تفسير سفر أعمال الرسل أصحاح 5 للأب متى المسكين
أعمال شرح وتفسير – الأصحاح الخامس
١:٥و٢ «ورَجُلٌ اسمُهُ حنَانِيَّا وامرَأَتُهُ سفِّيرةُ باعَ مِلكاً، واختَلَسَ مِنَ الثَّمنِ وامرأَتُهُ لها خَبَرُ ذلِكَ وأَتىَ بجُزْءٍ ووضَعَهُ عِندَ أَرجُلِ الرُّسُلِ .»
لأول وهلة يجزع الإنسان من ورود هذه القصة الحزينة المحزنة في هذا الوقت وهذا ا لموضع من الكنيسة وهي منتصرة وحارة، متآلفة بالروح القدس والحب والشركة، والوحدة تجمعها برباط مقدَّس مع االله . وهذا يوضِّح بكل تأكيد أمانة سرد الوقائع عند ق. لوقا، فهو لم يقف عند أخبار الانتصار والنجاح والتقدُّم للكنيسة بل حتَّم عليه ضميره أن يسجِّل على الكنيسة هذا التصرُّف الذي يظهر في خارجه عنيفاً أشد العنف. غير أنه في طياته يحمل قانوناً خطيراً للكنيسة الجديدة كان عليها أن لا تتعدَّاه قط لئلا تنكفئ على وجهها وتسقط أمام أعدائها . فكل ما للرب هو للرب ويتحتَّم على الكنيسة وكل مسئول فيها أن يفرِّق بين التصرُّف الذ ي يجعل المال في يدها مقدَّساً فتتقدَّس به والتصرُّف الذي يجعل المال الذي في يدها حراماً فتحرم نفسها بيدها ومما بيدها!!
كذلك لا يفوت على القارئ أن ق . لوقا قدَّم أولاً النموذج الصالح للكنيسة في شخص ق. برنابا القبرصي اللاوي المدقِّق كيف باع حقله، ويبدو أنه كان كبيراً، وأعطى كل ثمنه للرسل، حتى لا يستكثر أحد على الكنيسة كل ما يملك بل ولا نفسه!!
ولكن لا يمكن فهم هذه القصة إلاَّ إذا فهمنا قصة عخان بن كرمي في موقعها وزمانها ومكانها وهي طبق الأصل من هذه القصة والهدف واحد (سفر يشوع الأصحاح السابع)!!
قصة عخان بن كرمي:
كان الشعب المتغرِّب في البرية أربعين سنة قد دخل لِتوِّه أرض الميعاد، وكانت هذه أول حرب تواجهها الجماعة مع الأعداء المتربصين، بعد سقوط أريحا بدون حرب. والرب أعطى أمراً سابقاً عن غنائم أريحا:
+ «وأمَّا أنتم فاحترزوا من الحرام لئلاَّ تُحرَّموا وتأخذوا من الحرام وتجعلوا محلةِ إسرائيل (كلها) محرَّمةً وتكدِّروها. وكلُّ الفضة والذهب وآنية النحاس والحديد تكون قدساً للرب وتدخل في خزانة الرب.» (يش ١٨:٦و١٩)
ولكن عخان اختلس وكذب، فانكسر إسرائيل أمام عاي البلدة الصغيرة:
+ «فقال الرب ليشوع قُمْ لماذا أنتَ ساقطٌ على وج هِكَ. قد أخطأَ إسرائيل بل تعدَّوا عهدي الذي أمرتهم به بل أخذوا من الحرام بل سرقوا بل أنكروا بل وضعوا في أمتعتهم … في وسطِكَ حرامٌ يا إسرائيل فلا تتمكن للثبوت أمامَ أعدائِكَ حتى تنزعوا الحرام من وسطكم … فقال يشوع لعخان يا ابني أَعطِ الآن مجداً للرب إله إسرائيل واعترف له وأَخبرني الآن ماذا عَمِلْتَ . لا تُخفِ عني. فأجاب عخان يشوع وقال حقـَّا إني قد أخطأت إلى الرب إله إسرائيل … فرجمه جميع إسرائيل بالحجارة وأحرقوهم بالنار ورموهم بالحجارة .» (يش ٧: كله)
وضح الآن أمام القارئ أن الأمر خطير ويخص تعليم الشعب بأجمعه وهم يبدأون عهداً مع االله للحياة حسب وصاياه ولمخافة اسمه والسير بمقتضى أوامره . فعخان مات وكل بيته ولكن بيت إسرائيل عاش وانتصر في الأرض الجديدة . كما هو واضح أيضاً أن الذهب والفضة كانا فعلاً مِلْكاً للرب طالما وُضِعَتْ وصية بذلك.
فالآن إذا عدنا إلى مسألة حنانيا وامرأته نجدها طبق الأصل، فالشعب يبدأ عهداً جديداً مع االله، والكنيسة أصبحت هي بيته والرسل اتفقوا وأعطوا وصية أن تُجمع الأموال ليقوموا هم بإعادة توزيعها حسب احتياج كل فرد وكل أسرة . إذاً، فمالية الأفراد والعائلات صارت تبع خزانة الرب وبمجرد قبول الفرد أ و الأسرة في الكنيسة وقبوله أن يكون عضواً في الشركة.
كذلك يُلاحَظ أن في العهد القديم أُلقيت القرعة على كل الأسباط فوقعت على سبط يهوذا، ثم قُدِّمت كل عشائره فوقعت على عشيرة الزارحيين، ثم قُدِّم كل رجال عشيرة الزارحيين فأُخذ زبدي فقُدِّم كل بيته ورجاله، فأُخذ عخان بن كرمي . إذاً، فاالله عن طريق القرعة عيَّن السارق والكاذب.
أمَّا هنا في الكنيسة الروحية الجديدة، فلم تُلقَ القرعة لأن القرعة أُلغيت في الكنيسة بعد حلول الروح القدس الذي سبق وأن عيَّن الرب عمله : «يعلِّمكم كل شيء» (يو ٢٦:١٤)، «يُرشدكم إلى جميع الحق » (يو ١٣:١٦)، «ويخبركم بأمور آتية.» (يو ١٣:١٦)
وواضح أن أحداً لم يخبر ق. بطرس بذلك، بل هو الروح القدس الناطق في قلبه. وقد عبَّر عن ذلك ق. بطرس بقوله لحنانيا:
٤:٥و٣ « يا حنانيَّا لماذا ملأَ الشيطانُ قَلْبَكَ لتكذِبَ على الرُّوحِ القُدُسِ وتختَلِسَ مِنْ ثمنِ الحقلِ – أَليس وهو باقٍ كان يبقىَ لَكَ؟ ولمَّا بِيعَ ألم يكن في سُلطانِكَ . فما بالُكَ وضعتَ في قلبِكَ هذا الأَمر. أنتَ لم تكذب على الناسِ بل على االله .»
«وتختلس من ثمن الحقل»:
يُلاحَظ هنا أن ق. بطرس الرسول يستخدم نفس الكلمة التي استخدمها يشوع مع عخان بن كرمي وقد جاءت هكذا : «وخان بنو إسرائيل خيانة في الحرام ( يش ١:٧) وقد جاءت نفس كلمة «اختلس» المترجمة في سفر الأعمال هي نفس الكلمة «خان» باليونانية في الاثنين، مما يعطي انطباعاً أكيداً أن ق. بطرس الرسول كان قد استعلن له الروح القدس نفس العملية بنفس كلماتها !
وذلك بسبب نفس الخطورة والقصد الإلهي من التعليم.
«حنانيَّا»:
وهي بالعبرية Hanan yah وتعني “حنان ياه”: االله هو منعم.
و«سفِّيرة»: Sapfe…rh
وهي بالأرامية Shappira وتعني “جميلة” وطبعاً لم تكن جميلة!
«الشيطان»: Satan
وهو اسم عام ويعني “ مصيبة” أو “خصومة” (زك ١:٣ هامش).
والاسم أصلاً في اللغة العبرية shatan والفعل منها shat ومعناه يجول ذهاباً وإياباً. ولهذا عرَّفه ق. بطرس بعمله: «يجول ملتمساً مَنْ يبتلعه» (١بط ٨:٥)، ولمَّا سأله االله مِنْ أين أتى؟ ردَّ في الحال : «مِنْ الجولان في الأرض ومن التمشِّي فيها » (أي ٧:١). والإجابة هنا تقيِّمه فهو يريد أن يُظهر نفسه أن له قدرة االله لأن عَيْنَيْ االله معروفٌ أنها «أعين الرب الجائلة في الأرض كلها » (زك ١٠:٤)، وطبعاً ليجد ما يشتكي به الناسَ أمام االله . فجاء المسيح وكان أول عمله أنه كان «يجول يصنع
خيراً» ( عأ ٣٨:١٠) أي يحطِّم الخصومات والمصائب التي يصنعها الشيطان. فكان المسيح بمثابة عين االله وقوته الإيجابية.
وهنا يحدد ق . بطرس عمل الشيطان أنه “يملأ قلوب الناس بالشر ” ليصيروا كأدوات في يده ليُرديهم قتلى كما صنع بحنانيا وسَفّيرة، أو ليتخاصموا ويقتتلوا فيصيروا أولاده وتابعيه وأنصاره. وفي العهد القديم كان يُعرَّف بأنه بعل زبول Baal Zebul أي إله المرتفعات، حيث كان يضع الناس له أصناماً على المرتفعات ويعبدونها، وبآن واحد هو إله المرتفعين بقلوبهم، وقد قصدته القديسة العذراء مريم النبية في قولها التنبؤي: «شتَّت المستكبرين بفكر قلوبهم. أنزل الأعزاء (المرتفعين) عن الكراسي ورفع المتضعين » (لو ٥١:١و٥٢). ومعناه أن االله أنهى زمان تسلُّط الشيطان وأتباعه وجاء زمان رفع المتضعين مع الذي رفَّعه االله إلى أعلى من السموات!!
والشيطان أيضاً معروف باسم «الشرير» أي المدمن على الشر ومخترعه (مر ١٥:٤). والشيطان له مملكته وله ملائكة أتباعه . وله أولاً من بني آدم مَنْ يخدمون مملكته بهمة ونشاط وهو «رئيس هذا العالم» (يو ١١:١٦). وهو «إله هذا الدهر» الذي أعمى عيون الناس حتى لا يروا ولا يؤمنوا بالإنجيل كقول بولس الرسول (٢كو ٤:٤). وهو «رئيس سلطان الهوا ء. الروح الذي يعمل الآن في أبناء المعصية» (أف ٢:٢). وطبعاً معروف أن الروح القدس المعبَّر عنه بالريح الذي يهبُّ حيث يشاء هو الخالق الهواء مع االله . وبالنهاية طرحه االله بواسطة الملاك ميخائيل من السماء فلم يُوجد وانحصرت أعماله الشريرة على الأرض حسب سفر الرؤيا.(رؤ ٧:١٢-٩ ).
ويجيء باليونانية اسم آخر للشيطان وهو “ديابلوس ” ويُنطق عربياً: “إبليس” حيث صنعته حسب الاسم الوشاية والافتراء والتسلُّط على الفكر حيث جاء المسيح ليحطِّم قوته الباطنية في الإنسان:
+ «يسوع الذي من الناصرة كيف مسحه االله بالروح القدس والقوَّ ة الذي جال يصنع خيراً ويشفي جميع المتسلِّط عليهم إبليس لأن االله كان معه .» (أع٣٨:١٠).
والآن إلى قصة حنانيا مرة أخرى لأن كثيرين عثروا فيها ونقدوها وانتقدوا تصرُّف القديس بطرس وبالأكثر في إلقاء أمر الموت على سفيرة. وهو لم يعطِ لأحد منهما فرصة للاعتراف والتوبة . ولكن يلزم للقارئ أن يفهم خاصة من البحث القصير الذي قدمناه عن الشيطان، كيف أن الشيطان ملأ قلبيهما بالغش وأن الخطية الأُولى التي عوقبا عليها هي الغش والكذب على الكنيسة وبالتالي على الروح القدس الذي أُقيم ق. بطرس ليتكلَّم باسم كل منهما، باسم الروح القدس أ ولاً ثم الكنيسة. وقد برَّأ ق. بطرس نفسه من أن يكون عاملاً بنفسه: «أنت لم تكذب على الناس ( بما فيهم بطرس) بل على االله » (أع ٤:٥)، لأنه يلزم على القارئ أن ينتبه أن حنانيا في الواقع تقدَّم إلى االله ومعه المبلغ منقوصاً ومختلساً منه. لأنه قدَّمه باعتباره ثمن الحقل كله مع أنه احتجز جزءاً منه لحسابه، والأمر في مضمونه الإلهي يُقاس على أساس أن حنانيا قدَّم حساب الحقل كله ليأخذ أجرة هذا العمل من االله روحياً سماوياً، مع مديح من الناس وشهرة وإكرام وتعظيم وتبرير وكتابة اسمه في لوحة شرف الكنيسة أو استئمانه على حمل الصندوق أو الطبق أو الصرف على الفقراء على أساس أنه قدَّم كل ما عنده، أي كل معيشته على الأرض. فالآن هو يطلب أو في الحقيقة يطالب االله والكنيسة أن يدفع له ما يوازي ثمن الحقل كله، فهنا اختلاس صارخ. وكأنه أراد أن يربح الأرض والسماء، هذا العالم وعالم الدهر الآتي، النعمة والمال معاً، الاتكال على االله وعلى المال معاً، محبة االله ومحبة المال معاً . هنا مناقضة فضحها الروح القدس وسلب منه الأرض والمال والحياة التي لحسابهما حتى يستطيع االله أن يعطيه الرحمة والخلاص والحياة التي من عنده نقية من عيب المال والدنيا . ومرة أخرى: «لأننا لو كنَّا حكمنا على أنفسنا لما حُكم علينا. ولكن إذ قد حُكم علينا نؤدَّب من الرب لكي لا نُدان مع العالم » (١كو٣١:١١-٣٢)، وأيضاً: «أن يسلَّم مثل هذا للشيطان لهلاك الجسد لكي تخلص الروح في يوم الرب يسوع.» (١كو ٥:٥).
إذاً، فالمواجهة هنا هي بين الروح القدس وبين حنانيا والأمر خطير لأن حنانيا معتمد وحائز على الروح القدس، فكونه يسمع للشيطان حتى يملأ قلبه معناه أنه انحاز للشيطان ضد الروح القدس.
هنا نستمد من ق. بولس الرسول شيئاً من التوضيح حينما قال:
+ «أَمَا تعلمون أنكم هيكل االله وروح االله يسكن فيكم. إن كان أحدٌ يُفسد هيكل االله فسيفسده االله لأن هيكل االله مقدَّس الذي أنتم هو.» (١كو ١٦:٣و١٧).
وللقارئ أن يتصوَّر كيف أن حنانيا وهو من أحجار الأساس الأُولى لبناء كنيسة االله يوضع هكذا في الأساس وهو ممتلئ القلب بمشورات الشيطان . ومرَّة أخرى يقول ق . بولس الرسول من جهة الذي يشترك في الجسد الواحد (الكنيسة والإفخارستيا) «بدون استحقاق يكون مجرماً في جسد الرب ودمه » (١كو ٢٧:١١)، وبالتالي مجرماً في حق االله والكنيسة . ثم يعقِّب ويقول : «من أجل هذا فيكم كثيرون ضعفاء ومرضى وكثيرون يرقدون. لأننا لو كنَّا حكمنا على أنفسنا لما حُكم علينا، ولكن إذ قد حُكم علينا ( كحنانيا وسفيرة) نؤدَّب من الرب لكي لا نُدان مع العالم» (١كو ٣٠:١١-٣٢).
وسماح الوحي المقدَّس بأن تُسجَّل حادثة حنانيا وسفيرة هكذا في بدء سيرة الكنيسة باعتبار أن الروح القدس يسائل المؤمنين ويحاسبهم على أعمال قلوبهم ونياتهم تجاه بيت االله ومخصصاته، هذا أمر واضح وخطير أيضاً . علماً بأن ربط نصرة الشعب في القديم بمقدار الالتزام بالخضوع لوصايا االله وأن أية خيانة كفيلة بأن توقع الشعب كله في انكسار مهين أمام الأعداء وموت وهلاك نفوس بريئة بلا عدد، يضع الكنيسة في موضع المُساءَلَة أمام الأموال التي تُرصد لحساب االله وفقراء شعبه ومبانيها ومصروفاتها – كل بند برصيده وكل رصيد بحسابه – وأي انحراف في التصرف وخاصة إذا كان من جهة المنفعة الشخصية للمسئول أو أي مشترك في المسئولية، فنتيجتها موت بأية صورة من صوره المرعبة ليس له فقط بل ولكل مَنْ يتبعه، لأن صاحب الكنيسة حي وروح االله القدوس يعرف في الأرصدة والحسابات والاختلاسات . وينبغي على الكنيسة أن تقص قصة حنانيا وسفيرة على كل مَنْ تلمس يداه أموال االله : «ثُم يُسأل في الوكلاء لكي يوجد الإنسان أميناً» (١كو ٢:٤)، «أعطِ حساب وكالتك.» (لو ٢:١٦) وأخيراً فإن قصة حنانيا وسفيرة وفحص الروح القدس الدقيق للقلوب والضمائر تُعتَبر ملهمة لقياس الأمانة بل والتدقيق في الأمانة أمام الضمير الشاهد الأمينلحساب االله.
٥:٥و٦ «فلمَّا سَمِعَ حنانيَّا هذا الكلامَ وَقَعَ ومَاتَ، وصارَ خَوفٌ عظيمٌ على جميعِ الَّذِينَ سَمِعُوا بذلِكَ. فنَهَضَ الأَحداثُ ولفُّوهُ وحَمَلُوهُ خارجاً ودَفَنُوهُ .»
هنا الكلام غريب للغاية على العلماء في كل الغرب، فهم يقولون إن الموت كان بسبب الصدمة على أثر عنصر المفاجأة أو عنصر المواجهة مع الضمير وعدَّدوا الأسباب التي جاءت لتتوافق مع فكر الطبيب الشرعي في الكشف عن سبب الوفاة. ولكن من روح القصة ومن التعرُّف على شخص القاضي وهو الروح القدس واكتشاف نوع الخطية المميتة، لا يكون بعد ذلك أي اعتراض على حكم الموت الصادر من الذي بيده وحده الموت والحياة والحكم فيهما.
٧:٥و٨ «ثُمَّ حَدَثَ بعد مُدَّةِ نحو ثلاثِ ساعاتٍ أَنَّ امرأتَهُ دَخَلَتْ وليس لها خَبَرُ ما جَرَى. فأجابَهَا بُطرُسُ قُولي لي أَبهذا المِقدَارِ بِعتُما الحقلَ، فقالتْ نعم بهذا المِقدارِ .»
يبدو أن حنانيا كان قدومه في ميعاد صلاة من الصلوات ليصلِّي ويقدِّم عطيته، وبعد الصلاة بثلاث ساعات يأتي ميعاد الصلاة الأخرى التي جاءت فيها سفيرة. وجاءت خالية الذهن مما جرى لرجلها . وهنا أتت الفرصة الوحيدة بعد موت حنانيا للتأكد مما صنعاه معاً . وكانت الفرصة مواتية لامرأته لتصحيح موقف زوجها ولكنها كشفت حقيقة الاتفاق السرِّي بينهما على الاختلاس والكذب حينما أكدت «نعم بهذا المقدار» (أع ٨:٥) وهو لم يكن المقدار.
أليشع النبي واجه هذا الموقف تماماً مع جيحزي تلميذه، عندما رفض النبي أخذ هدايا من نعمان السرياني إزاء عمل الشفاء الذي أُجري له بواسطة النبي، ولمَّا خرج نعمان جرى وراءه جيحزي وكذب على الرجل ولفَّق سبباً ليعطيه هدايا فأعطاه، وعاد مسرعاً وأخفى العطية ودخل على أليشع وكانت الفضيحة:
+ «وأمَّا هو فدخل ووقف أَمام سيده، فقال له أَليشعُ مِنْ أين يا جيحزي؟ فقال لم يذهب عبدُكَ إلى هنا أو هناك . فقال له أَلم يذهب قلبي حين رجع الرَّجُلُ (نعمان) مِنْ مركبته للقائك؟ أهو وقتٌ لأخذ الفضة ولأخذ ثيابٍ وزيتونٍ وكرومٍ وغنمٍ وبقرٍ وعبيدٍ وجوارٍ؟ فَبَرَصُ نُعمانَ يَلصَقُ بكَ وبنسلِكَ إلى الأبد . فخرج من أمامه أبرص كالثلج.» (٢مل ٢٥:٥-٢٧)
كيف نقرأ هذه القصة؟ وبماذا نصف هذا النبي؟ أهي قوة بشرية خالصة؟ أهو رد كرامة أو إظهار كرامة؟ الحقيقة أن الصوت صوت أليشع النبي ولكن العمل عمل مَنْ بيده المرض والشفاء والموت والحياة. وشوكة الجسد تكون من الشيطان، ولكن تُوازِنها نعمة تفوق الجسد بكل قواه.
ولكن مِنْ نُطق سفيرة ومِنْ واقع كلماتها أُدينت : «لأنك بكلامك تتبرَّر وبكلامك تُدان.» (مت ٣٧:١٢)
٩:٥و١٠ «فقال لها بُطرُس ما بالكُما اتفقتُما على تجربةِ روحِ الربِّ، هوذا أَرجُلُ الذين دَفَنُوا رَجُلَكِ على البابِ وسيحمِلُونَكِ خارجاً . فوقعت في الحالِ عند رجليهِ وماتت، فدخلَ الشبابُ ووجدوها ميتةً فحملوها خارجاً ودفنوها بجانبِ رَجُلِها».
«اتفقتما على تجربة روح الرب»:
«تجربة روح الرب » عمل عدائي استفزازي لسبر غَوْر صبر االله بالتمادي في إغاظته الذي يحتمله االله إلى حد محدود تنصبُّ بعدها النقمة على الإنسان المجترئ في الخطأ تجاه االله.
+ «فماذا إن كان االله وهو يريد أن يُظهِر غضبه ويبيِّن قوته احتمل بأناة كثيرة آنيةَ غضبٍ مُهيَّأةً للهلاك.» (رو ٢٢:٩)
+ «أَم تستهين بغنى لُطفِهِ وإمهاله وطول أناته غير عالم أن لطف االله إنما يقتادك إلى التوبة. ولكنك من أجل قساوتك وقلبِكَ غير التائب تَزْخر لنفسك غضباً في يوم الغضب واستعلان دينونة االله العادلة.» (رو ٢: ٤ ,٥).
فالتمادي في الخطأ والإنسان على علم وإحساس بأن ذلك يُغضب االله وأنه ضد وصيته، هو «تجربة روح الرب» التي قلَّ مَنْ يفلت من عقوبتها!
وقد نبَّه موسى شعب إسرائيل لمَّا هاج عليه وخاصمه من أجل الماء : «لماذا تخاصمونني؟ لماذا تجرِّبون الرب؟ » (خر ٢:١٧). وكانت هذه الحادثة مشهورة باسم «تجربة مسَّه»، لذلك عاد في سفر التثنية وذكَّرهم بها مُحذراً من تكرارها : «لأن الرب إلهكم إلهٌ غيورٌ في وسطِكُم لئلاَّ يحمى غضب الرب إلهكم عليكم (تنتهي حدود صبره) فيبيدكم عن وجه الأرض . لا تجرِّبوا الرب إلهكم كما جرَّبتموه في مسَّة» (تث ١٥:٦و١٦). وهذه الآية هي التي استشهد بها الرب أثناء صومه المقدَّس عندما جاء الشيطان يجربه ليغريه بأن يجرب الرب ! «مكتوب أيضاً لا تجرِّب الرب إلهك » ( مت ٧:٤)! وتعني في حالة تجربة الشيطان أن يجبر المسيح االله على اتخاذ موقف بأن يلقي بنفسه من فوق الهيكل إلى أسفل وعلى االله أن يرسل ملاكه ليحمله حتى لا تصطدم بحجر رجله !! الخطورة هنا أننا نُلزم االله على أخذ موقف معيَّن! هذه تجربة الله. حنانيا وسفيرة اتفقا معاً على إخفاء جزء من الثمن عن عَيْنَي االله، معتقدَيْن أن االله لا يتحرك؛ فكأنما هما يجبران االله على أن لا يتحرك ويقتص: هذه تجربة روح الرب، وهي على مستو ى التحدي! وهي شديدة الشبه من الذي عملته حواء حينما أغواها الشيطان وأوحى إليها أن تجرِّب الرب الإله بأن تأكل من الشجرة قائلاً لها : «لن تموتا»! (تك ٤:٣). فمدت حواء يدها على بركة الشيطان واعتمدت على مشورته وأكلت باعتبار أن االله سيتراجع ولن يميتها، فكانت تجربة االله التي دفعت – هي وزوجها ونحن – ثمنها مُرّاً وعلقماً وأفسنتيناً حتى تدخَّل المسيح وشرب كأس المرّ والعلقم والإفسنتين كله ونجَّانا.
١١:٥ «فصار خوفٌ عظيمٌ على جميعِ الكنيسةِ وعلى جميعِ الذين سَمِعُوا بذلك .»
هذا هو القصد، فاالله قوة إيجابية فائقة. فكل مَنْ كان على صورة االله في الحق كان اقترابه من االله واقتراب االله منه نعمة لا تُحدُّ، يلازمها فرح وبهجة فائقة وحياة . وكُلُّ مَنْ كان على مستوى السالبية من االله فاقتراب االله منه يصعقه، فاالله نارٌ آكلة تأكل المضادين فقط، أمَّا القريبون فتشعلهم ناراً من نار االله فيتقدسون ويضيئون كالجَلَدِ . والإنسان يشعر بروحه مدى قربه من االله ومدى بعده منه . أمَّا القرب فيعطيه دالة وأمَّا البعد فيملأه خوفاً.
هنا الكنيسة دخلت في حالة خوف لأن هذه الخطية بالذات كانت قد بدأت تسري في الجماعة. لذلك يصرخ ق . بولس متململاً من المال ليقول : «لأن محبة المال أصلٌ لكل الشرور الذي إذ ابتغاه قومٌ ضلُّوا عن الإيمان وطعنوا أنفسهم بأوجاعٍ كثيرة« (١تي ١٠:٦).
«الكنيسة»:
الإكليسيا تُذكر هنا لأول مرة، والتي ذُكرت بعدها كثيراً، لتعبِّر عن الجماعة المسيحية. وقد اشتغل العلماء بالبحث في أصل الكلمة وأول مَنْ قالها فلم يصلوا إلى حل. ولكن إكليسيا هو اصطلاح جاء ضمن كثير من الاصطلاحات التي تعبِّر عن الكنيسة.
والأصل في اللغة الأرامية هو kenishta وهي كلمة تعبِّر عن مفهوم السيناجوج «sunagwg. فكنيسة أورشليم سميت أول ما سميت بكنيشتا الناصريين nazarene، وهي المقابل لسيناجوج اليهود أي المجمع الصغير الموجود في كل مدينة . والذي كان يُقال له كاهال qahal. والكنيسة المسيحية تعتبر امتداداً للمجتمع أو الجماعة التي كانت ملتفة حول المسيح.
نشاط غير عادي للكنيسة
ينتهي بالقبض على الرسل
[١٢:٥-١٦]
١٢:٥و١٣ «وجَرَتْ على أيدِي الرُّسُلِ آياتٌ وعجائبُ كثيرةٌ في الشعبِ، وكان الجميعُ بنفسٍ واحدةٍ في رُواقِ سليمانَ. وأَمَّا الآخرونَ فلم يكُن أحدٌ منهم يجسُرُ أن يلتصِقَ بهم، لكن كان الشعبُ يُعظِّمهُم .»
كان هذا وعد االله كما جاء في إنجيل مرقس ١٧:١٦ « وهذه الآيات تتبع المؤمنين». فهو تدخُّ ل مُباشر من الروح القدس للشهادة وليفتح باب الإيمان للمترددين. وكانت الآيات تُعطي الرسل القوة والشجاعة والمواظبة على الصلاة، فكانت إقامتهم طول النهار في رواق سليمان وكان يسع أعداداً هائلة من المؤمنين، وهكذا تجدَّدت أيام المسيح لأنه استخدم رواق سليمان مركزاً لنشاطه . وكان
اللاويون ورؤساء الكهنة غالباً ما يكونون حاضرين مع الفريسيين تارة للحوار وتارة لتدبير خطط للإيقاع به. وكان كثيرون منهم يؤمنون، ولكنهم خوفاً من بطش السنهدريم كانوا يُخفون تأثُّرهم وإيمانهم، وكما يقول الكتاب : «لأنهم أحبوا مجد الناس أكثر من مجد االله.» (يو ٤٣:١٢)
وهنا تكررت التجربة بالنسبة لهم، فكانوا حذرين جداً في حضورهم لسماع الرسل ولم يجسروا أن يلتصقوا بهم خوفاً من تجسُّس خدام الهيكل . ولكن بقية الشعب كانوا يتجمهرون حولهم سامعين مندهشين، تائبين طالبين العماد، ومُعلنين الإيمان . لأن بساطة الشعب فتحت لهم قلب االله . وبسبب كثرة الداخلين في الإيمان وكثرة الحضور في الهيكل (رواق سليمان ) كان خدام الهيكل يخافون من الرسل لئلا يُرْجَموا بسببهم . وهذا بحد ذاته كان يحسُّه الشعب وكان يجعلهم أكثر شجاعة وشغفاً بالسماع والإيمان . لأن يد االله كانت تعمل في الرسل وفي الشعب بآن واحد . أمَّا بقية الشعب الحذر فكانوا يكنُّون الاحترام الشديد للرسل ويعظمونهم ولكن ليس علناً .
١٤:٥-١٦ «وكان مؤمنُونَ ينضمُّونَ للربِّ أكثرَ، جماهيرُ مِنْ رِجَالٍ ونساءٍ . حتى إنهم كانوا يحمِلُونَ المرضَى خارجاً في الشَّوارعِ ويضعُونَهُم على فُرُشٍ وأَسرَّةٍ حتى إذا جاءَ بُطرُس يُخيِّمُ ولو ظِلُّهُ على أَحدٍ منهم . واجتمع جمهُورُ المُدُنِ المُحيطةِ إلى أُورشليمَ حاملينَ مرضى ومُعذَّبينَ من أَرواحٍ نجسةٍ وكانوا يُبْرأُون جميعهُم .»
كانت حركة الكنيسة نشطة بفاعلية الروح القدس فتحتم أن تظهر علاماتها، فكل الآيات ومعجزات الشفاء هي رد فعل التهاب النفوس بالروح القدس . الروح القدس لا يعمل بمفرده ولكن إذ يجد له في قلوب الرسل والمؤمنين مكاناً يبدأ بنشر فعله وتأثيره بواسطتهم. فالروح القدس عندما يحلُّ في هيكل إنسان يصير للإنسان مجالاً فعَّالاً سواء بلسانه أو يديه أو فكره أو حتى مجرد لمس جسده أو كما يقول هنا ظِلُّه.
والظل بحد ذاته لا يشفي، ولكن هو المجال الروحي الفعَّال الذي يحمله بطرس أينما سار وأينما حلَّ . فمجال الإنسان الحامل للروح القدس والممتلئ منه يعمل من بُعد، فالشياطين كانت حيثما ترى المسيح من بُعد تصرخ وتخرج.
والمجال الروحي للإنسان الروحي لا يعمل أيضاً من تلقاء ذاته بل يلزم فتحه على الآخرين بالصلاة والنية والقلب المتضرع من أجل المرضى والمتعبين والصارخين من الهموم والأوجاع . وهنا يمكن للمجال الروحي أن يمتد ليس أمتاراً بل أميالاً فالروح لا يحده المكان ولا الزمان:
+ «فأجاب قائد المائة وقال : يا سيد لستُ مستحقاً أن تدخُلَ تحت سقفي . لكن قُلْ كلمة فقط فيبرأَ غلامي لأني أنا أيضاً إنسان تحت سلطان، لي جند تحت يدي، أقول لهذا اذهب فيذهب ولآخر ائْتِ فيأتي، ولعبدي افعل هذا فيفعل . فلمَّا سمع يسوع تعجَّب وقال للذين يتبعون: الحق أقول لكم لم أجد ولا في إسرائيل إيماناً بمقدار هذا. وأقول لكم إن كثيرين سيأتون من المشارق والمغارب ويتكئون مع إبراهيم وإسحق ويعقوب في ملكوت السموات وأمَّا بنو الملكوت فيُطرحون إلى الظلمة الخارجية، هناك يكون البكاءُ وصرير الأسنان . ثم قال يسوع لقائد المائة: اذهب وكما آمنت ليكن لك فبرأ غلامه في تلك الساعة » (مت ٨:٨-١٣). الذي ربما كان على بُعد أميال كثيرة.
ولا يفوت علينا هنا أن الشعب دخل في حالة إيمان كإيمان قائد المائة، وعلى هذا الإيمان وبانفتاح القلوب استطاع الروح القدس بواسطة ق . بطرس أن يُمارس سلطان المسيح الفائق على الزمان والمكان.
كذلك لا يفوت علينا أيضاً أن الروح القدس إذا تواجد في مكان، فإن عمله ينفرش على الموجودين بصورة جماعية مذهلة. ونحن لا ننسى جماعة أولاد الأنبياء الذين بينما هم سائرون قابلهم شاول بعد أن مسحه صموئيل فلمَّا سار معهم بدأ يتنبأ مثلهم حتى صار مثلاً : «أشاول أيضاً بين الأنبياء » (١صم ١٢:١٠). فيا لطوبى مَنْ جاور صاحب الطوبى ولسعيد هو مَنْ سار مع أولاد االله وعاش بقربهم.
لذلك لا نستغرب أيها الأحِبّة إن كانت الشوارع قد امتلأت مرضى بل امتلأت هتافاً وشكراً وتسبيحاً وشفاءً فهذا هو “عهد الرسل ” و“إيمان الرسل” و“بركة الرسل” ثم أيضاً هذه هي “كنيسة الرسل” التي نلنا فيها نصيباً: «مبنيين على أساس الرسل والأنبياء ويسوع المسيح نفسه حجر الزاوية.» (أف ٢٠:٢)
كذلك لا يفوت علينا مسألة ظلّ ق. بطرس التي سيأتي في مقابلها مآزر بولس!! وبالاثنين تتغنَّى الكنيسة المرتشدة بالروح:
[أمَّا بطرس وبولس هامتا الرسل فكان ظل أحدهما يشفي الأمراض وكانت مناديل وعصائب الآخر تُذهب الأمراض وتُخرج الأرواح الشريرة.]
(قسمة الرسل / الخولاجي المقدَّس)
الغيرة المرَّة تأكل صدر رئيس الكهنة ومَنْ معه
وما أشبه اليوم بالبارحة
[١٧:٥-٢١]
«لأنه عرف أن رؤساء الكهنة كانوا قد أسلموه حسداً.»
(مر ١٠:١٥)
١٧:٥و١٨ «فقامَ رئيسُ الكهنةِ وجميعُ الذينَ معهُ الذينَ هُمْ شيعةُ الصَّدُّوقيِّينَ وامتلأُوا غيرةً. فألقوا أَيديهُمْ على الرسُلِ ووضعوهُم في حبسِ العامةِ .»
قضية معادة بكل ظروفها وملابساتها، الرسل يبشِّرون والمساكين يؤمنون والجماهير يتقاطرون على الهيكل ويمتلئ رواق سليمان والمرضى على السلالم وفي الشوارع والميادين يشفون ويهللون . منظر مؤلم غاية الألم لرئيس الكهنة وكبراء الهيكل وسَدَنَتِهِ (خدَّامِه) والقوَّامين على الدين اليهودي العالي المُعلَّى والخاصة المختا رين من بين الشعوب ! غصّة كانت في حلق حنانيا وقيافا وكل زمرتهم يواجهونها كل صباح وكل ساعة من ساعات النهار . والكأس التي أذابوا فيها المرارة للذي صلبوه التي ذاقها ولم يرد أن يشرب بدأوا هم يتجرَّعونها حتى الثمالة. وأخيراً عيل صبرهم فأعطوا الأوامر بالقبض عليهم . وبيَّتوا النية هذه المرة على ألاَّ يفلتوا من أيديهم بتلفيقةٍ تؤدّى إلى الضرب، مع توصية ليؤدى الضرب إلى الوفاة وتُحسب قضاءً وقدراً. والرب سمع وكتب أمامه سفر تذكرة.
وبات الرسل في السجن وأمضوا نصفه في الصلاة، فحولوه إلى منسك.
١٩:٥-٢١ «ولكنَّ ملاكَ الربِّ في ا لليلِ فتحَ أَبوابَ السجنِ وأَخرجهُم وقال : اذهبوا قِفُوا وكلِّموا الشَّعبَ في الهيكلِ بجميعِ كلامِ هذه الحياةِ . فلمَّا سمعوا دخلُوا الهيكلَ نحوَ الصُّبحِ وجعلوا يُعلِّمونَ .»
أيها القارئ العزيز انتبه قليلاً ! السماء مفتوحة والرب يسوع يراقب حركات كنيسته. لقد صدق ق. بولس الرسول تمام الصدق حينما ارتفع بتعليمه اللاهوتي إلى تحقيق أن الكنيسة هي جسد المسيح وهو الرأس فيها. ألم يخاطبه مُعاتباً حينما كان يضطهد المسيحيين فقال له لماذا تضطهدني؟ حبسوهم وما ظنوا أنهم حبسوا رئيس جند الرب وابن االله المحبوب والعزيز؟!
ودخلوا هم الحبس غير مصدِّقين لأن كلمة االله لا تُقيَّد!!
وحينما جَنَّ الليل تحركت الملائكة، واختاروا ملاك الشرف الذي سيفكُّ أَسْر الجسد!
وفي عتمة الليل فُتحت أبواب الظلمة ليخرج أبناء النور، ليكلِّموا الشعب بكلام الحياة، وتركوا وراءهم السجن فارغاً والباب مغلقاً، كما سبق الرب وترك القبر فارغاً والحجر عليه بختومه.
هناك أُعلنت القيامة؛ وهنا بها يُبشِّرون. والملائكة في كلتيهما يخدمون!
وأوصاهم أن يذهبوا إلى الهيكل نفسه وفيه يقيمون ويصلُّون ويخدمون ويبشرون بالحياة الجديدة – أي الخلاص – ولأول مرة يسترد فيها الهيكل سابق اعتباره: «بيتي بيت الصلاة يُدعى.» (مت ١٣:٢١)
هذه القصة، قصة السجن والمقطرة وملاك الليل والأبواب المفتوحة والمقبوض عليهم تقع من أيديهم السلاسل ومن أرجلهم المقاطر ويتمشون خارج السجن نحو منازلهم أصبحت تسلية الملائكة، التي تحمل في طياتها معنى القيامة التي قامها الرب ليعطي الإنسان الحرية من القيود والأسر مهما كان نوعه حتى ولو كان من الحديد أو الفولاذ!
المجمع والمشيخة
ضاعت هيبتهم وضلَّ المشيب
[٢١:٥-٢٦]
٢١:٥-٢٣ «ثُمَّ جاءَ رئيسُ الكهنةِ والذين معه ودَعَوُا المجمعَ وكُلَّ مشيخةِ بني إسرائيلَ فأَرسلوا إلى الحبسِ ليُؤ تَى بهم . ولكنَّ الخُدَّامَ لمَّا جاءُوا لم يجدوهم في السجنِ فرجعوا وأخبروا قائلين إننا وجدنا الحبسَ مُغلقاً بكل حِرصٍ والحُرَّاسَ واقفينَ خارجاً أمامَ الأَبوابِ ولكن لمَّا فتحنا لم نجد في الداخلِ أحداً .»
واضح أن الاضطراب الحادث بين المسئولين من اليهود بسبب نشاط الكنيسة والمعجزات التي كانت تحدث كل يوم كان قد بلغ الذروة . لذلك لمَّا عَزم رؤساء الكهنة محاكمة الرسل هذه المرة دعوا ليس المجمع أي السنهدريم برئيسه وأعضائه فقط بل كل مشيخة شعب إسرائيل مضافاً إليها طبعاً الفريسيين.
ولكن لمَّا التأم السنهدريم وكل المدعو ين وأرسلوا يطلبون المقبوض عليهم كانت المفاجأة شديدة في الواقع حينما أخبر الخدام رؤساء الكهنة وبقية السنهدريم أن المحبوسين تركوا أماكنهم والسجن مغلق والحراس عليه واقفون والأختام والأبواب مقفلة بكل ضبط ولكن الرسل غير موجودين.
طبعاً دخلت هذه الحادثة العلنية ضمن المعجزات التي ضجَّت مضاجعهم ووضح أن الأمر لم يعد محتملاً، فالتحدي بدأ يظهر علانية بين الكنيسة والسنهدريم، بين أتباع المسيح المصلوب وبين الذين صلبوه، واستُظهرت الكنيسة بمعجزاتها في عين الشعب.
٢٤:٥و٢٥ «فلمَّا سمِعَ الكاهِنُ وقائدُ جُندِ الهيكلِ ورؤساءُ الكهنةِ هذهِ الأقوالَ ارتابُوا مِنْ جِهَتهِم ما عسى أن يصيرَ هذا . ثُمَّ جاءَ واحدٌ وأخبرهُم قائلاً هُوذا الرجالُ الذين وضعتُمُوهُم في السجنِ هُمْ في الهيكلِ واقفينَ يعلِّمونَ الشعبَ .»
الأمر بدا في البداية خطيراً من جهة مدى صحة الحبس ومدى المسئولية التي على الحرَّاس ورئيس جند الهيكل والكاهن المباشر المسئول عن ذلك . فواضح أن الخلل بدأ في ذهنهم من جهة صلاحية الحبس والسجن والسجَّان وليس المسجونين، وبدا أن هذا غير معقول بل ومحيِّر إلى درجة اليأس.
«ما عسى أن يصير هذا :»
أولاً ما هذا الذي حدث؟ لأنه أمر فائق عن التصوُّ ر أن يخرج المساجين من الحبس علناً دون فتح الأبواب، فهل اخترقوا الجدران؟ اخترقوا السقف؟ أليست لهم أجساد؟ أهم بشر؟ ثم وما بعد ذلك؟ ماذا سيصير بعد ذلك؟ أنبقى بلا حول ولا قوة تجاه هؤلاء القوم الذين تحدوا الهيكل والقانون والرئاسة والسجن. وهل نتركهم ليزدادوا، ونبقى نحن لنصغر أمامهم، ثم نصغر، وإلى أين؟
مزيد من الاستفسار وإنما على حذر
٢٦:٥ «حينئذٍ مضى قائِدُ الجُندِ معَ الخُدَّامِ فأَحضرهُم لا بعنفٍ لأنهم كانوا يخافون الشعبَ لئلاَّ يُرجمُوا .»
خافوا على أنفسهم من الشعب لئلاَّ يرجمهم إن هم أساءوا إلى الرسل.
ولم يخافوا لا على أنفسهم ولا على الشعب من تماديهم في مقاومة ذلك الذي قام من بين الأموات وظلُّوا يرفسون المناخس حتى تكسَّرت أقدامهم وتكسَّر الهيكل كله وأورشليم والأُمة جميعاً. عجبي على أمة وصفها موسى الذي أسس قواعدها بقوله :
«إنهم أُمَّةٌ عديمة الرأي ولا بصيرة فيهم.» (تث ٢٨:٣٢).
ولكن ألا ترى معي، أيها القارئ العزيز، أن الشعب كان يزداد وعياً ونصحاً وتمييزاً وصار قوة مرعبة لرؤسائه؟ هذه هي المسيحية، إنها نور من الداخل : «أنا هو نور العالم» (يو ١٢:٨)، «أنتم نور العالم» (مت ١٤:٥)، «فليُضِئْ نوركم هكذا قدام الناس.» (مت ١٦:٥)!
«دمه علينا وعلى أولادنا»
(مت٢٥:٢٧)
٢٧:٥و٢٨ «فلمَّا أَحضروهُم أوقفوهم في المجمعِ فسأَلهم رئيسُ الكهنةِ قائلاً : أَمَا أَوصيناكم وصيَّةً أن لا تعلِّموا بهذا الاسمِ، وها أنتم قد ملأتم أُورشليم بتعاليمكُم وتريدون
أَن تجلِبُوا علينا دَمَ هذا الإنسانِ».
الذي يُدهش القارئ حقاً أن رئيس الكهنة لم يحاول قط أن يثير موضوع كيف خرجوا من السجن؟ وفي هذا رضوخ مهين للأمر الواقع بل وفيه أيضاً نوع من التبجُّح؛ إذ بعد أن ظهرت لديهم هذه القوة التي لم يُسمع بها قط إلاَّ في أيام الأنبياء العظام، ما زالوا يستمرون في إدانتهم ومراجعتهم على ما يقولون، مع أن أعمالهم تنطق بأكثر من أقوالهم. فخروجهم من السجن المغلق والمنضبط بالحراس والأختام دون أي أثر لفتحة في باب أو غيره هو هو صورة مصغَّرة للقيامة من بين الأموات.
هكذا وبنوع من التعامي يترك رئيس الكهنة كل ما حدث من معجزات وآيات وكل ما صار من جهة خروجهم من السجن والأبواب مغلقة، ويعود بعيداً إلى الماضي ليسائلهم عن وصية قالها ولم يُسمع له فيها أن لا يعلِّموا «بالاسم»، وكأنه اسم نكرة، مع أنه الاسم الذي له يسجد كل اسم ويتبارك . ولكن هي اليهودية التي ضاقت من اسم يسوع المسيح فلم تَعُدْ تطيق أن تنطقه، وحذرت بالموت كل مَنْ ينطقه. وهكذا، ودون أن يدروا، ودون أن يريدوا أعطوا الهيبة لاسم المسيح فلا ينطقونه كما كان لاسم يهوه في القديم. أمَّا نحن فأخذنا «ليتقدس اسمك» (مت ٩:٦) نقوله مائة مرة في اليوم ولا يكفي.
ولكن لننتبه معاً لأن مُساءَلة الرسل عن عدم أخذهم وتنفيذهم لوصية أوصى بها المجمع كهيئة منعقدة رسمياً يُعتبر إهانة رسمية يُعاقب عليها القانون . وهذا هو القصد الأساسي من البدء بها كاتهام أول. وهذا لم يَخْفَ عن ق. بطرس إذ بدأ دفاعه بالرد عليها كما سيجيء. وكان رده مُحكَماً شديد القوة والوطأة على المحكمة، جعلها تصمت.
«وها أنتم قد ملأتم أورشليم بتعليمكم»:
يا لفرحة الكنيسة حينما سمعت وحينما نسمع نحن أيضاً ذلك، مبارك هو اليوم الذي صار فيه اسم يسوع المسيح يملأ أُورشليم . إذاً، فقد تحقق قول الرب : «وتكونون لي شهوداً في أورشليم وفي كل اليهودية والسامرة وإلى أقصى الأرض» (أع ٨:١). وإن شهادة رئيس الكهنة هذه لمدى انتشار تعليم الرسل باسم المسيح في أُورشليم ليعطينا شهادة صادقة، إذ هي صادرة عن أعداء، على نجاح الرسل في كرازتهم الأُولى.
«تجلبون علينا دم هذا الإنسان»:
هنا أيضاً يختبئ الهدف المباشر الذي يرمي إليه رئيس ا لكهنة، فهو اتهام خطير للغاية، لأن تعليمهم أن السنهدريم حكم بالموت خطأ وسفك دماً بريئاً هو يُعتبر لدى المحكمة نوعاً من تحريض الشعب بالثورة والهياج على السنهدريم لرجمه، لأن هذه هي عقوبة سفك دم بريء ! هنا الخبث مبيَّت والاتهام واضح : “تحريض على القتل .”
لأن من السذاجة، لو يظن أحد أن رئيس الكهنة يتكلَّم من جهة تعكير ضميره أو حتى استعداء االله عليه . فلا هو يفكر في ضميره ولا هو يفكر عن االله بل يفكر في نفسه وفي إمكانية ثورة الشعب بالفعل ضده لرجمه !! وهو يتخذ هذه النقطة ويُشَكِّلُ منها إشكالاً. إنهم إذا كانوا يعملون لهذ ا فهم يُعتبرون لدى المحكمة مُحرِّضِين على القتل ويحلّ دمهم!
أمَّا حقيقة سفك «دم هذا الإنسان» الذي سُفك بالفعل، وهو دم بار وابن االله، فهذه دينونة عليهم حقاً وقانوناً، وهم يقعون تحت الحكم . ولكن «المسفوك دمه » نَطَق بالبراءة لهم وهو على الصليب، فما عادوا تحت حكم القتل، ولكن الحكم يطالهم فقط لأنهم لم يؤمنوا به:
+ «الذي يؤمن بالابن له حياة أبدية . والذي لا يؤمن بالابن لن يرى حياة بل يمكث عليه غضب االله.» (يو ٣٦:٣)
+ «لو لم أكن قد عملت بينهم أعمالاً لم يعملها أحد غيري لم تكن لهم خطية وأمَّا الآن فقد رأوا وأبغضوني أنا وأبي.» (يو ٢٤:١٥)
٢٩:٥ «فأجابَ بُطرُس والرُّسُل وقالوا ينبغي أن يُطاعَ االله أكثر من الناسِ .»
هذا هو الرد المباشر المختصر للغاية على اتهام المحكمة لهم بأنهم لم ينفذوا قرار المحكمة السابق بعدم التعليم بهذا «الاسم»! وهو رد خطير لأنه نَقْضٌ علني ومقصود لصلاحية المحكمة ولصحة قراراتها لأن المحكمة تأمر بما لا يأمر به االله وكفى! فهذا وحده يُسقِطها، أو على الأقل يُلغي أحكامها . أمَّا الأدلة والأسانيد التي يعتمد عليها الرسل في إثبات أن أحكامها باطلة، فستُذكر في الآية القادمة، أن السنهدريم حكم بقتل يسوع المسيح واالله أقامه من الأموات ناقضاً حكم الموت!
وبما أنهم يعلِّمون بالاسم على أن صاحبه هو الذي أقامه االله من الأموات فهم إنما يطيعون ما عمله االله وبالتالي وحتماً وبالضرورة لا يطيعون السنهدريم الذي حكم بالموت، لأنه حكم نقضه االله بأن أقامه من الأموات وأعطاه حياة.
القديس بطرس يشرح أدلة الدفاع
ويحاصر المحكمة فيوقعها في الاتهام بسفك دم بريء
[٣٠:٥-٣٢]
٣٠:٥-٣٢ «إلهُ آبائِنا أَقامَ يَسُوعَ الذي أنتُم قتلتُمُوه معلِّقينَ إيَّاهُ على خشبةٍ . هذا رفَّعهُ االله بيمينهِ رئيساً ومُخلِّصاً ليعطي إسرائيلَ التوبةَ وغُفرانَ الخطايا. ونحن شهودٌ لهُ بهذهِ الأُمورِ والروحُ القدسُ أيضاً الذي أعطاهُ االله للذين يطيعونَهُ .»
( أ ) ابتدأ ق. بطرس بالقيامة التي يشهد لها ويخدمها والتي من أجلها هو يحاكَم الآن، فهي أساس القضية.
(ب) ولكنه حدَّد أول كل شيء أن الذي أقامه هو إله آبائهم، أي الإله الذي تنتمي إليه المحكمة وباسمه هي مجتمعة وباسمه تحكم، وبدونه لا وجود لها ولا ينبغي أن تُطاع.
(ج ) حدَّد عملية القتل العَمْد أنها تمت بأيديهم وبمشورتهم وحدَّد القتلة أنها هي هي ذات المحكمة، برؤسائها وأعضائها، التي أمامه أو الذي هو أمامها . يحاكَم عن القيامة التي حدثت بعد أن «قتلتموه أنتم».
( د ) حدَّد وسيلة القتل أنها تمت برفعه على خشبة أي أنهم احتسبوه ملعوناً، فهو ليس مجرد قتل بل قتل وتشهير وقطع من الانتماء لإسرائيل. فهو حُكم بسفك دم مع إصرار وإمعان في إضافة اللعنة والقطع.
(هـ) هذا الذي سفكوا دمه ولعنوه وقطعوه من إسرائيل:
١ – أقامه االله ورفَّعه بيمينه أي بقوته الذاتية.
وبهذا يكون االله قد نقض حكم الموت وألغاه عملياً وجهاراً.
٢ « – رفَّعه … رئيساً :»
أي رئيساً لشعب إسرائيل وبالتالي رئيساً على كل الجماعة وعلى كل مجمع ومحكمة. هنا تنتفي رئاستهم على الرسل.
٣- « ومخلِّصاً :»
هنا صار المسيح محامي إسرائيل كلها والمدافع عنها للخلاص من كافة الوجوه وبالأكثر خطايا كل إسرائيل وخطايا كل فرد في إسرائيل . وبالتالي يتحتَّم أن يكون هو مخلِّص الرسل أي مخلِّصنا نحن ومحامينا المدافع عنَّا، وأنه قادر أن يخلِّصنا من أيديكم لو أنتم أَمْعَنْتم في احتساب كرازتنا بقيامته أنها خطيئة أمام المحكمة . هنا
تنتفي كل عقوبة ويسقط كل حكم.
٤- « ليعطي إسرائيل التوبة وغفران الخطايا :»
هنا رجعة سريعة واستدراك ذكي، أن المحكمة كلها فيما اقترفته من سفك دم بريء، دم يسوع المسيح، يمكن أن تدخل تحت التوبة وغفران الخطايا لو هي تراجعت عن موقفها السابق من قتل المسيح واعترفت بخطيتها لتُغْفَر لها. هنا إسقاط المحكمة من صلاحيتها هو على أساس القوانين اليهودية التي قامت على أساسها واجتمعت لتحكم بمقتضاها؛ وإِعطاؤها فرصة الانتماء للرسل كمُعيَّنين من االله لأخذ اعترافهم وتوبتهم والانضواء تحت رئاستهم وتعليمهم عن القيامة من الأموات.
«ونحن شهود بهذه الأمور :»
أي نحن مُعيَّنون من قِبَلِ االله الذي أقامه، ومن المسيح الذي قام، لنشهد للقيامة وبالتالي نشهد ضد الذين قتلوه . فنحن شهود االله والمعيَّنون رسمياً من قِبَلِه لاتهامكم بالقتل، ولنقض حكم الموت الذي حكمتُم به.
«والروح القدس أيضاً الذي أعطاه االله للذين يطيعونه :»
وشهادة الروح القدس هي التي سمعتم ورأيتم عملها جهاراً بالآيات والمعجزات التي عملناها بواسطته، فهو أَجْرَى هذه المعجزات ليشهد لشهادتنا أنه قام حقاً وأن الموت الذي حكمتم به أنتم كان سفك دم بريء . فالمعجزات التي ترونها تدينُكم رسمياً أنكم سفكتم دماً بريئاً.
هذا هو ملخَّص دفاع ق . بطرس الذي نطقه الروح القدس في فمه والذي ينتهي ببراءة الرسل وإدانة المحكمة إدانة بائنة.
أسوأ قرار سرِّي يصدر من محكمة تحكم باسم االله
التخلُّص من المتهم (الرسل) بالقتل دون تحديد التهم أو صدور حيثيات الحكم
وقد لخَّصه وترجمه غمالائيل بأن هذا الحكم قد يكون بمثابة «محاربة االله»!!
وغمالائيل بهذا الفكر يكون قد فهم صحة دفاع ق. بطرس وبدأ يدافع عنه
[٣٣:٥-٤٠]
٣٣:٥-٤٠ «فلمَّا سَمِعوا حَنِقُوا وجعلوا يتشاورُونَ أن يقتلوهُم. فقامَ في المجمعِ رجُلٌ فريِّسيٌّ اسمُه غَمَالاَئِيلُ معلِّمٌ للناموسِ مُكرَّمٌ عِنْدَ جميعِ الشعبِ وأَمرَ أن يُخرَجَ الرُّسُلُ قليلاً.
ثمَّ قالَ لهم( وهل يا تُرى بولس “شاول” كان موجوداً بينهم في هذه الأثناء؟) أَيُّها الرجالُ الإسرائيليونَ احترِزُوا لأَنفُسِكُم مِنْ جهةِ هؤلاءِ الناسِ في ما أنتُم مُزمِعُونَ أن تفعَلُوا.
لأنَّه قبل هذه الأيَّامِ قامَ ثوداسُ قائلاً عن نفسِهِ إنَّهُ شيءٌ. الذي التصق به عددٌ من الرجالِ نحو أَربَعمِئَةٍ. الذي قُتِلَ وجميعُ الذينَ انقادُوا إِليهِ تبدَّدُوا وصاروا لاشيءَ.
بعد هذا قامَ يهوذا الجليليُّ في أيامِ الاكتتابِ وأزاغَ وراءَهُ شعباً غفيراً.
فذاك أيضاً هَلَكَ، وجميعُ الذينَ انقادوا إليهِ تشتَّتُوا.
والآن أقولُ لكم تنحَّوا عن هؤلاءِ الناسِ واتركُوهُم . لأنه إن كان هذا الرأيُ أو هذا العملُ مِنَ الناسِ فسوف يُنْتَقِضُ.
وإن كان مِنَ االلهِ فلا تَقدِرُونَ أن تنقُضُوهُ. لئَلاَّ تُوجَدُوا مُحَاربينَ الله أيضاً.
فانقَادُوا إليهِ ودَعَوا الرسلَ وجلدُوهُم وأوصَوْهُمْ أَن لا يتكلَّمُوا باسمِ يسوعَ ثُمَّ أطلقُوهُم.
«حَنِقُوا»:
كلمة يونانية ذات معنى يصوِّر الحانق وكأنه نُشر أو صُدع من النصف.
وهذه تكشف عن أن دفاع ق. بطرس كان له وقع الصاعقة على نفوسهم، ويشرح ذلك العالِم ماير أنه (تعبير وصفي يشبه ما جاء سابقاً في الآية (٣٧:٢) «فلمَّا سمعوا نُخسوا في قلوبهم وقالوا لبطرس ولسائر الرسل ماذا نصنع أيها الرجال الإخوة ». ويفيد حتى انصداع القلب، بمعنى سريان الألم بسبب الحنق حتى ينفلق القلب).
وبدأوا المشاورة. وواضح أنهم استغاثوا بالفريسيين وهم القسم صاحب المشورة العلمية المبني على دقة دراسة التوراة بأحكامها طارحين عليهم فكرة القتل، طبعاً رَجْماً.
«غمالائيل»:
المدعوُّ “رابان” كمعلِّم معلمين وبالعربية “معلمنا” المشهور في دقة دراسة التوراة. وهو الابن الأكبر لهلليل الكبير، ومعلِّم ق . بولس (أع ٣:٢٢) حسب قوله: «أنا رجل يهودي وُلِدت في طرسوس كيليكية ولكن ربيت في هذه المدينة مؤدَّباً عند رجلي غمالائيل على تحقيق الناموس الأبوي وكنت غيوراً الله كما أنتم جميعكم اليوم». فهو كبير معلمي الناموس، وممثل الفكر الفريسي كحائز على دكتوراه في القانون اليهودي. وقد شاع في التقليد المسيحي أنه آمن بالمسيح مع نيقوديموس ومع ابنه على يديِّ بطرس ويوحنا، وأنه كان مسيحياً في الخفاء، ولكن لا يوجد ما يؤكد ذلك تاريخياً.
أمَّا« الفريسيون»: بالعبرية perushim وتعني المُفْرَزين أي الذين أفرزوا أنفسهم عن الذين لا يدققون في (جمارات) الناموس. ومعروف أنهم منحدرون من جماعة الحسيديم ،sida‹oi = hasidim(١مكابيين ٤٢:٢) «وانضمت إليهم جماعة الحَسيديم المشهورين بشدَّة البأَسِ في بني إسر ائيل، وبولائهم للشريعة»، وهم جماعة الذين وهبوا أنفسهم لدراسة التوراة وشرحها وكل المكتوب والشفاهي من الناموس في مقاومة ومعارضة اليهود الذين بدخولهم الهللينية بدأوا يتحللون من التقليد. وكان ذلك من صنع أنطيوخس الرابع في محاولته لمحو الديانة اليهودية. وفي البداية وضعوا أيديهم مع الحشمونيين hasmoneans وهم الأسرة التي نشأت منها عائلات المكابيين بعد ذلك . ولكن لمَّا تجبر الحشمونيون وكوَّنوا لأنفسهم جيشاً مدنياً واشتغلوا بالسياسة واستولوا على رئاسة الكهنوت بصورة دائمة انفصلوا عنهم ونشأت بينهم عداوة ظلت قائمة حتى الن هاية، وهي العداوة والتحدي بين الفريسيين وبين كل رؤساء الكهنة وأتباعهم والصدوقيين. ولمَّا قويت شوكة الفريسيين دخلوا في سياسة الدولة كعنصر فعَّال وذلك لفترة
قصيرة (٧٦-٦٧ ) ق.م أيام الملكة سالومة ألكسندرة . وقد ازدادت قوتهم جداً في القرن الأول
المسيحي وكان عددهم ستة آلاف فرِّيسي . وقد كان لهم تنظيم قوي يسمَّى بـ“الإخوان” الفريسيين وتسمَّى بالعبرية haburath حبورات. وكان تأثيرهم على الشعب كبيراً للغاية . وقد خرج منهم فرق الكتبة وهم شارحو الناموس للعامة من الشعب. وأعظم فريسيَّينْ ظهرا في العصر المسيحي كانا هلليل و شمّاي. وقد علا شأنهم جداً في أيام حكم هيرودس، وبعد سقوط أُورشليم واندثار الهيكل سنة ٧٠م استطاع الفريسيون أن يحتملوا الصدمة المريعة وبالأخص مدرسة هلليل Hillel، ونجحوا في الاستمرار بالزحف التاريخي للأمة المهيضة الجناح.
ومع أن عدد الفريسيين في السنهدريم كان دائماً أقل من الصدوقيين ورؤساء الكهنة، ولكن كان يُهاب جانبهم وكانوا أصحاب الصوت العالي والذي ينبغي أن يُسمع. بل كان العُرف السائد في مناقشة الأمور في السنهدريم أنه من غير المقبول بل وخارجاً عن الأدب أن يعترض الصدوقي أي رأي للفريسي، هذا بتقريريوسيفوس المؤرِّخ.
بهذا نفهم كيف أشار غمالائيل على المحكمة بإخراج المتهمين فسُمع له في الحال، لكي يستطيع أن يُسِرّ إلى المجتمعين برأيه الشخصي الذي يخالف رأيهم كلية، هم يطالبون بالقتل وهو يطلب لهم البراءة، ثم التنحي نهائياً عن جماعة الرسل!!
«ثوداس ويهوذا الجليلي :»
في الحقيقة تتعدد الروايات بشأن هذين الاثنين. ولكن الرواية عن يهوذا هذا كانت تتعلَّق بدفع الجزية، إذ قام ينادي بالامتناع عن دفعها، فسحقه الرومان هو وأتباعه .
ولكن ورث جماعة الغيو رين تعليمه، وجعلوا من قضية دفع الجزية إحدى محاولات الإيقاع بالمسيح . (مر ١٣:١٢-١٧). ولكن الفخ انكسر، وخسر اليهود الرهان، وأُخذت نفوسهم، وأُحرق هيكلهم وهلكت أمتهم عِوَض الجزية التي وقفت في حلقهم حتى أودت بهم إلى الهلاك.
نصيحة غمالائيل تكشف عن إفلاس
المجمع والمشيخة في معرفة ما هو الله!!
والتفريق بين فكر االله وفكر الناس
وعمل االله وعمل الناس، هذه مَسبَّة في
حق أكبر هيئة عالمة متعلِّمة في إسرائيل
«والآن أقول لكم تنحَّوا عن هؤلاء الناس واتركوهم :»
ولأول وهلة تبدو نصيحة كبير حكماء إسرائيل أنها تنم عن حكمة وعن فهم وعدالة، وهكذا انغشَّ رأي غمالائيل وكل فكر العلماء والمفسرين، باعتبار أن قضية الرسل ليست مطروحة أمام رأي جماعة سائرة في الشارع أو مجتمعين في نادٍ ليقولوا ما يقولون والأمور تسير كما هي والأيام والليالي تبقى كما بقيت في هناء وسرور. ولكن القضية ليست قضية أُناس قبض عليهم يتحدثون في شئون خاصة أو حتى عامة، حتى يُفتي الحكيم غمالائيل بأن اتركوهم وتنحَّوا عنهم والأيام تحكم وتُظْهِر.
القضية قضية أُمة إسرائيل التي جلس على قمتها رؤساء سُدَّت آذانهم عن سماع كلمة الحق المرسلة لهم من االله وعميت أبصارهم عن رؤية مسيَّا الدهور الآتي لخلاص الأُمة وإنقاذها وإنارتها ورفعها إلى المجد : «نورَ إعلان للأمم ومجداً لشعبك إسرائيل » (لو ٣٢:٢). ضربوا بكل آياته ومعجزاته وأعماله الناطقة بالألوهية عرض الحائط. فحكموا عليه “كخاطئ” (يو ٢٤:٩) وهو غافر الخطايا؛ و“كاسر الناموس” (يو ١٦:٩) وهو مكمِّله الوحيد؛ “والمدَّعي بهدم الهيكل” ( مت ٤٠:٢٧) وهم الذين هدموه على رؤوسهم بحماقتهم؛ و “كفاعل شر” ( يو ٣٠:١٨) وهو الفاعل الخير الذي شفى مرضاهم وحمل أوجاعهم وأقام موتاهم من القبور . إن أية مطابقة لسيرة المسيح على بنود الاتهام التي تقدموا بها لصلبه واستُجيبت لهم كفيلة بأن تضعهم في موضع القتلة وسافكي الدم البريء.
لماذا لم يراجع هذا الحكيم حكمهم السابق على المسيح من واقع سيرة المسيح قبل الصليب وبعده!! نحن لا نُسرُّ بأنه تسبب في تنحية الرسل، وبالتالي انعتاقهم من الرجم، فهم إن كانوا لم يُرجموا فالسيف كان في انتظارهم . فلا الموت أخافهم ولا البراءة أفرحتهم. ولكن هذا الحكيم ضيَّع الفرصة على السنهدريم ليراجع نفسه في حق الرسل أولاً وبعد ذلك في حق المسيح. فإن كان قد أعطى غمالائيل فرصة للرسل ليعيشوا مضروبين، فقد ضيَّع الخلاص على الأُمة كلها لتموت فيضلالها.
أيَّة مشورة مشئومة هذه التي تضيِّع على المحكمة معرفة هل هي على حق أو على باطل في الحال، هل هي تخضع الله حقاً ونواميسه أم أنها خضعت للحقد والكذب والباطل وتدبير القتل وسفك الدم البريء؟
هل يمكن بل هل يُعقَل أن تُعطى مشورة للمحكمة وترضى بها أن تأخذ مهلة عدة سنين لتتحقق من سيرة المتهمين ما إذا كانوا تبع االله أم تبع الناس؟ هل هذه حكمة إسرائيل ومشورة حكمائها لآخر الزمان؟ وما الذي أسفرت عنه مشورة غمالائيل؟ هلاك الأُمة كلها، وهدم الهيكل وأُورشليم، وتبدُّد شعب إسرائيل على وجه الأرض.
والسؤال هو : إن كنتَ يا غمالائيل ترى في قتل الرسل عملاً يحمل في طياته إمكانية أن يكون حرباً ضد االله نفسه، فلماذا لم تعمل حساب هذا الفرض لئلا يكون هو الحق والواقع وتصبح أنت والمجمع والأُمة كلها محاربين الله؟ ثم ماذا عملت بعد أن تحققت أنهم لم يزولوا من على وجه الأرض ولا هلكوا ولا تبددوا كثوداس ويهوذا؟ وقد رأيتَ معجزاتهم وآياتهم وسمعت عظاتهم ورأيت جماهير الشعب يؤمنون بهم وبمخلِّصهم كل يوم ألوفاً وربوات؟!
لقد تعرَّت إسرائيل بمشورتك، وأهلكْتَ الأُمة بحكمتك!
ماذا لو كان غمالائيل قد وقف بكل ثقله وأقنع جماعته فحبسوا على أنفسهم وعلى الكهنة ومَنْ معهم في الهيكل وظلوا يتصارعون لمعرفة أين الحق وأين الباطل، ولو مات منهم مَنْ مات؟ وبالنهاية حتماً سيبرز الحق وتعلو كلمة االله ويعيش ويتوب الكل وتأتيه النجاة من فوق.
لقد ضيَّع غمالائيل بحكمته آخر فرصة لخلاص إسرائيل.
وقد رأى العلماء الذين قالوا إنه طرح مشورته بسبب عدائه للصدوقيين ليبرز هو فوق هاماتهم
. وصح منهم مَنْ قال بل عن تكبُّر واعتداد بالذات ومناصرة لمملكة ولتصبح كلمته هي النافذة وقد كانت الظلمة قال حكمته ليخضع له المجمع كله.
أمَّا نحن فنقول إن حكمته صاغت المشورة الأخيرة لتضليل إسرائيل:
+ «ولكن احذروا من الناس لأنهم سيسلمونكم إلى مجالس وفي مجامعهم يجلدونكم.» (مت ١٧:١٠)
«فانقادوا إليه ودعوا الرسل وجلدوهم وأوصو هم أن لا يتكلَّموا باسم يسوع ثم أطلقوهم :»
لقد ربح الشيطان الرهان وأعمى عيون القضاة عن إعادة فحص القضية على أساس بصيص النور الذي فلت من شفتي حكيم إسرائيل دون أن يدري : «لئلاَّ توجَدُوا محاربين الله أيضاً» (أع ٣٩:٥). يقيناً كانوا يشعرون بأنهم يحاربون الحق، يحاربون الخير والرحمة والشفاء والفرح والرجاء الذي عمَّ الشـعب، يحاربون الخلاص الذي انضـم إليه جماهير من بني جِلْدَتهم. ولكن نفثة الشيطان السالبية التي ملأ بها صدورهم وظل يضغط بها عليهم حتى صلبوا المسيح لم تغادرهم حتى اليوم وهي تعمل بالقصور الذاتي في كل تصرفا تهم: «هذه ساعتكم وسلطان الظلمة» (لو ٥٣:٢٢). لا الساعة انتهت ولا سلطان الظلمة فارق، إلى أن يأتي النور الحقيقي مرة أخرى، وليته لا يتأخر! نعم تعالَ سريعاً أيها الرب يسوع!
«وجلدوهم وأوصوهم»:
أمَّا الجلد فهو ضريبة الخلاص والمناداة به ويا لِنِعمَ الضريبة ويا لمجد الخلاص المتحصل بالضرب . أمَّا الوصية، فهذا محال إن لم أذكر القيامة قبل كل ذِكْر فليلتصق لساني بحنكي وإن لم أهتف وأعمل للخلاص فلتُشلّ يداي وتُنْسَ يميني.
«الآن أفرح في آلامي.»
(كولوسي٢٤:١)
٤١:٥ «وأمَّا هُمْ فذهبُوا فرحينَ مِنْ أمامِ المجمعِ لأَنهُم حُسِ بُوا مُستَأْهِلِينَ أن يُهانوا مِنْ أَجلِ اسمهِ .»
كانوا يُضْرَبون ٣٩ جلدة على الظهر بأقصى قوة الجلاَّد. وكان لابد أن يرى الدم يسيل حتى يطمئن أن الضرب على المستوى الصحيح. يقول العلماء إنها عقوبة عدم طاعة المحكمة، ونقول نحن إنها عقوبة عدم طاعة الشيطان التي يستحيل أن يفلت منها الساعي نحو الخلاص أو الشاهد له.
كان الجلد على الظهر عارياً تماماً، كان في ذلك مهانة للرجل، يحزن لها الضمير ويكتئب، إلاَّ الرسل فقد اعتبروا الضرب حتى الدم جزءاً من المعمودية التي يموتونها كل يوم : «من أجلك نُمات كل النهار » (رو ٣٦:٨). أليس أنهم يشهدون للقيامة؟ إذاً يلزم أن يذوقوا الموت . لقد احتسبوها منَّة من االله ونعمة أن يعتبرهم أهلاً أن يهانوا من أجل اسمه، لا من أجل المجد المُعدِّ حتماً لكل مَنْ اشترك في آلامه، بل من أجل تذوُّق آلام المسيح نفسها وبحد ذاتها . لقد ضُرب على ظهره من أجلي فهل يُسمح لي أنا المهان في نفسي وخطيتي أن أُضرب على ظهري من أجله؟ إنه تكريم لا يليق ببني الموت، وأية كرامة عظيمة هذه أن يُهان الإنسان من أجل رب المجد !! وأن يذوق الألم مراراً وتكراراً ٣٩ مرة من أجل رب الحياة وعلى اسمه لتُحسب له كل ضربة شهادة وشركة جديدة في آلامه المجيدة.
إن الفرح الذي فرحوه كان هو العائد السريع من وراء تعويض الألم بالمجد، فتحوَّل الألم مضاعفاً إلى فرح . أنْ يكرم االله الإنسان بأن يرسله أمامه ليشهد له ويتألم لحسابه فهذه درجة أعلى من درجة الآدمية بل أعلى من الملائكية . إنها درجة الابن نفسه؛ والشرب من ذات الكأس الذي أعطاه أبوه هو بمثابة الدخول رسمياً في خطة الخلاص كشريك!!
+ «أطلب إلى الشيوخ الذين بينكم أنا الشيخ رفيقهم والشاهد لآلام المسيح وشريك المجد العتيد أن يُعلن.» (١بط ١:٥)
الكنيسة تستمد من آلامها قوة لامتدادها
٤٢:٥ «وكانوا لا يزالونَ كلَّ يومٍ في الهيكلِ وفي البيوتِ معلِّمينَ ومبشرينَ بيسُوعَ المسيحِ .»
لقد تحوَّلت الآلام لهم إلى أفراح ولكن هذا هو الفرح الوحيد الذي يمكن أن يُسمَّى “فرح االله” كما تقول الآية : «فرح الرب هو قوتكم » (نح ١٠:٨). وهكذا استمدوا القوة لمزيد من المواظبة للصلاة والخدمة والكرازة في الهيكل وفي البيوت، حيث خُصِّصت البيوت للعماد والشركة.
ولقد انتبه الرسل منذ البداية بجمع التعاليم أولاً التي من فم المسيح والتي دخلت التقليد المكتوب كأناجيل والبقية ظلت تُنقل بالتلقين، خاصة كل ما يخص أسرار الروح القدس وأعماله فهذه أُطلق عليها “التعاليم السرية Disciplina arcani ديسبلينا “أركاني فكانت لا تسلَّم إلاَّ للذين يُعيَّنون للخدمة. أمَّا بقية التقليد الشفاهي فهو كل ما كان يختص بشرح أقوال الرب.
كذلك كانت تستجد قضايا يطرحها الشعب على الرسل للبتِّ فيها، أو يطرحها الرسل على الشعب للالتزام بمقتضاها، فهذه كانت تُسمَّى “الأحكام الرسولية”. وهذا كله دخل كُتب التعاليم الرسولية كالديداخي وغيرها.
تفسير أعمال الرسل – 4 | أعمال الرسل – 5 | تفسير أعمال الرسل | تفسير العهد الجديد | تفسير أعمال الرسل – 6 |
القمص متى المسكين | ||||
تفاسير أعمال الرسل – 5 | تفاسير أعمال الرسل | تفاسير العهد الجديد |