١كو 24،23:1 ولكننا نحن نكرز بالمسيح مصلوبا لليهودعثرة ولليونانيين جهالة
23وَلكِنَّنَا نَحْنُ نَكْرِزُ بِالْمَسِيحِ مَصْلُوبًا: لِلْيَهُودِ عَثْرَةً، وَلِلْيُونَانِيِّينَ جَهَالَةً! 24وَأَمَّا لِلْمَدْعُوِّينَ: يَهُودًا وَيُونَانِيِّينَ، فَبِالْمَسِيحِ قُوَّةِ اللهِ وَحِكْمَةِ اللهِ.
+++
تفسير القديس يوحنا ذهبي الفم
“لأن اليهود يسألون آية و اليونانيين يطلبون حكمة. و لكننا نحن نکرز بالمسيح مصلوباً لليهود عثرة ولليونانيين جهالة. وأما للمدعوين يهوداً ويونانيين فبالمسيح قوة الله و حكمة الله ” (ع 22- 24) .
یعنی بولس الرسول أن الناس يقولون لنا أقيموا الأموات اشفوا المجانين اصنعوا الآيات والمعجزات ، وأما نحن بماذا تجاوبهم عما يقولونه ؟ نقول : إننا نکرز بمن صلب ومات وهذا يكفي.
ونحن نکرز لهم بالصليب ، الأمر الذي يعتقده اليهود ضعفاً ويحتسبه اليونانيون حماقة ، فإننا لا نعطيهم ما يطلبونه فقط بل نقدم لهم الذي لا يطلبونه، لأن الصليب لا آية فقط بل ونقض الآية ، إننا لا نقدم للذين يطلبون الآيات والحكمة ما يطلبونه فقط بل يسمعون أضداد ما يبتغونه ، ثم بالأضداد يقتنعون ، وذلك ما فعله السيد المسيح بالأعمى ، لأنه إن شاء أن يشفيه بشیء وضع على عينيه طيناً، وكما أنه بالطين شفاه هكذا والعالم بالصليب استمال العالم كله إليه، لأن الصليب يُظن به شیء مشكك إلا أنه لا يشك فقط بل ويجتذب أيضاً.
تفسير القمص تادرس يعقوب ملطي
ولكننا نحن نكرز بالمسيح مصلوبًا،
لليهود عثرة ولليونانيين جهالة” [23].
ما كان يشغل قلب الرسل ليس صنع الآيات والعجائب، ولا تقديم فلسفات عقلية مجردة، بل الكرازة بصليب السيد المسيح ليتمتع اليهود كما الأمم بقوة الخلاص.
تعثر اليهود لأنهم لم يجدوا في المسيح الملك الأرضي الذي يصنع آيات وعجائب من السماء ليُقيم منهم مملكة عظيمة ويخلصهم من الاستعمار الروماني (مت35:12). جاءهم السيد المسيح وديعًا ومتواضعًا، لا يطلب المجد الزمني فتعثروا فيه.
وحسب اليونانيون الصليب غباوة لأنه يقدم شخصًا مصلوبًا، لا معلمًا يحاور في فلسفات وأفكار متغيرة. إنه من اليهودية عاجز عن الدخول في ركب الفلاسفة.
أورد الشهيد يوستين بعض كلمات السخرية التي تكلم بها تريفو Trypho ضد المسيحيين: [يسوعكم سقط تحت لعنة اللَّه العظمى. في دهشة لسنا ندرك كيف تتوقعون أمرًا صالحًا من اللَّه وأنتم تضعون رجاءكم في إنسان مصلوب!]
يقول أيضًا الشهيد يوستين: [يحسبوننا مجانين أننا نضع إنسانًا مصلوبًا بعد اللَّه السرمدي أب الجميع! يقول الأمميون: أين فهمكم يا من تعبدون إلهًا هو نفسه مصلوب؟]
هكذا صار الصليب لليهود عثرة وللأمم جهالة. المسيا المصلوب هو الحجر الذي تعثر فيه اليهود (مت44:21). عِوض التمتع بنعمة الخلاص بالصليب سقطوا في إنكار المسيح وجحودهم لعمل اللَّه الخلاصي فزادت خطيتهم.
v المسيح الذي نكرز به في كل العالم ليس مسيحًا يتزين بإكليل أرضي، وليس مسيحًا غنيًا بكنوز العالم، يشتهر بممتلكات أرضية، وإنما هو مسيح مصلوب. هذا كان محتقرًا من كل أمم الشعوب المتعجرفة، ولا يزال مرذولاً من البقية بين الأمم، لكنه هو موضوع إيمان القلّة وليس كل الأمم. لأنه عندما كُرز بالمسيح المصلوب في ذلك الحين آمن به عدد ليس بقليلٍ، إذ جعل العرج يمشون والخرس يتكلمون والصم يسمعون والعمي يرون والموتى يقومون. هكذا حطم كبرياء العالم، فإنه حتى بين أمور هذا العالم ليس شيء أكثر قوة من تواضع اللَّه [23-25].
“وأما للمدعوين يهودًا ويونانيين
فبالمسيح قوة الله وحكمة الله” [24].
الذين قبلوا الدعوة الإلهية سواء كانوا يهودًا أم من الأمم صارت لهم نظرة واحدة نحو المسيح المصلوب. إنهم يرونه قوة اللَّه، إذ يجدون قوة الخلاص العامل في حياتهم. ويدركون حكمة اللَّه، أي خطته الإلهية للغفران والتقديس وتمجيد الإنسان أبديًّا في الرب. يرون في الصليب سرّ تمتع أعماقهم بالجمال الحقيقي، والسمو في الفكر وضمان الخلاص. يرونه مشرقًا على كل المسكونة ليضم الكل معًا فيه. الكل، سواء من أصل يهودي أو أممي، مدعوون ليصيروا بالحق عروس المسيح العفيفة الواحدة، تحمل قوة اللَّه وحكمته.
إن كان اليهود يطلبون آية، فإن المسيح ذاته هو أعظم الآيات، صليبه الذي يبدو لليهود عثرة هو قوة اللَّه للخلاص لمن يؤمن به. يتلامسون بالآية بتجديد أعماقهم. وإن كان اليونانيون يطلبون حكمة، فالمسيح هو حكمة اللَّه (كو3:2).
v من يؤمن حقًا يتحد تمامًا بذاك الذي فيه الحق واللاهوت والجوهر والحياة والحكمة، ويرى فيه كل هذه والتي ليست فيمن لا يؤمن. فإنه بدون ابن اللَّه لا يكون لك وجود ولا اسم، ويصير القوي بلا قوة، والحكيم بلا حكمة. لأن المسيح هو “قوة اللَّه وحكمة اللَّه” (1كو24:1)، فإن من يظن أنه يرى اللَّه الواحد بلا قوة ولا حق ولا حكمة ولا حياة ولا نور حقيقي إما أنه لا يرى شيئًا بالمرة أو بالتأكيد يرى ما هو شر.
v عندما خلق اللَّه كل الأشياء… لم يكن محتاجًا إلى أية مادة لكي يعمل، ولا إلى أدوات في إقامة الخليقة، لأن قوة اللَّه وحكمته لا تحتاج إلى عونٍ خارجي. بل المسيح قوة اللَّه وحكمة اللَّه به كل الأشياء خُلقت، وبغيره لم يكن شيء مما كان كما يشهد يوحنا (يو 3:1).
v الآن إذ تمم الابن مشيئة الآب، وهذا في لغة الرسول هو “أن يخلص كل بشر” (1تي 4:2) ، يلزمهم لأجل نفعهم أن يكرموا الآب والابن مثله، إذ لم يكن ممكنًا أن يتحقق خلاصنا ولم يكن لإرادة اللَّه الصالحة أن تصير عملاً واقعيًّا من أجلنا إلا خلال قوته؛ وتعلمنا الكتب المقدسة أن الابن هو قوة الآب [24] .
v إذ يعلن أن طبيعته تسمو وتفوق كل عقل يستخدم أسماء مجيدة، فيدعوه “إلهًا فوق الكل” (رو15:9)، “الإله العظيم” (تي13:2)، “قوة اللَّه وحكمة اللَّه” [24]، وما أشبه بذلك.
v إن كنا جسد المسيح، وقد رتب اللَّه الأعضاء، كل عضو في الجسد فيهتم كل واحد بالآخر، ويتناغم مع الآخر، وعندما يتألم عضو تتألم كل الأعضاء معه، ومتى تمجد عضو تفرح الأعضاء معه، يلزمنا أن نمارس الحنو النابع من الموسيقى الإلهية، إنه متى اجتمعنا معًا في اسم المسيح يكون في وسطنا كلمة اللَّه، وحكمته وقوته.
إنها عثرة لليهود عندما يسمعون المسيح يدعو نفسه ابن اللَّه وهو يكسر السبت. إنها غباوة للأمم إذ يسمعون عن أمور مثل الميلاد البتولي والقيامة يُكرز بهما.
تفسير القمص أنطونيوس فكري
آية 23 :- ولكننا نحن نكرز بالمسيح مصلوبا لليهودعثرة ولليونانيين جهالة.
نحن نكرز بالمسيح مصلوباً = (راجع المقدمة – بولس الرسول كخادم في رسالتي كورنثوس)
لليهود عثرة = ففي شريعة اليهود ” ملعون من علق علىخشبة ” (تث 21 : 23) كما أن اليهود إنتظروا المسيا كملكأرضى يخلصهم من الرومان وليس من الخطية وهذا لا يتحققفي نظرهم سوى بالقوة. ولليونانيين جهالة = فالمسيحفي نظرهم لم يهزم أعدائه ويتغلب عليهم في مناقشاتفلسفية، ولم يكن له مظهر العظمة. بل أن صليب المسيح فينظهرهم خالٍ من أي عظمة وحكمة. أما قوة الصليب فقدظهرت في خضوع العالم كله لهُ، وعلى يد صيادين بسطاءفقراء وبالصليب غلب العالم والخطية وإبليس والموت، وبهإحتمل الشهداء كل أنواع الآلام وما لا تحتمله الطبيعة البشرية. والرسل بشروا بمسيح مصلوب عمل نجاراً بسيطاً،وكان هذا ضد أفكار وحكمة العالم.
آية 24 :- واما للمدعوين يهودا ويونانيين فبالمسيح قوة الله وحكمة الله.
أما للمسيحيين سواء من كان منهم من اليهود أو اليونانيين فإن المسيح المكروز به هو قوة الله التي تخلقنا من جديد (2كو 5 : 17) وتقدسنا. وهو حكمة الله التي تنير ذهن المؤمن. وهذه الآية فيها إثبات للاهوت المسيح راجع المقدمة(لاهوت المسيح وأزليته). فهذه الآية تثبت أن المسيح هو غير مخلوق، فإذا كان هو قوة الله، فكيف خلق الله لنفسه قوة وهو بغير قوة، أي بأي قوة وبأي حكمة خلق الله لنفسه قوة وحكمة. لا يمكن إلاّ أن يكون المسيح أزلياً كائناً في الآب غير منفصل عنه.