يو6: 36 ولكني قلت لكم أنكم قد رأيتموني ولستم تؤمنون

 

32فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ:«الْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: لَيْسَ مُوسَى أَعْطَاكُمُ الْخُبْزَ مِنَ السَّمَاءِ، بَلْ أَبِي يُعْطِيكُمُ الْخُبْزَ الْحَقِيقِيَّ مِنَ السَّمَاءِ، 33لأَنَّ خُبْزَ اللهِ هُوَ النَّازِلُ مِنَ السَّمَاءِ الْوَاهِبُ حَيَاةً لِلْعَالَمِ». 34فَقَالُوا لَهُ:«يَا سَيِّدُ، أَعْطِنَا فِي كُلِّ حِينٍ هذَا الْخُبْزَ». 35فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ:«أَنَا هُوَ خُبْزُ الْحَيَاةِ. مَنْ يُقْبِلْ إِلَيَّ فَلاَ يَجُوعُ، وَمَنْ يُؤْمِنْ بِي فَلاَ يَعْطَشُ أَبَدًا. 36وَلكِنِّي قُلْتُ لَكُمْ: إِنَّكُمْ قَدْ رَأَيْتُمُونِي، وَلَسْتُمْ تُؤْمِنُونَ. 37كُلُّ مَا يُعْطِينِي الآبُ فَإِلَيَّ يُقْبِلُ، وَمَنْ يُقْبِلْ إِلَيَّ لاَ أُخْرِجْهُ خَارِجًا. 38لأَنِّي قَدْ نَزَلْتُ مِنَ السَّمَاءِ، لَيْسَ لأَعْمَلَ مَشِيئَتِي، بَلْ مَشِيئَةَ الَّذِي أَرْسَلَنِي. 39وَهذِهِ مَشِيئَةُ الآبِ الَّذِي أَرْسَلَنِي: أَنَّ كُلَّ مَا أَعْطَانِي لاَ أُتْلِفُ مِنْهُ شَيْئًا، بَلْ أُقِيمُهُ فِي الْيَوْمِ الأَخِيرِ. 40لأَنَّ هذِهِ هِيَ مَشِيئَةُ الَّذِي أَرْسَلَنِي: أَنَّ كُلَّ مَنْ يَرَى الابْنَ وَيُؤْمِنُ بِهِ تَكُونُ لَهُ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ، وَأَنَا أُقِيمُهُ فِي الْيَوْمِ الأَخِيرِ».” (يو6: 32-40)

+++

تفسير القمص تادرس يعقوب ملطي

 

“ولكني قلت لكم أنكم قد رأيتموني ولستم تؤمنون”. (36)

v رأوا الرب، الله بالطبيعة، حينما أطعم جمعًا غفيرًا لا يُحصى، كان قد جاء إليه، بخمسة أرغفة شعير وسمكتين صغيرتين، كان قد قسمها لهم. لكنهم رأوا ولم يؤمنوا بسبب العمى الذي أغشى فهمهم كضباب بسبب الغضب الإلهي… لأنهم متمسكون بعثرات لا حصر لها، ومقيدون بحبال تعدياتهم التي لا فكاك منها (أم ٥: ٢٢). لم يقبلوه حين جاء إليهم، وهو القادر على حل قيودهم وتحريرهم. لهذا السبب كان قلب هذا الشعب غليظًا.

القديس كيرلس الكبير

فاصل

تفسير الأب متى المسكين 

 

36:6- وَلَكِنِّي قُلْتُ لَكُمْ إِنَّكُمْ قَدْ رَأَيْتُمُونِي وَلَسْتُمْ تُؤْمِنُونَ.

الكلام هنا تكملة للقول: «أنا هو خبز الحياة»، ورداً على قولهم: «أعطنا في كل حين هذا الخبز»، لقد أخطأوا الرؤية وتزيفت لهم الحقيقة، بل الحق الناصع، بسبب تركيزهم الكلي على شهواتهم ومنافعهم وأمالهم الدنيوية الكاذبة. فخبز الحياة الذي قدمه المسيح لهم هو شخصه، ولكنهم تجاوزوه وأرادوا آية المن النازل من السماء، لأن ذ‏لك كان يرضي شهواتهم.
فهنا يواجه المسيح رؤيتهم المزيفة ويحاول أن يردهم للحقيقة مرة أخرى: «ولكني قلت لكم إنكم قد رأيتموني ولستم تؤمنون»‏. الإشارة هنا إلى أية سابقة هي: «االحق الحق أقول لكم أنتم تطلبونني ليس لأنكم رأيتم آيات, بل لأنكم أكلتم من الخبز فشبعتم» (يو26:6), لقد رأوا الآية واضحة أمامهم عندما بارك الخبز وأطعمهم: خسة آلاف من خمس خبزات، فكان شخصه هو محور ‏الآية لأنهم راوه كمُعطي خبز الشبع، كصاحب بركة السماء، هذه البركة التي رأوها بل أكلوها، ولكنهم آمنوا بالخبز الذي ملأ بطونهم ولم يؤمنوا لا بالبركة ولا بمصدرها. لماذا؟
‏هنا يشرح لهم المسيح سبب عدم إيمانهم وهو أنهم مرفوضون من الله الآب, فلو كانوا مقبولين لدى الله الآب لكان الآب قد سلمهم للابن، ولكانوا أقبلوا على الابن بمسرة إرادتهم، ولكان الابن قد أدخلهم في النور وصاروا أبناء الله. أما لماذا رفضهم الله؟ فالمسيح يشير بكل وضوح إلى أية سابقة وهي: «هذا هو عمل الله أن تؤمنوا بالذي هو أرسله» (يو29:6)، عندما يعمل عمل الله. فالمسيح عمل أمامهم وتحت بصرهم عمل الله، مبرهناً أنه هو الذي أرسله الله لهم, ولكن: «قد رأيتموني ولستم تؤمنون»
‏بالإضافة إلى رؤية المسيح صانعاً معجزات، وهذا بحد ذاته هو عمل الله الذي ينبغي أن يؤدي إلى التعرف على المسيح شخصيا كمرسل من الله وابن له، يركز المسيح هنا وفي مرات أخرى أيضاً على التعرف عليه شخصيا بل وفى مرات أخرى أيضاً على التعرف عليه شخصيا بدون آيان. هذا نعرفه بوضوح من قوله لفيلبس: «أنا معكم زمانا هذه مدته ولم تعرفني يا فيلبس، الذي رأني فقد رأى الآب, فكيف تقول أنت آرنا الآب» (يو9:14). وهذا يشير إلى أن شخص الرب كان يحمل سمات إلهية لا تُخفى عن العيون المفتوحة التي طوبها الرب: «فإني الحق أقول لكم إن أنبياء وأبرارا كثيرين اشتهوا أن يروا ما أنتم ترون ولم يروا، وأن يسمعوا ما أنتم تسمعون ولم يسمعوا» (مت17:13). الرؤيا هنا والسمع حاستان مفتوحتان على الإيمان, فالحواس البشرية جُعلت لا لتخدم الجسد فقط، بل هي متصلة بالروح إذا تهذبت بالكلمة الإلهية وخضعت لهاتف الخير وايحاء الروح.
‏ولكن شهوة الجسد وشهوة العيون وتعظم المعيشة تتلف حواس الإنسان وتخضعها لتخدم ملذات الإنسان، فيصاب بالعمى والصمم الروحيين.
‏فالرب يتعجب جدا من فيلبس كيف فات عليه الإحساس بالحقيقة الإلهية الكائنة في المسيح، كما يتعجب جدا من اليهود هنا الذين لم يؤمنوا به, حتى بعد أن رأوه متكلما بكلام الله وعاملا أعمال الله.
ولكن المسيح يشدد أولا على سهولة وإمكانية الإيمان به بدون رؤية آيات وأعمال ولكنهم أخطأوا رؤيته لأنهم أخطاوا إلى الله: «فقالوا له أين هو أبوك؟ أجاب يسوع لستم تعرفونني أنا ولا أبي، لو عرفتموني لعرفتم أبي أيضاً.» (يو19:8)
‏ثم يتنازل المسيح إلى واجب الإيمان به إذا تكلم كلام الله: «فإن كنت أقول الحق فلماذا لستم تؤمنون بي؟ الذي من الله يسع كلام الله لذلك أنتم لستم تسعون لأنكم لستم من الله» (يو46:8-47)؛ «لو لم أكن قد جئت وكلمتهم لم تكن لهم خطية, وأما الآن فليس لهم عذر في خطيتهم.» (يو22:15)
‏ثم يتنازل المسيح أكثر ويرى أنه من الواجب بل ومن الضرورة أن يؤمنوا به لأنه يعمل أعمال الله: «إن كنت لست أعمل أعمال أبي فلا تؤمنوا بي, ولكن إن كنت أعمل فإن لم تؤمنوا بي (شخصيا) فآمنوا بالأعمال، لكي تعرفوا وتؤمنوا أن الآب في وأنا فيه.» (يو37:10-38)
‏أي أن الإيمان بالمسيح مفتوح في الدرجة الأولى برؤيا بدون قول أو عمل، وإلا فالدرجة الثانية بالقول وبالعمل، فإن انغلق الإيمان وانحجب المسيح حتى بعد الرؤيا والقول والعمل، فهذه علامة غضب الله.

فاصل

تفسير القمص أنطونيوس فكري

 

آية (36): “ولكني قلت لكم أنكم قد رأيتموني ولستم تؤمنون.”

فكل ما يريدونه مطالب دنيوية، خبز نازل من السماء بدون جهد. قد رأيتموني= وهذا يدينهم أنهم رأوا المسيح ورأوا وجهه المقدس وهيئته الإلهية ورأوا معجزاته وسمعوا أقواله ومع هذا لم يؤمنوا. وذلك لأن شهوة الجسد وتعظم المعيشة يتلف حواس الإنسان الروحية فلا يتعرف على المسيح.

فاصل

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى