قايين وهابيل

 

“وَعَرَفَ آدَمُ حَوَّاءَ امْرَأَتَهُ فَحَبِلَتْ وَوَلَدَتْ قَايِينَ. وَقَالَتِ: «اقْتَنَيْتُ رَجُلاً مِنْ عِنْدِ الرَّبِّ». ثُمَّ عَادَتْ فَوَلَدَتْ أَخَاهُ هَابِيلَ. وَكَانَ هَابِيلُ رَاعِيًا لِلْغَنَمِ، وَكَانَ قَايِينُ عَامِلاً فِي الأَرْضِ.” (تك 4: 1 ،2) لقد أنجب آدم وحواء ابنين قايين وهابيل.

لقد أنجب آدم وحواء ابنين؛ قايين الأكبر؛ واسمته حواء هكذا لانها قالت : “اقْتَنَيْتُ رَجُلاً مِنْ عِنْدِ الرَّبِّ” (تك 1:4) وهذا الاسم يوضح مدى فرحتها ببكرها؛ بحسب بعض المفسرين هي ظنت ان خلاص الله ووعده (تك3: 15) بمن يقهر الحيّة -التي تسببت في طردهم من الجنة -سيأتي سريعاً جدًا في زمنها؛ هي ظنت انها هي المرأة (تك 3: 15‎)‏ وأن قايين نسلها هو المخلص. وهو سرعان ما اكتشفت انه خاطيء؛ ربما لان قايين كان كثير الخطأً وربما أنها انتظرت طويلاً ولم تجد ابنها يدوس رأس الحيّة ويرجعها هي وزوجها الى ما قبل الطرد من الجنة. وحينها شعرت بمرارة قاسية ويأس وأسمت ابنها التالي هابيل وبالعبرية يعني دون جدوي أو دون أهمية. فبالنسبة لها اللاحق كالسابق.

ولم يوضح الكتاب سبب التسمية ولكننا نعرفه ضمنًا من سياق النص؛ وذُكر عن هابيل أنه بار حياته (مت 35:23)؛ ويحكي الكتاب سبب موته؛ كما سبق ذكره:؛ فبينما قابيل  وهابيل كلاهما قدم ذبيحة لله إلا ان ذبيحة قايين رُفِضت؛ وذبيحة هابيل قُبلت. وهو ما جعل قايين يشعر بمرارة شديدة ويقول الكتاب أنه دار بينهما حوار. ويبدو أن هذا الحوار كان الممهد لقتل هابيل (تك 8:4) دون تفصيل لموضوع الحوار؛ يسجل لنا التقليد اليهودي هذا الحوار وباختصار فيه يجدف قايين على الله قائلاً آن الله ظالم غير عادل فهو يقبل الذبيحة من شخص دون آخر طبقًا لأهوائه؛ وهو ما عارضه هابيل. فقال الكتاب أنه قام عليه وقتله؛ يذكر التقليد اليهودي التوقيت فيقول أنه قتله في مساء يوم 14 نيسان؛ أي ليلة اليوم الذي سيُعرف بالفصح.

وُلِدا قايين وهابيل بطبيعة تميل إلى الخطية. ونما الولدان في الجسد ؛ وازدادا في المعرفة. وأصبح قايين عاملاً في الأرض. وكان عاملاً جادًا ولم يكن يخشى الأعمال الصعبة. أما هابيل فكان راعيًا للغنم. وعرفا كلاهما عن الله. لقد علما آن الله موجود؛ وأنه قدوس؛ ويكره الخطية. ولكن؛ كان ينبغي أن يعرف كل منهما انه لكي يقتربا من الله؛ فإنهما يحتاجان أن يآتيا إليه عن طريق الذبيحة الدموية التي رسمها الله.

وجاء يوم في حياة قايين وهابيل عندما قررا أن يعبدا الله؛ ويقدما له قربانًا. وهكذا ؛ وتعلن إختبارات قايين وهابيل عن حالة الإنسان بعد تغييره. قد عبد كل منهما الله بتقديم قرابين له فيقول الكتاب: “وَحَدَثَ مِنْ بَعْدِ أَيَّامٍ أَنَّ قَايِينَ قَدَّمَ مِنْ أَثْمَارِ الأَرْضِ قُرْبَانًا لِلرَّبِّ، وَقَدَّمَ هَابِيلُ أَيْضًا مِنْ أَبْكَارِ غَنَمِهِ وَمِنْ سِمَانِهَا. فَنَظَرَ الرَّبُّ إِلَى هَابِيلَ وَقُرْبَانِهِ، وَلكِنْ إِلَى قَايِينَ وَقُرْبَانِهِ لَمْ يَنْظُرْ. فَاغْتَاظَ قَايِينُ جِدًّا وَسَقَطَ وَجْهُهُ” (تك 4: 3-5).

هنا في ذبيحة هابيل (من الحيوانات) يظهر الإحتياج إلى الفداء، بينما في تقدمة قايين (من ثمار الأرض) يظهر البر الذاتي. فاغتاظ قايين وقام على أخيه وقتله. ونظراً لأن الله سبق وأنذره؛ فقد أظهر قايين موقف العصيان المتعمد. واستحق بجداره أن يأخذ لقب أول قاتل في التاريخ.

وهنا نورد ما قاله الترجوم ليبرر تصرف الله تجاه قايين وهابيل: وقال قايين لأخيه هابيل: آنا آرى آن الله لم يخلق الكون بمحبة؛ وأنه لا يديره بحسب ثمرة الأعمال الصالحة؛ وأنه حين يدين فهو يحابي الوجوه؛ وإلا فلماذا رضي عن تقدمتك كل الرضى ولم يرض عن تقدمتي؟ أجاب هابيل وقال لقايين: إن الله خلق العالم بمحبة وهو يديره بحسب ثمرة أعمالنا الصالحة. وبما أن أعمالي أفضل من آعمالك فالله قبل تقدمتي ولم يقبل تقدمتك. أجاب قايين وقال لهابيل:
لا دينونة ولا ديان ولا عالم آخر. لا مجازاة خير للصالحين؛ ولا عقاب للأشرار. فقال هابيل: بل هناك مجازاة خير للصالحين وعقاب للأشرار.
وأخذا يتجادلان. فوقف قايين تجاه أخيه هابيل وضربه بحجر على رأسه وقتله[1].

لقد حذر الله قايين من غيظه وحسده لأخيه، تلك الخطية الرابطة عند الباب، والتي في استطاعته أن يسود عليها إذا أراد؛ والتي بسببها رُفضت قرابينه. ولكن قايين لم يرضخ لتحذير الله وترك الخطية تستشري لتلد موتاً وقتلاً لأخيه البار… فاستحق أن يكون أول إنسان تحل عليه اللعنة وتطارده خطيته على وجه الأرض؛ حتى أن قايين أحس في رُعبه من هول خطيته أنه صار مختفيًا عن وجه الله خارجًا عن ستره وحمايته؛ فيكون كل من وجده يقتله؛.ولكن الله طمآنه بن قانون الانتقام من القاتل يسري على من يقتله أيضًا.

ويذكر (تك 4 :15) “وَجَعَلَ الرَّبُّ لِقَايِينَ عَلاَمَةً لِكَيْ لاَ يَقْتُلَهُ كُلُّ مَنْ وَجَدَهُ. ” واختلفت الآراء [2] حول هذه العلامة التي جعلها الرب لقايين؛ من هذه التخمينات: يقول البعض إنه كان مشلولاً؛ ويبدو أن هذا قد نشاً من تفسير الترجمة السبعينية التي قالت عن قايين “يكون مليئاً بالآنين والارتجاف”؛ ويقول ترجوم “جوثان بن عُزيئيل”:؛ كانت تلك العلامة جزءًا من اسم كبير وثمين؛ وربما أحد حروف كلمة Yehovah . ومؤلف السلسلة العربية في مكتبة بودليايان باكسفورد يقول عن العلامة “السيف لا يمكن أن يخترقها:؛ النار لا يمكن أن تحرقها؛ والمياه لا يمكن أن تُغرقها ؛ والهواء لا يمكن أن يعصف بها؛ ولا يمكن للرعد أو البرق ضربها”»؛ ويرى آخر آن هذه العلامة هي: دائرة من الشمس المشرقة عليه. وقال أب رافائيل: كانت العلامة كلب هابيل الذي سيرافقه دائمًا ليحميه؛ ويقول بعض الأساتذه المتخصصون في التلمود آنها كانت حرف (تاف) مرسوما على جبهته؛ والذي يِنُمٌ عن الندم؛ وهو أيضًا الحرف الأول في كلمة التوبة العبرية. ويرى الحاخام يوسف إنها كانت قرنًا طويلاً بارزًا من جبهته. فيما يلاحظ الدكتورShuckford أن الكلمة العبرية المستخدمة في النص ” أوط”؛ هي ما تُترجم علامة؛ تعني لافتة أو شعار أو رمز.

ففي (تك 9: 13) نجد أن قوس قُزح كان علامة  للتذكيرة أو رمز لعدم هلاك العالم بالطوفان مرة أخرى. وبالتالي فإن الكلمات:”وَجَعَلَ الرَّبُّ لِقَايِينَ عَلاَمَةً لِكَيْ لاَ يَقْتُلَهُ كُلُّ مَنْ وَجَدَهُ. ”  تُترجم: “الرب قد جعل لقايين رمزاً أو لافتة أو شعارًا لإقناعه بأنه لن يُسمح لأي شخص أن يقتله”.

وهنا؛ ابتدأت الخطية تنشر سمومها في الجنس البشري؛ وابتدأت شجرة قايين تخرج فروعها الفاسدة؛ وظهر نسل قايين الشرير “وَعَرَفَ قَايِينُ امْرَأَتَهُ فَحَبِلَتْ وَوَلَدَتْ حَنُوكَ. وَكَانَ يَبْنِي مَدِينَةً، فَدَعَا اسْمَ الْمَدِينَةِ كَاسْمِ ابْنِهِ حَنُوكَ.(تك 4 :17).

وهنا تظهر الفكرة الرئيسية في الكتاب المقدس، وهي أن الشر قد بدآ يتسلط على البشر؛ و أن الإنسان ببعده عن الله أخذ ينغمس في التعاسة يومًا بعد يوم. إن الخطية الأولى كشفت عن حرية تصرف الإنسان أمام الله. أما خطية قايين فدلت على أن الشر يتجدد مع كل جيل وينتشر في البشرية.

ثم أن قايين اختار زوجة من أقاربه وأنجبا أولاداً؛ نسل قايين لم يختلفوا عنه في تفكيرهم وتصرقاتهم وكلامهم. إذ كانوا يقدّرون الأشياء العالمية فقط. فقد بنوا مدينة:. وصنعوا أدوات وآلات كالقيثارة؛ وكان واحد من ذرية قايين؛ اسمه توبال؛ الضارب والمبدع لكل آلة من حديد ونحاس.  وكان الولد مثل ابيه من نسل شرس مغامر لا يؤمن بالله. وشمل النسل حنوك ولامك؛ و هذا الأخير انتهت اليه كل الصفات الشريرة التي للأسرة؛ فإتخذ لنفسه زوجتين؛ فكان هو أول من كسر شريعة الزوجة الواحدة؛ نقد الشريعة التي وضعها الله منذ البدء.

ويعود العنف يكرر نفسه في لامك ” الجيل الخامس لقايين”، وافتخر أنه كان أكثر شرًا من قايين. ومثل قايين وكل نسله؛. كما هو واضح في أنشودة السيف التي أنشدها لزوجتيه:

اسْمَعَا قَوْلِي يَا امْرَأَتَيْ لاَمَكَ،        وَأَصْغِيَا لِكَلاَمِي.
 
فَإِنِّي قَتَلْتُ رَجُلاً لِجُرْحِي،          وَفَتىً لِشَدْخِي.
إِنَّهُ يُنْتَقَمُ لِقَايِينَ سَبْعَةَ أَضْعَافٍ،      وَأَمَّا لِلاَمَكَ فَسَبْعَةً وَسَبْعِينََ

(تك 4 :23 )

فاصل

  1. سفر التكوين أو تاريخ الكون والإنسان – الخوري بولس الفغالي
  2. آدم كلارك: شرح سفر التكوين؛ ترجمة وبحث د/ لورانس لمعي رزق الله

من كتاب تاريخ بني إسرائيل – الراهب أولوجيوس البرموسي

فاصل

آدم وحواء تاريخ العهد القديم قايين وهابيل

 

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى