يو1: 6 كان إنسان مرسل من اللَّه اسمه يوحنا

 

“كَانَ إِنْسَانٌ مُرْسَلٌ مِنَ اللهِ اسْمُهُ يُوحَنَّا.” (يو1: 6)

+++

تفسير الأب متى المسكين 

6:1 – كَانَ إِنْسَانٌ مُرْسَلٌ مِنَ اللَّهِ اسْمُهُ يُوحَنَّا. هَذَا جَاءَ لِلشَّهَادَةِ لِيَشْهَدَ لِلنُّورِ لِكَيْ يُؤْمِنَ الْكُلُّ بِوَاسِطَتِهِ. لَمْ يَكُنْ هُوَ النُّورَ بَلْ لِيَشْهَدَ لِلنُّورِ

‏لا يزال التسلسل الإعلاني عن الكلمة يسير في مجراه، من الأزلية عند الله ثم إلى الخلق، ثم إلى الحياة في الناس، وإلى النور. وهنا يبدأ القديس يوحنا ليدخل «بالكلمة«» إل مجال التاريخ ‏الانجيلي.

‏والملاحظ أن الأناجيل بعد أن استوفت قصة ميلاد المسيح، بدأت على الفور تاريخ الإنجيل بذكر يوحنا المعمدان كبدء للخدمة العملية والكرازة. هذا ما سار عليه القديس يوحنا، إذ بعد أن استوفى استعلان وجود المسيح السابق على ميلاده أي تجسده، بدأ يؤرخ. ولكن أسلوب القديس يوحنا يرتفع دائمأ بالتاريخ إلى ما هو فوق التاريخ. فإن كل كلمة ذكرها عن المعمدان وضعها في القابل لما ذكره عن المسيح، ليجعل المقارنة تنطق بألوهية المسيح.

فـ كان “إنسان” يقابلها “وكان الكلمة الله

ثم «مرسل من الله» يأتي الفعل مبنياً للمجهول بصوم ة تجعل التركيز يقع على الإرسالية في حد ذاتها وعلى هدفها، فهي إرسالية إلهية ولكن المرسل “إنسان اسمه يوحنا”. والقديس يوحنا يركز على الإرسالية أنها من الله باعتبار أن هذه الارسالية، وليس شخصه، هي التي تعطي المعمدان أهميته.
‏«اسمه يوحنا» هنا لو رجعا إلى إنجيل لوقا (59:1-66‏) وقرأنا قصة تسمية يوحنا، نفهم لماذا ركز القديس يوحنا الإنجيلى على هذا الاسم من حيث القصد من التسمية, ثم معنى الاسم. فالقصد في قصة إنجيل لوقا مربوط بعلاقته بمجيء المسيح، والمعنى «الله يتحنن» يشير إلى تحنن الله بإرسال المخلص. فالتسمية والاسم بالنسبة للمعمدان يخدمان الإعلان عن المسيح الكلمة المتجسد. كذلك لا ننسى أن اسم كاتب الإنجيل هو يوحنا. فبالرغم من أن الأناجيل الثلاثة ذكرت المعمد بأسمه “يوحنا” مضافأً إليه لقبه الشهير جداً “المعمدان”، حتى يميزوه عن يوحنا الإنجيلي، إلا أذ يوحنا نفسه لم يذكر لقب المعمدان مكتفياً بيوحنا، لأنه ليس ما يدعو للتمييز فهو كاتب الإنجيل. وهذا ما أخذه كثير من الشراح لإثبات أن كاتب الإنجيل الرابع هو يوحنا.

فاصل
تفسير القمص تادرس يعقوب

“كان إنسان مرسل من اللَّه اسمه يوحنا” (6).

فعل “كان” هنا في اليونانية يعني “صار” على عكس فعل “كان” في الآية 1 “كان الكلمة”، إذ جاء في صيغة فعل الكينونة، بمعني أنه كائن لا زمني.

لم يقل الإنجيلي: “أرسل الله يوحنا المعمدان” بل ركز على الإرسالية ذاتها “إنسان مرسل من الله“، غايتها الشهادة لشخص الكلمة الإلهي بكونه النور المُشرق على الجالسين في الظلمة.

v إذا سمعت أن يوحنا مُرسل من الله فلا تظن أنه يتكلم بأقواله، لكنه إنما يتكلم أقوال مرسله، ولهذا ُسمى ملاكًا (ملا 3: 1)، وفضيلة الملاك ألا يقول قولاً من ذاته.

