يو3: 17 لأنه لم يرسل اللَّه ابنه إلى العالم ليدين العالم، بل ليخلص به العالم
“14«وَكَمَا رَفَعَ مُوسَى الْحَيَّةَ فِي الْبَرِّيَّةِ هكَذَا يَنْبَغِي أَنْ يُرْفَعَ ابْنُ الإِنْسَانِ، 15لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ. 16لأَنَّهُ هكَذَا أَحَبَّ اللهُ الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ، لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ، بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ. 17لأَنَّهُ لَمْ يُرْسِلِ اللهُ ابْنَهُ إِلَى الْعَالَمِ لِيَدِينَ الْعَالَمَ، بَلْ لِيَخْلُصَ بِهِ الْعَالَمُ. 18اَلَّذِي يُؤْمِنُ بِهِ لاَ يُدَانُ، وَالَّذِي لاَ يُؤْمِنُ قَدْ دِينَ، لأَنَّهُ لَمْ يُؤْمِنْ بِاسْمِ ابْنِ اللهِ الْوَحِيدِ. 19وَهذِهِ هِيَ الدَّيْنُونَةُ: إِنَّ النُّورَ قَدْ جَاءَ إِلَى الْعَالَمِ، وَأَحَبَّ النَّاسُ الظُّلْمَةَ أَكْثَرَ مِنَ النُّورِ، لأَنَّ أَعْمَالَهُمْ كَانَتْ شِرِّيرَةً. 20لأَنَّ كُلَّ مَنْ يَعْمَلُ السَّيِّآتِ يُبْغِضُ النُّورَ، وَلاَ يَأْتِي إِلَى النُّورِ لِئَلاَّ تُوَبَّخَ أَعْمَالُهُ. 21وَأَمَّا مَنْ يَفْعَلُ الْحَقَّ فَيُقْبِلُ إِلَى النُّورِ، لِكَيْ تَظْهَرَ أَعْمَالُهُ أَنَّهَا بِاللهِ مَعْمُولَةٌ».”(يو3: 14-21)
+++
تفسير القمص تادرس يعقوب ملطي
“لأنه لم يرسل اللَّه ابنه إلى العالم ليدين العالم،
بل ليخلص به العالم”. (17)
على الصليب قدم السيد المسيح الخلاص علانية أمام العالم كله. “قد شمر الرب عن ذراع قدسه أمام عيون كل الأمم، فترى كل أطراف الأرض خلاص إلهنا” (إش 52: 10)
سبق فأعلن الجانب السلبي أن من يؤمن به لا يهلك، وألحقه بالجانب الإيجابي “له الحياة الأبدية“. هنا أيضًا من الجانب السلبي “لا يدين” والإيجابي “يخلصه“. أما قول السيد ” “ليخلص به العالم“، فكانت ليست فقط جديدة علي مسامع اليهود من قادة وشعب، بل ومعثرة لهم. فقد فسر المعلمون نبوات العهد القديم الخاصة بالمسيا المنتظر أنه يقيم ردم خيمة داود، ويرد الملك والعظمة والمجد لبني إسرائيل، ليدين الأمم ويسحق الشعوب الأخرى. أما أن يخلص العالم فهذا ما لم يكن ممكنًا للعقلية اليهودية أن تقبله بأي شكل من الأشكال.
v قبل مجيئه وُجد ناموس الطبيعة والأنبياء بالإضافة إلى الناموس المكتوب والتعاليم وربوات الوعود وإعلانات الآباء والتأديبات والعقوبات وعلامات أخرى كثيرة وًضعت لكي نسلك حسنًا. يتبع هذا كله أنه يطلب حسابات عن هذه. ولكنه إذ يحب البشرية فإلى حدٍ بعيدٍ يغفر عوض أن يفحص، إذ يفعل ذلك لأجل الذين أسرعوا نحو الهلاك.
v هو لا يدين، فهل تدين أنت؟
إنه يقول: “من يؤمن بي لا يمكث في الظلمة” (يو 47:12)، أي أنه إن كان في الظلمة لا يبقى فيها، بل يصلح خطأه ويصحح نقائصه، ويحفظ وصاياي، إذ قلت: “لا أشاء موت الشرير بل إصلاحه” (راجع حز11:23). لقد قلت أن من يؤمن بي لا يُدان، وأنا أحقق ذلك لأني لم آتِِ لكي أدين العالم بل أن يخلص العالم بي [17]. أود أن أعفو بسرعة، أغفر. “أريد رحمة لا ذبيحة” (هو 6:6)… “ما جئت لأدعو أبرارًا بل خطاة” (مت 13:9). الذبيحة هي تحت الناموس، والرحمة في الإنجيل. “الناموس بموسى أُعطيَ، وأما النعمة فهي بي” (راجع يو 17:1).
تفسير الأب متى المسكين
17:3- لأَنَّهُ لَمْ يُرْسِلِ اللَّهُ ابْنَهُ إِلَى الْعَالَمِ لِيَدِينَ الْعَالَمَ بَلْ لِيَخْلُصَ بِهِ الْعَالَمُ.
قَدْ شَمَّرَ الرَّبُّ عَنْ ذِرَاعِ قُدْسِهِ أَمَامَ عُيُونِ كُلِّ الأُمَمِ
فَتَرَى كُلُّ أَطْرَافِ الأَرْضِ خَلاَصَ إِلَهِنَا. (أش52:10)
يلاحظ القارىء ازدواج الفكر السلبي ثم الإيجابي. ففي السالفة «… جاء لكي لا يُهلك، بل يكون له الحياة». وهنا «لا ليدين بل ليخلص». هذا أسلوب القديس يوحنا وهو نوع من التحديد القاطع للمعنى، كما سيجيء في الآيات القادمة أيضأ الإيجابي ثم السلبي: «الذي يؤمن لا يدان والذي لا يؤمن فقد دين».
كما سيجيء أيضاً في الآية بعد القادمة: «أحب الظمة أكثر من النور، كل من يعمل السيئات يبغض النور وكل من يفعل الحق يقبل إلى النور».
كانت كل تحقيقات الربيين عن نبوات مجيء المسيا تفيد أنه سيعلي من شأن الأمة ويدين الشعوب ويسحق الأمم ويبيدها، وكان روح هذا التعليم بالذات أحد العثرات والمعوقات التي وقفت حائلاً دون قبول المسيح, وكان نيقوديموس أحد الأئمة الذين تشبعوا بهذه الروح العدائية نحو أمم العالم ويقابلها روح التعالى والافتخارر بالعنصرية اليهودية والإعتداد الشنيع بالفريسية وإتقان التعليم بالحرف. هنا يصحح المسيح ويوضح أن هدف المسيا الأساسي هو الخلاص لكل أمم العالم وليس الدينونة. وإن تحتمت الدينونة، فلا تكون هدفاً لمجيء المسيا قط, وانما جزاء للذين انعمت بصائرهم وانسدت آذانهم وصاروا من سواقط الخلاص, وهذا وذاك لليهودي قبل الأممي!!
ولا ينبغي أن يغيب عن البال أن الحكم بالدينونة والموت والهلاك هو القانون الذي يرزح أصلاً تحته كل بني آدم, لأن الكل وُلد بالخطية والكل أخطأ وزاغ. والمسيا جاء ليرفع الخطية, وبالتال قانون الموت واللعنة، فالذي يرفضه يحكم على نفسه بالبقاء تحت الخطية واللعنة!!! بل ويُكمل, برفض المسيح, مكيال خطاياه.
والذي يفحص فكر إنجيل يوحنا يشعر كأنه يدافع عن شيء و يرفع الملامة عن الله ! نعم, فقد حدثت الكارثة وسقطت أورشليم واندكت حتى التراب وتخرب الهيكل وحُرق عن أخره. هذه هي الخلفية التي يكتب القديس يوحنا على ضوئها إنجيله. فهو يستميت ليبرىء الله من كل ما حدث, الذي بدا وكأنه نقمة مروعة حلت بالمعاندين, فالعلامات بحسب النبوات كانت واضحة في سلوك كل الطبقات المتعلمة مع كل أعماء المجمع مع غالبية الشعب, إن لم نقل كله في رفض صوت الكلمة، إلا أفراداً يعدون بالعشرات وحسب.
القديس يوحنا يكتب إنجيله الآن ونحن في نهاية القرن الأول، وأورشليم سقطت بهيكلها سنة 70م، أي مضى الآن ثلاثون سنة تقريباً, وقد تشتت الشعب وخربت البلاد وانتهى اليهود إلى الصفر، لذلك يقول إن الله لم يرسل ابنه إلى العالم ليدين العالم، أي لم يكن خراب أورشليم وتهدم الهيكل وحرقه على مستوى الدينونة. لأن رسالة الابن الوحيد هي تنفيذ وصية الحب الأبوى من نحو العالم للخلاص حتى لا يهلك أحد، كل من يؤمن. أما ما حدث لأورشليم والهيكل وللأمة اليهودية، فهو النصيب الذي حدده المسئولون مع الشعب لأنفسهم؛ لقد حكموا بأنفسهم على أنفسهم بانتهاء زمان الحب لما رفضوا الابن الحبيب، وحكموا على الهيكل بالهدم لما هدموا هيكل ابن الإنسان بالرغم من تحذيره لهم. لقد سعوا في الظمة ضد النور, فأدركتهم الظلمة وانتهى لهم زمن النور. أما الذين كانت أعمالهم صالحة، فهؤلاء أحبوا النور وتقبلوا رسالة الحب: «بهذا أُظهرت محبة الله فينا أن الله قد أرسل ابنه الوحيد إلى العالم لكي نحيا به.» (1يو9:4)
وواضح أن إنجيل القديس يوحنا يضح الحب في رأس قائمة هذه الآيات، حتى يرفع من الدينونة رائحة البغضة الإلهية؛ فالذين خلصوا بنداء المحبة ظهر فيهم فعل المحبة، والذين رفضوا نداء المحبة دخلوا تحت الحرمان منها بإرادتهم. فالدينونة أصبحت حرماناً من محبة الله وليست غضبأ منسكباً عليهم.
والقصد كله الذي يريد أن يخلص إليه الإنجيل هو أن المحبة أصل الدينونة والمتسببة فيها، لأنه لولا المحبة ما كان خلاص ولولا الخلاص ما كانت دينونة. وهذا هو سلاح المحبة الرهيب ذو الحدين.
تفسير القمص أنطونيوس فكري
آية (17): “لأنه لم يرسل الله ابنه إلى العالم ليدين العالم بل ليخلص به العالم.”
يا نيقوديموس الخلاص الذي جئت لأقدمه يختلف عن الناموس، فالناموس الذي أنت متمسك به يدينك، بل يحكم عليك بالموت. وكانت تعاليم الربيين اليهود أن المسيا حين يأتي سيبيد الأمم ويسحقها. لكن المسيح هنا يقول أن هدفه هو خلاص الأمم بل العالم كله وليس دينونة العالم (إش10:52). فالمسيح في مجيئه الأول أتى ليخلص ولكنه في مجيئه الثاني سيأتي ليدين. فالشمس التي تضئ للناس هي نفسها تميت البعض من ضربة الشمس والماء الذي يحيي الناس، هناك من يغرق فيه ويموت.