الطقس الكنسي واهميته
ما معني كلمة طقس ؟
كلمة طقس ” مأخوذة من الكلمة اليونانية “طاكسيس ” والتي تعنى ترتيب أو نظام ، ويقصد به النظام أو الترتيب الكنسي .
ونحن في الكنيسة نمارس ( لاهوت طقسی ) وليس طقس ، كلمة لاهوت = الله ، وكلمة طقس = ترتيب أو نظام ، إذن فنحن نمارس داخل كنيستنا ترتيب إلهي ، ونحن الآن ندرس علم الترتيب الإلهي .
إذن .. الطقس هو نظام وترتيب القائمين بالخدمة الكهنوتية ، والصلوات العامة والخاصة، وترتيب إقامة الأسرار الكنسية السبعة، وصلوات التدشين والتكريس ، وترتيب الكنيسة ( بيت الله ) ، من أقسام ومحتويات وأدوات خدمة وأيقونات ، وترتيب الأصوام والألحان والقراءات الكنسية.
في بداية المسيحية لم تكن الطقوس بالشكل الحالي ، ولكن لما استراحت الكنيسة من الإضطهادات الرومانية والتي استمرت 3 قرون ، أخذت الكنيسة ترتقي بالطقوس إلى أن وصلت إلى أسمى درجة من النظام والكمال والروحانية ..
فكنيستنا القبطية كنيسة إنجيلية تعيش بروح الإنجيل ، وكل صلواتنا الطقسية مرتبة بإرشاد الروح القدس وفق نصوص من الكتاب المقدس ، بحيث أن كل طقس في الكنيسة يرجع إلى نص كتابي ، فما أعظم كنيستنا القبطية في طقسها و روحانيتها ، فهي مازالت في حفاظ على ذلك الطابع فتزداد روحانياتها.
إن الطقوس مهمة جداً للعبادة ، لأن كل شئ نافع لابد أن يكون منظماً، فای قبطي أرثوذكسي يذهب إلى أي كنيسة أرثوذكسية لنا في أي مكان في العالم لا يشعر أنه غریب ، لأن القراءات والألحان والترتيبات واحدة ، لأنها تصبغ المؤمنين هكذا بصبغة الوحدانية وحياة الشركة . ويشتمل الطقس على :
1- الصلوات الكنسية ( الليتورجيا ) : تعنی الصلوات الجماعية ، أو صلوات الشعب (ليتو) : وهي مأخوذة عن كلمة لاؤس أي الشعب ، ( إرج ) : مأخوذة عن كلمة عمل ، ( أي عمل الشعب ) وهي صلوات وضعت من أجل أن يصلي الجميع معاً، بنفس الكلمات وبنفس الروح .
2- الأعياد الكنسية : لها مواعيد وصلوات محددة ومعروفة.
3- أسرار الكنيسة السبعة تشتمل على جانبين :
أ- جانب عقيدي : إعلان عن إيماننا الأرثوذكسي وما يتعلق بالسند الكتابي للسر .
ب- جانب طقسی ؛ في كيفية ممارسة هذه الأسرار وتطبيقها ، وترتيب الصلوات التي تقال أثناءها.
4- القراءات الكنسية : هي أيضا مرتبة في القطمارس ، ومعروف لكل يوم قراءاته .
5- الأيقونات : حيث أن للأيقونات نظم متبعة في رسمها ، لتخرج بصورة منظمة ، ولها معايير كثيرة لقراءتها .
أهمية الطقس
1- الطقس يوحد الكنيسة : لتكون كلها واحد في المسيح ، حيث أن الكنيسة هي جسد المسيح ، والمسيح جسد واحد غیر منقسم .
– المسيح أراد ألا تقطع ساقيه على الصليب ، أو تكسر عظمة من عظامه حتى يظل جسده كاملاً، ولم يمت بحد السيف حتى يظل رأسه متصل بجسده ، الذي هو الكنيسة .
– وقد أكد السيد المسيح على وحدانية الكنيسة في وحدانية الرسل، ووحدانيتهم فيه : “وَلَسْتُ أَنَا بَعْدُ فِي الْعَالَمِ، وَأَمَّا هؤُلاَءِ فَهُمْ فِي الْعَالَمِ، وَأَنَا آتِي إِلَيْكَ. أَيُّهَا الآبُ الْقُدُّوسُ، احْفَظْهُمْ فِي اسْمِكَ الَّذِينَ أَعْطَيْتَنِي، لِيَكُونُوا وَاحِدًا كَمَا نَحْنُ.” (يو11:17) . “لِيَكُونَ الْجَمِيعُ وَاحِدًا، كَمَا أَنَّكَ أَنْتَ أَيُّهَا الآبُ فِيَّ وَأَنَا فِيكَ، لِيَكُونُوا هُمْ أَيْضًا وَاحِدًا فِينَا، لِيُؤْمِنَ الْعَالَمُ أَنَّكَ أَرْسَلْتَنِي. وَأَنَا قَدْ أَعْطَيْتُهُمُ الْمَجْدَ الَّذِي أَعْطَيْتَنِي، لِيَكُونُوا وَاحِدًا كَمَا أَنَّنَا نَحْنُ وَاحِدٌ.” ( يو21:17-22)
– في مثل الراعي الصالح أكد السيد المسيح أيضا على ضرورة وحدانية الكنيسة : “ولی خراف أخر ليست من هذه الحظيرة ، ينبغي أن آتي بتلك أيضاً فتسمع صوتی، وتكون رعية واحدة وراع واحد” ( يو 16:10 ) .
– لذا جاء الطقس حتى يجعل الكنيسة واحداً، فجميع أفرادها يتحدثون بالليتورجيا التي هي لسان الكنيسة . وينظرون جهة الشرق منتظرين المجئ الثاني للرب . ناظرين للنور الحقيقي الذي يضئ لكل إنسان ….
2- الطقس يضمن جماعية الأداء : حيث أن الشعب جزء أساسي من أداء القداس وإتمامه ، فجميعنا نصلی بروح واحدة وكلام واحد ، في وقت واحد كما أمرنا الرب أن نصلي جميعاً معاً وأكبر مثال حين قال : “أبانا الذي في السماوات ليتقدس اسمك ليأت… ” ( لو 2:11 ) …
وهنا تظهر جماعية الأداء في شيئين :
أ- فقولوا : أي قولوا جميعكم معاً.
ب- يا أبانا : لنصرخ نحوه معاً قائلين : يا أبانا ولم يقل يا أبي الذي في السموات مثلا …
3- الطقس يشرح العقيدة ويحافظ عليها : وينقلها من جيل إلى جيل بسهولة ، ودون تغيير أو تحريف ، فالطقوس هي التطبيق العملي للعقيدة ، وهو المدرسة الأولى التي تشرح العقيدة من خلال تطبيقها ، ولعل أكبر دليل هو القداس الإلهي ، فجميعنا قد تعلم من القداس الكثير عن لاهوت السيد المسيح وهو لا يزال صغيراً من خلال صلواته.
والكثير من القديسين والبسطاء أيضا كان القداس بكل ما يحويه من معان , وطقوس هو المدرسة الأولى لهم . ومن القداس براهين تطبيقية استخدمت في الرد على المبتدعين أمثال آریوس وأوطاخی . فمثلاً ممارسة سر الإفخارستيا تثبت أن بدعة أوطاخی هی خاطئة ، فالجسد الذي تأكله على المذبح هو جسد حقيقى غير ذائب أو متحلل ، كما إدعى أوطاخی ، أن ناسوت المسيح ذاب في لاهوته .
4- الطقس يشرح حقائق مجردة: حيث أنه يوضح أشياء يمكن أن يستوعبها العقل المجرد . مثال : رشم الصليب وهو أصغر عقيدة في المسيحية ، ولكنها تعبر عن المسيحية كلها –
ففيها تشرح :
أ- عقيدة التجسد : باسم الآب .. حيث الآب نزل من السماء ، “إشارة الرأس” ، و الأبن إلى الأرض تجسد من بطن العذراء بالإشارة للبطن وهكذا ..
ب- عقيدة الكفارة والفداء : إنتقالنا من الشمال إلى اليمين بالإشارة من الكتف الأيسر إلى الأيمن ” أي إنتقالنا من الظلمة للنور ،، بالخلاص الذي تم بالصليب.
ج- عقيدة التثليث والتوحيد : باسم الآب والابن والروح القدس “ثلاثة أقانيم ” الإله الواحد آمين . مع كل مرة نرشم فيها الصليب تعلن عن إيماننا بالثالوث القدوس : الآب والإبن والروح القدس ، وأيضا إعلان عن إيماننا بوحدانية الله لأننا نختم ونقول : ( إله واحد آمين ) .
5- الطقس يعلن قداسة المادة: حيث أنه باستخدام المادة في الأسرار نقدسها ، ونرفض كل الآراء التي ترفض المادة . فأكبر دليل على قداسة المادة اتحاد المسيح بها فالمادة مقدسة في الأرثوذكسية ، فالكنيسة تصلى من أجل الطبيعة : ( المياة والعشب والزروع و … ) ومن هذا المنطلق فمن واجبنا الحفاظ على البيئة .
يقول أحد القديسين : ” الديانة إن خلت من الطقوس خلت من أصبع الله
6- الطقس يقدم لنا الليتورجية المشبعة
أ- الكلمات المليئة بالمعنى اللاهوتی ( كل كلمة وراءها فكر وتشرح عقيدة).
مثال : حينما تقول في القداس : ( يا الله العظيم الأبدي ) .. ففي هذه الصلوة نذكر الله الذي ليس له نهاية ، والاعتراف أنه الخالق ، وفيه نعلن خلود الروح ، وأن الموت دخيل إلى العالم ، دخل إليه بحسن إبليس ، وفيها كلمة ظهور التي تعلن وجود الله من الأزل ، وفيها إعلان الثالوث .
ب- الموسيقي : فالكنيسة الأرثوذكسية تفخر بألحانها القبطية ، فإذا نظرنا إلى الألحان الكنسية نجدها تعبر عن الصلوات التي تقال ، وكلمات اللحن بالهزات والتموجات التي تشتمل عليها الألحان .
مثال : من ألحان القداس … – ونظر إلى فوق : في لحنها إرتفاع .
– ونزل إلى الجحيم : في لحنها نزول .
– في لحن بيك إثرونوس : في أوله لحن للتوسل إلى الله .. الذي يدين المسكونة ، وفي آخره فرحة بالخلاص في كلمة الليلويا.
– في ختام الصلوات : ” ذوكصايتري” لحن يقال بنغمة توحي بأن الشخص سيترك المكان ويمشي وكأنه يقول نراكم مرة أخرى .
مصادر الطقوس
1- يعتبر الكتاب المقدس أهم مصدر للطقوس الكنسية ، بل أن أي طقس لابد أن يكون مأخوذ من الكتاب المقدس ۔
2- قوانين الرسل : وهي قوانين وضعها الآباء الرسل الإثني عشر قبل الكرازة وهم مجتمعون في علية صهيون .
3- تعاليم الآباء الرسل ( الدسقولية ) وهي تعاليم وضعها الآباء الإثني عشر ومعهم القديس بولس الرسول والقديس يعقوب أسقف أورشليم الأول ۔
4- قوانين المجامع المقدسة المعترف بها لدى الكنيسة الأرثوذكسية .
5- قوانين الآباء البطاركة الأقباط والتقاليد المسلمة للكنيسة .
الطقس هو تبسيط الإيمان وشرح عملى وحسي لنا ، بحيث يفهم جميع الناس من مختلف الثقافات والأجيال والأعمار والمواهب ، فالألحان كلها شرح للإيمان والعقيدة ، والأصوام كلها تحمل معنى الخلاص . والطقس يساعدنا على أن تعبد الله بأرواحنا وعقولنا وأجسادنا .. وذلك من خلال العمل السرى لروح الله فينا .
– تراث كنيستنا محفوظ في طقوسها : فالطقوس هي تجسيد لإيماننا وروحانية عقائدنا ، والطقوس هي قوالب مصبوب فيها الإيمان والعقيدة صباً محكماً.
ولولا طقوس كنيستنا التي ربطتا حتى الآن ، لنسينا عقائدنا وحقائق إيماننا وانجرفنا وانحرفنا بعيداً عن منابع إيماننا الأصيل ، خاصة الفترة التي ضعف فيها الوعظ والتعليم في الكنيسة ، ولم يبق فيها إلا الطقس ثابتا وراسخاً.
هل الطقس مفيد لحياتي الروحية؟
في الظاهر يظهر الطقس عبارة عن مجموعة وصايا وتحديدات وترتيبات ، ولكن في الحقيقة الطقس هو كنوز غنية تظهر عند بأمانة.
ما رأيك ما هي الأمور التي تعوق روحانية الطقس والاستمتاع به؟
1- برودة الحب للمسيح: بسبب كثرة الخطية المنتشرة تفتر لدينا محبة ربنا “ولكثرة الإثم تبرد محبة الكثيرين” ( مت 12:24 ) . إذا كنا لا نحب الله لن نتلذذ بالجلوس معه , عندما تحب شخص تجد الجلسة معه خفيفة ولذيذة وتحب تقضي الوقت كله معه . أحيانا نذهب للقداس متأخرين ، ومعناها أنني لا أحب الجلوس مع الله ، فاختزال الوقت معناه برودة الحب ، وهذا يجعل الإنسان لا يتمتع بالطقس ويكون في ملل ومجهود في الممارسة ، وزهق ونشتكي من أمور كثيرة ( اللحن الطويل ، اللغة القبطية ، صوت أبونا ) “إذا انفتح القلب على المسيح يصير الطقس بديعاً ” .
2- قلة الوعي: لابد أن أفهم ماذا يُقال ، فإذا كنت متفرجاً لا أستمتع بل أكون مثل الذي يقيم الشئ . على العكس تماما عندما أفهم وأعي وأستمتع بما يقال ، قلة الوعي تجعلنا لا نشعر بجمال الطقس وروحانيته .
الوعي معناه :
أ- فهم كل الكلمات الموجودة في طقوس الكنيسة مع التركيز في معناها .
ب- فهم ترتيب الصلوات والمعنى والهدف من هذا الترتيب .
ج- التفاعل مع الألحان والنغمات ، فكل نغمة لها معنى ، والنغمات نفسها تحمل أحاسيس روحية .
مثال : الإحساس بالكنيسة يوم الجمعة العظيمة مختلف عن قداس عيد القيامة.
3- روتينية الأداء: بمعنى أن يكون ذهابنا إلى الكنيسة من أنواع تأدية الواجب فقط .
– إذا كان الطقس ينشئ حوارا بيننا وبين المسيح فيكون عملاً مشبعاً . أبونا واقف أمام المذبح يتكلم مع المسيح ، وأنا أيضا يجب أن أقف في الكنيسة أتكلم مع المسيح ومع الآب .
مثال : عندما أقول ( يارب أرحم) من القلب ، وأكون في شركة مع الله ، والقلب مفتوح على السماء والقديسين ، والكنيسة ، هنا يتحول الطقس إلى خادم للخلاص ، ونكون كأننا في السماء .
4- السرعة والانشغال: الخطورة في الانشغال بأمور كثيرة . مهم أن أدخل الكنيسة وأركز وأبتعد عن كل ما يشغلني عن الصلاة والليتورجيا ، فعندما تقف للصلاة ركز في الصلاة ، عندما تقف في القداس ركز في القداس .. ليتنا نتعلم ألا نتحرك إطلاقاً أثناء الصلاة ، ولا نتكلم ، ولا ننشغل بشئ إلا بشخص ربنا يسوع المسيح.
كيف أعيش الطقس ؟
1 – المعرفة: مهم جدا أن نعرف معنى إبصالية , ذكصولوجية , لبش … ونتعرف على ألحان المناسبات الكنسية ( الفرايحي , السنوي الحزايني , الشعانينی ) ولابد أن نفهم طقس الكنيسة ، فعندما ندخل الكنيسة نندمج ولندرك لماذا يقال هذا اللحن في هذا اليوم.
2- الممارسة: عندما تحفظ لحن وتعرف متى يُقال فلا يكفي الحفظ والمعرفة ، ولكن أيضاً الممارسة مهمة جداً. معرفتی لطقس الكنيسة يثبتني في جو الكنيسة الروحي ، ويجعل الممارسة ممتعة .
3- التركيز : ما أجمل الإنسان الذي بعد المعرفة والممارسة لابد من التركيز ، وأن يعرف . ويمارس بتركيز . يكون المعنى واضحا في ذهنی ۔
4– الإحساس بحضور المسيح في صلواتنا: المسيح هو بهجة الحياة , هو نور الطريق. المسيح هو الدم الذي يسري في عروقنا ، لكي نكون أحياء , المسيح هو العريس ، فلا يمكن أن يوجد فرح بدون عروس , لابد أن يكون المسيح حاضراً في حياتنا المسيح هو الرأس , فلا يمكن أن يوجد جسد بدون رأس.
إذا غاب المسيح انطفأت الحياة لابد أن أرى المسيح في كل لحن , في كل آية في كل عظة . في كل ممارسة . في كل طقس . في كل مناسبة في كل صلاة , في كل قداس . واذا تكلمنا مع القديسين فتتكلم معهم لأنهم أعضاء جسد المسيح . فالمسيح لابد أن يكون حاضراً في كل حياتنا .. عمانوئيل إلهنا في وسطنا بمجد أبيه والروح القدس.