القديس يوحنا الذهبي الفم

فاصل
تفسير القمص أنطونيوس فكري

الآيات (يو 1: 6-8): “كان إنسان مرسل من الله اسمه يوحنا. هذا جاء للشهادة ليشهد للنور، لكي يؤمن الكل بواسطته. لم يكن هو النور، بل ليشهد للنور.”

هنا نرى الكلمة يبدأ يدخل للتاريخ الإنساني، هنا الإنجيلي بدأ يربط بين الكلمة وبين خليقته ، فالكلمة هو النور، ينير لها فلا تضل بسبب حريتها. ويوحنا المعمدان كان سابقاً للمسيح، وهذا ما سجلته كل الأناجيل ويسجله يوحنا هنا أيضاً، فيوحنا الإنجيلي كان تلميذاً للمعمدان ثم صار تلميذاً للمسيح. ولأن يوحنا الإنجيلي يتكلم عن لاهوت المسيح فهو لم يذكر قصة ميلاده بالجسد. ويوحنا الإنجيلي أورد قصة المعمدان هنا بعد أن تحدث عن ألوهية وأزلية المسيح ليعقد مقارنة بين ألوهية المسيح وإنسانية يوحنا المعمدان. والنور لا يحتاج لأحد يشهد عنه، لذلك المسيح غير محتاج لشهادة يوحنا المعمدان. لكن النور يحتاج لمن يراه. وكان المعمدان هو المبصر الذي يشهد للعميان. فالأعمى يحتاج لمبصر يرى ويخبره.

اسمه يوحنا = معنى اسمه الله يتحنن، فالمعمدان حتى باسمه كان يكرز بعمل المسيح المُخَلِّص. هذا = أي يوحنا المعمدان.

وعمل يوحنا المعمدان كان هو الدعوة للتوبة، وكل من يقدم توبة تنفتح عينيه فيعرف المسيح الآتي. (وهذا حدث مع التلاميذ مثلًا). أما من رفض تقديم توبة فلقد ظل في ظلام خطيته ولم يعرف المسيح.

جاء للشهادة = فلأن يوحنا الإنجيلي يتكلم عن لاهوت المسيح فهو يهتم بأن يضع الشهود الذين يشهدون بهذه الحقيقة، ولذلك فكلمة الشهادة ترد في إنجيل يوحنا 14مرة، والفعل يشهد ورد 33 مرة. بينما كلمة الشهادة وردت في إنجيل مرقس 3مرات ولوقا مرة واحدة ولم ترد في متى نهائيًا. وهناك 8 شهادات للمسيح:

1-   شهادة الآب: (31:5+34+37)+(18:8) “الآب الذي أرسلني يشهد لي”

2- شهادة المسيح نفسه: (14:8+18)+ (11:3+32)+ 37:18 “وإن كنت أشهد لنفس فشهادتي حق”

3-   شهادة الروح القدس: (15:26+ 14:16) “فهو يشهد لي”

4- شهادة الأعمال التي يعملها المسيح: (36:5+ 25:10+ 11:14+ 24:15) (معجزاته وحياته وطهارته واتضاعه)

5-   شهادة الأسفار المقدسة: (39:5+46) “موسى شهد لي” وكل رموز العهد القديم والنبوات.

6-   شهادة التلاميذ ويوحنا الإنجيلي وتوما: (27:15+ 35:19+ 24:21+ 28:20)

7- شهادة يوحنا المعمدان: (راجع يو34:1) وراجع أقوال وشهادة المعمدان عن المسيح في (يو19:1-39) + (يو27:3-36) وهذه الآية التي نحن بصددها. ويسجلها الإنجيلي الذي كان تلميذًا للمعمدان وصار تلميذًا للمسيح، فقد سمع كل ما قاله المعمدان عن المسيح.

8-   شهادة نثنائيل ثم السامرية ثم المولود أعمى:

لم يكن هو النور= يبدو أن هناك كثيرين ظنوا أن المعمدان هو المسيح فتبعوه على هذا الأساس ولم يعرفوا المسيح. ويوحنا الإنجيلي هنا يشير إلى أن المعمدان مجرد شاهد ليظهر المسيح للناس. راجع (لو15:3+ أع24:18-25+ أع1:19-7)

ليشهد للنور= الإنجيلي هنا يتحدث عن المسيح كنور فهو لم يأتي بعد للحديث عنه كإنسان بعد أن تجسد وصار إلهًا متأنسًا. لذلك فما زال يشير له بطبيعته الإلهية.

لكي يؤمن الكل= أي اليهود الذين شهد لهم المعمدان (يو34:1) بل للعالم أجمع.

 

فاصل

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى