يو34:4 طعامي أن اعمل مشيئة الذي أرسلني وأتمم عمله

 

“قَالَ لَهُمْ يَسُوعُ:«طَعَامِي أَنْ أَعْمَلَ مَشِيئَةَ الَّذِي أَرْسَلَنِي وَأُتَمِّمَ عَمَلَهُ.”(يو34:4)

+++

تفسير القمص تادرس يعقوب ملطي

“قال لهم يسوع:

طعامي أن اعمل مشيئة الذي أرسلني،

وأتمم عمله”. (34)

يرى القديس أمبروسيوس أن حديث السيد المسيح هنا يشير إلى عمل المسيح في حياة الناس لكي يعملوا إرادة الآب، ويتمموا عمله، لأن ما يفعله الناس كأعضاء في جسد المسيح، يُحسب كأنه هو نفسه قد عمله.

أكلنا وشربنا وقراءتنا وخدمتنا وعبادتنا كلها إنما لخدمة خلاص النفوس. هذه هي إرادة أبينا السماوي، طعام نفوسنا الشهي.

لقد هلكت النفوس بسبب عدم المعرفة. وقد وهبنا الله مفتاح الملكوت الذي هو إنجيله ومعرفة كلمته.

v الوليمة التي يتحدث عنها سليمان لا تتحقق فقط بالطعام العادي بل تُفهم بأنها تتحقق بالأعمال الصالحة. إذ كيف يمكن للنفس أن تتمتع بوليمة بحكمة أفضل إلا بالأعمال الصالحة، أو ماذا يمكن أن يملأ أذهان الأبرار بسهولة مثل معرفة تحقيق العمل الصالح؟ أي طعام أكثر بهجة من عمل مشيئة اللَّه؟ يخبرنا الرب أن لديه هذا الطعام وحده بفيضٍ. كما جاء في الإنجيل: “طعامي أن أعمل مشيئة أبي الذي في السماوات” )34). فبهذا الطعام يبتهج الذين يتعلمون بمعرفة عجيبة أن يصعدوا إلى المباهج العلوية، الذين يقدرون أن يعرفوا أيّة بهجة هي هذه، وأيّة نقاوة لها والتي يمكن للعقل أن يفهمها. إذن ليتنا نأكل خبز الحكمة، ونشبع بكلمة اللَّه. لأن حياة الإنسان التي خُلقت على صورة اللَّه لا تتحقق بالخبز وحده، بل بكل كلمة تخرج من فم اللَّه (مت 4:4). ويقول القديس أيوب عن الكأس بوضوح كامل: “كما تترقب الأرض المطر، هكذا فقل هؤلاء بالنسبة لكلماتي” (أي 23:29).

v إن كان طعامه هو أن يعمل مشيئة أبيه، هكذا أيضًا طعامه أن يشترك في آلامنا.

القديس أمبروسيوس

v “ليأتِ حبيبي إلى جنته ويأكل ثمرة النفيس” (نش 16:4). إنه لتعبير جرئ من نفس ممتلئة حماسًا وروعة ترتفع على كل تعجب.

من تدعوه العروس لوليمتها التي تتكون من فاكهتها الخاصة؟

لمن تُجهز العروس وليمتها التي أقامتها من مصادرها الخاصة؟

من تدعوه العروس لكي يأكل مما عرضته؟ “هو الذي منه وبه وله كل الأشياء” (رو 36:11). إنه يعطى كل شخص طعامه في حينه (مز 15:145)، يفتح يده ويملأ كل كائن حي بالنعيم. هو الخبز النازل من السماء (يو 41:6)، هو الذي يعطى الحياة للعالم ويجعل المياه تفيض من نبعه الخاص للحياة.

هذا هو الواحد الذي ترتب العروس له مائدتها. وهي الحديقة التي تنبت منها أشجار حيّة.

ترمز الأشجار إلينا وتُشير أرواحنا المُخلّصة إلى الطعام المُقدم له. وقال لتلاميذه: “أنا لي طعام لآكل لستم تعرفونه أنتم” (يو 32:4، 34). تتميم إرادة اللّه المقدسة: “فهو يريد أن جميع الناس يخلصون وإلى معرفة الحق يقبلون” (1 تي 4:2).

هذا الخلاص هو الغذاء الذي يُجهز له. تعطى إرادتنا الحرة الثمرة للّه وهي أرواحنا، ليقطفها من على غصنها الصغير. تمتعت العروس في البداية بثمرة التفاح الحلوة المذاق قائلة” وثمرته حلوة لحلقي” (نش 3:2). ثم أصبحت هي نفسها الثمرة الجميلة الحلوة التي قُدمت للراعي ليتمتع بها.

القديس غريغوريوس النيسي

فاصل

تفسير الأب متى المسكين

34:4- قَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «طَعَامِي أَنْ أَعْمَلَ مَشِيئَةَ الَّذِي أَرْسَلَنِي وَأُتَمِّمَ عَمَلَهُ.

المسيح تجتاحه الرغبة الإلهية لخلاص الناس بعنف يغطي كل أعواز الجسد! هنا يستعلن سر الحركة الإلهية في نفس وجسد المسيح كيف تحل محل كل رغبات وشهوات وحاجة الجسد والنفس معاً!
‏إن الأصوام العالية القدر والقدرة التي مارسها الرب سواء في الأربعين على الجبل وحده أو غيرها هي لرفع الجسد والنفس البشرية لتتصادق مع الرغبات الإلهية المقدسة التي للاهوته!! هنا حالة مصغرة من هذه الحالات التي كانت تعلن عن وجودها إزاء المهمات الكبرى! هنا مطالب اللاهوت تغطي على مطالب الجسد، وتدعو الجسد للتآلف معها ليشبع من المشيئة المقدسة ويقنع بمجد الرسالة! هنا الجسد يتجيب بكل حرارته وقوته فتلتهمه نار الجذوة الإلهية فلا يبقى فيه إلا إرادة موحدة لتكميل الرسالة حتى كمالها. وكأن المسيح يريد أن يقول لهم جئت لأعطي نفسي طعاماً لحياة الناس فوق أن أكل طعام الناس لأحيا. حياتي ليست من طعام الجسد بل من حياة الآب: «كما أرسلني الآب الحي وأنا حي بالآب, فمن يأكلني فهو يحيا بي.» (يو57:6‏)
لا ننسى أبداً أن جسد المسيح تعين أصلاً وأساساً ليكون ذبيحة وليس لمجاراة أعوازه!! والذبيحة بدأت يوم أن خرج إلى العالم ينادي بالخلاص، الخلاص المعقود لواؤه على ذبيحة الجسد!! الذبيحة لم تبدأ وتنتهي عند الصليب، بل تراءى المسيح في إنجيله مذبوحأ بالنية من اليهود كل يوم!! أما هو فلم يشفق على الجسد، بل بسرور كان يقدمه للآب كل يوم في الأتعاب والإضطهادات والجوع والعطش ذبيحة مسرة!! «لذلك عند دخوله إلى العالم يقول ذبيحة وقرباناً لم ترد ولكن هيأت لي جسداً. بمحرقات وذبائح للخطية لم تٌسر. ثم قلت هأنذا أجيء, في درج الكتاب مكتوب عني، لأفعل مشيئتك يا الله .» (عب5:10-7)
‏إن العمل الحاسم الحازم الذي أخذه الرب في نفسه وعلى نفسه أنه قدس المشيئة كلية لعمل الفداء!! «لأجلهم أقدس أنا ذاتي» (يو19:17‏)! لقد أفرغ المسيح كل عافية الجسد حتى آخر قطرة إلى أن قالها وهومرتاح «قد أُكمل» (يو30:19). ليس أنه كان يسعى متسرعا أن يشرب الكأس، بل بتمهل فائق الوصف والقدرة، وبتغييرات جذرية في تنوع الخدمة وتغيير الإتجاه في السير وتغيير الأماكن للخدمة وللتوقف عن العمل، ثم الإستئناف. كان يتحاشى الصدام المبكر مح القاتلين، حتى إلى درجة استخدام القدرة الفائقة في إخفاء وجوده, حتى يكمل كل العمل الذي كان يستلمه من الآب يومأ بيوم… لقد قالها أيضأ وهو مرتاح: «أنا مجدتك على الأرض. العمل الذي أعطيتني لأعمل قد أكملته» (يو4:17‏)!!! ولكن أي تكميل؟ تكميل الآلام بالآلام: «لأنه لاق بذاك الذي من أجله الكل وبه الكل, وهو آت بأبناء كثيرين إلى المجد, إلى أن يكمل رئيس خلاصهم بالآلام.» (عب10:2)
‏نعم، وقد صار هذا التكميل المتقن لحساب كل البشرية ويزيد: «وإذ كمل صار لجميح الذين يطيعونه سبب خلاص أبدي.» (عب9:5)
‏فإذا كان تصميم المسيح الحاسم شديداً لهذا الحد في تكميل مشيئة الآب الذي أرسله وتتميم عمله، لذلك كان همه الطاغي أن ينقذ الخطة المرسومة بكل اعتناء، حتى صارت إرادة المسيح ومشيئته مبتلعة تماماً في مشيئة الآب من نحو العمل الموضوع أمامه. لذلك لا نتعجب أن يسقط في الطريق كل اهتمامات الجسد ومشيئات الناس والأهل: «فأجاب وقال (للقائل له): من هي أمي ومن هم إخوتي. ثم مد يده نحو تلاميذه وقال ها أمي وإخوتي. لأن من يصنع مشيئة أبي الذي في السموات هو أخي وأختي وأمي.» (مت48:12-50‏)

فاصل

تفسير القمص أنطونيوس فكري

آية (34): “قال لهم يسوع طعامي أن اعمل مشيئة الذي أرسلني وأتمم عمله.”

كل ما يفكر فيه المسيح هو خلاص النفوس، وهذه هي إرادة الآب التي أرسله لأجلها فجسد المسيح تعيَّن أصلاً ليكون ذبيحة وليس لمجاراة أعوازه، بل العكس كان يُكمَّلْ بالآمه (عب10:2+ 9:5).

فاصل

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى