ماذا تعنى كلمة عقيدة؟ وما هى غايتها؟

استخدمت الكلمة اليونانية (عقيدة) δογμα فى العهد الجديد لتعنى القرار الذى أخذه الرسل بقيادة الروح القدس فى مجمع الرسل (أعمال16: 4). غايتها ان يسلك المؤمنون فى طريق الخلاص، الذى تحرص الكنيسة على السلوك فيه عبر التاريخ دون انحراف. تقوم هذه العقائد فى الكنيسة الأرثوذكسية أساساً على الكتاب المقدس والتقليد المقدس الرسولى. حجر الزاوية فيها السيد المسيح الذى ربط اليهود (العهد القديم) بالأمم، بالكشف عن عمل الثالوث القدوس فى خلاص الإنسان، وسلوكه فى الرب ونموه فى المعرفة المقدسة وترقبة لمجئ الرب فى اليوم الأخير.

  1. ما هى السمات الرئيسية فى العقائد المسيحية؟

أولاً: العقائد المسيحية ليست أفكاراً مجردة للجدال والحوار الجاف، بل للحياة والسلوك فى المسيح يسوع، والتمتع بعربون الأبدية ونحن بعد على الأرض. هذا الإيمان المسيحى تختبره الكنيسة عملياً وتفسره المجامع المقدسة المحلية والمسكونية. حقاً توجد مدارس للفكر اللاهوتى، توضح بأسلوب أو آخر العقائد الإيمانية، يلزم ألا تعارض ولا تتجاهل الكتاب المقدس والتقليد المقدس. هذه التفاسير أو التوضيحات تُدعى “آراء لاهوتية”.

ثانيا: كل عقيدة مسيحية صادقة تمس أعماق النفس والقلب والفكر، دون تجاهل لدور الجسد والسلوك الظاهر. بهذا يتلامس المؤمن مع الحق الإلهى، إذ خلق الإنسان من نفس وجسد.

ثالثاً: الكنيسة هى المفسر للحق الإلهى والحارس له، والحريصة على خلاص أبنائها وحثهم على الشهادة لإنجيل المسيح، وتقديم الثالوث القدوس محب البشر لكل إنسان. يقول أبينا بطرس الرسول: “عالمين هذا أولاً: أن كل نبوة الكتاب ليست من تفسير خاص، لأنه لم تأتِ نبوة قط بمشيئة إنسان، بل تكلم أناس الله القديسون مسوقين من الروح القدس” (2بط 1: 20 – 21).

رابعاً: هذه العقائد كنسية، تحفظها الكنيسة الواحدة المقدسة الجامعة (الكاثوليكية) الرسولية.

كلمة (جامعة أو كاثوليكية)، لا تعنى مجرد تجميع الكنائس من مناطق مختلفة، إنما هى الكنيسة التى تضم المؤمنين من آدم إلى مجئ الرب الأخير. وهى لا تتعصب لمذهب معين، إذ يقول الرسول عن الكنيسة: “ولبستم الجديد الذى يتجدد للمعرفة حسب صورة خالقه، حيث ليس يونانى ويهودى، ختان وغرلة، بربرى وسكيثى، عبد حرّ، بل المسيح الكل وفى الكل” (كو3: 10 – 11).

خامساً: كثيرون اشتهوا التعرف على الحق الإلهى برغبة صادقة، فكشف لهم الرب عن الطريق بإعلانات متنوعة. نذكر على سبيل المثال الخصي الأثيوبي، أرسل له الرب فيلبس ليرشده ويبشره (أع8: 35). وكرنيليوس قائد مئة من الكتيبة التى تُدعى الإيطالية، وهو تقى وخائف الله على جميع بيته، وكان يصلى إلى الله فى كل حين، فأرسل الله له ملاكاً، وسأله: “والآن أرسل إلى يافا رجالاً واستدع سمعان الملقب بطرس… هو يقول لك ماذا ينبغى أن تفعل” (أع10: 5 – 6).

  1. هل الإيمان بالعقائد الإلهية يتنافى مع النمو فى المعرفة؟

يدعونا الرسول بولس إلى النمو فى الإيمان كما إلى فى المعرفة. فالإيمان الحى ينمو مع المعرفة، والمعرفة الصادقة تنمو مع الإيمان. بالإيمان يدرك المؤمن معرفة الإعلان الإلهى. يقول الرسول: “لأجل تكميل القديسين لعمل الخدمة، لبنيان جسد المسح. إلى أن ننتهى جميعنا إلى وحدانية الإيمان ومعرفة ابن الله، إلى إنسان كامل؛ إلى قياس قامة ملء المسيح” (أف4: 12، 13).

يبلغ المؤمن الصادق فى إيمانه إلى معرفة هذا الإيمان مستخدماً قدراته الفكرية المقدسة فى الرب، يتعرف على الإيمان ويتلامس معه ويقبله وينمو فيه ويتعرف على الحق الإلهى خلال خبرته العملية الشخصية مع الثالوث القدوس فى كنيسة الله المقدسة. هكذا لا يتعارض الإيمان مع القدرات العقلية حتى بالنسبة للأمور التى لا يدرك العقل طبيعتها كما هى. فالروح القدس قائد الكنيسة ينير المؤمن، بل ويسمع قول الرب: “أنتم نور العالم” (مت5: 14). فلا نعجب من قول الرسول: “بل قدسوا الرب الإله فى قلوبكم، مستعدين دائماً لمجاوبة من يسألكم عن سبب الرجاء الذى فيكم، بوداعة وخوف” (1بط3: 15). إذ نتعرف على العقائد الإيمانية السليمة ونتفهمها نشهد لها بحياتنا وفى عبادتنا، ونغلق الباب على ظهور الهراطقة الذين يفترسون الرعية.

فاصل

من كتاب كاتيكيزم الكنيسة القبطية الأرثوذكسية – جـ2 – العقائد المسيحية – القمص تادرس يعقوب و الشماس بيشوي بشرى.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى