تأملات في سفر نشيد الأناشيد للبابا شنوده الثالث – الأصحاح الثاني

خذوا لنا الثعالب، الثعالب الصغار المُفسِدة للكروم (نش 2: 15)

 

 ما هي الثعالب الصغار المفسدة للكروم التي قصدها سفر النشيد، وما هي هذه الكروم أيضًا؟

 الكرمة هي الكنيسة، وهي النفس البشرية:

 وفى هذا يقول الرب في سفر إشعياء النبي “غنوا للكرمة المشتهاة. أنا الرب حارسها، اسقها كل لحظة.. احرسها نهارًا وليلًا” (أش 27: 2، 3). ونحن نقول عنها للرب في ألحاننا “هذه الكرمة التي غرستها يمينك” وهي المقصودة بمثل الكرم والكرامين في (مت 21)، و في (مت 20) وأيضًا في (إش 5).

 الثعالب الصغار تفسد ثمر الكرمة، أي أنها تفسد ثمر الكنيسة، وثمر الروح في النفس البشرية (غل 5: 22، 23).

 الثعالب الصغار ربما تكون خطايا تبدو بسيطة.

لا يلتفت إليها الإنسان، ولا يشعر بخطورتها.. مجرد أفكار ومشاعر قد لا تتخذ في بادئ الأمر صورة الخطية، ولا هي تتعب الضمير.

 وفى هذا المجال أحب أن أقول لكم قاعدة هامة وهي:

 إن الخطوة الأولى المؤدية إلى الخطية، ربما لا تكون خطية.

 مثال ذلك علاقة نجسة جدًا، بدأت بصداقة بريئة، وربما بريئة جدًا! ثم تطورت ودخلها الشيطان، فصارت خطية.

 الأمر إذن يحتاج إلى تدقيق واحتراس..

 هذه الخطايا الصغيرة هي التي قيل عنها في المزمور “يا بنت بابل الشقية، طوبى لمن يكافئك مجازيتك التي جازيتنا.. طوبى لمن يمسك أطفالك، ويدفنهم عند الصخرة” (مز 137).

 بابل حيث كان السبي، هي رمز لسبى الخطية. فيقصد أن يقول: طوبى لمن يمسك الخطية، و هي في حالة الطفولة، قبل أن تنمو، ويدفنها عند الصخرة. ويقول الكتاب “و الصخرة كانت المسيح” (1 كو 10: 4). أي يتخلص من الخطية بمعونة من السيد المسيح.

 خطورة هذه الخطايا الصغيرة، أن الإنسان قد لا يهتم بها!

 يهملها، يتركها فتكبر وتتطور، دون أن يحسّ، وقد يحسّ متأخرًا، عندما تكون قد أفسدت الكروم..!

 إن ثقبًا صغيرًا في مركب، قد يؤدى -بمرور الزمن- إلى كارثة غرق. لأجل هذا يقول داود النبي “الهفوات من يشعر بها؟! من الخطايا المستترة يا رب أبرئني” (مز 19).

 إذن هناك خطايا مستترة، وهفوات يشعر بها الإنسان.

 هناك خطايا لا تبدو خطايا، ولا يأبه بها من يرتكبها. من هنا ينبغي أن نتعلم حياة التدقيق.

 حياة التدقيق:

 لماذا شبهت هذه الخطايا بالثعالب، وبالثعالب الصغار؟

 لأن الثعلب مشهور بالمكر. ولأن الثعلب الصغير يمكنه أن يتسلل من أية فجوة صغيرة في أسوار الكرم. كما أن الكرامين قد لا يحسبونه خطرًا. وفي نفس الوقت هو قادر على إفساد الكروم..

 إنك قد تهتم بالخطية الكبيرة الظاهرة، وتستعد لمقاومتها. بينما الخطايا (الصغيرة) تعبر بك دون أن تلتفت إليها. ولهذا فإن السيد له المجد أظهر خطورة وأهمية كلمة رقا، وكلمة يا أحمق، (مت 5: 22). وأظهر أيضًا أهمية مجرد النظرة الخاطئة ولو أدى الأمر إلى قلع العين بسببها (مت 5: 28، 29). ولهذا فإن الآباء الروحيين علموا أبناؤهم أن يدققوا كثيرًا.

 قالت القديسة سارة: إن فمًا تمنع عنه الخبز، لا يطلب لحمًا، و إن منعت عنه الماء، لا يطلب خمرًا.

 أحد الرهبان وهو سائر في الطريق، عثر على قطعة نطرون. فلما جاء إلى الأنبا أغاثون ومعه قطعة النطرون، قال له القديس “إن أردت أن تعيش مع أغاثون، ففي المكان الذي وجدت فيه هذا النطرون أرجعه”. إلى هذا الحد كان الآباء يعلمون أولادهم أنهم حتى لو وجدوا قطعة حجر ملقاة في الطريق لا يأخذونها.

 مار اسحق دقق على وجوب الحشمة داخل الغرفة الخاصة..

 فالشخص الذي يجلس في غرفته الخاصة بحشمة وأدب، لا يترك جزءًا من جسمه معرى ومكشوفًا بطريقة غير لائقة، هذا الشخص لا يمكن أن يفقد الحشمة في الخارج أمام الناس. إذ قد تعودها فيما بينه وبين نفسه..

 حقًا إن الذي يدقق في الشيء الصغير، لا يمكن أن يقع في الكبير.

 ولعل هذا هو الذي قصده المثل الإنجليزي السائر:

 Take care of the penny، and the pound will take care of itself.

 أي اهتم بالمليم (البنس)، و حينئذ الجنيه يهتم بنفسه.

 لا تظن أن الشيطان في بادئ الأمر سيطلب أن تفتح له بابًا واسعًا يدخل منه إلى قلبك. إنه لن يطلب سوى ثقب إبرة..

 إنه يبدأ بهذا الثقب، ثم يتسع، حتى يملك القلب كله.

 إن الشيطان لا يكشف أوراقه، لا يكشف حيله. لا يطلعك على الخطوات المقبلة في خططه، أو عن مدى تطور الخطوة الأولى التي تبدو بسيطة.

 لا يأتيك في كل مرة كأسد زائر، يلتمس ابتلاعك (1 بط 5: 8)، و إنما قد يأتي كثعلب صغير، يتسلل إلى كرمتك دون أن تشعر.

 فما هي إذن هذه الثعالب الصغار المفسدة للكروم؟

 أمثلة مِن الثعالب الصغار:

 قد تكون مثلًا، قليلًا من الكسل والتهاون والتراخي:

 تصحو من النوم. وبدلًا من أن تبدأ يومك بالصلاة، تتراخى قليلًا. تؤجل الموضوع دقائق قليلة، ريثما تفيق.. في هذه الدقائق يكون الشيطان قد قدم لك مجموعة من الأفكار تشغلك. إما أن تعطلك عن الصلاة، وتجعل فكرك يطيش فيها..

 لماذا نقول إذن في صلواتنا “يا الله، أنت إلهي، إليك أبكر، عطشت نفسي إليك”؟ (مز 63: 1).

لأجل الشوق إلى الله، وأيضًا لنهرب من هذا الثعلب الصغير، ثعلب التراخي والكسل..

 مثال آخر: خطية الكبرياء، قد تبدأ هي الأخرى بثعلب صغير:

 قد تبدأ برغبة في الدفاع عن النفس، وربما يتطور الدفاع عن النفس إلى إدانة الغير..

وقد تبدأ بأن يتعود الإنسان الإجابة على سؤال وجه إلى غيره، وبأن يسمح لنفسه بمقاطعة غيره في الحديث ولو بأدب واستئذان. وقد تبدأ بابتسامة رضى وشعور بالرضى عند سماع كلمة مديح..

 كل مشاكل يوسف الصديق بدأت بشيء بسيط، بأنه كان يتحدث عن أحلامه في مسمع أخوته، ولو ببساطة..

 هذا الحديث كان يثير فيهم عوامل الحسد والغيرة. وما لبثت هذه الغيرة أن نمت، ووصلت إلى درجة من الخطورة أدت إلى إلقائه في البئر، وإلى بيعه كعبد.

 إن السيدة العذراء بحكمتها وروحانيتها نجت من هذا الثعلب الصغير الذي أفسد العلاقة بين يوسف وأخوته. إذ أنها ظلت صامتة في كل ما أحاط بها من رؤى وعجائب وأمجاد.

 لم تتحدث إطلاقًا، وإنما “كانت تحفظ كل تلك الأمور متأملة بها في قلبها” (لو 2: 51).

 إن قصة يوسف تقدم لنا ثعلبًا صغيرًا آخر، ربما لم يلتفت إليه إطلاقًا أبو الآباء يعقوب. وهو القميص الملون الذي خص به ابنه يوسف، و سبب كثيرًا من الغيرة لأخوته.

 هذا الثعلب الصغير (القميص الملوَّن). يلعب دورًا خطيرًا في علاقتنا:

 ربما تقابل مجموعة من الناس فتحييهم تحية عادية، بينما تخص واحدًا منهم بابتسامة خاصة، وعبارة اشتياق، وتنتحي به جانبًا لتحدثه على انفراد.. وقد يحدث كل ذلك تأثيره فيما بعد.. لذلك ينبغي أن نسلك بتدقيق، ونراعى شعور الكل. لا نترك ثقبًا ولو ضئيلًا في معاملاتنا للناس، يتسلل منه ثعلب صغير، فيفسد الكروم..

 قد يكون الثعلب الصغير المفسد للعلاقات، هو مجرد إهمال -و لو عن غير قصد- إهمال لمجاملة ينبغي أن تؤدى في إحدى المناسبات فرحًا وحزنًا. ويستغل الشيطان ذلك لإحداث مشكلة، كان يمكن أن تعالج بزيارة وبخطاب وبمكالمة تليفونية.

 فإن كانت الصغائر -وما تبدو صغائر- ينبغي أن نحترس منها، فكم وكم بالأكثر الكبائر من الخطايا والأغلاط!!

 صوت حبيبي (نش 2: 8)

 

تقول العذراء في سفر النشيد “صوت حبيبي. هوَّذا آتٍ طافرًا علي الجبال، قافزًا علي التلال” (نش2: 8).

تمييز صوت الرب:

أول ما تطلبه من النفس الروحية أن تميز صوت حبيبها.

تعرفه من بين كل الأصوات كلها. وكما قال الرب عن الراعي الصالح “الخراف تتبعه، لأنها تعرف صوته. وأما الغريب فلا تتبعه، بل تهرب منه، لأنها لا تعرف صوت الغرباء” (يو10: 4، 5).

إن النفوس المشتاقة إلي الرب، تعرف صوت حبيبها. ومجرد سماعه يشعلها بالحب.. إذا كان صوت مريم العذراء لما طرق أذني أليصابات، امتلأت أليصابات من الروح القدس، وارتكض الجنين بابتهاج في بطنها (لو1: 41). فكيف بالحري صوت الرب في آذان قديسيه..

كثيرون سمعوا صوت الرب، ولكنهم لم يميزوا..

صموئيل الطفل، سمع صوت الرب مرتين، وهو يظنه صوت عالي الكاهن. ولكنه ميزه أخيرًا، فقال “تكلم يا رب فإن عبدك سامع” (1صم3: 9، 10).. ومريم المجدلية وهي مضطربة لم تستطع أن تميز صوت الرب، وظنته صوت البستاني، ولكنه أعلن لها صوته، فصرخت في حب “ربوني” الذي تفسيره “يا معلم” (يو20: 15، 16).

إن صوت الرب مميز من الكل، معلم بين ربوة..

صوته في حبه. وعاطفته، وعمقه، وتأثيره “لأن حلقه حلاوة، وكله مشتهيات” (نش5: 16).

كان صوت الرب يتميز بجاذبية خاصة..

تصوروا متى العشار، وقد سمعه مرة يقول له “اتبعني”، فترك مكان الجباية، والمال، والمسئوليات، فتبعه (مت9: 9) وهو لا يدري إلي أين يذهب، كما فعل أبونا إبراهيم لما سمع صوت الرب (عب11: 8).

وسمعان واندراوس، لما سمعا صوته يقول لهما “هلم ورائي فأجعلكما صيادي الناس، تركا الشباك والسفينة للوقت، ولم يستطيعا أن يقاوما جاذبية ذلك الصوت.. (مت4: 18-20).

