1كو 1:8 العلم ينفخ ولكن المحبة تبني
“وَأَمَّا مِنْ جِهَةِ مَا ذُبحَ لِلأَوْثَانِ: فَنَعْلَمُ أَنَّ لِجَمِيعِنَا عِلْمًا. الْعِلْمُ يَنْفُخُ، وَلكِنَّ الْمَحَبَّةَ تَبْنِي.“(1كو 1:8)
+++
تفسير القديس يوحنا ذهبي الفم
«وأما من جهة ما ذُبح للأوثان فنعلم أن لجميعنا علماً. العلم ينفخ ولكن المحبة تبني» (ع۱).
المقصود بالأوثان هو الخشب والحجارة والجن ولا يمكنها أن تضر أو تنفع.
أظهر بولس الرسول هنا أن المعرفة لا تصنع المحبة لكنها بالعكس تُفرق من لا يصغي لها إذ تجعله يشمخ ويتعالى لأن الكبرياء من عادته التفريق ، أما المحبة فتضم وتقود مرشدة إلى المعرفة، كما أن المعرفة بدون المحبة ليس فيها نفع بل ضرر، فلماذا إذا التشامخ بالمعرفة لأنكم إن لم تمتلكوا المحبة تضرون.
تفسير القمص تادرس يعقوب ملطي
“وأما من جهة ما ذُبح للأوثان فنعلم أن لجميعنا علمًا.
العلم ينفخ ولكن المحبة تبني” [1].
العلم بغير حب يدفع العقل الي التشامخ، ويملأ الذهن كما بالريح، فلا ينفع صاحبه ويسيء إلي الآخرين. أما الحب العملي أو الحنو نحو الغير فيجعلنا نهتم بهم ونعمل لبنيانهم، فنبني أنفسنا معهم.
من يظن أنه يعرف وله بالحق معرفة عقلية لكنه لا يحمل حبًا فهو لا يعرف شيئًا كما يجب أن يعرف، إذ يليق به أن يعرف أن يحب قريبه كنفسه، فلا يتشامخ علي الغير.
“فنعلم أن لجميعنا علمًا” غالبًا هذه ليست كلمات الرسول بولس إنما اقتطفها من رسالة كورنثوس له. فجميع الأطراف من الذين من أصل يهودي أو أممي تظن أن لها علم ومعرفة.
جاءت إجابة الرسول علي هذا بقوله أن المعرفة وحدها تتحالف مع الكبرياء، فتنفخ الذهن، إذ يُعجب الإنسان بنفسه، وتجعل من الإنسان شخصًا جسورًا ومتهورًا، إذ يأخذ قراراته بنفسه وغالبًا ما يحتقر رأي الآخرين، ويلقي باللوم عليهم. فمن الخطورة أخذ القرارات معتمدة علي المعرفة وحدها. أما المحبة فتبني إذ تقيم هيكل الرب الروحي بروح اللَّه القدوس داخل النفس.
الحب أكثر أمانًا من العلم في قيادة الإنسان في سلوكه مع الآخرين. العلم وحده قائد خطر علي حياة الإنسان ومن حوله، أما الحب للَّه والإنسان ففيه أمان اكثر. بالحب يترفق الإنسان بأخيه خاصة الضعيف، ويهتم لا بما لنفسه بل بما هو للآخرين، لذا تكون قراراته هادئة وحكيمة. ومن يحب اللَّه يكون قد تهيأ لكي يتعلم من قبل اللَّه الذي يقدم معرفته للنفوس المتواضعة.
من يحب اللَّه يحب اخوته فيحسب الحق أنه معروف لدي اللَّه، معرفة الصداقة والمسرة والحب، يعرفه كابنٍ له، ينسبه اللَّه إليه (مز 1:6، 2 تي2: 19 ). بالحب نعرف اللَّه الحب ذاته، ويعرفنا اللَّه إذ نقبل سمته فينا.
إذ عاش القديس أغسطينوس أغلب شبابه يبحث عن المعرفة ويعلّمها ويفتخر بها كفيلسوفٍ ومعلّم عندما اختبر اللقاء بالسيد المسيح الوديع والمتواضع القلب أدرك احتياجه إلى التطهر من الكبرياء بدم المسيح. رأى في نفسه كأحد العبرانيين، وقد حمل المعرفة بكونها الذهب والفضة الذي للمصريين، لكنه ما كان يمكنه أن يتحرر من عبودية فرعون ما لم يتطهر بدم الحمل الوديع. المعرفة صالحة إن تقدّست بدم المسيح وارتبطت بحبه الخلاصي ووداعته!
v إنه يشعر أنه مهما بلغت الثروة التي يأخذها معه من مصر، فإنه إن لم يحفظ الفصح لن ينجو، الآن المسيح هو فصحنا ذبح لأجلنا، وليس شيء مثل ذبيحة المسيح التي تعلمنا بكل وضوح عن الدعوة التي يوجهها بنفسه إلى من يراهم في تعب بمصر تحت سلطان فرعون، فيقول: “تعالوا إليّ يا جميع المتعبين والثقيلي الأحمال وأنا أريحكم؛ احملوا نيري عليكم وتعلّموا مني، لأني وديع ومتواضع القلب، فتجدوا راحة لنفوسكم، لأن نيري هيّن وحِملي خفيف” (مت28:11-30).
من حملهم خفيف إلا للودعاء ومتواضعوا القلب وحدهم، إذ لا تنفخهم المعرفة بل بالحب يبنون؟ إذن ليتذكروا أن الذين احتفلوا بالفصح في ذلك الحين كانوا ظلاً عندما مسحوا قوائم أبوابهم بدم الحمل، مستخدمين الزوفا في ذلك (خر22:12). هذا عشب وديع ومتواضع… في الزوفا رمز لفضيلة التطهير، فلا ينتفخ الصدر بالمعرفة التي تنفخ، ولا تفتخر باطلاً بالثروات التي أحضرها من مصر. يقول المرتل: “تنضح عليّ بزوفاك فأطهر، تغسلني فأبيض أكثر من الثلج، تسمعني فرحًا وبهجة” (مز7:51-8). يضيف بعد ذلك مباشرة “فتبتهج عظامي المنسحقة” مظهرًا أنه الزوفا يشير إلى التطهير من الكبرياء.
v هذه يمكن أن تفهم فقط بمعنى أنه بدون المحبة لا تقدم المعرفة صلاحًا، بل تنفخ الإنسان، وتجعله يتباهى بريح فارغة. الذين لهم معرفة بدون محبة متعجرفون يشتاقون إلى الكرامات الإلهية والأعمال الدينية التي يعلمون أنها تخفي اللَّه الحقيقي. ومع ذلك فإنهم يبذلون كل الجهد لكي يبثوا هذا على الذين لهم تأثير عليهم. عكس هذا الكبرياء الذي للشياطين الذي بسببه خضع الجنس البشري لعقوبة يستحقونها. ظهر عمليًا الأردن القدير لتواضع اللَّه الذي ظهر في شكل عبدٍ. غير أن الناس فشلوا في معرفته لأنهم ماثلوا الشياطين في الكبرياء لا في المعرفة، فانتفخوا في دنسٍ.
v المعرفة صالحة ما دامت في صحبة الحب, وإلا فإنها تنفخ الإنسان بالكبرياء.
v حقًا إن المتكبر يدعى منتفخًا كما لو كان متعاليًا مع الريح. هنا يقول الرسول: “العلم ينفخ ولكن المحبَّة تبني“.
v “العلم ينفخ، ولكن المحبة تبني” [1]، لكن المحبة لا تنتفخ ولا تتكبر. لذلك ليت المعرفة تكون كقصة تقوم على مبنى المحبة التي ستبقى إلى الأبد عندما تسقط المعرفة [4،8].
v المعرفة التي من نوع صالح هي خادمة للحب، فإن المعرفة بدون الحب تنفخ [8]، ولكن إذ الحب يبني يملأ القلب فلا تجد المعرفة فراغًا به تنتفخ.
v المحبة تبني. إنها تتحرك في طريق الحق وليس حسب الأهواء.
القديس إكليمنضس السكندري
v يعنى بولس أن المعرفة هي أمر عظيم ونافع للغاية لمن يقتنيها ما دامت تتلطف بالمحبة.
أمبروسياستر
v أولاً إذ يشير إلى أن (هذا العلم) كان عامًا يحد من كبريائهم الشديد. لأن الذين يملكون أمرًا عظيمًا وساميًا يبتهجون جدًا عندما ينالونه وحدهم، أما إذ كان مِلكًا مشاعًا مع الآخرين فلا يكون لهم هذه المشاعر. لذلك بدأ بإظهار أنه مِلك مُشاع إذ حسبوه خاص بهم وحدهم.
v لقد أظهر أن هذا الأمر ليس كاملاً في كل جوانبه، بل هم ناقص تمامًا. وليس فقط ناقص، وإنما هو مؤذي ما لم يرتبط بأمرٍ آخر. فإذ يقول: “لنا معرفة (علم)” يضيف “العلم ينفخ، ولكن المحبة تبني“، حتى متى كانت المعرفة بدون المحبة ترفع الإنسان إلى الشعور بالتباهي المطلق… إنه يعني أن المعرفة تقف في حاجة تامة إلى الحب… أما الحب فيجمعنا معًا ويقودنا إلى المعرفة.
v معرفتهم ليس فقط نفختهم، وإنما فرقتهم عن بعضهم البعض. لهذا كان كل واحدٍ يعارض الآخر.
تفسير القمص أنطونيوس فكري
آيه 1 :- و اما من جهة ما ذبح للاوثان فنعلم ان لجميعنا علما العلم ينفخ و لكن المحبة تبني.
لجميعنا علماً = جميعنا نعلم أنه ليس إله آخر سوى الله، وأنه لا وثن. وبالتالي فإن أكل هذه اللحوم لا يؤثر علينا في شئ. فالأوثان عاجزة عن تقديس أو تدنيس الذبيحة لأنها، أي الأوثان، غير موجودة بالمرة. وما ذبح هو خليقة الله، يمكن أن نأكلها أياً كان مصدرها. العلم ينفخ = العلم الخالي من المحبة يصبح بلا قيمة وكانَّ صاحبه مملوء هواء، فهو يملأ النفس كبرياء وغرور. ولكن المحبة تبنى = تبنى الإنسان ليحيا ويرتفع سماوياً، وكل يوم يعرف عن الله أكثر ويدخل إلى أعماق أكثر. ومن له العلم والمحبة يبنى الآخرين في علاقتهم بالله. أما المعرفة بدون محبة للضعفاء إيمانياً، تجعلهم يتعثرون، ومعرفة دون محبة تقود للكبرياء. والكبرياء سيهدم علاقتنا بالله وبإخوتنا (رو 14 : 3 – 22). إما إذا أرتبط العلم بالمحبة فإنه يسخر ذاته لخدمة الآخرين، لكن العلم الكثير مع الكبرياء فقد قاد لهرطقات كثيرة.