حزقيال النبي
حزقيال تعني “قوة الله” أو “تقوى بالله” أو تمنطق بحزام.
ولد حوالى سنة 623 ق م. وكان والده وإسمه بوزى كاهناً من نسل صادوق. إذاً فقد عايش النبى الخدمة الكهنوتية فى الهيكل، وكان يحلم فى صباه بالكهنوت حينما يصل لسن الثلاثين التى يبدأ فيها الكاهن عمله. ولكن جاء السبى وحطم هذه الأمال.
سجل لنا سفر حزقيال القليل جدًا عن حياة هذا النبي، أهمها أنه عاش في أرض السبي نهر (قناة) خابور (1: 3) بجوار تل أبيب (3: 15)، وكان متزوجًا وله بيت، كما ذكرت وفاة زوجته (24: 16) المحبوبة لديه جدًا، فتنهد عليها في قلبه، وهي العبارة الوحيدة التي عبر فيها النبي عن أحاسيس تخص حياته. يرى التقليد أن حزقيال عاش في نفس الموضع الذي عاش فيه نوح، بجوار جنة عدن، لهذا السبب كثيرًا ما أشار إلى نوح وإلى جنة عدن (14: 14، 20؛ 28: 13؛ 31: 8، 9، 16، 18؛ 36: 35). ويمكننا تقسيم حياته إلى ما قبل السبي وما بعده.
حزقيال قبل السبي:
ولد حوالي 623 ق.م.، وكان والده بوزي كاهنًا من نسل صادوق. يرى بعض الحاخامات أنه ابن إرميا النبي الذي كان يُدعى “بوزي”، لأن اليهود كانوا يستخفون به (بوزي).
اتسمت هذه الفترة بأمرين لا يمكن تجاهلهما:
أولاً: حركة الإصلاح على يدَّي يوشيا الملك عام 621 ق.م،
وثانيًا: حالة الانتعاش النبوي. وقد تأثر النبي بهذين الأمرين.
أولاً: بلا شك حمل حزقيال ذكريات طفولته المبكرة لهيكل أورشليم الذي اهتم يوشيا بإصلاحه، وفي أثناء الإصلاح أو ترميمه وُجد سفر الشريعة المفقود فقرأه الملك وتأثر به جدًا.
غالبًا ما كان حزقيال يقطن أحد بيوت الكهنة المقامة على السور الشرقي، وربما كان يلعب وهو طفل في الساحات الخارجية حول الهيكل، كما كانت مدرسته داخل هذا النطاق. ربما كان يساعد والده الكاهن، كخادم للهيكل يعد البخور أو يضئ الشموع في الموضع المقدس، ولما كبر صار يجلس بين معلمي الهيكل يسمع لهم ويسألهم، وكان ينتظر من يوم إلى يوم متى يحتفل بعيد ميلاده الثلاثين ليمارس العمل الكهنوتي داخل هيكل الرب.
ثانيًا: أما عن الانتعاش النبوي، فلابد أن يكون قد تأثر بالأنبياء السابقين له مثل عاموس وهوشع وإشعياء وميخا، خاصة هوشع الذي ترك بصمات على كل أصحاح في نبواته المبكرة. كما سمع عن الأنبياء المعاصرين له مثل إرميا ودانيال وناحوم وصفنيا وربما حبقوق وعوبديا. غالبًا ما كان يستعذب كلمات المرتل حبقوق الحلوة، وإن كان قد تأثر بالأكثر بإرميا النبي الذي رأى أن إصلاحات يوشيا قد مست مباني الهيكل وتقديم الذبائح وحفظ التابوت والشريعة وختان الجسد الخ. لكنها للأسف لم تمس إصلاح القلب الداخلي في حياة الناس.
وتأثر حزقيال بالأحداث السياسية في عصره، فإذ بلغ حوالي العاشرة من عمره سقطت نينوى عاصمة أشور فانهارت قوى أشور وسلطانها. وبعد خمس سنوات تقريبًا حشد فرعون نخو جيشه واحتل فلسطين وقتل الملك الصالح يوشيا في مجدو (2 مل 23: 29) لأنه حاول تقديم معونة عسكرية لملك أشور ضد فرعون. وبهذا انتهت فترة الإصلاح الهادئة التي استمرت حوالي أربعة عشر عامًا حيث كان والد حزقيال فرحًا بها. ومع أن فترة الحكم للملك الجديد يهوآحاز (شلوم إر 22: 11) بن يوشيا كانت قصيرة للغاية (3 شهور) لكنها كانت طويلة في عيني المؤمنين بسبب شره، وكان صوت إرميا النبي يدوي محذرًا ومنذرًا.
حُمل يهوآحاز إلى مصر وأقام فرعون نخو أخاه يهوياقيم أو ألياقيم عوضًا عنه. فإن فرعون مصر لم يرد أن يخرب أورشليم لكي يتمتع بالجزية التي يرسلها إليه يهوياقيم، كما أراد أن يترك علاقته بيهوذا طمعًا في إقامة إمبراطورية فرعونية متسعة في مواجهة مملكة بابل. وكان حزقيال في ذلك الحين شابًا ناضجًا يرى ويدرك ما حل بالشعب، فقد وردت أوثان جديدة إلى شوارع صهيون بلا خجل، وحل الشر في حياة الكهنة والمعلمين وتدهورت خدمة الهيكل. كان يرى النبي الشيخ إرميا وهو يوبخ الكهنة، وربما سمع باروخ الكاتب في الهيكل يقرأ ما قد سجله في درج من نبوات إرميا النبي علنًا أمام الشعب، وسمع أن الدرج قدم للملك الذي سمع القليل من فقراته وقام بتمزيقه وإحراقه بالنار (إر 36: 1-26). كانت نفس الشاب حزقيال مُرّة للغاية، احتدمت الثورة على الكهنة أصدقائه وكل القيادات الدينية في داخله، لكنه لم يكن قادرًا حتى أن يشير إلى اسم إرميا أو يعلق على كلماته.
في نفس السنة إذ غلب نبوخذنصَّر نخو فرعون مصر في معركة كرمشيش تحطمت أطماع فرعون لسنوات طويلة وتحول ولاء يهوياقيم إلى بابل ولو أن قسمًا كبيرًا من الشعب كان يفضل الخضوع لفرعون مصر ضد بابل حتى لا يحل بهم ما حل بمملكة الشمال (إسرائيل)، ويبدو أن الملك نفسه أيضًا كان يميل إلى ذلك قلبيًا، وقد حذر إرميا من ذلك. وفي حوالي عام 600 ق.م (أي بعد خمس سنوات) قام يهوياقيم بثورة ضد بابل، ولكن في خلال عام أو عامين حوصرت أورشليم بجيوش بابل لمدة 18 شهرًا، وكانت المدينة تقاوم الحصار ومات يهوياقيم بطريقة غامضة، لكنه كان يتحدى بابل حتى النفس الأخير. وإذ توج ابنه يهوياقين أصر على الاستسلام لبابل بلا شرط، فدخل نبوخذنصَّر المدينة المقدسة على رأس جيشه عام 597 أو 598 ق.م.
في هذه المرة عالج نبوخذنصَّر الموقف بطريقة لطيفة غير متوقعة، إذ لم يقم بتدمير المدينة ولا الهيكل ولا المنشآت العامة ولا حتى أسوارها الحربية إنما اكتفي بأخذ الملك الشرير يهوياقين الذي لم يدم ملكه سوى ثلاثة شهور، كما أخذ عائلته ورؤساء الشعب وخزائن بيت الرب إلى بابل (2 مل 24: 8-16). لقد انكسر قلب حزقيال الذي رأى الهيكل المحبوب لديه وقد نُهبت أدواته التي يرجع عمرها إلى حوالي 300 عامٍ منذ أيام سليمان وصهرت، ووضعت في زكائب البابليين، وقد قام الملك الجديد صدقيا ابن أخ يهوياقين (2 مل 24: 17) بتدنيس الهيكل، وصار الوثنيون الغرل يُنجسون المواضع المقدسة. هذا وقد نصب نبوخذنصَّر شباكه في بلاد يهوذا ليصطاد كل شاب له قدرة أو موهبة أو مركز وحملهم إلى بابل، وكان من بينهم حزقيال نفسه، لكي يضمن عدم حدوث أية ثورات ضده في يهوذا، تاركًا الفلاحين والمعدمين جدًا غير القادرين على الثورة (2 مل 25: 12).
هذه هي أول مراحل السبي لشعب يهوذا، إذ سمح الله أن يتم على مراحل لكي يعطي الكهنة والشعب فرصة للتوبة والرجوع إليه فيصفح عنهم، أما هم فظنوا أن الله لن يسمح بهدم الهيكل وتسليم المدينة بالكامل كما لجأوا إلى طرق أخرى غير التوبة.
بجوار مياه خابور:
ترك الكاهن الشاب حزقيال (في الخامسة والعشرين من عمره) أورشليم مسبيًا إلى بابل ليبقى فيها بلا عودة، وهناك أقام مع المسبيين من شعبه بجوار قناة خابور في تل أبيب أو بجوارها، وهي غير تل أبيب الحالية. على أي الأحوال كان حزقيال في سنواته الأولى يلاحظ ما يدور في حياة شعبه ويتأمل في صمت مع مرارة. فقد كانت بابل في ذلك الحين في أوج عظمتها ومع كل يوم جديد يضاف إلى تاج نبوخذنصَّر لآلئ جديدة. وكان هذا يمثل ضغطًا نفسيًا على اليهود، خاصة وأنهم قد حرموا من أورشليم “فردوسهم المفقود”. لم يكن السبي في ذاته قاسيًا في ذلك الحين إن استبعدنا الجانب النفسي لحرمانهم من وطنهم. فقد أعطيت لهم أرض في تل أبيب على ضفاف قناة خابور، ليست بعيدة عن العاصمة بكل إمكانياتها وملذاتها. وكان المسبيون يخضعون لشريعة حامورابي [5] Hammurabi التي تقترب من شريعتهم. لم توجد قيود على تنظيماتهم الدينية أو المدنية، فتستطيع الأسباط والعائلات أن تجتمع معًا حسبما تريد، ويقوم شيوخهم بالقضاء فيما بينهم، وكانت الدولة تشجعهم على التجارة وتسمح لهم بامتلاك بيوت خاصة بهم كما كان لحزقيال نفسه. ولعل من المؤسسات اليهودية الناجحة في بابل شركة ماراشو Marashu وأولاده التي اكتشفت مستندات أعمالها بواسطة علماء الآثار[6].
وكان البريد بينهم وبين إخوتهم في أورشليم ضخمًا ولا ينقطع.
وفي السنة الرابعة من السبي قام صدقيا الملك بزيارة بابل قادمًا من أورشليم وقد ازدحمت بابل ليروه قادمًا بمركبته.
وفي السنة الخامسة من السبي (حوالي عام592 ق.م) وقبل سقوط أورشليم في المرحلة التالية من السبي بسبع سنوات انفتحت السموات لأول مرة أمام حزقيال ليرى رؤى الرب، رأى المركبة الإلهية النارية كبدء انطلاقة لتسليم حزقيال العمل النبوي في هذا الجو المُرّ لمدة حوالي 22 عامًا (592-570 ق.م). وكان تاريخ نبواته هكذا:
السنة الخامسة للسبي (حز 1-7).
السنة السادسة للسبي (حز 8-19).
السنة السابعة للسبي (حز 20-23).
السنة التاسعة للسبي (حز 24).
السنة الحادية عشرة للسبي (حز 18: 25-28؛30: 31).
السنة الثانية عشرة للسبي (حز 32-39).
السنة الخامسة والعشرون للسبي (حز 40-48).
السنة السابعة والعشرون للسبي (حز 29: 17 الخ).
أما أهم الأحداث التي عاصرها النبي أثناء نبواته فهي:
في السنة السادسة للسبي سمع حزقيال النبي عن ارتباط الملك صدقيا بفرعون مصر ضد نبوخذنصَّر (17: 15) فكتب بوضوح له ضرورة الالتزام بالقسم الذي تعهد به، حتى وإن قُدم إلى ملك وثني، فإنه لا يليق أن يحنث به (17: 18)، وإلا سقط تحت العقاب الإلهي.
لقد أعلن أن مصير صدقيا سيكون كمصير يهوآحاز الذي أخذه فرعون نخو أسيرًا إلى مصر سنة 607 ق.م (19: 4) ويهوياقين الذي أسره الكلدانيون (19: 9). إن أهوليبة (أورشليم) يكون لها ذات مصير أختها الكبرى أهولة (السامرة) وذلك بسبب خطاياها التي تفاقمت (23: 1؛ 23: 23). في السنة الثامنة للسبي تولى فرعون جديد Apries الحكم، فدفع صدقيا دفعًا للثورة ضد بابل، وتم ذلك في السنة التاسعة للسبي.
وفي السنة العاشرة للسبي صارت أورشليم تحت حصار مُرّ، فتحققت نبوات إرميا وحزقيال، وقد حدد الأخير اليوم (24: 2). وفي العام التالي حاول صدقيا الهروب ليلاً فقُبض عليه في أريحا وقُتل أولاده أمام عينيه ثم فقأوا عينيه واقتادوه إلى بابل مقيدًا. هنا لم يترك ملك بابل شيئًا في مدينة داود أو هيكل الرب أو القصر الملكي إلا وقام بتخريبه. هرب البعض إلى مصر حاملين إرميا النبي وباروخ الكاتب بغير إرادتهما حيث رحب خفرع بالشعب. هنا شمتت البلاد الأممية فيهم، فجاءت النبوات (18: 25-29؛ 30، 31) تعلن حكم الله على جماعة الأمم الشامتة بشعبه.
وبالرغم من كل هذه الظروف لم يفقد النبي رجاءه (34: 13) وإن كان حزن قلبه لم ينقطع قط بسبب دمار الهيكل وفقدانه شهوة قلبه. لقد سمع عن نهاية أورشليم في أيامه ففتح له الرب رؤى جديدة لأورشليم جديدة وهيكل جديد وعبادة جديدة. حقًا كان نبوخذنصَّر في قمة مجده وعظمته، وكان يهوياكين داخل السجن، لكن الخلاص والعودة إلى أورشليم لم يفارقا عيني النبي (36: 11، 29، 30)، فقد رأى الله يقيم هذا الشعب كما يقيم الأموات واهبا للعظام الجافة روحًا وحياة (37). لقد قدم النبي صورة رائعة للإصلاح من جوانب متعددة، منها:
- أن الله يغفر الخطايا (36: 11، 16، 19).
- أنه يعيد مملكتي الشمال (افرايم) والجنوب (يهوذا) إلى وحدة كاملة تحت حكم من نسل داود الملوكي.
- يدين الله رعاة الشعب الأنانيين وينزع عنهم عملهم ويقوم بنفسه بالرعاية (34).
- التنبؤ عن العصر المسياني (34: 23) بالعودة الروحية من سبي الشيطان والخطيئة (36: 26).
- جاءت الأصحاحات الأخيرة تمزج العمل الفني لبناء الهيكل الجديد بالرؤية النبوية والعمل الكهنوتي.
تأثيره:
يبدو أن حزقيال النبي لم يكن له تأثير قوى على معاصريه، الذين كثيرًا ما يدعوهم “البيت المتمرد” (2: 5، 6، 8؛ 3: 9، 26، 27 الخ…)، مشتكيًا من أن كثيرين يأتون للاستماع إليه لكنهم ينظرون إلى أحاديثه بكونها تسلية تحمل نوعًا من الجمال الفني، ولا يطيعون كلماته (33: 30-33).
استشهاده:
كان بنو شعبه يتخذون منه موقف المتفرجين الساخرين، بل كانوا يكرهونه وينبذون كلماته لتعنيفهم على نجاساتهم وشرهم. وقد ذكر القديس ابيفانيوس عن تقليد قديم أن قاضيًا من شعبه قام بقتله، لأنه وبخه على كفره وعبادته للأوثان. ويقال إنه دفن في قبر سام وازمكشاد، في Kefil بالقرب من BirsNimrud، وكان الكثيرون يحجون إليه في أيام القديس، وصار المسلمون يحجون إليه إلى زمن طويل مع اليهود[8].
في أيام القديس يوحنا الذهبي الفم، اُحتفل بنقل أعضائه من بلاد بنطس إلى مدينة القسطنطينية في 22 ديسمبر، حيث ألقى القديس خطابًا رائعًا في هذه المناسبة، ويحتفل الأروام واللاتين بهذا التذكار. أما كنيستنا فتعيد بتذكار نياحته في الخامس من برمودة.
سوسنة العفيفة | السبى البابلى | دانيال النبى |
تاريخ العهد القديم |