تفسير رسالة كورنثوس الاولى اصحاح ١٥ للقديس يوحنا ذهبي الفم

تفسير كورنثوس الأولى – الأصحاح الخامس عشر

 

“وأعرفكم أيها الإخوة بالإنجيل الذي بشرتكم به وقبلتموه وتقومون فيه . وبه أيضاً تخلصون إن كنتم تذكرون أي كلام بشرتكم به إلا إذا كنتم قد آمنتم عبثاً “( ع ۲،۱)

لم يقل بولس الرسول أعلمكم بل قال “أعرفكم” بما هو متضح حتى الآن وصار معلوماً.

وقوله “أيها الإخوة” إذ سماهم هكذا فهداهم إذ ذكرهم بالإحسانات الكثيرة.

وقوله « بالإنجيل الذي بشرتكم به » لأن غاية الإنجيل تبدأ بأن الإله يصير إنساناً ويُصلب ويقوم .

ولم يقل سمعتم به وإنما قال « وقبلتموه » إذ يطالبهم به کوديعة ، ومن المعلوم أنهم لم يتسلموه بالقول فقط بل وبالأفعال أيضاً، والآيات والعجائب ليحفظوه باحتراس کلی متمسکین به.

ثم ذكر بولس الرسول الربح فقال « وبه أيضا تخلصون » :

“فإني سلمت إليكم في الأول ما قبلته أنا أيضاً أن المسيح مات من أجل خطايانا حسب الكتب” ( ع۳).

لم يقل بولس الرسول إني قلت لكم وعلمتكم إنما قال « فإنني سلمت إليكم» ولم يقل ما تعلمته بل قال « ما قبلته أنا» ففعل ذلك ليوضح أنه لا يجب أن يقدم أحد شيئا من ذاته.

 ولم يقل إن السيد المسيح مات فقط إنما أضاف بقوله « من أجل خطايانا » وألزمهم قهراً بالاعتراف بموت الجسد وأثبت بذلك أنه وقبل الموت أيضاً كان خالياً من الخطية لأن الذي يموت عن خطايا الآخرين يقتضى الأمر أن يكون برئ من الخطية.

ولم يكتف بولس الرسول بهذا لكنه أورد قائلا “حسب الكتب” وبهذا القول جعل الكلام مصدقاً ومقبولاً وواضحاً ، حيث إن السيد المسيح مات لأن الكتب تشهد في كل مكان أنه مات موت الجسد ، إذ أن المزمور يقول “جماعة من الأشرار اكتنفتني ثقبوا يدي ورجلي . أحصى كل عظامی وهم ينظرون ويتفرسون فيَّ » ( مز 22: 16، 17).

“وإنه دفن وأنه قام في اليوم الثالث حسب الكتب”( ع4).

هذا القول هو نتيجة لما تقدم من كلام ، لأن الذي يُدفن هو الجسد.

وقول بولس الرسول “حسب الكتب” أي أنه قدم الشهادة التي من الكتب ، ولكن ما هي تلك الكتب التي قالت إنه دفن وفي اليوم الثالث قام ؟ لأن داود النبي قال قبل ذلك “لأنك لن تترك نفسي في الهاوية لن تدع تقيك يری فسادا” ( مز 16: 10).

وكُتب أيضاً عن يونان النبي إذ قيل “لأنه كما كان يونان في بطن الحوت ثلاثة أيام وثلاث ليال هكذا يكون ابن الإنسان في قلب الأرض ثلاثة أيام وثلاث ليال » ( مت 12: 40).

ولأجل ذلك أرشدك بولس الرسول نحو الكتب لتعرف أن الدفن والقيامة لم يحدثا عبثاً، لأنه سبق فكتب عنهما وکرز بهما أنبياء كثيرون هذا مقدارهم . 

« وأنه ظهر لصفا ثم للاثنی عشر وبعد ذلك ظهر دفعة واحدة لأكثر من خمس مئة أخ   أكثرهم باق إلى الآن ولكن بعضهم قد رقدوا. وبعد ذلك ظهر ليعقوب ثم للرسل أجمعين. وآخر الكل كأنه للسقط ظهر لي أنا ” ( ع 5 – 8) .

وبعد أن أثبت بولس الرسول القيامة من الكتب أضاف لذلك ما حدث مع الرسل وأناس آخرين أنقياء ، وكتب عن كل واحد من الذين شاهدوا السيد المسيح ، إذ يقول ظهر لصفا ، وظهر لأكثر من خمس مئة أخ ، وظهر له ( لبولس ) أيضاً.

حتى وإن كان الإنجيل قد قال غير هذا ، أي أن السيد المسيح ظهر لمريم المجدلية أولاً؛ إلا أن بطرس الرسول كان أول الرجال ، سيما أنه كان يشتاق لرؤيته.

وقول بولس الرسول و أكثرهم باق إلى الآن ، لأنه وإن كان أخبر بأمور قديمة إلا أن لديه الشهود الذين ما زالوا أحياء.

ولم يقل ماتوا إنما قال رقدوا ، ليؤكد القيامة بهذا اللفظ.

أما قوله « وآخر الكل كأنه للسقط ظهر لي أنا » هذا القول هو بالحرى کلام التواضع ، لأن هذا صار ، لا لكونه الآخر ، وإن كان السيد المسيح دعاه أخيراً ، لكنه ظهر مشرقاً أكثر من كثيرين ، من الذين قبله ، بل أكثر من جميعهم.

“لأني أصغر الرسل أنا الذي لست أهلا لأن أُدعی رسولاً لأني اضطهدت كنيسة الله” ( ع ۹)

حکم بولس الرسول على نفسه أنه آخر الكل وأنه لا يستحق اسم رسول وقد وضع السبب فقال “لأني اضطهدت كنيسة الله ” 

“ولكن بنعمة الله أنا ما أنا ونعمته المعطاة لي لم تكن باطلة بل أنا تعبت أكثر منهم جميعهم ولكن لا أنا بل نعمة الله التي معي” (ع10)

أرأيت أيضاً إفراط بولس الرسول في التواضع ، فالنقائص ينسبها لنفسه أما الفضائل فينسبها كلها إلى الله.

ولم يقل أكرمت إنما قال “تعبت”. 

“فسواء أنا أم أولئك هكذا نكرز وهكذا آمنتم” ( ع 11).

أي من أردتم أن تتعلموا منه تعلموا ، فليس بين بولس الرسول وبينهم فرق ، فهو يكفى بذاته وهم يكفون بمفردهم.

وقول بولس الرسول ” فسواء أنا أم أولئك” فلم يفعل ذلك رافعاً ذاته ، لكنه خشى على البشارة ولذلك قال هنا (مساوياً) ذاته.

ولم يقل سنكرز ولكنه قال حسناً “نکرز” موضحاً الدالة الزائدة لا سراً في الخفاء بل يتكلم بصوت أشد من صوت البوق. 

“ولكن إن كان المسيح يُكرز به أنه قام من الأموات فكيف يقول قوم بينكم إن ليس قيامة أموات”( ع ۱۲).

عرفت كيف أن بولس الرسول قدم قياساً فاضلاً فأثبت القيامة من قيامة السيد المسيح.

وقول بولس الرسول ” فكيف يقول قوم بينكم ” لأنه لم يقل تقولون أنتم وإنما قال : يقول قوم بينكم ، ولم يذم الجميع .

“فإن لم تكن قيامة أموات فلا يكون المسيح قد قام » ( ع ۱۳). 

 أي أن السيد المسيح هو الذي مات عن خطايانا وأنه هو مقدمة الراقدين، لأن المقدمة تكون مقدمة من سوى الذين سيقومون ، فكيف يكون مقدمة إن كان لا أولئك الذين هو مقدمتهم ، فكيف إذا لا يقومون ؟ وإن كانوا لا يقومون فلماذا قام السيد المسيح ؟ لماذا جاء لماذا أخذ جسداً لو لم يكن مزمعاً أن يقيم الجسد ؟ لأنه لم يكن محتاجاً له وإنما فعل هذا لأجلنا.

