قد مات، بينما مصر إحتضنته حيا، وقد ملك.

هكذا الوضع الآن بالنسبة للمجمع، وما يرتكبه الهراطقة من تجاوزات تصل إلى حد الهوس، إذ يعتبرون كلمة الله، ميتا. لأن هؤلاء يشككون في الإيمان، ويتباحثون في أمور باطلة، ويقضون على التعليم اللاهوتي. وبالنسبة لنا فإننا نؤمن بأن كلمة الله حي، ويجب له السجود الفائق، لأن كلمة الله في الحقيقة، كلي القدرة، وتعليم الرسل في هذا الشأن واضح، ولا يقهر. حتى أن صوت الرسول بولس، لم يخفت في الدفاع عن الحقيقة. 

تعاليم هرطوقية

ولكن لتخبرني أيها الطوباوي بولس، وأنت تتحرك نحو إعلان الحقيقة، وقد ظهرت غيرتك على الإيمان، وغضبك في مواجهة الهراطقة: كيف قبل هؤلاء تعاليم أرسطو؟ وكيف فضلوا تعاليم أفلاطون على الأناجيل؟ من ألقى بكرازة الإيمان الحقيقي إلى خارج، وحمل تعاليم الهرطقات إلى داخل الكنيسة؟ أيها الهرطوقي أين تعلمت هذه التعاليم الخاصة بغير المولود، والمولود؟ لقد تركت الآب، وتفرغت لتوضيح لقب الإبن، وإعتبرت مكانة الروح القدس غير جديرة بالإعتبار، وتحولت نحو اللغة الإنسانية.

وبالصواب تكلم إرميا النبي قائلاً: ” باد الحق وقطع عن أفواههم”. وماذا قال القديس بطرس، حتى نال التطويب من المسيح؟ قال: ” أنت هو المسيح ابن الله الحي!”. وعندما أعلن الآب لبطرس هذه الحكمة، ألم يفهم؟ وهل لم يكن في إمكان المسيح، أن يقول للرسل عندما أوصاهم أن يعمدوا، إذهبوا وعمدوا الأمم، بإسم غير المولود والمولود؟ لقد وجد إسما في التقليدات السرية أكثر حكمة، أما أنت فتصف الأمور الإلهية بطريقتك، وتبطل الإيمان، وتبث المباحثات الغبية الباطلة وسط الرعية. لكن لتخف أيها العدو، فبطرس يملك مفاتيح ملكوت السموات، لأنه عندما قال ” أنت هو المسيح إبن الله الحي”، ، أخذ هذه المفاتيح. فأولئك الذين رآهم بطرس يعترفون بالإبن، فتح لهم أبواب ملكوت السموات. لكن الذين وجدهم، يجدفون ويدعونه مخلوقا ، أغلق أبواب الكنيسة تماما في وجوههم. لأن بطرس لم يأخذ مفاتيح ملكوت السموات منذ البداية، بل بعدما قال: أنت هو المسيح إبن الله الحي”، عندئذ سمع من المسيح ” طوبى لك يا سمعان بن يونا، إنّ لحما ودما لم يعلن لك، لكن أبي الذي في السماوات. وأنا أقول لك أيضا: أنت بطرس، وعلى هذه الصخرة أبني كنيستي، وأبواب الجحيم لن تقوى عليها. وأعطيك مفاتيح ملكوت السماوات”. فبعد الإعتراف، يأتي السلطان، وبعد الإيمان، يكون فردوس الكنيسة، والملكوت.

لكن البعض يتجيش ضد المسيح، والبعض الآخر يتهيأ لمعركة ضد الروح القدس، ولكنهم حين يعترفون بالمسيح، وفي ذات الوقت ينتقصون من عمل الروح القدس ويرفضون إلوهيتة، فلن ينتفعوا بشيء على الإطلاق. لأن اليهود أيضا إعترفوا بالآب، بينما رفضوا الإبن، لذلك فقدوا الحياة الأبدية. فذاك الذي لا ينسب المجد للإبن، هو غير مقبول لدى الآب، ويجب أن تنتبه لهذا بكل تدقيق. لأن أصدقاء أيوب، كانوا يؤمنون بالله، لكنهم إنتقدوا أيوب وبكتوه، لكن الله لم يقبل أولئك الذين عبروا عنه بكلمات مناسبة، بل قال ” لم تقولوا في الصواب كعبدي أيوب”. فإن كان الله لم يقبل أصدقاء أيوب عندما تكلموا ضده، بينما طوب أيوب، فلن يقبل أبدا أولئك الذين يرفضون الإبن، ويعترفون بالآب؟ لأنه يقول: ” الذي يبغضني يبغض أبي أيضا”. وهكذا أيضا، فإن الآب لا يقبل كرامة أو مجدا من أحد، عندما يرفض الإبن، وهكذا فإن الآب والإبن لا يقبلا مجدا، عندما يرفض الروح القدس. لقد نزع الرسول بولس أشواك الهراطقة، الذين لم يقبلوا على الإطلاق بمعمودية الروح القدس، لأن الرسول بولس في أفسس، قد وجد ، بعض المعمدين، وقال لهم: ” هل قبلتم الروح القدس لما آمنتم؟» قالوا له: ولا سمعنا أنه يوجد الروح القدس” ، ، بعد ذلك دوى ذلك السؤال الجريء ” فبماذا اعتمدتم؟””.

فليعلم القديس بطرس مبادىء الإيمان لأعضاء الكنيسة، وليبتعد الرسول بولس عن مناقشات الهراطقة، ولا يتورط فيها. فمن أين أتى أفنوميوس بهذا اللقب السيء الإسم؟ من أين أتت البذور الهرطوقية؟ حقا، لقد ضاعت الحقيقة ولم يعد لها وجود لدى أولئك الجاحدين، بل وسادت التعاليم الأرسطوتالية (نسبة لأرسطو). 

سمات الطبيعة الإلهية

هل تقبل بأن تنطبق سمات الطبيعة الإنسانية على الطبيعة الإلهية غير المولودة، وتدعو الإبن مولودا ، وتجرده من ألوهيته؟ وأنت ماذا تدعو الآب؟ أنا أدعوه بغير المولود، لكن ليس كما تدعوه أنت. أقول عن الآب أنه غير مولود، لأنه لم يولد، وأقول عن آدم أيضا أنه غير مولود، لأنه لم يولد، بل خلق. لا تدع السامعين يستغربون الأمر، فهذه كلها مخلوقات، فالآب غير مولود ، ولكن هناك أشياء أخرى كثيرة غير مولودة.

إذا فكل شيء لا يولد، يقال عنه بأنه غير مولود. ويقال عن كل شيء قد حدث بالفعل، دون أن يكون قد حدث على إطلاقه، غير مولود. فقيامة الأموات هي الآن غير مولودة، رغم أنها حدثت، لكنها لم تحدث بعد لكل البشر، فهي لم تكتمل، لأنها لم تولد بعد. غير مولود يقال أيضا عن ذلك الذي لم يوجد بعد، ولا يمكن أيضا أن يوجد ، لأن دانيال النبي يقول: ” وصعد من البحر أربعة حيوانات عظيمة، هذا مخالف ذاك، الأول كالأسد وله جناحا نسر””. أخبرني أين رأيت أسدا له جناحا نسر؟ وأين رأيت وحشا له أظافر حديدية، وأسنان نحاسية؟ هذه الكائنات، تشكلت أمام النبي في رؤية، وبالطبع لم يكن هناك مثل هذه الكائنات ، ولن تكن مثل هذه الوحوش، غير مولودة، ودون أن تكون مقصودة على الإطلاق، فقط قد أعطى لها إسما. وأية نساء تلك التي صارت بأجنحة مثل أولئك اللآتي رآهن زكريا ولهن أجنحة؟ أين رأيت أسدا منقطا وله أجنحة؟ كل هذا فسره المطوب دانيال. أيضا أين رأيت وحشا مصنوعا من ذهب، وفضة، ونحاس، وحديد، وقرمز، مثل الذي رآه دانيال؟ كل واحد من هؤلاء، غيرمولود، لأنه لم يوجد قط، هذه الكائنات قد صار لها شكلاً وكيانا في الرؤية فقط. إذا لا تتصور أنك تمنح الآب شيئا عظيما، لمجرد أن تدعوه غير مولود، لأن لقب غير المولود هو كثير ومتنوع. أعرف أن الكلام يحمل فكرا عميقا، لكن لكي أنقض هذه الشرور الهرطوقية، فقد طرحت هذا الفكر على هذا النحو. فذاك الذي لم يولد، يقال عنه إنسان غير مولود. وإذا كان لم يولد، فبماذا يدعى؟ سأذكر لك إنسائًا لم يولد. يقول المخلص عن يهوذا الخائن: ” ويل لذلك الرجل الذي به يسلم ابن الإنسان. كان خيرا لذلك الرجل لو لم يولد!”. وكيف كان خيرا له لو لم يولد؟ لأنه ليس هناك خيرا، أو شرا لذلك الذي لم يولد. وسليمان يطوب الرجل الذي لم يولد، قائلا: ” وخير من كليهما الذي لم يولد بعد”. لكن إن كان لم يولد، فكيف يكون مطوبا أو هناك خيرا له؟ هكذا يقول خير للإنسان الذي لم يولد.

وهكذا فإن لقب غير المولود، لا يقدم تفسيرًا للطبيعة الإلهية، ولا أيضا كما تدعي أنت، يعني يوجد ، جوهرا غير مولود ، ولا يحمل كرامة للآب، طالما أنه بحسب النبي، هناك أسماء أخرى غير مولودة ومولودة أيضا. ولكنه يظهر فقط ذلك الذي لم لنقل لهؤلاء مع داود النبي ” تكلم معي مخالفو الناموس بكلام هذيان. لكن ليس كناموسك يارب”. فليعلو صوت بطرس، ويثبت تعليم بولس القائل: ” ومنهم المسيح حسب الجسد ، الكائن على الكل إلها مباركا إلى الأبد. آمين. لنسجد ونسبح ونمجد الروح القدس. لنقدم تعليمنا اللاهوتي على قاعدة الأسفار المقدسة، سواء قبل الأعداء هذا، أم رفضوا، ويشهد الرسول بولس على رأينا هذا، قائلاً: ” أما تعلمون أنكم هيكل الله، وروح الله يسكن فيكم. إذا المعبد شيء، والذي يسكن فيه هو أخر. ألم تسمع القديس بطرس يقول: ” ياحنانيا، لماذا ملأ الشيطان قلبك لتكذب على الروح القدس”، ثم أكمل ” أنت لم تكذب على النّاس بل على الله”. لكن الهراطقة يقولون إنه لم يدعوه روح الله، بل فقط لأن الروح أُرسل من الله. والحقيقة إن الذي يهين الروح، يهين الله الذي أرسله. إن هذا الهرطوقي مختل العقل، لأنه لا توجد أي تسمية تليق بذاك الجاحد الكافر، سوى تسمية المختل العقل، لأنه إن كانت الإهانة موجهة إلى الروح القدس، فإنها ستوجه بالتالي إلى الله، لأنه هو الذي أرسله، هذا ما قاله القديس بطرس: ” أنت لم تكذب على الناس بل على الله “.

إذا لنحتفل معا، بإبتهاج، ولا نعطي مكان لأبناء القفر، الذين رفضوا عمل الروح القدس في نفوسهم ، فتلك الهرطقات هي نتاج فكر إنساني منحرف، وليست من الله. لنرفع طلباتنا وتضرعاتنا إلى الله، حتى يكون هو الأب، والمعلم لنا، لكي نثبت في الإيمان الأرثوذكسي، في إسم ربنا يسوع المسيح الذي يليق به المجد والسلطان مع الآب والروح القدس إلى الأبد آمين.

زر الذهاب إلى الأعلى