تفسير إنجيل لوقا أصحاح 3 – أ. بولين تودري
3. خدمة المعمدان:-
+ الدعوة للخدمة (3:1-6)
كانت هناك شخصية تنتظر الإذن لها بالانطلاق للخدمة، قد سبق واعدها الروح في برية اليهودية بعيدًا عن الناس. كان عليها أن تهيئ قلوب البشر بالتوبة لقبول خدمة الرب يسوع. أنه يوحنا المعمدان الذي سبق مجيء المسيح، والذي انفرد في خلوة مع الرب واختبر الهدوء والسكون والرجوع إلى النفس لمدة ثلاثين عامًا تقريبًا. أخيرًا صارت إليه كلمة الله ودعاه ليبدأ العمل. فجاء إلى المنطقة القريبة من الأردن، وبدأ ينادى ببشرى الخلاص لكل الناس. اليهود والأمم، الكبار والصغار، الرجال والنساء، لكي تمتلئ بالأمل والرجاء كل نفس يائسة مثل الوادي المنخفض، وتتضع كل نفس متكبرة وعالية مثل الجبل، ولتكن أهداف الناس مستقيمة في طلب الرب، وضمائرهم خالية من كل مكر وشر.
ولأن القديس لوقا يكتب لليونانيين، وهم قوم مفكرين ومدققين فيما يسمعونه من أخبار وأحداث، فقد أهتم أن يحدد بتدقيق الوقت الذي بدأ فيه يوحنا المعمدان خدمته، وبالتالي ظهور المسيح علانية لكل المجتمع.
+ تعليم يوحنا (3: 7-14)
نادى يوحنا بمعمودية التوبة، لتنقية القلب لقبول الرب. فأسرعت إليه الجموع، معترفين بخطاياهم (مت 3:1، مر 1:4)، ولقد ظنوا أنه يكتفي بالمناداة بغسل الجسد، علامة للتجديد والتطهير، وهذا ما يستحقونه لأنهم أبناء إبراهيم، فاستوقفهم يوحنا قائلًا: أراكم مثل الأفعى التي تعرف أن تتلون بكل لون لكي تنجو من الخطر. اصنعوا أثمارًا تليق بالتوبة. فمن يريد أن يقترن بالعريس السماوي، عليه أن يُصلح سيرته، ويحب الأخوة، ويرحمهم. وقد قدم يوحنا توجيهًا لبعض أصحاب المهن في عصره. فالعشارون هم الذين يجمعون الضرائب من اليهود لحساب الرومانيين، ويبدو أنهم كانوا يثقلون على الشعب بأكثر مما هو مطلوب منهم، لحساب أنفسهم، لذلك فهم أصحاب مهنة مكروهة ومعتبرين خطاة عند اليهود، فنبههم يوحنا أن لا يأخذوا أكثر مما فرض لهم. وأيضًا الجنود كممثلين لأصحاب السلطة، طلب منهم أن لا يتخذوا من عملهم فرصة للتسلط على الناس فيظلمونهم، ويشوا بهم عند الرؤساء بهدف الكسب الأكبر، وقال لهم أن يكتفوا بأجورهم، مهما كانت قليلة ولا يتمردوا.
+ بين يوحنا والمسيح (3: 15-18)
لقد كان الناس في هذه الأيام متوقعين مجيء المسيح. ولعل جرأة يوحنا وقوته في توبيخهم جعلهم يظنون أنه هو المسيح الذي تتكلم عنه النبوات، وتمثلوا فيه الشخص القوى الذي سوف يخلصهم من الرومان. أما يوحنا فانتهز الفرصة ليوضح الفرق بينه وبين المسيح.
فيوحنا لا يملك إلا أن يُعمد بالماء،أنه الصوت الذي يُعد الطريق فقط، أنه يحاول أن يمهد القلوب لتستطيع أن تقبل عمل المسيح الذي يستطيع أن يمنح روحه القدوس الناري للذين اشتاقوا إليه وأعلنوا التوبة، فيطهرهم من خطاياهم وينقيهم كتنقية الذهب من الشوائب بالنار.
ويوحنا أيضًا يقول نقوا قلوبكم، واصنعوا أثمارًا تليق بالتوبة، هو يدعو إلى فحص النفس ولكنه لا يملك أن يميز نفوس الذين أمامه، أما المسيح ابن الله فهو قادر أن يفرق بين النفوس التائبة والنفوس الرافضة، لأن الديان وحده، مثلما يقدر حامل الرفش (المذراة) على أن يفصل بين القمح والتبن.
+ سجن يوحنا (3: 19، 20)
لقد ذكر لنا القديس مرقس في إنجيله، ان هيرودس ملك اليهودية المعين من قبل الرومان كان يهاب يوحنا عالمًا أنه رجل بار وقديس. وكان يسمع لكلامه بسرور، ويعمل بنصائحه في أمور كثيرة (مر 6:20). ولكنه في نفس الوقت اشتهى بشدة أن يملك هيروديا امرأة أخيه الحي، فوبخه يوحنا على ذلك. فهيجته هيروديا على يوحنا، فسجنه. ثم وجدت فرصة مناسبة وطلبت فيها رأس يوحنا على طبق، وكان لها ما أرادت (مر 6: 17-29). هكذا تفعل الخطية فينا إذا ملكت على أنفسنا، إذ تقتل كل شيء صالح في حياتنا.
وكان سجن يوحنا بعد تعميد المسيح ولكن القديس لوقا استحسن أن يذكره قبل ذلك ليقترن نبأ السجن بالسبب، وهو توبيخ يوحنا لهيرودس. ثم ذكر قتل يوحنا في الإصحاح التاسع (9:9).
الباب الثالث:
المعلم بين الناس
1- بداية ظهور الرب يسوع للخدمة (3: 21 – 4: 13).
2- خدمة الرب يسوع في الجليل (4:14 – 9: 50).
3- خدمة الرب يسوع في رحلته من الجليل إلى أورشليم (9: 51 – 19: 27).
الإصحاح الثالث
1- بداية ظهور المعلم للخدمة (3: 21 – 4: 13)
المعمودية.. والسماء المفتوحة (3: 21، 22)
لقد استعلن الثالوث وكأنه منفصل لكي نتعرف نحن عليه. فنري الابن يتعمد في الأردن، والروح نازلًا عليه مثل حمامة، والآب يعلن من السماء “هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت”، ولكنه في الحقيقة هو غير منفصل.
شكرًا لمسيحنا القدوس، الذي وحده بلا خطية، ولذلك فهو غير محتاج لأي عمل بشري، بل فعل كل شيء لأجلنا، تعمد وصام وصلي عنا لكي تأخذ طقوسنا وصلواتنا وأصوامنا قيمتها من خلال بشريته الكاملة. فالآن بعد معمودية المسيح كل من يولد في جرن المعمودية متمثلًا به، لابد وسيصير في شركة مع الآب بالروح القدس، ويستحق أن يكون ابنًا لله.
وكما انشقت السماء وأعلن الآب سروره بالابن، هكذا نجد السماء قريبة من المؤمنين الآن يعرفون أسرارها ويأخذون تعزياتهم منها. فنسمع عن استفانوس أول الشهداء الذي رآها مفتوحة وتعزي بها وقت استشهاده (أع 7: 55، 56)، ويوحنا الإنجيلي الذي نقل لنا أسرارها في سفر الرؤيا (رؤ 1: 10، 11)، وبولس الرسول الذي شاهد السماء الثالثة (2 كو 11: 2).
+ مَنْ هو يسوع؟ (3: 23-38)
بدأ يسوع خدمته في سن الثلاثين تقريبًا وهذا السن حُسب عند اليهود سن الكمال جسدًا وعقلًا. فقد أوصي الله موسي في سفر العدد “من ابن ثلاثين سنة فصاعدًا إلى أبن خمسين سنة، كل داخل الجند، ليعمل عملًا في خيمة الاجتماع” (عد 4: 3). وقد صمت الرب يسوع كل هذه السنين، وظهر بين الناس علي انه ابن يوسف فقط. ولكن حان الوقت الآن ليبدأ في رفع الحجاب عن نسبه الحقيقي بالفعل والقول. والذي بينه القديس لوقا في إنجيله بأنه ابن الله.
ولم تجر العادة في جداول أنساب اليهود، ولا جداول أنساب اليونانيين، أن يُنسب الإنسان إلى أمه. لذلك لم يذكر لوقا في سلسة انساب المسيح أسماء نساء.
والاختلاف بين سلسلة أنساب متى ولوقا راجع إلى أن يوسف كان له أبوان. أب شرعي هو هالي وأب طبيعي هو يعقوب. ومعنى هذا أن أم يوسف تزوجت هالي الذي مات دون أن ينجب ابنًا. وحسب شريعة اليهود (تث 25:5)، فإن أقرب أقربائه (وهو يعقوب) اتخذها له زوجة وأنجب منها يوسف، واعتبر ابنًا شرعيًا لهالي. فذكر متى الآباء الطبيعيين ليوسف بكونه ابن يعقوب. وذكر لوقا الآباء الشرعيين ليوسف بكونه ابن هالي. وتدرج لوقا تبعًا لذلك حتى وصل إلى ناثان الذي كان هو أيضًا ابنًا لداود، لكي يُظهر النسب الشرعي الذي يصل بين المسيح وداود.
وحرص القديس لوقا أن يذكر سلسلة أنساب المسيح بعد معموديته ليقول لنا أن البنوة لله تأتى من باب المعمودية. فكلنا أبناء الله طالما اعتمدنا باسمه.