وهكذا كلمة واحدة قالها لزكا رئيس العشارين، جعلته يقول “هوذا نصف أموالي أعطيه للفقراء. وإن كنت قد ظلمت أحدًا في شيء أرده خمسة أضعاف” (لو19: 8).

 أحد الذين وصفوا المسيح في فترة تجسده، قال:

كان نظره قويًا، لا يستطيع أحد أن يطيل النظر إلي عينيه بل يخفض بصره. وكان صوته عميقًا ومؤثرًا وحلوًا..

إنه “صوت حبيبي” للأسف الشديد لم تكن هناك أجهزة تسجيل للصوت Recorders في أيام المسيح بالجسد حتى تحتفظ لنا بهذا الصوت، مدي الأجيال، تتذوقه الآذان.

في الواقع ليس كل إنسان مستحقًا لسماع ذلك الصوت.

إن الذين كانوا مع شاول الطرسوسي في طريق دمشق، حينما ظهر له السيد المسيح قال عنهم بولس الرسول إنهم رأوا النور ولكنهم لم يسمعوا الصوت الذي كلمني” (أع22: 9). إنهم لم يكونوا مستحقين: لذلك نقول في أوشية الإنجيل، ونحن نستعد لسماع كلمات الرب “اجعلنا مستحقين أن نسمع ونعمل بأناجيلك المقدسة” فنطلب أن نستحق..

“صوت حبيبي”، كلم الآباء منذ البدء، بأنواع وطرق شتي. أول صوت سمعناه خالقًا، قال الرب: ليكن. فكان.. ثم سمعنا صوته معلمًا يقول لأبوينا الأولين ماذا ينبغي لهما أن يفعلا، ويقدم لهما الوصية، ثم سمعنا صوت الله مباركًا، أثمروا وأكثروا واملأوا الأرض”..

وظل صوت الله يتابع الإنسان في أغراض شتي..

المهم أن نميز صوت الرب أيًا كان مصدره.

القديس الأنبا أنطونيوس سمع آية من قراءات الكنيسة، سمعها كل الشعب معه، ولكنه أدرك أنها صوت الله إليه هو بالذات فذهب ونفذها وباع كل ماله وأعطاه للفقراء..

وسمع صوت امرأة تقول له “إن كنت راهبًا، فاذهب إلي البرية الجوانية، لأن هذا المكان لا يصلح لسكني الرهبان”. فأدرك أن هذا صوت الله إليه علي لسان المرأة، ونفذه..

متى؟ وكيف؟

هل تسمع أنت صوت الله وتميزه؟ سواء سمعته في الكنيسة، وفي الشارع، ومن فم صديق وزميل، ومن فم من يوبخك، ومن أي مصدر كان.. ؟

ربما مرض يصيبك، ويصيب أحد أحبائك، يكون هو صوت الله إليك، أن تتوب وأن تستعد..

ربما ضيقة من الضيقات، تجربة، مشكلة، تسمع فيها صوت الله إليك، كما حدث لأخوة يوسف، لما وقعوا في يد حاكم مصر، ذكرهم صوت الله بأخيهم الذي استرحمهم فلم يرحموه (تك42: 21)..

إنه صوت الله، قد يتكلم في أذنيك وأعماق قلبك:

تسمعه في داخلك يقول لك: لا تفعل هذا الأمر. حذار من هذا الطريق.. كفاكم قعودًا بهذا الجبل فتميزه وتقول: هذا صوت حبيبي، يرشدني إلي طريقه..

كل إنسان في الدنيا وصله صوت الله، حتى الخطاة..

قايين أول قاتل، جاءه صوت الله “أين هابيل أخوك”؟ (تك4: 9).

ويهوذا الخائن جاءه صوت الرب أيضًا موبخًا. “أبقبلة تسلم ابن الإنسان؟!” (لو22: 48) وظل صوت الرب يرن في أذنه، حتى أرجع المال وقال “أخطأت إذ أسلمت دمًا بريئًا” (مت27: 4).

أحيانًا، يأتي صوت الرب في حب وفي رفق ورسالة عزاء:

مثلما قال ليشوع “كما كنت مع موسى عبدك، أكون معك. لا أهملك ولا أتركك” (يش1: 5). وكما جاء هذا الصوت لأبينا يعقوب وهو هارب من عيسو “ها أنا معك، وأحفظك حيثما تذهب، وأردك إلي هذه الأرض” (تك28: 15).

