تفسير رسالة كورنثوس الاولى أصحاح ٣ للقديس يوحنا ذهبي الفم
تفسير كورنثوس الأولى – الأصحاح الثالث
“وأنا أيها الإخوة لم أستطع أن أكلمكم كروحيين بل كجسديين كأطفال في المسيح . سقيتكم لبناً لا طعاماً لأنكم لم تكونوا بعد تستطيعون بل الآن أيضاً لا تستطيعون . لأنكم بعد جسديون فإنه إذ فيكم حسد و خصام و انشقاق ألستم جسديين و تسلكون بحسب البشر” ( ع ۱ – ۳ ).
لماذا لم يقل بولس الرسول لا تريدون بدلاً من قوله “لا تستطيعون”؟ لأن قوله ولا تستطيعون ، قد يكون من عدم الإرادة التي توجب لهم المذمة لأنه لو كان من ذات طبعهم لا يستطيعون ، ربما كان يرق الناس لهم ، أما إذا كان فعلهم الإرادة فحينئذ لا عذر لهم.
“لأنه متى قال واحد أنا لبولس وآخر أنا لأبلوس أفلستم جسديين”. ( ع4 )
أوضح بولس الرسول أن قولهم هذا لا ينفعهم شيئاً فحسب بل قد يعطل مساعدة الأمور العظيمة علاوة على أن هذا نتيجة الحسد ، والحسد صيرهم جسدانيين ، وصيرورتهم جسدانيين لم تدعهم أن يسمعوا الأمور العظيمة.
“فمن هو بولس و من هو أبلوس بل خادمان آمنتم بواسطتهما و كما أعطى الرب لكل واحد ( ع 5) .
استعمل بولس الرسول هنا التوبيخ جهارة ووضع اسمه حيث ذكر أن بولس ليس شيئاً وهو لا يضجر.
ولم يقل عن بولس وأبلوس بأنهما مبشران بل خادمان ، وذلك ما هو أكثر لأن البشارة فهي بالقول فقط ، وأما الخدمة ففيها العمل أيضاً حتى وإن كان السيد المسيح هو خادم الخيرات.
ولم يقل بولس الرسول اللذين اقتاداكم إلى الإيمان بل قال اللذين “آمنتم بواستطهما”.
” أنا غرست وأبلوس سقى لكن الله كان يُنمي . إذا ليس الغارس شيئاً ولا الساقي بل الله الذي يُنمي ، ( ع 6 ، 7).
أي أن بولس الرسول بذر القول أولاً، ولكي لا ييبس من المحن أضاف له أبلوس ما كان له من قبل ، وأما العمل كله فكان من الله.
“و الغارس و الساقی هما واحد و لكن كل واحد سيأخذ أجرته بحسب تعبه”( ع ۸ ).
ولكي لا يترفع أحدهما على الآخر قال بولس الرسول “هما واحد” في أنهما لا يستطيعان شيئاً، وأما في الأتعاب ليس هما واحداً بل كل واحد يأخذ ثوابه.
“فإننا نحن عاملان مع الله وأنتم فلاحة الله بناء الله” (ع۹).
أي إن كنتم فلاحة لله فأنتم ليس للذين أفلحوكم بل أنتم دعيتم من قبل الله ، لأن الحقل لا يُدعى للفلاح بل لسيده، والبناء ليس للذي صنعه بل لسيده ، فإذا أنتم بناء لا يجب أن تنهدموا ، وإن کنتم فلاحة لا يجب أن تتفرقوا بل يحوطكم سياج الألفة والاتحاد الواحد.
“حسب نعمة الله المعطاة لی کبنَّاء حكيم قد وضعت أساساً وآخر يبنی عليه. ولكن فلينظر كل واحد كيف يبنى عليه” (ع۱۰).
يلاحظ هنا أن بولس الرسول وصف ذاته بأنه حكيم ولم يقصد أن يرفع ذاته بل أعطاهم نفسه مثالاً، وأوضح في هذا الأمر أنه عمل حکیم . والمقصود من قوله “فلينظر كل واحد كيف يبنى عليه” قد يبدو لي أنه وضعهم بعد ذلك في الجهاد الذي في التصرف والمعيشة لأنه ضمهم دفعة وصيرهم واحداً.
“فإنه لا يستطيع أحد أن يضع أساساً آخر غير الذي وُضع الذي هو يسوع المسيح” ( ع۱۱)
أي لا يمكنه ذلك ما دام مهندساً، أما إن وضع فلا يكون فيما بعد مهندساً ؛ رأيت كيف يتفق المعنى الموضوع من المعاني العامة.
“لكن إن كان أحد يبني على هذا الأساس ذهباً فضة حجارة كريمة خشباً عشباً قشاً. فعمل كل واحد سيصير ظاهراً لأن اليوم سيبينه لأنه بنار يستعلن و ستمتحن النار عمل كل واحد ما هو” (ع۱۲، ۱۳).
المقصود بالأساس هنا هو السيد المسيح ، والمقصود بالبناء هو الأعمال أما المقصود بالذهب والفضة والحجارة الكريمة والخشب والقش ، أي أنواع مختلفة من السيرة والأعمال حيث يكون البعض أوفر فرحاً والبعض يكملون ما هو عظيم ، والبعض باحتراس ، والبعض بأقل اجتهاد ، والبعض ما هو أدنى والبعض يعملون الأعمال الرديئة.
“إن بقي عمل أحد قد بناه عليه فسياخذ أجرة . إن احترق عمل أحد فسيخسر وأما هو فسيخلص و لكن كما بنار” (ع 14 ،15)
أي سيصير عمل كل واحد ظاهراً ، فالذي يحترق عمله سيخسر أما الذي يبقى عمله سيأخذ ثوابه نظیر تعبه.
وقول بولس الرسول “فسيخلص ولكن كما بنار” لن يعني شيئا آخر سوى أنه أشار إلى امتداد العذاب ، كمن يقول : وأما هو فيدوم في العذاب مخلداً.
“أما تعلمون أنكم هیکل الله و روح الله يسكن فيكم . إن كان أحد يفسد هیکل الله فسيفسده الله لأن هیکل الله مقدس الذي أنتم هو”( ع 17،16) .
المقصود بقول بولس الرسول “فسيفسده الله” أي يُبيده ، ولم يقل بولس هذا الكلام لاعناً بل على سبيل النبوة.
“لا يخدعن أحد نفسه إن كان أحد يظن أنه حكيم بينكم في هذا الدهر فليصر جاهلاً لكي يصير حكيماً . لأن حكمة هذا العالم هي جهالة عند الله لأنه مكتوب الآخذ الحكماء بمكرهم ” (ع ۱۸ ، ۱۹).
جاء بولس الرسول إلى محاربة الحكمة البشرية وزلات المتكبرين بها وقسموا الكنيسة.
ومعنى قوله “إن كان أحد يظن أنه حكيم بينكم في هذا الدهر فليصر جاهلاً” أي أن يصير كالميت عن العالم ، وهذا الموت لا يضر بشيء لكنه يفيد ، ولهذا يأمر بولس الرسول أن يكون الإنسان جاهلاً مظهراً لنا بذلك الحكمة الحقيقية ، فكما أن الفقر الذي حسب وصية الله يكون غنى والتواضع رفعة والبعد عن المجد الباطل سبباً للمجد الدائم ، هكذا وصيرورة الإنسان جاهلاً تجعله أوفر حكمة من الجميع.
ولكن لماذا لم يقل بولس فليرفض الحكمة وإنما قال “فليصر جاهلاً ” لکی يحتقر الإنسان الحكمة البشرية بإفراط وليعلمنا ألا نستحي بأميتنا.
ومعنى ، لأن حكمة هذا العالم هي جهالة عند الله ، أي لا تفيد فحسب بل وتعيق أيضاً، فيجب الابتعاد عنها لأنها تضر.
أما معنى الآخذ الحكماء بمكرهم ، أي أن الله يمسكهم بأسلحتهم لأنهم استعملوا الحكمة البشرية لكي لا يحتاجوا إلى الله ، وفي هذا فضحهم لأنهم بالحرى يحتاجونه ، وبذلك ظهروا أنهم جهلاء.
“وأيضا الرب يعلم أفكار الحكماء أنها باطلة” (ع۲۰).
لأن حكم الناس قد يخطئ في مواضع كثيرة ، وأما حكم الله فهو في كل أمر لا يُعاب ولا يخطئ أصلا ً.
“إذا لا يفتخرن أحد بالناس فإن كل شيء لكم” (ع۲۱).
عندما تكون الحكمة البشرية ضارة والروحانيات ليست معطاة منكم ، فمن أين لكم أن تفتخروا . قال بولس الرسول قوله الصعب “لا يفتخرن أحد” استعمل الرقة في الكلام فقال “فإن كل شيء لكم”.
“أبولس أم أبلوس أم صفا أم العالم أم الحياة أم الموت أم الأشياء الحاضرة أم المستقبلة كل شيء لكم . وأما أنتم فللمسيح و المسيح لله » ( ع ۲۲ ، ۲۳).
المقصود من قول بولس الرسول “أم موت” أي أنهم وإن ماتوا ( بولس أم أبلوس أم بطرس ) فإنهم يموتون من أجلكم مخاطرين بأنفسهم لأجل خلاصكم . ومعنى “كل شيء لكم ” أي أن بولس يخاطبهم كأولاد شرفاء الجنس لهم معلمون وهم عتيدون أن يرثوا الأشياء كلها.
ومعنی “وأما أنتم فللمسيح” أي نحن للمسيح كوننا منه.
أما معنى قول بولس الرسول “والمسيح لله” أي كون المسيح مولود الله الخاص.
أقرأ أيضاً
تفسير 2 كورنثوس 2 | تفسير رسالة كورنثوس الأولى | تفسير العهد الجديد |
تفسير 2 كورنثوس 4 |
القديس يوحنا ذهبي الفم | |||
تفاسير رسالة كورنثوس الأولى | تفاسير العهد الجديد |