تأملات في الصلاة الربانية

 

الصلاة الربانية – لو 11 :2-4

 

 أَبَانَا الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ، لِيَتَقَدَّسِ اسْمُكَ، لِيَأْتِ مَلَكُوتُكَ، لِتَكُنْ مَشِيئَتُكَ كَمَا فِي السَّمَاءِ كَذلِكَ عَلَى الأَرْضِ. خُبْزَنَا كَفَافَنَا أَعْطِنَا كُلَّ يَوْمٍ، وَاغْفِرْ لَنَا خَطَايَانَا لأَنَّنَا نَحْنُ أَيْضًا نَغْفِرُ لِكُلِّ مَنْ يُذْنِبُ إِلَيْنَا، وَلاَ تُدْخِلْنَا فِي تَجْرِبَةٍ لكِنْ نَجِّنَا مِنَ الشِّرِّيرِ.لأَن لَك ْ المْلك َوْالقَُّوةَ َوْ المجَد إِلَى َالأَبِد. ِ آمين.”

 

هنا يعلّم السيد المسيح تلاميذه صلاة محفوظة, والكنيسة المقدسة تقدس هذه الصلاة الربانية, فهى نموذج من وضع السيد المسيح نفسه، نبدأ بها كل صلواتنا وننهيها بها، فهى نموذج حى نتفهم خلاله علاقتنا باالله ودالتنا لديه، نرددها لنحيا بالروح الذى يريده الرب نفسه.

– أبانا الذى فى السموات = المسيح جعلنا فيه أبناء االله، إذ وحدنا فى شخصه كإبن الله. ونقول أبانا بالجمع، فلسنا وحدنا فى وقوفنا أمام االله، لأن المسيح جمعنا كأعضاء جسده ّ ووحدنا فى نفسه. وكون أبانا هو فى السموات، إذاً لنفهم أننا أصبحنا سماويين، وغرباء فى هذه الأرض, بل هو ساكن فى قلوبنا, فأصبحت قلوبنا سماء، وقولنا أبانا تحمل معنى أنه حتى لو صلينا بمفردنا فى مخدعنا, فإننا نصلى ونقدم صلواتنا بإسم الجماعة كلها، فأنا عضو فى جسد المسيح, أهتم بكل عضو آخر فى هذا الجسد، فهو ّ مكمل لى. وبنفس المفهوم نكمل خبزنا كفافنا وليس خبزى، نحن نصلى لأجل شعب المسيح كله لأننا جميعاً واحد. فى بداية الصلاة نصلى ونقول أبانا, فندرك مركزنا الجديد بالنسبة الله, والذى حصلنا عليه بالمعمودية. بل أن الروح القدس فى داخلنا يشهد لأرواحنا, أننا صرنا أولاداً وأبناء الله منخلال سلوكنا, فنصرخ يا آبا الآب 
– ليتقدس اسمك = إن هدفنا هو مجد االله، نقدس إسمه فى قلوبنا ونتمنى أن يكون هو ممجداً فى قلوب كل الناس, يتقدس فينا بمعنى نسلك بما فيه تقديس اسمه, ويرانا الناس فيقدسوا اسمه. بالطبع لا يعنى هذا أننا نطلب أن يرتقى االله فى القداسة, أو يزداد فيها بصلاتنا، فهو كامل من كل وجه، بل نشتاق أننا َنكمل ويقدسنا االله, ويكون ذلك سبباً أن كل الناس يمجدون االله.

 

– ليأت ملكوتك = االله يملك الآن على الملائكة وعلى قلوب أولاده المؤمنين به، ولكن مازال هناك وجود لمملكة الظلمة تقاوم ملكوت االله، وأشرار على الأرض غير خاضعين لناموس االله، واالله يترك الجميع، ولكن فى حدود يسمح بها, فالمؤمن الحقيقى يشتهى أن يأتى هذا اليوم الذى يخضع فيه الكل الله، هو الشوق لمجئ السيد المسيح الثانى فى مجده. والمؤمن الحقيقى يشتهى أن يملك عليه المسيح تماماً, فلا يعود هناك مكان فى قلبه, لأى محبة للعالم والزمنيات، بل يطيع االله طاعة كاملة.

– لتكن مشيئتك = مشيئة االله هى الخير المطلق، فهو صانع خيرات، لا يعرف أن يعمل إلا الخير. ومشيئة االله قد تتعارض مع مشيئتى, لأننى محدود فى كل شىء. فبولس صلى ثلاثة مرات ُ ليشفى وكانت مشيئة االله عكس مشيئة بولس، وكان هذا لخلاص نفسه, لئلا يرتفع من فرط الإستعلانات. فمشيئة االله ليست فى شفاء الجسد والغنى المادى والمراكز العالية، فهذه كلها قد تُضِّيع صاحبها، ولكن مشيئة االله هى خلاص النفوس فاالله قد يسمح ببعض التجارب والآلام لخلاص النفس, وبهذا تكون كل الأمور تعمل معاً للخير  إذاً لنصلى بثقة قائلين: لتكن مشئيتك يارب وليس مشيئتى، فأنا لا أعرف ما هو الخير لنفسى، والروح القدس عمله فى الصلاة أن يجعلنا نقبل مشيئة االله )

– كما فى السماء كذلك على الأرض= هى شهوة قلب المؤمن أن يرى الجميع على الأرض يعملون وفق إرادة االله ومرضاته, كما تفعل الملائكة فى السماء، وأن يتمم االله مشيئته فى كل من على الأرض كما يفعل فى السماء. فإرادة البشر قد تعطل إرادة االله من ناحية خلاص نفوسهم، فاالله كما قلنا يريد أن الجميع يخلصون، ولكن إن قاومت إرادة االله، فاالله لن يقدر أن يخلصنى  هذه الطلبة تعنى إجعلنا يارب قادرين أن نتبع الحياة السماوية فنريد ما تريده أنت.

– خبزنا كفافنا أعطنا اليوم = يقول الدارسين للغة اليونانية. إن كلمة كفافنا المستخدمة هنا, تعنى خبزنا الذى يكفينا لليوم، وتعنى أيضاً خبزنا الذى للغد، الخبز الجوهرى الأساسى. فاالله هو المسئول أن يقوتنا بالخبز الجسدى واحتياجات الحياة، وهو المسئول أيضاً عن الإحتياجات الروحية والغذاء الروحى. واالله يغذى أرواحنا بكلمته فى الكتاب المقدس, وبالأسرار الكنسية.وإذا فهمنا الكلمة بمعنى كفافنا، نفهم أننا نطلب من االله ليعطينا ما نحتاجه فقط, وليس عطايا التدليل التى تفسد. ٕواذا فهمنا الكلمة بمعنى الذى للغد, فنحن نعنى بها الحياة الأبدية. وكلا المعنيين صحيح وضرورى.

وكلمة كفافنا تعطينا أن لا ننشغل بالغد 

 

– واغفر لنا ذنوبنا كما نغفر نحن أيضاً للمذنبين إلينا = هذا اعتراف بأننا خطاة ونقدم توبة, ونحن محتاجين لمغفرة مستمرة, فنحن مازلنا فى الجسد. من يتصور أنه بلا خطية يضل نفسه ويكون اً متكبر  وهنا ونرى أن هناك شرطاً لكى يغفر االله لنا, وهو أن نغفر للآخرين. حتى لا نفقد سلامنا على الأرض وأبديتنا فى السماء. ونلاحظ فى هذه الطلبة, أننا نقدم اعتراف مستمر بخطايانا, ولا نلتمس الأعذار, وفيها أيضاً إلتزام بأن نغفر للآخرين.

 لا تدخلنا فى تجربة لكن نجنا من الشرير= نحن نثق فى أن االله قادر, أن يحفظنا من تجارب إبليس الشريرة، ولكننا لا نندفع بتهور نحو التجربة، بل فى تواضع نطلب أن لا يدخلنا الشيطان فى تجربة، نطلب من االله أن ُيبعد عنا تجارب إبليس.. وبصراخنا الله يهرب الشيطان، فصراخنا هو سر نجاتنا. ّ أما أن نعتمد على أنفسنا فهذا هو الكبرياء.

-ونجنا من الشرير= أي نجنا من خداعاته وإسندنا ضد حيله. ولنلاحظ أن قولنا لا تدخلنا في تجربة ، لا تعني أننا لن ندخل أبداً في تجربة أي لن نجرب وإلا لما أضاف الرب لكن نجنا من الشرير,” فالشرير لابد سوف يجربنا، ونحن نصرخ بإتضاع يا رب أنا لست كفؤاً لتجارب إبليس, فإن سمحت بتجربة فنجنى منها حتى لا أهلك، وستكون هناك تجارب طالما نحن فى الجسد. ولكننا نعلم أنه إذا سمح االله بتجربة, فهى حتى ننمو روحياً، هو يسندنا خلالها، ونخرج وقد اكتسبنا شيئاً. وأضاف الآباء بعد هذا “بالمسيح يسوع ربنا,” وهى مستنتجة من قول السيد المسيح مهما سألتم باسمى فذلك أفعله 

– لأن لك ُ الملك والقوة والمجد = بعد أن نطلب أن ينجينا االله من الشيطان الشرير. نقول هذه التسبحة فتعطينا راحة وثقة أننا فى يد االله محفوظين, فلا نخاف من إبليس وتجاربه.

– الملك = لأن الرب يملك على الإنسان وعلى كل الخليقة.

– والقوة = وهو أقوى بما لا يقاس من عدونا الذى يجربنا.

– والمجد = لأنه مستحق أن نمجده.

– إلى الأبد أمين = كلمة عبرية تعنى ليكن هذا, وباليونانية تعنى حقاً

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى