تفسير سفر يهوديت 1 للقمص تادرس يعقوب ملطي
الشعب المتضايق
يهوديت 1-7
خطة الله في الداخل والخارج
لا نعجب إن كان سفر يهوديت ينقسم إلى ثلاثة أقسام رئيسية: القسم الأول يبدو كأن لا علاقة له بقصة يهوديت، ويحتل تقريبًا نصف السفر (ص 1: 8)، والقسم الثاني يتحدث عن النصرة بالله العامل خلال يهوديت (ص 8: 14)، والثالث ويمثل حياة التسبيح والفرح كعربون للحياة السماوية (15: 16).
أولًا: بعرض أحداث خارج شعب الله في شيء من التفصيل تخص أشور ومادي وبني عمون وغيرهم، وأراد تأكيد أن الله مهتم بالبشرية كلها. هو ضابط التاريخ، وليس من أمر يحدث إلا بإرادته أو بسماحٍ منه.
ثانيًا: بينما يبذل عدو الخير كل جهده لتحطيم كنيسة الله، فيثير الشعوب ضدها، يعمل الله بأقل القليل، وبأرملة شابة تتحدى كل الشعوب وتغلبها. فقد أعدها الله لمواجهة أسرحدون وقائده العظيم وجيشه والشعوب المتحالفة معهم ضد كنيسة الله.
ثالثًا: إن الفساد يهدم نفسه بنفسه، فملك أشور أخذ موقفًا مضادًا من ملك مادي، واستطاع أن يقتله برماحه، وإذ يملك أشور نفسه يُهزم ويُقتل رئيس جيشه هولوفرنيس بخنجره.
رابعًا: بينما يتنافس الملوك على السلطة خلال القوة العسكرية والمنشئات الفخمة والأسوار والحصون، إذا بيهوديت تُعد خلال زهدها وصلواتها وغيرتها المقدسة في الرب.
نبوخذنصر المنتصر
يفتح السفر باستعراض الصراع المُرّ بين القوتين العظمتين في ذلك الحين، وفي ذلك الموقع، وهما أشور ومادي، يتصارعان على السلطة، كل منهما يود أن يخضع العالم المحيط به، بل الأرض كلها له. إنه يُحارب بذات حرب أبويه الأولين آدم وحواء، حيث أرادا أن يصير كالله. أما الدول الصغيرة فكانت في صراع مرّ، بين رغبتها في الاستقلال والتمتع بالحرية والاحتفاظ بعبادتها وثقافتها وبين التحالف مع إحدى الدولتين على حساب فقدان سيادتها وممتلكاتها وآلهتها وثقافتها.
هذه الصراعات لازمت حياة البشرية منذ السقوط، وإن كانت تختلف في الشكل والمسميات والإمكانيات.
هذه الصراعات تمتد جذورها في حياة الإنسان، حتى الطفل الصغير، فيطلب السيطرة والاعتداد برأيه والضغط حتى على الوالدين المحبين له. إنه ثمر الفساد الداخلي الذي حلّ بالقلب والفكر والطاقات الداخلية، لا يمكن علاجها إلا بيد الخالق نفسه القادر أن يهبها حياة جديدة صالحة، فيعود الإنسان كما إلى حالته قبل السقوط.
يكشف هذا الأصحاح عن مفهوم العالم للنصرة والمجد، فنرى منافسة خطيرة بين أشور ومادي خلال بناء الأسوار والحصون المنيعة والأبواب الضخمة لاستعراض قوات الجيش [1-4] واستخدام الضغوط لإخضاع الآخرين للعمل لحسابه [5-12].
إذ يحقق ملك أشور نصرة مؤقتة كل ما يشغله الولائم والترف، لكن بلا سلام داخلي.
1. نَبوخذْنَصَّر وأَرْفَكْشادَ |
1 –4. |
|
2. نَبوخذْنَصَّرُ المَلِكُ يشن حَرْبًا على أَرْفَكْشادَ |
5. |
|
3. انضمام الكثير من الأمم إلى أَرْفَكْشادَ |
6 –11. |
|
4. نَبوخذْنَصَّر يهدد الأمم المساندة لأَرْفَكْشاد |
12. |
|
5. حَملَة على أَرفكشاد |
13 –16. |
|
من وحي يهوديت 1 |
1. نَبوخذْنَصَّر وأَرْفَكْشادَ
في السَّنَةِ الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ مِن مُلْكِ نَبوخذْنَصَّر،
الَّذي مَلك على الآشوريين في نينَوى المَدينةِ العَظيمة،
وفي أَيَّامِ أَرْفَكْشادَ Arphaxad الَّذي مَلَكَ على المادِيِّينَ في أَحْمَتا Ecbatane [1].
المقصود بنبوخذنصر هنا غالبًا أسرحدون بن سنحاريب كما سبق فرأينا في المقدمة، فقد تعهد بالانتقام من كل اليهود، بعد أن ذاق أبوه سنحاريب مرارة الهزيمة أمامهم، في الواقعة التي قُتل فيها مائة وخمس وثمانين ألفًا من جنوده (2 مل 19: 35-37)، والانتقام من أرفكشاد المذكور، باعتباره صديق اليهود وعونهم المتحالف معهم(42).
يبدأ السفر بمقدمة بسيطة عن الملك أرفكشاد صديق اليهود، فيروي لنا أنه أخضع أممًا كثيرة، وبنى لنفسه عاصمة أو مقرًا لرئاسته التي هي أحمتا، وقد سبق الحديث عنها في المقدمة (اعتراضات على السفر). حصنها ببناء سورٍ عظيم حتى يكون في أمانٍ.
جاء في سفر طوبيت أن طوبيا تزوج سارة من أحمتا.
يقول دميان ماكي أن أرفكشاد Arphaxad لا يمكن أن يكون إلا مرودخ بالادان Mardach-baladan من بابل (2 مل 20: 12، إش 39: 1)، وقد انعكس أصله الكلداني على اسمه. فإن أرفكشاد اسم يعني “أور الكلدانيين Ur of Chaldees”. وهذا يؤكد ما جاء في بعض النسخ: “واجتمعت أمم كثيرة إلى قوات الكلدانيين Chaldeans”، من بينهم الآراميون Aramaeans والعيلاميون Elymeans أوElamites فقد تحالف الكل مع بابل ضد أشور.
أحمثا أو Ecbatana، وردت في (عز 6: 2). وهي مشتقة من الكلمة (43)Achmetha، يدعوها المواطنون Hagmatana.
عاصمة كورش العظيم، وفي الأصل عاصمة مادي قبل احتلال كورش مادي وإخضاعها للحكم الفارسي(44).
كانت هناك مدينتان تحملان نفس الاسم، الأولى عاصمة شمال مادي، المدينة التي لها سبعة أسوار، لكل سور لون خاص: أبيض، وأسود، وقرمزي، وأزرق، وبرتقالي، وفضي، وذهبي(45). صارت عاصمة كورش وربما هي المدينة التي وُجد فيها الدرج الذي يحوي منشور كورش الخاص بإعادة بناء هيكل أورشليم. حاليًا هي خرائب تخت سليمان(46). والمدينة الثانية كانت عاصمة لمقاطعة أكبر: Media Magna، حاليًا تدعى حمدان Hamadan، تبعد حوالي 300 ميلًا شمال شوشن Susa. كانت أحمثا Achematha مدينة غنية جدًا تتسم بالترف والفخامة. إذ استولى عليها كورش عام 550 ق.م. جعلها عاصمته الصيفية حيث كان يهرب من الحر الشديد في بلاد فارس. فيها كان يحتفظ بالسجلات الملكية كما جاء في (هو 6: 2).
في عام 330 ق.م. فتحها الإسكندر الأكبر ودمر أسوارها ونهب قصورها. حمدان بإيران حاليًا تحتل موقعها وهي تبعد حوالي 175 ميلًا جنوب غرب طهران. أغلب الترجمات الإنجليزية الحديثة تترجمها Ecbatana(47).
فبَنى حَولَها (Ecbatane) أَسْوارًا مِن حِجارةٍ مَنحوتةٍ،
عَرضُها ثَلاثةُ أَذرُع وطوُلها سِتَّة،
وجَعَلَ ارتفاع السُّور سَبْعينَ ذِراعًا وعَرضَه خَمْسين [2].
يرى دميان ماكي أن الفعل “بني” يُحتمل أنه يعود على أرفكشاد الذي أنشأ أحمتا Ecbatana، مشيرًا إلى الملك الكلداني مردوخ بالادان، وقد كان عظيمًا في إنشاءاته. كما يُحتمل أنه يقصد سنحاريب ملك أشور الذي قام بإنشاء الكثير من المباني في ذلك الحين، في مدينة نينوى التقليدية أو مدينته الجوهرة “دير شاروكين Dur-Sharrukin أو Sargonsville.
كان من عادة ملوك الآشوريين والبابليين وقدماء الملوك في بلاد كثيرة المبالغة في تجهيز الأسوار والقلاع والأبراج. ويبدو حجم الحجارة هنا كبير جدًا، وقد حذر الله بني إسرائيل من استخدام الحجارة المنحوتة في أعمال البناء لا سيما المذابح، إذ يُعد ذلك اشتراكًا مع الوثنيين الذين اعتادوا على صنع التماثيل وتصوير آلهتهم عل حجارة مباينهم (حز 20: 25-26؛ تث 27: 5-6، يش 8: 31).
اُستخدم في مصر نوعان من الذراع، الأول يساوي 65و 20بوصة والآخر يساوي 49و 17 بوصة، بالإضافة إلى أنواعٍ أخرى من الذراع. بهذا يظهر أن ارتفاع سور المدينة يصل إلى الثلاثين مترًا.
وشَيَّدَ على أَبْوابِها أَبْراِجًا بِمائَةِ ذِراع،
وأَرْسى أُسُسًا في عَرْضِ سِتِّينَ ذِراعًا [3].
الأبراج: يظن البعض أن الأرقام هنا مبالغ فيها حيث يبلغ ارتفاع البرج مائة ذراعًا، أي حوالي 45 مترًا. لكن عُثر في الحفائر الحديثة طباية لهيرودس الكبير أحد أبراجه يبلغ طول الضلع منها 18 مترًا، ومازال باقيًا من ارتفاع البرج حوالي مسافة 20 مترًا، بينما بلغ قطر برج آخر من الخارج 55 مترًا، ومن الداخل 45 مترًا، كما كان داخل البرج مقسمًا إلى حجرات واسعة حيث دُفن هناك هيرودس.
أما بالنسبة لأبراج أرفكشاد، فكانت مساحة قاعدة البرج تصل إلى سبعة أمتار، وقد أُقيمت حول الأبواب الرئيسية للمدينة، وكانت تلك الأبواب من السعة والفخامة بحيث تصلح كأقواس النصر، ومرور استعراضات الجيش والغنائم(48).
وجَعَلَ أَبْوابَها أَبْوابًا يَبلُغُ ارتفاعُها سَبْعينَ ذِراعًا وعَرْضُها أَرْبَعين،
لِخُروجِ قُوَّاتِه العظَيمة،
واستِعْراضِ مُشاتِه [4].
كثيرًا ما يُضرب القادة بالكبرياء ومحبة المجد الباطل بعد نوالهم نصرات متتالية. لقد اعتمد أرفكشاد على حصونه العظيمة وسطوة جيشه ومراكبه كما على خبراته العسكرية، من هنا تبدأ الهزيمة. “يُقاوم الله المستكبرين، وأما المتواضعون فيعطيهم نعمة” (يع 4: 6).
2. نَبوخذْنَصَّرُ المَلِكُ يشن حَرْبًا على أَرْفَكْشادَ
في تِلكَ الأَيَّامِ شَنَّ نَبوخذْنَصَّرُ المَلِكُ حَرْبًا على أَرْفَكْشادَ المَلِكِ في السَّهْلِ الكَبير،
وهو السَّهْلُ الَّذي في أَرضِ رَعاوى Ragau [5].
السهل الكبير: يقصد به منطقة العراق Irak Ajemi في إيران الحديثة، حيث يبدأ حوالي 100 ميل شمال شرقي أحتما Acbatana ويبلغ حتى سلسلة جبال جنوب بحر كاسبيان Caspian Sea(49).
3. انضمام الكثير من الأمم إلى أَرْفَكْشادَ
فانضَمَّ إِلَيه جَميعُ سُكَّانِ النَّاحِيَةِ الجَبَلِيَّة،
وجَميعُ السَّاكِنينَ على الفُراتِ ودِجلةَ ويادَسون Hydaspes
وفي سُهولِ أَرْيوكَ Arioch مَلِكِ عَليم.
فاجتمعت أُمَمٌ كَثيرةٌ لِمُحاربةِ بَني كَلْعود Cheleoud [6].
الناحية الجبلية، وهي تُشير إلى سلسلة جبال Zagros الإيرانية، وهي سهل مرتفع مقابل سهول ما بين النهرين وعيلام Elam(50).
يادسون
يعتقد بعض الدارسين أن النهر المقصود هو نهر Choaspes (حاليًا Kerkheh) يبلغ طوله حوالي 200 ميلًا، يفيض غرب سوسن Susa في تيجر – الفرات(51).
بنو كلعود Cheleoudites: إما إنه اسم آخر للآشوريين أو مشتق عن الكلدانيين Chaldeans ، أو هم جماعة ارتبطت بالآشوريين(52).
أريوك ملك عليم، وتُكتب أيضًا أريوخ، وهي مشتقة عن اللفظة السومرية (أري كو) ومعناها “عبد إله القمر”. وهو اسم ملك ورد في تكوين 14: 1-9، حيث كانت مملكته تقع شرقي فارس، أي المنطقة التي دارت فيها رحى المعركة. كاتب السفر يصف الميدان ناسبًا إياه إلى أريوخ هذا نظرًا لشهرته.
عليم Elymeans هي عيلام أي المايس، وهي الأسماء التي أُطلقت على هذه القعة (1 مك 6: 1).
بنو كلعود، هو الكلدانيون.
فأَوفَدَ نَبوخَذنَصَّر، مَلِكُ أَشّور، إلى جَميعِ سُكَّانِ بلادِ فارِس
وجَميعِ سُكَّانِ النَّاحِيَةِ الغَربِيَّة
وَسُكَّانِ كيليكية Cilicia ودمشق ولُبْنان ولُبْنانَ الشَّرقِيِّ Antilibanus
وجَميعِ سُكَّانِ السَّاحِل [7].
كان يُنظر إلى نهر الفرات أنه يقسم هذه المنطقة إلى الشرق والغرب، وبين مصر وبلاد أشور (وفيما بعد بابل)، وقد دام الصراع طويلًا بين مصر وأشور، أو مصر وبابل في السيطرة على المنطقة ما بين نهر الفرات ووادي النيل.
راسل الملك الكثير من البلاد للتحالف معه ضد أرفكشاد، مغريًا إياهم بالغنائم التي ينالونها بهزيمة أرفكشاد، فأرسل إلى البلاد الواقعة في الغرب وفي الجنوب حتى بلغ أثيوبيا، وهي بلاد كان لها اسم وجيوش قوية.
كيليكية: مقاطعة تقع جنوب شرقي آسيا الصغرى، وكانت تسمى “من قوية”. ورد في آثار أشور بانيبال، الأسطوانة الأولى، عمود 2:
[سودا رزمي: ملك كيليكية، أتى إليّ ومعه ابنته لتكون لي زوجة، وسجد لي وقبَّل قدميّ، وقدم لي هدايا كثيرة مع أنه لم يخضع لأبائي(53).]
والَّذينَ مِن أُمَمِ الكَرمَلِ Carmel وجِلْعاد
والجَليلِ الأَعْلي وسَهْلِ يِزرَعيلَ Esdrelom الواسعِ [8].
جلعاد: منطقة جبلية صخرية وعرة عبر الأردن يفيض عليها نهر يبوق أو نهر الزرقاء.
يزرعيل: اسمه باليونانية Esdralon، وهو يخص الجزء الغربي من الوادي يزرعيل Jezreel، ويضم وادي مجدون Megiddon الذي يفصل الجليل عن السامرة.
سهل يزرعيل مثلث في فلسطين الوسطى، يدعوه يوسيفوس “السهل الكبير”، يمتد من البحر المتوسط إلى الأردن، ومن الكرمل وجبال السامرة إلى جبال الجليل، وطوله من الغرب إلى الشرق نحو 25 ميلًا، ومن الجنوب إلى الشمال 12 ميلًا.
كان سهل يزرعيل باب فلسطين ومفتاحها أيضًا، منه دخل الفاتحون الأولون لاحتلال الأرض.
وجَميعَ الَّذينَ مِنَ السَّامِرَةِ ومُدُنِها وعِبْرِ الأُردُنِّ إلى أُورَشَليمِ،
وبَيت عَنوت وكِلُّود Chelus وقادِش
ونَهْرِ (وجدول) مِصْرَ وتَحْفَنْحيس Taphnes
ورعَمْسيس Ramesse وأَرضِ جاسانَ Gesem كُلِّها [9].
بيت عنوت Betane, Bitané: اسم كنعاني معناه “بيت الآلهة عناة” (يش 15: 58-59). مدينة على بعد 7 أميال إلى الشمال من حبرون، وميل ونصف جنوب شرقي حلحول Helhul. ربما هي مدينة بيت عينون Beit-Ainum الحالية، أكثر منها “بيت عنيا Bethany” التي تبعد نحو ميل ونصف شرق أورشليم.
هنا يتحدث عن البلاد اليهودية ومصر. فقد أرسل يطلب تسليم المدن ليتركهم أحيانًا بدلًا من أن يقتلهم بدخوله في حربٍ معهم، فيستولي على كل مواردهم ومواشيهم وأموالهم كما يسبيهم وينقلهم إلى مدن أخرى ليضمن ولاءهم وعدم التمرد عليه.
كلود Chelous أو Chellus: في جنوب فلسطين، وردت في الترجوم تحت اسم هلوصة، على الطريق الجنوبي من أورشليم بين غزة وأدوم، ربما تكون هي حلحول Helhul (يش 15: 58)، تبعد 4 أميال شمال حبرون، أو Chalutsa (حاليًا خلاصه Khalasa) جنوب شرقي بئر سبع(54)، وربما تكون شور(55).
قادش، أي قادش برنيع: وهي واحة ومحلة في الصحراء جنوب بئر سبع. ورد ذكرها عند الحديث عن حمله كدرلعومر وحلفائه في أيام إبراهيم. بالقرب منها ظهر ملاك لهاجر. وبعد الخروج من مصر أمضى بنو إسرائيل معظم سني تيهانهم في الصحراء في المنطقة المحيطة بقادش (عد 20). وهناك ماتت مريم (عد 20: 1)، وأخرج موسى ماءً من الصخرة، ومنها أرسل جواسيس لاكتشاف أرض كنعان (عد 13، 14). يظن أنها عين قديس على مسافة خمسين ميلًا جنوب بئر سبع، ويظن البعض أنها عين قضيرات.
نهر مصر: جاءت الكلمة اليونانية لا تعني نهر النيل ذاته، وإنما جدول مصر، حاليًا وادي العريش التي تفصل بين فلسطين ومصر (1 مل 8: 65؛ أي 7: 8، يش 15: 4).
بالنسبة لجدول مصر فقد أشار سرجون الأول وسنحاريب الآشوريين أنه لا يوجد فيه ماء(56).
تحفنحيس Taphanhes, Taphnes: مدينة مصرية في الجزء الشرقي من دلتا النيل، إليها أُخذ النبي إرميا بعد سقوط أورشليم، وربما مات فيها (إر 43: 5-10؛ حز 30: 8). وهي أحد التخوم الهامة بجوار بحيرة المنزلة. تدعى تل دفنه؛ دعاها هيرودت Herodotus(57) دفناي Dephnai.
رعمسيس Rameses: المدينة الملكية للملك رعمسيس الثاني (حوالي 1290- 1224 ق.م) وخلفائه لمدة قرنين. وهي المدينة التي بدأت منها رحلة الخروج (12: 37، عد 33: 3-6).
كانت عشرات المواقع تدعى رعمسيس لهذا يُصعب جدًا تحديد ما يقصده هنا بالموقع.
جاسان Gashen: منطقة خصبة في شمال شرقي الدلتا. وهي المنطقة التي قطن فيها العبرانيون منذ أيام يوسف حتى الخروج (تك 47: 4، 6). كانت مكانًا مناسبًا لرعاية مواشيهم وقطعانهم، وعلى مقربة من بلاط فرعون.
إلى ما وَراءَ صوعَن Tanis ونُوف Memphis
وجَميعِ سُكَّانِ مِصْرَ إلى حُدودِ إثيوبيا [10].
صوعق أو تانيس: مدينة تاريخية تقع في شرقي الدلتا. تُدعى حاليًا صان الحجر، دعاها اليونانيون صوعن Zoam (إش 19: 11، 13؛ 30: 4؛ حز 30: 14؛ مز 78: 12).
يرى كثير من الدارسين أنها Per–Ramses أثناء الأسرة التاسعة عشر، Avaris في فترة الهكسوس.
نوف أو ممفيس Memphis: تقع على الضفة الغربية للنيل على بعد حوالي 13 ميل جنوب القاهرة كانت عاصمة مصر الشمالية (السفلى)، خاصة من الأسرة الثالثة حتى الخامسة، واستمر شهرتها حتى القرن الأول ق.م. كما يُشير Strabo(58). وجاء تعدادها الثاني بعد الإسكندرية.
أهرام الجيزة قريبة من نوف أيضًا. وقد أشار إليها بعض الأنبياء عند نقدهم للاتكال على مصر (إش 19: 13؛ إر 2: 16؛ 46: 14؛ حز 30: 13).
واستَهانَ جَميعُ سُكَّانِ الأَرضِ كُلِّها بِأَوامِرِ نَبوخَذنَصَّر مَلِكِ أَشُّور،
ولم يَنضَمُّوا إِلَيه لِلقِتال،
لأنّهم لم يَكونوا يَخافونَه،
بل قاوَموه مُقاوَمةَ رَجُلٍ واحِد،
ورَدُّوا الرُّسُلَ فارِغي الأَيدي خَزايا الوُجوه [11].
“جميع سكان الأرض” أو كل الأرض all the land” تعبير بلاغي، يُستخدم للكشف عن القوة الغاشمة التي لملك أشور. وقد وردت 8 مرات في الأصحاحين الأولين (1: 11، 12؛ 2: 1، 2، 6، 7، 9، 11).
“مقاومة رجل واحد”: جاءت في النص العبري لتعني: “كان أمامهم كمعادلٍ (لرجلٍ)”. ولعله يقصد إنهم تطلعوا إليه بكونه ملكًا أو رجلًا يعادل غيره من الملوك أو القادة السابقين، وليس أعظم منهم. لقد اعتقدوا أنه باطل يحسب نفسه شيئًا عظيمًا يهزم الممالك وينتصر عليهم.
استخف حكام هذه البلاد وشعوبها بطلبه كما بتهديداته، وردوا رسله خائبين، إما لأن علاقتهم به لم تكن على ما يُرام، أو لأنهم خشوا أن تتسع إمبراطوريته ويسيطر عليهم. عبروا عن رفضهم لطلبه بإهانتهم لرسله.
4. نَبوخذْنَصَّر يهدد الأمم المساندة لأَرْفَكْشاد
فغضبَ نَبوخَذنَصَّر غَضَبًا شديدًا على تِلكَ الأَرضِ كُلِّها
وحَلَفَ بِعَرْشِه ومُلكِه ليَنْتَقِمَنَّ من جَميعِ بِلادِ كيليكية ودمشقِ وسوريا
وُيهلِكَنَّ أَيضًا بِسَيفِه جَميعَ السَّاكِنينَ في أَرضِ موآب وبَني عَمُّون وكُلِّ إلىَهودِيَّة
وجَميعَ الَّذينَ في مِصْرَ إلى حدودِ البَحْرَين [12].
كيليكية: منطقة في جنوب آسيا الصغرى (تركيا)، صارت إحدى ولايات الإمبراطورية الرومانية عام 103 ق.م. وكانت طرسوس، مسقط رأس شاول الطرسوسي، هي المدينة الرئيسية فيها، وخلفها نحو الشمال الشرقي جبال طوروس الوعرة، والتي يخترقها معبر جميل يُعرف باسم بوّابات كيليكية.
إذ ظن في نفسه إلهًا للأرض كلها أقسم بعرشه ومُلكه أن ينتقم من كل هذه الممالك. لقد سعى أن يذل الآخرين ليؤكد مركزه كإله للأرض، فأذله إله السماء والأرض، ولكن في الوقت المعين.
حدودِ البَحْرَين: يرى البعض أنه يعني البلاد الواقعة ما بين البحر المتوسط والخليج الفارسي، وآخرون أنها ما بين البحر الأحمر والخليج الفارسي، وآخرون ما بين البحر الأحمر والبحر المتوسط.
5. حَملَة على أَرفكشاد
وصَفَّ جَيشَه لِمُحاربةِ أَرفَكْشادَ Arphaxad المَلِكِ في السَّنةِ السَّابِعةَ عَشرَةَ،
فغَلَبَه في القِتال ودَحَرَ جَيشَ أَرْفَكْشادَ كُلُّه وجَميعَ فُرْسانِه وجَميعَ مَركَباتِه [13].
استمرت تهديداته لأرفكشاد حوالي خمس سنوات (قارن 1:1 مع 1: 13)، وهي المدة التي حاول فيها الاتصال بالبلاد السابق ذكرها لتعضيده والتحالف معه، وإذ رفض الكل مساندته زحف بجيشه لمواجهة أرفكشاد.
تمت المعركة في منطقة رعاوي أو راجيس، شرق ميديا، وجنوب بحر قزوين Caspian Sea بالقرب من طهران الحالية.
انهزم أرفكشاد من الكبرياء قبل أن يهزمه ملك أشور.
وأَخضَعَ مُدُنَه وزحَفَ على أَحْمَتا Ecbatane،
فاستولى على أَبْراجِها، ونَهَبَ ساحاتِها،
وحَوَّلَ جمالها إلى عار [14].
“حوّل جمالها إلى عارٍ”: تعبير عن مدى الدمار الذي حدث.
وقَبَضَ على أَرْفَكْشادَ في جِبالِ رَعاوى Ragau،
وطَعَنَه بِرِماحِه وأَبادَه لِلأبَد [15].
جبال رعاوي Rages: سلسلة جبال Elburz تبعد حوالي 6 أميال شمال Rages.
يرى بعض الدارسين أن واضع السفر يقدم صورة تفصيلية صادقة عن هزيمة Phraortes وموته، الملك الثاني لمادي، عند هجوم أشور على نينوى(59).
ثُمَّ عادَ بعد ذلك إلى نينوى،
مع جَيشِه الخَليطِ الغَفيرِ جِدًّا مِنَ المُحارِبينَ الَّذينَ انضَمُّوا إلَيه،
وأَقامَ هُناكَ مِائةً وعِشْرينَ يَومًا لا يُبالي بِشَيء،
وَيتَنَعَّمُ بِالمَآكِلِ هو وجَيشُه [16].
إذ انتصر ملك أشور على ملك مادي حسب نفسه قد ملك على الأرض كلها، لأنه ليس من قوة تعادل ملك مادي لتقف أمامه. هذا وقد خرج من الحرب بقوة أعظم. فمن جهة الإمكانيات البشرية؛ فإن كان فقد بعض رجال جيشه، فانهم يحسبون قلة قليلة جدًا بالنسبة لانضمام أعداد ضخمة من رجال جيش العدو ليعملوا في جيشه كجنود مرتزقة، يصطفون في أول الصفوف فيتعرضون للهجوم كدرعٍ يحمي جيش أشور الذي خلفه. ومن جهة الإمكانيات المادية، فما أنفقه ملك أشور على جيشه في المعركة يُحسب كلا شيء أمام الغنائم التي استولى عليها هو ورجاله وكل جيشه.
هذا من جانب ومن جانب آخر، فإن النصرة أمدت له ذاته his ego، فحسب نفسه سيدًا قديرًا يستطيع أن يفتتح كل الممالك والشعوب ويسيطر عليها، ويستغلها دون مجهود يُذكر. لقد وثق في نفسه وفي جيشه، فانطلق الكل إلى التنعم بالولائم المستمرة لمدة مائة وعشرون يومًا، دون شبع. لقد صارت بالحق بطونهم آلهتهم ( ).
إن كان المؤمن مع كل نصرة يقدم تشكرات وتسابيح لله واهب الغلبة والقائد الحقيقي لكل معركة، إذا بالشرير يجد في نصرته فرصة لتأليه بطنه والخنوع لشهواته، فيود أن يقطع حياته كلها يتمتع بالمأكل والمشرب.
لقد حذرنا الكتاب المقدس من خطية النهم، ويحسبها المؤمن شيطانًا خطيرًا يفسد جسم الإنسان وروحه وعقله وعواطفه!
* أقوال الآباء عن النهم.
من وحي يهوديت 1
نجاح أم تهور!
* في يدك الإلهية التاريخ كله يا ضابط الكل!
ملك مادي بنى وحصَّن نفسه بأسوار وأبراج،
ولم يدرك أنه وأن تحالفت معه أغلب الأمم،
لكنه يسقط، ويُقتل برماحه في خزيٍ وعارٍ!
* ظن ملك أشور أنه سيد الأرض كلها!
اعتمد على قائده الجبار هولوفرنيس وجيشه الجرار.
ليس من قوة تقف أمام جيش يغطي الأرض كحملات الجراد!
رعب الممالك، وهزّ قلوب القادة بجيشه.
استسلم الكل له برقصات في مواكبٍ لا تنقطع.
نجح قائده، فلم يعد يشغله شيء.
كل الأمور – في ذهنه – تنحني له في مذلة!
* لم يدرك الملك وقائده أنهما غبيان!
لم يدركا أن العالم في قبضة يد الخالق!
يتركهما يخططان وينجحان إلى حين،
لكن، كل آلة تصور ضد شعبه تخرب.
وكل نجاحٍ يتحول إلى هزيمة.
وكل مجدٍ زمنيٍ يصير إلى الخزي والعار!
* لماذا أنتقد ملكا أشور ومادي،
وهوذا الصراع في أعماق نفسي!
يدك الإلهية التي سمرت تحل رباطات نفسي،
تتمتع بحرية مجد أولاد الله!
لا أجد مسرة في حب السلطة،
بل أن أصلب معك حبًا فيك وفي خليقتك!
ليصارع العالم بكل قوته وإمكانياته وخداعه!
فأنا لست من هذا العالم!
* هكذا وعدتني إذ وهبتني البنوة لأبيك!
نزعتني في مياه المعمودية من البنوة لإبليس،
وقدمت ليّ البنوة لله الآب العجيب!
ليس لصراع العالم موضع في قلبي.
إنما فرحك الإلهي يشع في داخلي!
بك أتمتع بالملكوت السماوي!
بك أحب كل خليقتك!
لك المجد يا مخلصي الصالح!
* الآن كابن لك صار غذائي هو خبز السماء.
أتمتع بولائم الشكر والتسبيح الذي لا ينقطع.
مسرتي لا في الطعام الزمني والشراب،
فإنني أشكرك عليهما لإعالة جسمي.
لكن حبي لك وشكري إياك هما سرّ فرحي.
وليمتي بالحق هي شركة مع وليمة خدامك السمائيين!
لا تنعم بحبك يا مشبع النفوس.
سفر يهوديت
- حَملَة أَليفانا
نَبوخذْنَصَّر وأَرْفكْشاد
الأصحاح الأول
كانَ ما كانَ في السَّنَةِ الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ مِن مُلْكِ نَبوخذْنَصَّر الَّذي مَلك على الآشوريين في نينَوى المَدينةِ العَظيمة، وفي أَيَّامِ أَرْفَكْشادَ الَّذي مَلَكَ على المادِيِّينَ في أَحْمَتا [1].
فبَنى حَولَها أَسْوارًا مِن حِجارةٍ مَنحوتةٍ عَرضُها ثَلاثةُ أَذرُع وطوُلها سِتَّة، وجَعَلَ ارتفاع السُّور سَبْعينَ ذِراعًا وعَرضَه خَمْسين [2].
وشَيَّدَ على أَبْوابِها أَبْراِجًا بِمِائَةِ ذِراع، وأَرْسى أُسُسًا في عَرْضِ سِتِّينَ ذِراعًا [3].
وجَعَلَ أَبْوابَها أَبْوابًا يَبلُغُ ارتفاعُها سَبْعينَ ذِراعًا وعَرْضُها أَرْبَعين، لِخُروجِ مُعظَمِ قُوَّاتِه واستِعْراضِ مُشاتِه [4].
في تِلكَ الأَيَّامِ شَنَّ نَبوخذْنَصَّرُ المَلِكُ حَرْبًا على أَرْفَكْشادَ المَلِكِ في السَّهْلِ الكَبير وهو السَّهْلُ الَّذي في أَرضِ رَعاوى [5].
فانضَمَّ إِلَيه جَميعُ سُكَّانِ النَّاحِيَةِ الجَبَلِيَّة وجَميعُ السَّاكِنينَ على الفُراتِ ودِجلةَ ويادَسون وفي سُهولِ أَرْيوكَ مَلِكِ عَليم. فاجتمعت أُمَمٌ كَثيرةٌ لِمُحاربةِ بَني كَلْعود [6].
فأَوفَدَ نَبوخَذنَصَّر، مَلِكُ أَشّور، إلى جَميعِ سُكَّانِ بلادِ فارِس وجَميعِ سُكَّانِ النَّاحِيَةِ الغَربِيَّة وَسُكَّانِ كيِليكية ودِمَشْقَ ولُبْنان ولُبْنانَ الشَّرقِيِّ وجَميعِ سُكَّانِ السَّاحِل [7].
والَّذينَ مِن أُمَمِ الكَرمَلِ وجِلْعاد والجَليلِ الأَعْلي وسَهْلِ يِزرَعيلَ الواسعِ [8].
وجَميعَ الَّذينَ مِنَ السَّامِرَةِ ومُدُنِها وعِبْرِ الأُردُنِّ إلى أُورَشَليمِ وبَيت عَنوت وكِلُّود وقادِش ونَهْرِ مِصْرَ وتَحْفَنْحيس ورَمْسيس وأَرضِ جاسانَ كُلِّها [9].
إلى ما وَراءَ صوعَن ونُوف وجَميعِ سُكَّانِ مِصْرَ إلى حُدودِ الحَبَشة [10].
واستَهانَ جَميعُ سُكَّانِ الأَرضِ كُلِّها بِأَوامِرِ نَبوخَذنَصَّر مَلِكِ أَشُّور ولم يَنضَمُّوا إِلَيه لِلقِتال، لأنّهم لم يَكونوا يَخافونَه، بل قاوَموه مُقاوَمةَ رَجُلٍ واحِد، ورَدُّوا الرُّسُلَ فارِغي الأَيدي خَزايا الوُجوه [11].
فغضبَ نَبوخَذنَصَّر غَضَبًا شديدًا على تِلكَ الأَرضِ كُلِّها وحَلَفَ بِعَرْشِه ومُلكِه ليَنْتَقِمَنَّ من جَميعِ بِلادِ كيليكية والشَّامِ وسورية وُيهلِكَنَّ أَيضًا بِسَيفِه جَميعَ السَّاكِنينَ في أَرضِ موآب وبَني عَمُّون وكُلِّ إلىَهودِيَّة وجَميعَ الَّذينَ في مِصْرَ إلى حدودِ البَحْرَين [12].
حَملَة على أَرفكشاد
وصَفَّ جَيشَه لِمُحاربةِ أَرفَكْشادَ المَلِكِ في السَّنةِ السَّابِعةَ عَشرَةَ، فغَلَبَه في القِتال ودَحَرَ جَيشَ أَرْفَكْشادَ كُلُّه وجَميعَ فُرْسانِه وجَميعَ مَركَباتِه [13].
وأَخضَعَ مُدُنَه وزحَفَ على أَحْمَتا فاستولى على أَبْراجِها، ونَهَبَ ساحاتِها، وحَوَّلَ زينَتَها إلى عار [14].
وقَبَضَ على أَرْفَكْشادَ في جِبالِ رَعاوى وطَعَنَه بِرِماحِه وأَبادَه لِلأبَد [15].
ثُمَّ عادَ مع جَيشِه الخَليطِ الغَفيرِ جِدًّا مِنَ المُحارِبينَ الَّذينَ انضَمُّوا إلَيه، وأَقامَ هُناكَ مِائةً وعِشْرينَ يَومًا لا يُبالي بِشَيء وَيتَنَعَّمُ بِالمَآكِلِ هو وجَيشُه [16].