تفسير المزمور 140 للقمص أنطونيوس فكري
هو مزمور استغاثة لداود من الأعداء الذين يشبهون الحيات في مكرهم ولدغاتهم السامة. هو فيه كان في حالة مؤلمة ربما من اضطهاد شاول.
الآيات (1-7): “أَنْقِذْنِي يَا رَبُّ مِنْ أَهْلِ الشَّرِّ. مِنْ رَجُلِ الظُّلْمِ احْفَظْنِي. الَّذِينَ يَتَفَكَّرُونَ بِشُرُورٍ فِي قُلُوبِهِمْ. الْيَوْمَ كُلَّهُ يَجْتَمِعُونَ لِلْقِتَالِ. سَنُّوا أَلْسِنَتَهُمْ كَحَيَّةٍ. حُمَةُ الأُفْعُوَانِ تَحْتَ شِفَاهِهِمْ. سِلاَهْ. احْفَظْنِي يَا رَبُّ مِنْ يَدَيِ الشِّرِّيرِ. مِنْ رَجُلِ الظُّلْمِ أَنْقِذْنِي. الَّذِينَ تَفَكَّرُوا فِي تَعْثِيرِ خُطُوَاتِي. أَخْفَى لِي الْمُسْتَكْبِرُونَ فَخًّا وَحِبَالًا. مَدُّوا شَبَكَةً بِجَانِبِ الطَّرِيقِ. وَضَعُوا لِي أَشْرَاكًا. سِلاَهْ. قُلْتُ لِلرَّبِّ: «أَنْتَ إِلهِي». أَصْغِ يَا رَبُّ إِلَى صَوْتِ تَضَرُّعَاتِي. يَا رَبُّ السَّيِّدُ، قُوَّةَ خَلاَصِي، ظَلَّلْتَ رَأْسِي فِي يَوْمِ الْقِتَالِ.”
المرنم يلجأ لله لينقذه من الأشرار المحيطين به، وليحفظه من مؤامراتهم. وهو يذكر لله إحساناته السابقة، فالله ظلل رأسه يوم القتال، فإذا كان قد حفظه من قبل فسوف يحفظه اليوم “يسوع المسيح هو هو أمسًا واليوم وإلى الأبد” (عب13: 8). ونلاحظ أن أعداؤه غير واضحين فهم يتفكرون بشرور في قلوبهم وداود لا يرى ما في قلوبهم. وهم كالحيات مخادعين ويحملون سمًا تحت شفاههم. وهم أعدوا فخاخًا ليسقط فيها وشراكًا وشبكة. ولذلك هو يلجأ لله كلي المعرفة والرؤية لينقذه من مؤامراتهم التي لا يراها ولا يعرفها.
الآيات (8-13): “لاَ تُعْطِ يَا رَبُّ شَهَوَاتِ الشِّرِّيرِ. لاَ تُنَجِّحْ مَقَاصِدَهُ. يَتَرَفَّعُونَ. سِلاَهْ. أَمَّا رُؤُوسُ الْمُحِيطِينَ بِي فَشَقَاءُ شِفَاهِهِمْ يُغَطِّيهِمْ. لِيَسْقُطْ عَلَيْهِمْ جَمْرٌ. لِيُسْقَطُوا فِي النَّارِ، وَفِي غَمَرَاتٍ فَلاَ يَقُومُوا. رَجُلُ لِسَانٍ لاَ يَثْبُتُ فِي الأَرْضِ. رَجُلُ الظُّلْمِ يَصِيدُهُ الشَّرُّ إِلَى هَلاَكِهِ. قَدْ عَلِمْتُ أَنَّ الرَّبَّ يُجْرِي حُكْمًا لِلْمَسَاكِينِ وَحَقًّا لِلْبَائِسِينَ. إِنَّمَا الصِّدِّيقُونَ يَحْمَدُونَ اسْمَكَ. الْمُسْتَقِيمُونَ يَجْلِسُونَ فِي حَضْرَتِكَ.”
هنا نسمع المرنم يخبرنا بمصير الأشرار. وفي المقابل فأولاد الله المساكين فالله هو الذي يجري لهم حكمًا= أي ينقذهم من يد الأشرار وينجيهم. ويحكم ضد ظالميهم ويرى الصديقون هذا ويحمدون أسمك يا رب.. ويجلسون في حضرتك فرحين بك، لا يجدون لهم فرحًا بعيدًا عنك. أما الأشرار فالله لا ينجح مقاصدهم. هم يترفعون= أي ينتفخون بقوتهم، متكبرين يظنون أنهم قادرين أن يفعلوا ما يشاءون. ولكن الله لن يسمح بأن يحققوا شهواتهم ضد المساكين البائسين. بل يصير هؤلاء الأشرار في شقاء= رؤوس المحيطين بي فشقاء شفاههم يغطيهم= هم دبروا مؤامرات بشفاههم ضد الأبرياء. لكن الله حول مؤامراتهم إلى شقاء يغطي رؤوسهم. وغضب الله يسقط عليهم مثل جمر مشتعل ليسقطوا في النار= وهذا عقابهم الأبدي (رؤ10:20). لذلك يكمل. وَفِي غَمَرَاتٍ فَلاَ يَقُومُوا = أي في حفر عميقة فهي جاءت في الإنجليزية deep pits، إذًا يكون عقابهم في نار أبدية. ولعل قوله ليسقطوا في النار وليسقط عليهم جمر يشير إلى سقوط نار من السماء على سدوم عمورة. وقوله وفي غمرات يشير لهلاك قورح وداثان وأبيرام. وكلاهما كان بسبب غضب الله. رَجُلُ لِسَانٍ لاَ يَثْبُتُ فِي الأَرْضِ = أي رجل يغش ويدبر مؤامرات بلسانه، هذا قد ينجح إلى حين ولكن الله لا يدعه يثبت، بل يفسد الله مؤامراته ولا يدعها تنجح.