صوت حبيبي جاء إلي التلاميذ والسفينة مضطربة، ليقول لهم “أنا هو، لا تخافوا”. وهو يأتي في المزمور لكل نفس ليقول “الرب يحفظك، الرب يظلل علي يدك اليمني، فلا تضربك الشمس بالنهار ولا القمر بالليل. الرب يحفظ دخولك وخروجك” (مز121).

لاحظوا أن العروس سمعت صوت حبيبها آتيا من بعيد:

لم يكن أمامها يكلمها، وإنما كان لازال يبدو بعيدًا .. قافزًا علي الجبال، طافرًا علي التلال”.. ولكنها أحست به من بعيد، فقالت “صوت حبيبي. هوذا آت”..

بالإيمان، تسمع صوت الرب، ولو من بعيد، لابد سيأتي.

سيأتي سريعًا، قافزًا علي الجبال، ولو في الهزيع الأخير من الليل. يأتي ليمسح كل دمعة من عيونكم.. بالإيمان تري ما لا يري، وتوقن بالأمور غير الموجودة كأنها موجودة، وتسمع صوت الرب ولو كان بعيدًا..

لماذا صوت الرب؟

صوت الرب يأتي للمعونة، وللتعزية، وللبركة، وللمكافأة..

وقد يأتي أحيانًا للعقوبة “مخيف هو الوقوع بين يدي الرب” (عب10: 31)..

جميل أن تسمع صوت الرب وهو يقول “نعمًا أيها العبد الصالح والأمين، كنت أمينًا في القليل، فسأقيمك علي الكثير. أدخل إلي فرح سيدك” (مت25: 21، 23). ولكن صوت الرب قال للغني الغبي “في هذه الليلة تؤخذ روحك منك. فهذا الذي أعددته لمن يكون؟ (لو13: 20). وكان صوتًا مخيفًا..

إن كنت تحب الرب، حينئذ ستفرح بسماع صوته.

عذراء النشيد فرحت بصوت الرب، لأنها كانت تحبه. وآدم قبل الخطية كان يفرح بالرب وصوته. ولكنه لما أخطأ وسمع صوت الرب، خاف واختبأ وراء الأشجار. ولما كلمه الرب أجاب “سمعت صوتك في الجنة فخشيت، لأني عريان فاختبأت” (تك3: 10).

فهل إذا جاءك صوت الرب يجدك عريانًا؟! وخائفًا!

ما أصعب قول الرب لآخاب علي لسان إيليا النبي “في المكان الذي لحست فيه الكلاب دم نابوت اليزرعيلي، تلحس دمك أيضًا” (1مل21: 19).. بل ما أصعب صوت الرب في اليوم الأخير حينما يعلن حكمه علي بعض الخطاة فيقول “الحق أقول لكم أني لم أعرفكم قط، اذهبوا عني يا فاعلي الإثم” (مت7: 23)..

علي أن صوت الرب قد يأتيك معاتبًا، لتغير طريقك:

كما قال لشاول الطرسوسي، شاول شاول، لماذا تضطهدني؟” (أع9: 4)..

أو كما قال لإيليا “مالك ههنا يا إيليا؟” (1مل19: 9)..

أو كما قال ليونان “هل اغتظت بالصواب؟!” (يون4: 4)..

إن حبيبك يعاتبك أحيانًا، لكي ترجع إليه “هلم نتحاجج يقول الرب” (أش1: 18). إن عاتبك فلا تقس قلبك..

قد يكلمك الله “بصوت منخفض خفيف”. وقد يأتيك صوت الرب، والرب ممسك بسوط.. لأجل منفعتك.

والأبرار يفرحون بصوت الرب علي الدوام، ويجدون متعة في سماع كلامه، ويقولون مع المرتل “فرحت بكلامك كمن وجد غنائم كثيرة. وجدت كلامك كالشهد فأكلته”..

وإن كنت تخشي صوت الرب إليك، فتب، لأنك بالتوبة، سيتحول حزنك إلي فرح بالرب..

سيأتي لك صوت الرب، في وقت قد لا تتوقعه..

ذلك لأن ملكوت الله لا يأتي بمراقبة. موسى النبي أتاه صوت الله وهو سائر في البرية، فكلمه من العليقة دون أن يتوقع (خر3). وهكذا جاء صوت الرب لصموئيل الطفل، ولإرمياء الصبي، دون أن يتوقعاه (1صم3)..

اجعل إذنيك مفتوحتين لسماع صوت الرب، وافرح بصوته الحلو، ونفذ كلامه، واعتبره حبيبًا لك. وكلما سمعت صوته قل له مع عذراء النشيد “صوت حبيبي”..

 

 هوّذا آتٍ طافرًا على الجبال (نش 2: 8)

على الجبال:

إن عذراء النشيد -بالكشف الإلهي- أمكنها أن ترى تجسد المسيح، قبل مجيئه بأكثر من ألف سنة. فقالت “صوت حبيبي. هوذا آتٍ، طافِرًا على الجبال”..

فأية جبال تراها كانت تعني؟

 

1- أولها جبال يهوذا، وهو في بطن العذراء:

إذ يقول الإنجيل إن مريم العذراء، لما قال لها الملاك ” وهوذا أليصابات نسيبتك هي أيضًا حبلى بابن في شيخوختها. وهذا هو الشهر السادس لتلك المدعوة عاقرًا” (لو 1: 36) حينئذ قامت مريم في تلك الأيام، وذهبت بسرعة إلى الجبال إلى مدينة يهوذا ودخلت بيت زكريا، وسلمت على أليصابات” (لو 1: 39، 40).

وكان الرب يسوع حينئذ جنينًا في بطنها، وهي على جبال يهوذا. لذلك لما صار سلام مريم في أذني أليصابات، أمتلأت أليصابات من الروح القدس، وارتكض الجنين في بطنها (لو 1 42، 44).

مستقبلًا هذا الذي أتاه طافرًا على الجبال..

2- جبل قسقام في مصر:

وذلك أثناء الهروب إلى مصر، حسب أمر الملاك ليوسف النجار (مت 1: 13).

وكان آخر المطاف في مصر هو عند موضع الدير المحرق في جبل فسقام، حيث بارك الرب هذا الجبل وكل أرض مصر التي عبر بها

3- جبل التجربة (مت 4):

ويمكن أن ندعوه أيضًا جبل الانتصار، إذ قضى الرب “أربعين يومًا يُجَرب من الشيطان. وكان مع الوحوش. وصارت الملائكة تخدمه” (مر 1: 12).

والتجربة الثالثة كانت على جبل عال حيث رأى ” جميع ممالك الأرض ومجدها (مت 4: 8) مزدريًا بها جميعًا ومنتصرًا على كل حيل إبليس، فأستطاع بهذا أن يقول لتلاميذه ” ثقوا، أنا قد غلبت العالم” (يو 16: 23) وقال عنه القديس بولس الرسول إنه “مُجرب في كل شيء مثلنا، بلا خطيه” (عب 4: 15) وأيضًا “لأنه فيما هو تألم مُجربًا، قادر أن يعين المُجربين” (عب 2: 18).

كان على جبل التجربة تعزية لنا في تجاربنا. وتشجيعًا لنا في الانتصار على تجاربنا.

4- على جبل العظة (مت 5):

كما كانت تعاليمه هكذا عاليه ومرتفعه عن كل تعليم بشري، لاق بها أن نقول على جبل عالٍ. وفي هذا يقول القديس متى في بداية العظة على الجبل “ولما أبصر الجموع صعد إلى الجبل.. وفتح فاه وعلمهم قائلًا: طوبى للمساكين بالروح، لأن لهم ملكوت السموات..” (مت 5: 1-3).

وهكذا قيل عن سمو هذه العظات التي قالها الرب على الجبل “فلما أكمل يسوع هذه الأقوال، بُهِتَت الجموع من تعليمه. لأنه كان يعلمهم كمن له سلطان، وليس كالكتبة” (مت 7: 28، 29).

وكثيرًا ما كان الرب يُعلم على الجبال.

5- على جبل التجلي:

وقيل في ذلك “أخذ يسوع بطرس ويعقوب ويوحنا. وصعد بهم إلى جبل عالٍ منفردين. وتغيرت هيئته قدامهم. وأضاء وجهه كالشمس، وصارت ثيابه بيضاء كالنور. وإذا موسى وإيليا قد ظهرا، يتكلمان معه.. (مت 17: 1-3) (مر 9: 1-3)

ويكمل القديس متى الإنجيلي هذه المعجزة المبهرة بقوله ” إذا سحابه نيره ظللتهم، وصوت من السحابة قائلًا: هذا هو أبني الحبيب الذي به سررت. له اسمعوا” (مت 17: 5) ويذكر هذا إنجيل مرقس أيضًا (مر 9: 7).

كما ورد ذلك في إنجيل لوقا كذلك (لو 9: 34، 35).

ويقول القديس بطرس الرسول عن الرب يسوع: “لأنه أخذ من الله الآب كرامة ومجدًا، إذ أقبل عليه صوت كهذا من المجد هذا هو أبني الحبيب الذي أنا به سررت. ونحن سمعنا هذا الصوت مقبلًا من السماء، إذ كنا معه على الجبل المقدس” (2بط 1: 17، 18).

كان جبل التجلي عظيمًا هكذا، إذ عبر عن لاهوت الرب ومحبة الآب له. لذلك لاق به أن يدعى “الجبل المقدس” ويذكر بين الجبال الهامة التي طفر عليها الرب.

6- جبال الصلاة والتأمل:

ما أكثر ما كان السيد الرب يختار الجبل مكانًا للصلاة والتأمل والخلوة مع الآب.

يقول عنه القديس متى الرسول “وبعد ما صرف الجموع، صعد إلى الجبل ليصلي” (مت 14: 23).

ويقول القديس مرقس الرسول”.. صرف الجمع. وبعد ما ودعهم، صعد إلى الجبل ليصلي” (مر 6: 46). ويقول القديس لوقا “وفي تلك الأيام، خرج إلى الجبل ليصلي، وقضى الليل كله في الصلاة لله” (لو 6: 12). ويقول أيضًا “وكان في النهار يعلّم في الهيكل. وفي الليل يخرج ويبيت في الجبل الذي يدعى جبل الزيتون (لو 21: 37). حقًا إن جبل الزيتون كان من أهم الجبال في أثناء فترة تجسد الرب على الأرض.

ومن العبارات المؤثرة في إنجيل القديس يوحنا الحبيب، قوله “فمضى كل واحد إلى خاصته. أما يسوع فمضى إلى جبل الزيتون” (يو 7: 53)، (يو 8: 1).

7- جبل الجلجثة:

وأهم آخر الجبال التي وصل إليها الرب في تجسده على الأرض، هو جبل الفداء الذي فيه سفك دمه الطاهر عنا لأجل خلاصنا. لأنه لا يوجد حب أعظم من هذا أن يضع أحد نفسه لأجل أحبائه (يو 15 : 13).

وعن صلب الرب يقول إنجيل متى إنهم “أتوا إلى موضع يقال له جلجثة وهو المسمى موضع الجمجمة” (مت 27: 33).

ويذكر مرقس الرسول هذه الجلجثة أيضًا (مر 15: 22) ويقول القديس لوقا “ولما مضوا به إلى الموضع الذي يدعى جمجمة صلبوه هناك..” (لو 23: 33).

ويقول القديس يوحنا “فخرج وهو حامل صليبه إلى الموضع الذي يُقال له موضع الجمجمة. ويُقال له بالعبرانية جلجثة، حيث صلبوه وصلبوا أثنين آخرين معه..” (يو 19: 17، 18).

8- جبال أخرى:

جبال أخرى في حياة تجسد المسيح على الأرض، ما أكثرها، بعضها خاصة بمعجزاته والبعض بتعليمه من على هذه الجبال..

تفسير سفر نشيد الأنشاد 1 نشيد الأنشاد 2تفسير سفر نشيد الأنشاد تفسير العهد القديمتفسير سفر نشيد الأنشاد 3
البابا شنوده الثالث
تفاسير نشيد الأنشاد 2 تفاسير سفر نشيد الأنشاد تفاسير العهد القديم

 

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى