امتيازات الصلاة

للعلامة أوريجانوس

أسس الصلاة :

مما يرتبط ببحثنا أن نقدم بعضا من الأمثلة والنماذج التي تقنع الآخرين برفعة الصلاة وقيمتها حتى يتحولوا عن فتورهم واهمالهم . هناك استحالة دون ولادة الأطفال أو انجابهم اذا لم يتوفر ركنان : المرأة والفعل الذي يؤدي الى تكوين الطفل هكذا أيضا من المستحيل أن نحصل على هذا أو ذاك من احتياجاتنا أو تطلبات قلوبنا دون ان يقدم المرء صلاته موفورة الأركان من حيث الطريقة والميول التي يجب أن تقترن بها ، ونوع الايمان الذي تستمد قوته منه ، وسجل حياة المرء نفسه التي يجب أن يمارسها بالطريقة المناسبة. فالصلاة ليست مجرد تمتمة الكلمات ، أو سؤال امور تافهة أو التماس الأمور الأرضية . كما لا يليق التقدم للصلاة والنفس تنتهبها حالة من حالات الغضب، أو المخاصمات التي تشتت الذهن ( مت6: 7 و 1تی2: 8) بل ولا يستطيع المرء أن يخصص وقتا للصلاة ما لم يتطهر أولا ، فالذي يصلى لن يحصل على غفران خطاياه اذا لم يغفر هو نفسه ـ ومن كل قلبه ـ لاخيه الذي اساء اليه وطلب صفحه ( مت6: 12 و لو11: 4) . 

الفـكر :

واني اعتقد أن من يصلى بالطريقة اللائقة ، أو وهو في أفضل حالاته الروحية ، لا بد له أن يستفيد من صلاته بطرق مختلفة . واول امتيازات الصلاة التي ينتفع بها الانسان ، هو احساسه حين يجمع ذهنه للصلاة . مجرد الميل او الاتجاه للصلاة يكشف عن حقيقة الشخص الذي يضع نفسه امام الله ، ويتحدث اليه مؤمنا بأنه موجود امامه ، مقتنعا انه في حضرته تعالى وعينه عليه . ولما كانت بعض الصور الذهنية وذكريات الأشياء التي قد تتوارد على العقل قد تفسد القلب الذي تملأه مثل هذه الخيالات ، نستطيع أن ندرك هذا الامتياز عندما ينحصر الذهن ويرتفع القلب الى الله الذي نؤمن به ، ونؤمن انه يطلع على ادق حركات النفس وسرائرها . فالنفس تضع ذاتها بالارادة لكي ترضيه باعتباره حاضرا وناظرا اليها وعارفاً – علما سابقا ـ بكل ما يدور فيها من الأفكار ، فاحصا للقلوب والكلى (مز7: 10). حتى لو تصورنا أنه لا توجد اية ميزة أخرى يجنيها الانسان اذا هيأ عقله للصلاة ، فلا مراء أن في اعداد نفسه في وقت الصلاة ، انما يحصل على منفعة لا يمكن تجاهلها او التغاضي عنها . والذين يسكبون انفسهم دائما في الصلاة يعلمون بالخبرة والتجربة ـ ان في ممارستهم المستمرة للصلاة يتجنبون الكثير من الخطايا، وفي نفس الوقت تقودهم الصلاة الى اداء الكثير من الأعمال الصالحة ، واذا كان مجرد تذكر او تصور رجل عظیم مشهود له بالحكمة يدفعنا إلى الرغبة في محاكاته ، كما يكبح أيضا جماح النفس فيردها عن ارتكاب فعل الشر ، فكم وكم يكون الأمر حين نتذكر الله الآب والى أي مدى ينتفع الذين يصلون اليه وهم يتمثلونه امام عيونهم ، واثقين تماما أنهم في حضرته ، وفي يقين كامل يتحدثون اليه وهو معهم يسمع لهم؟!

نقاوة القلب :

والكتاب المقدس يؤكد هذه الحقائق ، اذ يطالب المؤمن حين يصلى أن يرفع أيادي طاهرة ، تتطهر بالصفح عن ذنوب كل من أساء إليه ، وان يصرف روح الغضب عن نفسه فلا يحمل في نفسه حقداً على احد ( 1تی2: 8 و مت6: 12و14 و مت18: 21 و مر11: 25 و لو11: 4 ) ولكي لا يقلق الإنسان عقله بأي شيء آخر ، يجب عليه – اثناء الصلاة ـ ان يطرح بعيدا عنه كل الخواطر الأخرى. اليس هذا في حد ذاته من أسعد الحالات التي يمكن أن يصل اليها الإنسان ؟ ! والرسول بولس يعلمنا هذا أيضا في رسالته الأولى الى تيموثاوس : فاريد أن يصلي الرجال في كل مكان رافعين ايادي طاهرة بدون غضب ولا جدال (1تی2: 8).

وكذلك المرأة عندما تصلى ، يجب أن تتزين بروح الاتضاع وألا تكتفي بزينة الجسد بل تهتم بزينة الروح عندما تتقدم للصلاة فتقدم الاجلال والاحترام اللائقين بالله . وذلك يتم بأن تقصي عن ذهنها كل تصور او فکر نسائی جامح ، وتزين نفسها لا بضفائر الشعر أو الذهب أو اللالىء أو الملابس الكثيرة الثمن بل ـ كما يليق بالمرأة أن تزين نفسها بما يظهر تقواها وصلاحهـا (1تي2: 9). آنی اعجب من انسان يساوره الشك في ان المرأة حين تعـد نفسها على هذه الصورة تغمرها سعادة حافلة ، حتى وهي في حالة الاستعداد نفسها . وهذا ما يردده معلمنا بولس في نفس الرسالة : وكذلك أن النساء يزين ذواتهن بلباس الحشمة مع ورع وتعقل لا بضفائر أو ذهب او لالىء او ملابس كثيرة الثمن ، بل كما يليق بنساء متعاهدات بتقوى الله بأعمال صالحة (1تی2: 9و10).

سمو الروح :

ويحدثنا داود النبي عن بركات الصلاة التي يتمتع بها رجل الصلاة ويحسن بنا أن نستعرضها معا حتى نرى في وضوح تلك الامتيازات الثمينة . النبي : اليك رفعت عيني يا ساكن السماء ( مز122: 1 ) اليك يارب أرفع للتمتع بجو الصلاة ، وتحضنا على التأهب لها حتى نقدم ذواتنا لله . يقول النبي : اليك رفعت عيني يا ساكن السماء ( مز122: 1) اليك يا رب ارفع نفسی ( مز24: 1) وهو بذلك يكشف لنا عن عمل العيون الروحية التي ترتفع عندما تكف عن التجوال في أمور العالم ، وتتوقف عن الامتلاء بصور الأشياء المادية ، فترتقى وتتسامى على جميع الخلائق والمصنوعات . ينحصر تفكيرها في الله وحده ، الذي يستمع لها واليه تتحدث في وقار كما يليق حقا ان هذه العيون تتمتع الى اقصى درجات اللذة : ونحن جميعا ناظرین مجد الرب بوجه مكشوف نتغير الى تلك الصورة عينها من مجد الى مجد (2کو3: 18) ثم نشترك بعد ذلك في ثر ذلك العنصر العقلي الالهى ونأخذ لأنفسها نصيبا فيه ، كما يشير الكتاب الى ذلك : نور وجهك يارب اشرق علينا ( مز4: 7 ) فالنفس التي ترتفع وتسلك في طريق الروح ، المستقل عن الجسد ، لا يكفيها أن ترتقى مدارج الروح بل تحيا في الله . وهذا يتضح من قول النبي : اليك يا رب ارفع نفسی مز24: 1 فالنفس المرتفعة لم تعد نفسا جسدانية بل أصبحت روحية ، ليست مادية ، بل ولا صلة لها بالمادة .

و غفران الخطايا من الفضائل التي تحيا في ربوع الصلاة وتقترن بها ومما يدل على سمو مكانة هذه الفضيلة ما قاله أرميا النبي وهو يلخص الناموس كله في هذه الكلمات : لأني لم اكلم آباءكم ولا أوصيتهم يوم اخرجتهم من أرض مصر ، بل انما أوصيتهم بهذا الأمر الا يفكر أحد منكم شرا على اخيه في قلبكم ( إر7: 22و23 و زك7: 10 ) واذ نتمم هذه الوصية انما نطرح تذكار الشر الملبس الموت . وراء ظهورنا . وعندما نتقدم للصلاة نضع نصب أعيننا وصية المخلص في هذا الصدد : ومتى وقفتم تصلون فاغفروا ان كان لكم على احد شيء ( مر11: 25 ) هل هناك شك اذا من جهة المنفعة التي تجنبها النفس من وراء الاستعداد للصلاة على هذه الصورة المقدسة.

بلا شك ولا تذمر :

وقد قلنا كل هذا للدلالة على الثمار الغنية التي يمكنا ان نحصل عليها من مجرد ادراكنا لكيفية الصلاة واعداد أنفسنا لهذا الموقف العظيم، هذا رغم التسليم جدلا بقول المقاومين من أن الصلاة لا فائدة من ورائها . فمن الواضح ان المؤمن حين يصلى بهذه الروح ففي أثناء صلاته وتأمله في قوة الله الذي يسمعه ، يستطيع أن يحس همس الصوت الالهي . ومن الطبيعي ان يلقى عنه اي تبرم فيما يختص بالتدبير الالهي ، قبل أن يرفع قلبه بالصلاة . وهذا يتضح من النص : اذا نزعت منطقتك من وسطك ، وكففت عن أن تمد اصبعك وتنطق بكلمة تذمر ( إش 58: 9 ) لأن الذي يفيض قلبه بالرضى رغم ما يحيط به من احداث انما هو حر من هذه السلسلة ( المنطقة ) ولا يمد أصبعه الى الله الذي يدير ما يشاء من أجل تدريبنا ، بل لعله لا يتذمر بسبب ضيقاته حتى سرا حين لا يسمعه أحد . لأنه كما ينتقد العبيد الأشرار اوامر سادتهم ـ مع ملاحظة أن هذا المنفذ لا يكون جهرا ـ كذلك يفعل الساخطون المتبرمون وبالحرى الذين يضمرون السخط دون الجهر به، لأنهم لا يجرءون على اعلان تذمرهم ضد العناية الالهية على ما يحيط بهم من احداث وضيقات . وقد يظن هؤلاء ان شكاواهم لن تعرف لدى الله ، واعتقد ان هذا هو المقصود في وصف ايوب : في كل هذه الأمور التي حدثت له ، لم يخطىء أيوب بشفتيه الى الله ( أی2: 10) بينما يقول عنه في التجربة التي سبقتها : في كل هذه الأمور التي حدثت له لم يخطىء أيوب قدام الله ( أی1: 22) والكتاب يحذرنا من هذه السقطة فيطالبنا الا نفسح للتذمر مكانا في قلوبنا فيقول : احترس لئلا تسترق الى قلبك كلمة مخبوءة شيئا محرما . ونقول أن السنة السابعة تقترب وهكذا ( تث15: 9).

المسيح يصلى معنا :

عندما تصلى بهذه الروح ، وتحصل على مثل هذه البركات ، تصبح اکثر استحقاقا للاتحاد بروح الله الأزلي الذي يملأ الكل ، ثم تمارس حياة الشركة والاتحاد مع ذاك الذي يملأ كل السموات والأرض ، الذي أعلن هذا على فم النبي : الست املأ السموات والأرض ؟ يقول الرب ( إر23: 24) وبالاضافة الى هذه الشركة ، فان المصلي بسبب التقديس والتطهير ـ كما ذكرنا يحصل على امتياز الاشتراك في صلاة « كلمة الله » الذي يقف في الوسط ، حتى وسط الجماعة التي لا تشعر بصلاته ( يو1: 26) . ومع أنه في غير حاجة الى الصلاة ، الا أنه يصلى الى الآب مع كل الذين صار هو وسيطا لهم ، لأن ابن الله هو رئيس الكهنة[1] الذين يرفع قرابيننا ، ويشفع فينا ويدافع عنا لدي الله الأب[2] . مصليا عن المصلين وضارعا مع الطالبين ولا يمكن ان يصلى عنا كأصدقاء حين لا نثابر على الصلاة بوساطته ، ولا يدافع امام الله عن المؤمنين به اذا لم نسلك في طاعته مصلين كل حين بلا فتور فقد علمنا في الانجيل مثلا أنه ينبغي ان يصلى كل حين ولا يمل وضرب لنا مثل القاضي (لو18: 1) وهكذا وقبل هذا قال : ثم قال لهم من منكم يكون له صديق ويمضى اليه نصف الليل ويقول له يا صدیقی اقرضني ثلاثة أرغفة لأن صديقا لي جاء من سفر وليس لي ما أقدم له (لو11: 5و6) ثم يختم هذا المثال بقوله : أقول لكم وان كان لا يقوم ويعطيه لكونه صديقه فانه اجل لجاجته يقوم ويعطيه قدر ما يحتاج ( لو11: 8 ) وكل من يؤمن بالمسيح يؤمن ان كلمته لا تسقط أبدا ، وأنه حق ويقين وعده الصادق الأمين : اسألوا تعطوا لأن كل من يسأل يأخذ[3] فمن يسمع هذه الوعود الأمينة ثم لا يتجه الى الصلاة دون تردد . فاذا ما سألنا الآب فهو يعطينا الخبز الحي وليس الحجر الذي قدمه عدو الخير طعاما ليسوع وتلاميذه . يعطينا الأب لأننا اخذنا منه روح التبني، فالآب يعطى العطايا الصالحة ، ويمطر من السماء على الذين يسألوه.

الملائكة والقديسون يصلون معنا :

ان الذين يرفعون لله صلاة صادقة ، لا يصلى معهم رئيس الكهنة فقط ، بل كذلك الملائكة الذين يفرحون في السماء بخاطيء واحد يتوب أكثر من تسع وتسعين بارا لا يحتاجون الى توبة. وكذلك تشترك في الصلاة ارواح القديسين الذين انتقلوا الى هناك.

وهذا يتضح لنا من قصة رافائيل الذي رفع ذبيحة عقلية الى الله من اجل طوبيا وسارة[4] ان الكتاب المقدس يقول انهما بعد أن صليا سمعت صلواتهما أمام نظر مجد العظيم رافائيل فارسله الرب لكي يشفيهما ولكن رافائيل نفسه ، وهو يكشف لهما الارسالية التي عهد بها اليه كملاك من قبل الرب يقول : انك حين كنت تصلى الآن ، انت وكنتك سارة ، كنت انا اقدم تذكار صلاتك أمام القدوس وبعد ذلك بقليل يقول ايضا : فاني انا رافائيل احد الملائكة السبعة الذين يحملون صلوات القديسين ويدخلون امام مجد القدوس. وهذا بدوره يفصح كما يقول رافائيل عن ان الصلاة عمل صالح مع الصوم والصدقات والعدل.

وأمامنا أيضا قصة أرميا النبي حين ظهر للمكابيين في صورة شيخ كريم الشيبة أعز البهاء تحيط به الهيبة والجلال بشكل لم يألفه أحد من قبل ، واذا به يمد يمينه ويعطى يهوذا سيفا من ذهب. وفي غضون هذه الرؤيا يشهد لأرميا النبي احد القديسين ، وكان قد مات منذ زمن طويل، فيقول : هذا هو الذي يصلى كثيرا من أجل الشعب ومن أجل كل المدينة المقدسة ، ارميا نبي الله.

وحيث ن المعرفة تنكشف وتكتمل للقديسين : الآن في مرآة في لغز ولكن حيننذ وجها لوجه. فليس من الحكمة أو التعقل ان نقصر التشبيه فلا تنسحب المشابهة والمطابقة على الفضائل الأخرى . فلا شك أن الفضائل التي نمارسها في هذه الحياة لا بد ان تبلغ كمالها في حياة الدهر الآتي ، وأعظم هذه الفضائل طبقا لكلمة الله  هي محبة الانسان لقريبه. ولا بد لنا أن نوقن أن القديسين المنتقلين تلتهب فيهم هذه المحبة بدرجة اعلى واعمق بكثير عن اخوتهم الذين ما زالوا تحت الضعف البشرى. وقد شغلت قلوب القديسين بالاشتراك في الجاهد مع اخوتهم الأضعف لأنهم يفيضون حبا نحو اخوتهم المجاهدين على وجه الأرض. ويعبر الكتاب المقدس عن هذه الشركة بقوله : فان كان عضو واحد يتألم فجميع الأعضاء تتألم معه ، وان كان عضه واحد يكرم فجميع الأعضاء تفرح معه. وهذا القول لا ينطبق فقط على من يحبون بعضهم بعضا على الأرض بل يمكنا بحق ان نقول هذه الآية عن حب الاخوة ، واهتمامهم يصل الى جميع الكنائس : من يضعف وأنا لا أضعف ، من يعثر وأنا لا التهب (2كو11: 28و29) والمسيح مخلصنا نفسه سبق فوضع هذا المبدأ فهو يقول أنه مريض مع المرضى وهو كذلك السجين والعريان والغريب والجائع والعطشان (مت25: 35-40) وكل الذين يؤمنون بالانجيل او قراوه يعرفون ان المسيح وهو ينسب الى نفسه كل ما يحل بالمؤمنين انما يأخذ على عاتقه كل آلامهم.

واذا كات ملائكة الله قد أتت ليسوع وأخذت تخدمه (مت4: 11) واذا كان من غير المعقول أن تقتصر خدمة الملائكة للمسيح على زمان اقامته بالجسد بين البشر ، وهو في وسط المؤمنين ليس كمن يتكيء بل كمن يخدم (لو22: 27) ، فتصور معى خدمة الملائكة للمسيح الذي يريد أن يجمع معه أبناء اسرائيل واحدا واحدا ، وعندما يضم الذين في الشتات . وينقذ الذين يئنون من الخـوف ويدعونه (إش27: 12) . أما يساهم الملائكة أكثر من الرسل في نمو الكنيسة وازديادها حتى أن القديس يوحنا يقول في سفر الرؤيا ان هناك ملائكة معينون لرعاية الكنائس (رؤ1: 20) وهكذا ندرك أنه ليس عبثا أن تصعد ملائكة الله وتنزل علی ابن الانسان . كما تراها العيون التي استضاءت بنور المعرفة (يو1: 51)

 وفي أثناء الصلاة نفسها يذكر المصلى هؤلاء الملائكة باحتياجاته . حتى يعملوا في خدمته على قدر طاقتهم في نطاق الوصية العامة التي تلقوها من الرب . وقد تدور في اذهاننا رغبة ان ندرك على وجه التحقيق ان طلباتنا قد صارت معروفة ومفهومة . ولهذا لا أجد بأسا في عرض بعض النماذج التي تشرح لنا هذه الحقيقة : افرض ان طبيبا ما من الأطباء المقتدرين الأمناء في عملهم . يعتني بانسان مريض بينما يصلى هذا المريض الى الله لكي يسترد صحته. الطبيب يعرف تماما علة المريض، كما يعرف الدواء الناجح الذي يبرئه من مرضه وهنا يأتي عمل الصلاة يتحرك قلب الطبيب لخـدمة مريضه المصلى حتى ينال الشفاء ، فيعترف – بحق ان هذه هي مشيئة الله الصالحة اذ سمع صلاته حين كان يطلب معافاته من المرض.

ولنأخذ مثلا آخر . انسان اغدق الله عليه عطاياه حتى زادت جدا عن احتياجاته . واذا به ينصت الى دعاء الفقير والمسكين ويستجيب لهما بسخاء، بينما صلاة الفقير والمسكين ترتفع اصلا الى الله اذا فاستجابة الرجل لالتماس الفقير امنا هي طاعة لإرادة الله ، ففي وقت الصلاة ، يجمع الآب السماوي بين الاثنين الأول يصلى ويطلب والثاني ينفعل بالنعمة ويعطى الطلبة ولا يستطيع أن يتغافل عن احتياجات الأول بسبب مراحم الله ورافاته . ولهذا فلا يجب علينا ـ اذا ما حدثت مثل هذه المواقف ـ ان نظنها من قبيل الصدف البحتة . لأن الله الذي يحصى كل شعور رءوس (مت10: 30 و لو12: 7) قديسيه. يجمع كلاهما معا في توافق وانسجام أثناء الصلاة . الواحد يستطيع أن يقدم خدمة ما . وتتوفر لديه الأذن الصاغية والمحبة لمن يلتمس فيه هذا الكرم والسخاء ، والآخر يرفع طلبته ويصلى من كل قلبه .

وعلى هذا القياس . نستدل ان الملائكة ، الوقوف قدام الله ، الذي يرونه ويخدمونه لا بد أن يحضروا دعاء المصلى ويشتركوا معه في الدعاء والالتماس والرجاء . ولا ينبغي ان تغيب عنا هذه الحقيقة ، ان ملاك كل واحد حتى الأطفال الصغار في الكنيسة. يقف دائما ويرى وجه الآب الذي في السموات(مت18: 10) ويعاينون مجد الله خالقنا . يصلون معنا ويتعاونون الى اقصى ما يمكن في كل ما نحتاج اليه

صلوا بلا انقطاع :

وأكثر من ذلك فاني اعتقد ان كلمات المؤمن أثناء الصلاة تكون مشحونة بقوة عظيمة ، خصوصا وهو يصلى بالروح والذهن(1كو14: 15) فالصلاة ـ في هذه الحالة تشبه النور الذي يصدر عن العقل ويخرج من الفم ، ولهذا يتطهر بقوة الله ويتحرر من السم العقلي الذي يدسه العدو . ولا ينجح العدو في تسلله الى العقل الا مع المتكاسلين في الصلاة. فهم يغفلون الصلاة الدائمة التي يحضنا عليها بولس الرسول مترسما خطى معلمنا الصالح . لأن الصلاة التي تنبع من روح المصلى ما هي الا حربة حادة النصل تصقلها المعرفة والعقل والايمان ، فتصرع الأرواح الشريرة ، وتهلك قوات العدو الشيطان، التي تسعى لايقاعنا في شراك الخطية.

والذي يمارس الصلاة الدائمة هو الذي يربط الصلاة بالأعمال ، التي يتعين عليه أداؤها ، كما يربط الأعمال الصالحة بالصلاة . فالأعمال الفاضلة، وانجاز ما يوكل الينا من أعمال يشكل جزءا لا ينفصل عن الصلاة . وبهذه الطريقة وحدها يمكنا أن ندرك المعنى العميق الذي تنطوي عليه الوصية الالهية : صلوا بلا اقطاع . هذا اذا أردنا أن نستوعبها كوصية يمكن تنفيذها، لأنه يترتب على هذا المضمون ان حياة المؤمن لا تخرج عن كونها صلاة عظيمة متصلة ، وان ما نطلق عليه كلمة « الصلاة » اصطلاحا ، ما هو في حقيقة الأمر الا جزء من هذه الصلاة . وهكذا ندرك أن ما نمارسه ثلاث مرات على الأقل كل يوم ، ما هو الا صلاة جزئية وليست كل الصلاة !

ومن حياة دانيال نعرف انه كان يصلى ثلاث مرات في اليوم مادام الخطر يتهدده (دا6: 13) ، ومعلمنا بطرس صعد الى السطح ليصلي نحو السـاعة السادسة . فرای اناء نازلا من السماء مربوطة بأربعة اطراف (أع10: 9-11) وهذه تشير الى الصلاة الثانية التي أشار اليها داود ضمن الصـلوات الثلاث ، فقال : في الصباح تسمع صلاتي ، بالغداة اقف امامك وترانی كما يقول عن الصلاة الثالثة : رفع يدى كذبيحة مسائية . ولا يمكننا ان نقضي فترة الليل بكمالها كما ينبغى دون ان نردد كلمات داود : في نصف الليل نهضت لأسبحك على أحكام عدلك  كما نقرأ في سفر الأعمال عن معلمنا بولس في فيلبي انه كان يصلي مع سيلا في منتصف الليل وهما يسبحان الله حتى سمعهم كل الذين كانوا في السجن.

فاصل

  1.  عب2: 17 و 3 :1 و 4: 14 و 5: 10 و 6: 20  و 7: 26 و 8: 1 و 9: 11  و 10: 10

  2.  يو14: 16و26  –  15 : 26 –  16: 7

  3. مت 7: 7  و لو11: 9

  4. طو12: 12

زر الذهاب إلى الأعلى