“وإن لم يكن المسيح قد قام فباطلة كرازتنا وباطل أيضاً ایمانکم ” ( ع 14).

قصد بولس الرسول بذلك أن يزعج أفكارهم ، لأنه إن كان السيد المسيح لما مات لم يستطع أن يقوم ولم تنحل الخطية ولم يتحطم الموت واللعنة لا تزال موجودة ، فالكرازة باطلة وهم  أيضا باطل إيمانهم .

“ونوجد نحن أيضاً شهود زور لله لأننا شهدنا من جهة الله أنه أقام المسيح وهو لم يقمه إن كان الموتى لا يقومون » ( ع 15 ).

أي أن هذا خطأ ردئ ولأنه مذمة لله وتهمة له أنه لم يقم السيد المسيح كما تقولون.

” لأنه إن كان الموتى لا يقومون فلا يكون المسيح قد قام. وإن لم يكن المسيح قد قام فباطل إيمانكم أنتم بعد في خطاياكم » ( ع 16، 17).

لأن السيد المسيح إن لم يقم فهو لم يمت ، وإن كان لم يمت فهو لم يحل الخطية ، لأن موته هو حل للخطية ، لأنه إن كان يقول إنه حمل الله الرافع خطية العالم ، ولذلك سماه حملاً ؛ كونه يُذبح ، فإن كان لم يقم فهو لم يُذبح وإن كان لم يُذبح فالخطية لم تنحل وإن كانت الخطية لم تنحل فأنتم فيها أيضا وإن کنتم باقين فيها فباطل كرازتنا.

وعلى وجه آخر إن كان السيد المسيح لم يقم فالموت لم يضمحل بعد. 

“إذاً الذين رقدوا في المسيح أيضاً هلكوا” ( ع ۱۸). 

 المقصود بعبارة “الذين رقدوا في المسيح ” أي الذين ماتوا به في الإيمان ، والذين ماتوا من أجله واحتملوا شدائد ومخاطر كثيرة ومشقات متنوعة والذين سلكوا الطريق الضيق.

“إن كان لنا في هذه الحياة فقط رجاء في المسيح فإننا أشقى جميع الناس” ( ع ۱۹) .

أي إننا نكون أشقى جميع الناس إن كنا بعد حروب هذا مقدارها وميتات وشدائد كثيرة ، فنحن عتيدون أن نسقط من الخيرات التي بهذا المقدار مقدارها وأمورنا تقف عند نهاية العمر الحاضر لأن الأشياء كلها متعلقة بالقيامة .

“ولكن الآن قد قام المسيح من الأموات وصار باكورة الراقدين ” ( ع ۲۰).

أوضح بولس الرسول الشرور كلها التي تصدر من عدم تصديق القيامة ، وكرر القول أيضا فقال “الآن قد قام المسيح من الأموات”.

وبولس الرسول يقدم دائماً ذكر القيامة من الأموات لكي يسد أفواه الهراطقة ، حيث السيد المسيح صار باكورة ومقدمة الراقدين فإذ هو المقدمة فيجب أن يقيمهم.

” فإنه إذ الموت بانسان بإنسان أيضا قيامة الأموات . لأنه كما في آدم يموت الجميع هكذا في المسيح سيحيا الجميع . ولكن كل واحد في رتبته المسيح باكورة ثم الذين للمسيح في مجيئه” ( ع ۲۱ – ۲۳ ) .

إذا سمعت بالقيامة لا تظن أن الكل يحظون بالشيء الواحد نفسه ، لأنه إن كان في العذاب لا يتكبد الكل العذابات نفسها بل الفرق يكون عظيماً ، فبالحرى يكون الفرق كثيراً بين الخطاة والصديقين .

” وبعد ذلك النهاية متی سلم الملك لله الآب متى أبطل كل رياسة وكل سلطان وكل قوة . لأنه يجب أن يملك حتى يضع جميع الأعداء تحت قدميه. آخر عدو يبطل هو الموت . لأنه أخضع كل شيء تحت قدميه ولكن حينما يقول إن كل شيء قد أخضع فواضح أنه غير الذي أُخضع له الكل . ومتي أخضع له الكل فحينئذ الابن نفسه أيضاً سيخضع للذي أخضع له الكل کی يكون الله الكل في الكل” ( ع 24- 28)

يلاحظ : 

• أن إبطال الرياسات والسلطات یعنی بذلك خلاص المؤمنين وسلامة المسكونة وإزالة الشرور .
• لم يثبت بولس الرسول أن الموت بطل لأنه إن كانت الرذيلة تكف فبالحرى كثيرة أن يكف الموت ، لأنه لا محل للقول بجريان النهر إذا ما جف المنبع ، كما أنه لا يبقى الثمر إذا ما جف الأصل.
• ولکی لا نتوهم أن الموت ينهض فيما بعد لذلك قال بولس الرسول “آخر عدو يبطل هو الموت”
• ولكي لا يظن الذين لا عقل لهم أن الآب أعظم من الأبن ولذلك أدحض القضية بلطافة فقال “لأنه أخضع كل شيء تحت قدميه ” .
• أن كل ما للآب هو للابن ، وكل ما للابن للآب ، لأن هذا هو سلطة محقة نحو الآب.

« وإلا فماذا يصنع الذين يعتمدون من أجل الأموات إن كان الأموات لا يقومون البتة فلماذا يعتمدون من أجل الأموات » ( ع ۲۹ ) .

إن المرضى بأمراض الشيطان قد يفعلون بخلاف هذا النص ، وقد يحق لي أن أضحك ضحكات متزايدة ، لكنني لهذا السبب على الخصوص أقول لنهرب بالكلية من دائهم لأنهم إذا ما كان عندهم أحد موعوظ يضعون إنساناً حياً تحت سرير الميت ، ويتقدمون نحو الميت فيخاطبونه ويسألونه إن كان يريد أن يعتمد ، ثم إذ لم يمكنه أن يجاوب فيجيبهم عوضه المختفي تحت السرير  بأنه يريد أن يعتمد، وهكذا يعمدونه عوض الذي مات ، لاعبين بهذا الذي يفعلونه ، ثم إذا لامهم أحد يقدمون هذا النص قائلين إن الرسول بولس ذكر الذين يعتمدون من أجل الأموات. رأيت ما يضحك كثيراً ؟ ! هل يجب أن نرد عليهم وعلى هذه الأقوال ، أما أنا إن جاوبتهم فسوف أبدو كمن من يجاوب المجانين عن هذيانهم.

إلا إنني أسرد قوانين التعاليم المؤتى بها من السموات ؛ فعندما نعزم أن نعمد فنأمر المعمد أن يقول إنني أؤمن بقيامة الأموات ، وبهذا الإيمان نعمده لأننا بعد الاعتراف بهذا مع الأشياء الأخرى ننزله في ينبوع تلك المياه المقدسة.

أي إننا نعمد بالإيمان بقيامة الجسد المائت أنه لا يبقى فيما بعد ميتاً.

« ولماذا نخاطر نحن كل ساعة. إنی بافتخاركم الذي لي في يسوع المسيح ربنا أموت كل يوم » ( ع 30، 31)

لم يقل بولس الرسول أنا بل قال “نحن” آخذاً معه الرسل كلهم.

ومعنى قوله “إني بافتخارکم” ، أي بنجاحكم .

ولكن كيف يموت الإنسان كل يوم ؟ ! بالاجتهاد وبالاستعداد لذلك

« إن كنت كإنسان قد حاربت وحوشاً في أفسس فما المنفعة لي إن كان الأموات لا يقومون فلنأكل ونشرب لأننا غداً نموت » ( ع ۳۲ ) .

بولس الرسول هو الذي احتمل مخاطر هذا مقدارها ولم يكافأ بعد ولا عن مخاطرة واحدة لأنه لا يكون هذا إن لم يأت وقت المكافأة ، أما إن كانت أمورنا محصورة حتى الدهر الحاضر فنكون في أعظم خسارة ، أما أنتم فقد آمنتم خلواً من مخاطرة أما نحن فنذبح كل يوم ، لأن الثواب الأعظم هو مرضاة السيد المسيح في كل حين وخلواً من مكافأة ، فالمخاطر من أجله هي أعظم جزاء . 


أما قول بولس الرسول « فلنأكل ونشرب لأننا غداً نموت » فهو قول استهزاء ، وهو لم يورده من ذاته وإنما اقتبسه من سفر إشعياء « فهوذا بهجة وفرح ذبح بقر ونحر غنم أكل لحم وشرب خمر لنأكل ونشرب لأننا غداً نموت » (أش ٢٢: ١٣ ) .

« لا تضلوا فإن المعاشرات الردية تفسد الأخلاق الجيدة » ( ع ٣٣ ) .

قال بولس الرسول هذه الأقوال فبكتهم كفاقدى الفهم .

«اصحوا للبر ولا تخطئوا لأن قوماً ليست لهم معرفة بالله أقول ذلك لتخجيلكم » ( ع ٣٤ ) .
بولس الرسول يخاطبهم هنا كمن يخاطب سكارى أو مجانين إذ لم يروا ما كانوا يرونه من قبل ، كما أن الذين يعملون الأعمال الصالحة العظيمة يشتاقون كل يوم إلى رؤيتها .
انظر أيضا كيف أن بولس الرسول يرد الزلات إلى آخرين ، لأنه لم يقل إنهم ليست لهم معرفة بل قال «لأن قوماً ليست لهم معرفة » .

“لكن يقول قائل كيف يقام الأموات وبأى جسم يأتون. يا غبى الذى تزرعه لا يحيا إن لم يمت ” ( ع 35، 36)

وضع بولس الرسول هذه الأقوال خاصة نحو الذين لا يقبلون الكتب فقال : « يا غبى الذى تزرعه » أعنى أن إثبات هذا يكون من قبلك أنت أى مما تفعله كل يوم ولأجل ذلك يسميه بولس الرسول « غبى » لأنه يجهل الأمور التى يفعلها كل يوم.

انظر كيف يستعمل بولس الرسول الألفاظ مطابقة للقضية الموضوعة لأنه يقول « الذى تزرعه لا يحيا إن لم يمت » إذ ترك الألفاظ المختصة بالزروع أعنى إنباتها وتعفنها وانحلالها ووافق لطبيعتنا ما طابقها أى حياتها وموتها الأمر الذى ليس هو للزروع حقيقة بل للأجساد .

ولم يقل إنها بعد الموت تحيا وإنما قال ما هو أعظم من ذلك إنها لهذا تعيش لأنها تموت ، لأن الذى كانوا يعتبره أولئك إشارة لعدم القيامة جعله إثباتاً للقيامة ، لأنهم كانوا يقولون إن الجسد لا يقوم لأنه يموت ، أما بولس الرسول فإذ قلب قولهم فقال « لا يحيا إن لم يمت ».

وكما أن السيد المسيح أوضح ذلك جهاراً فقال « الحق الحق أقول لكم إن لم تقع حبة الحنطة فى الأرض وتمت فهى تبقى وحدها ولكن إن ماتت تأتى بثمر كثير» ( يو١٢ :٢٤ ) ومن ذلك اتخذ بولس الرسول النموذج .

« والذى تزرعه لست تزرع الجسم الذى سوف يصير بل حبة مجردة ربما من حنطة أو أحد البواقى » ( ع ٣٧ ) .

إن ما قاله بولس الرسول فيما سبق قاله نحو القائل كيف الموتى يقومون ، أما هذا القول فهو نحو من يرتاب فى أى جسم يقومون ، فالجسد الذى يقوم سيكون أفضل وأجمل كثيراً جداً ، أما الهراطقة فلم يفهموا هذا .
ولكن لأى سبب أظهر السيد المسيح لتلاميذه مكان المسامير ؟! أليس فعل ذلك مريداً إثبات هذا ، أى أن هذا الجسد هو نفسه الذى صلب وهو نفسه أيضاً الذى قام.

ولكن لماذا قال السيد المسيح «انقضوا هذا الهيكل وفى ثلاثة أيام أقيمه » (يو ٢ : ١٩ ) من الواضح أن السيد المسيح يقيم الذى ينحل ولذلك أردف يوحنا الإنجيلى فقال « وأما هو فكان يقول عن هيكل جسده» ( يو٢: ٢١). لأن الجوهر هو هو بعينه ، ولكن كيف يكون حسنه أكثر وقيامة جديدة مع بقاء الجوهر نفسه ؟! لأنه لو لم يكن هذا لما وجب أن تكون قيامة لو لم تكن مزمعاً أن تقيمهم أحسن وأجمل ، لأنه لماذا يهدم البيت سوى ليبنيه أجل.

” ولكن الله يعطيها جسما كما أراد ولكل واحد من البزور جسمه ” ( ع ٣٨ ) .

 قيل إن الفعل هو للطبيعة ، أي طبيعة قل لي ؟ ! لأن هناك الله الذي يفعل الكل وليس الطبيعة ، لا الأرض ولا المطر ، ولذلك أورد بولس الرسول فقال “ولكن الله يعطيها جسم  كما أراد” فلا تبحث إذا مفتشاً عن كيف وبأي نوع إذا ما سمعت بقوة الله ومشيئته.

“ليس كل جسد جسداً واحداً بل للناس جسد واحد وللبهائم جسد آخر وللسمك آخر وللطير آخر . وأجسام سماوية وأجسام أرضية لكن مجد السماويات شیء ومجد الأرضيات آخر . مجد الشمس شیء ومجد القمر آخر ومجد النجوم آخر لأن نجماً يمتاز عن نجم في المجد ” ( ع 39- 41 ) .

ما هو قصد بولس الرسول من هذه الأقوال ؟ ولأي سبب انتقل من الكلام عن قيامة الأجساد إلى الكلام عن الشمس والنجوم ؟ لم يحد بولس الرسول عن القضية ، لكنه لا يزال ضابطها ، لأنه إذ أخذ القول في معنى القيامة فأثبت أن وقتئذ يكون الفرق في المجد كثيراً ، ولو أن القيامة واحدة ، حيث الكل لا يوجدون في مجد واحد ، وكما أن إنكار القيامة يجعل الناس متوانین هكذا والتوهم بأن الكل يتساوون في المجد يجعلهم متراخين.

كما أثبت بولس الرسول أن الصديقين والخطاة لا يحظون بشيء واحد ، ولا الصديقون كلهم متشابهون ، ولا الخطاة مثل ذلك يشبه أحدهم الآخر ، فقسم إذاً فاصلاً بين الصديقين والخطاة فقال أجسام سمائية وأجساد أرضية عانياً بالسمائيين الصديقين وبالأرضيين الخطاة.

فالذي نتعلمه هذا ، ولو أن الكل يكونون في الملكوت فلا يحظى الكل بكل الخيرات نفسها ، كذلك ولو أن الخطاة يوجدون كلهم في جهنم لا يتكبدون كلهم نفس العذابات .

“هكذا أيضاً قيامة الأموات يُزرع في فساد ويقام في عدم فساد » ( ع 42) 

 قول بولس الرسول « یزرع » لا یعنی کونا داخل الرحم ، بل دفن أجسام الموتى في الأرض حيث الإنحلال والتغيير.

ولم يقل تنبت لكي لا تظن أن ذلك من فعل الأرض وإنما قال “ويقام ” .

“يزرع في هوان ويقام في مجد يزرع في ضعف ويقام في قوة ” ( ع 43 ) .

أي أن الكل يقومون بالقوة وعدم الفساد ومجد عدم الفساد نفسه ، إلا أنهم لا يكونون كلهم في الكرامة نفسها ولا في عدم الخوف.

يُزرع جسماً حيوانياً ويقام جسماً روحانياً يوجد جسم حیوانی ويوجد جسم روحانی » ( ع 44 ) .

ماذا نقول ، أهذا الجسم ليس روحانياً ؟ إنه روحاني إلا أن ذلك الجسم سيكون روحانياً بالأكثر كثيراً ، لأن نعمة الروح القدس الكثيرة ، كثيراً ما تفارق إذ يخطئ قوم منا خطايا عظيمة ، أما إذا وجد الروح مع النفس فهو حياة الجسد.

وإذ أشار بولس الرسول أن هذا الجسد روحانی ، فإن كنت لا تصدق القول انظر الأجسام السمائية المضيئة والقادرة أن تدوم باقية بلا فناء ، وصدق بذلك أن الله قادر أن يصيلرهذه الفاسدات عديمة الفساد وأبهي من المنظورات .

“هكذا مكتوب أيضاً صار آدم الإنسان الأول نفساً حية وأدم الأخير روحاً محيياً » ( ع 45 ) .

مع أن القضية الأولى قد كتبت إلا أن الثانية لم تُكتب ، فكيف إذا قال بولس الرسول إنها كتبت ؟ ! إن تفسير ذلك غاية الأمور التي نتجت ، الأمر الذي اعتاد أن يفعله مراراً ، فقال هذا لنتعلم أن إشارات الحياة الحاضرة والعتيدة المستودعة أدركت الآن. 

” لكن ليس الروحاني أولاً بل الحيواني وبعد ذلك الروحاني ” ( ع 46 ) .

لم يقل بولس الرسول السبب إنما اكتفى بما رتبه الله وأمر به ، آخذا الشهادة للتدبير المرضى لله من حكم الأمور التي صدرت موضحاً أن أمورنا دائماً تمتد نحو الأجود.

“الإنسان الأول من الأرض ترابي الإنسان الثاني الرب من السماء ” ( ع 47).

وقد سمی کلیهما إنساناً ، فالواحد سماه من الأحقر والآخر سماه من الأفضل . 

“كما هو الترابي هكذا الترابيون أيضاً وكما هو السماوي هكذا السماويون أيضاً،” ( ع 48) .

المقصود من قول بولس الرسول “كما هو الترابي هكذا الترابيون” أي هكذا يهلكون ويموتون .

أما المقصود من قوله “وكما هو السماوي هكذا السماويون أيضاً ” أي هكذا يبقون عادمی الموت ومضيئين .

“وكما لبسنا صورة الترابي سنلبس أيضا صورة السماوي” ( ع 49 ) .

المقصود من قول بولس الرسول “وكما لبسنا صورة الترابي” أعني كما فعلنا السيئات أي الأفعال الشريرة . أما المقصود من قوله “سنلبس أيضا صورة السماوي” أعني فلنعمل الفضائل أي التصرف الذي في السموات .

“فأقول هذا أيها الإخوة إن لحماً ودماً لا يقدران أن يرثا ملكوت الله ولا يرث الفساد عدم الفساد” ( ع 50 )

المقصود من قول بولس الرسول “لحماً” أي الأفعال الشريرة . 

“هوذا سر أقوله لكم لا نرقد كلنا ولكننا كلنا نتغير” ( ع 51 ) . 

عزم بولس الرسول أن يقول شيئاً مرهوباً ومكتوماً الذي هو يوضح الكرامة الكثيرة الواصلة إليهم منه ، أي قوله لهم الأسرار ، ولكن ما هو هذا السر ؟ هو “لا نرقد كلنا ولكننا كلنا نتغير” أي ينبغى للأجساد التي لا تموت أن تتغير وتنتقل إلى عدم الفساد.

“في لحظة في طرفة عين عند البوق الأخير فإنه سيبوق فيقام الأموات عديمي فساد ونحن نتغير ، ( ع 52) .

عندما تكلم بولس الرسول بأقوال كثيرة في معنى القيامة في الوقت الموافق أوضح ما هو مستغرب كثيراً ، لأن ليس هذا هو المستغرب فقط كون أن الأجسام تفسد أولاً ثم تنهض ولا كون أن الأجساد التي تقوم من الفساد تكون أفضل من هذه الموجودة الآن ولا لأنها تنتقل إلى غاية أعظم كثيرة ، ولا لأن كل واحد يأخذ جسده ، بل إن مثل هذه الأمور التي تفوق كل فكر وتعلو العقل تتم في « لحظة » وإذ برهن على ذلك بإيضاح أكثر قال “في طرفة عين” أي بمقدار ما تحرك أجفانك 

وقول بولس الرسول و نحن نتغير ، ليس عن ذاته بل عن الذين يوجدون أحياء وقتئذ.

“لأن هذا الفاسد لابد أن يلبس عدم فساد وهذا المائت يلبس عدم موت” ( ع 53 ) .

المقصود من قوله “الفاسد” أي الجسد ، أما المقصود من قوله « المائت » فهو الجسد أيضاً. 

“ومتى لبس هذا الفاسد عدم فساد ولبس هذا المائت عدم موت فحينئذ تصير الكلمة المكتوبة أبتلع الموت إلى غلبة ”  ( ع 54 ) .

أي لا تبقى للموت بقية ولا زعم لعودته .

“أين شوكتك يا موت أين غلبتك يا هاوية ” ( ع 55 ) .

عرفت النفس الشهمة التي أبصرت العتيدات كصائرات فداست ووطأت الموت الطريح ولقد هلل بولس الرسول بالصوت الذي يصير للظفر هاتفاً بصوت قائلا “أين شوكتك يا موت أين غلبتك يا هاوية” حيث نزعت وفقدت وبادت بالكلية.

“أما شوكة الموت فهى الخطية وقوة الخطية هي الناموس” ( ع 56 ) .

لقد أدخل الناموس معرفة الخطية وزيادة العقاب ، فالذنب لم يصدر من قبل الطبيب بل من قبل الذي استعمل الدواء استعمالاً رديئاً ، فكما أن السيد المسيح كان ثقلاً على اليهود أكثر إلا إننا لا نلومهم كونهم انضروا بالتي وجب عليهم أن ينتفعوا بها.

وإن كان فعل الخطية هو سبب الموت فالسيد المسيح بحضوره حل الخطية وعتقکم منها بالمعمودية .

“ولكن شكراً لله الذي يعطينا الغلبة بربنا يسوع المسيح » ( ع 57 ) .

نشكر الله لأنه أقام الظفر والغلبة ، وصرنا نستمد الأكاليل لا وجوباً عليه بل تعطفاً منه.

” و إذا يا إخوتي الأحباء كونوا راسخين غير متزعزعين مكثرين في عمل الرب كل حين عالمين أن تعبكم ليس باطلاً في الرب » ( ع 58) .

المقصود من قول بولس الرسول “مكثرين في عمل الرب كل حين” أي في السيرة الطاهرة ، ولم يقل عاملين الصالح بل قال « مکثرین » لنفعل ذلك بكثرة ونتفوق في الجهادات.

والمقصود من قوله “أن تعبكم ليس باطلا”، أي نتذكر أن التعب فيه أكاليل وجوائز عتيدة ، وإن كان هناك تعب فالمعونة تستمد من فوق ولذلك قال ” في الرب” إذ قديماً كان التعب قصاصاً ، أما الآن فلنحظى به بالخيرات العتيدة.

فاصل

أقرأ أيضاً

فاصل

تفسير 2 كورنثوس 14 تفسير رسالة كورنثوس الأولى تفسير العهد الجديد
تفسير 2 كورنثوس 16
 القديس يوحنا ذهبي الفم
تفاسير رسالة كورنثوس الأولى تفاسير العهد الجديد

 

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى