حامل الأيقونات “الأيقونستاسز”

يعتبر الأيقونستاسز أحد الملامح الرئيسية للكنائس الأرثوذكسية فى معمارها ([326])، وهو عبارة عن حاجز مصنوع من الخشب أو الرخام يضم أيقونات الرب وملائكته وقديسيه، يقوم بين الهيكل وصحن الكنيسة. يُلاحظ أن بعض الكنائس القديمة خاصة الكنيسة التى بدير القديس مقار الكبير والتى ترجع هياكلها الحالية إلى القرن السابع أن أبواب الهيكل عبارة عن عقد دائرى ضخم يصل إلى السقف تقريباً وكأن الأقباط صمموا ألا يوجد ما يحجب الشعب عن الأقداس او يمنعهم عن الشركة فى التقديس.

1. ماهى أسماء حامل الأيقونات؟

أ. κιγκλις أو حائط مشبكى أو شعرى. أشار يوسابيوس إلى وجود حواجز خشبية مشبكية فى كنيسة صور العظيمة “صُنعت بفن دقيق تبهر أنظار المتطلعين إليها”.

ب. διαστυλα أى حاجز مصنوع من الأعمدة. تحتضن فيما بينها بعض الألواح الخشبية أو الرخامية، يرسم عليها أيقونات، أو ينقش عليها عبارات من الكتاب المقدس.

ج. δρύφοκτα أو سور.

د. Tέκπαλον أو معبد. دعى معبداً، إما لأنه يماثل واجهة المعابد القديمة أو للتعبير عن الفكرة المسيحية أنه موضع مقدس فيه يعبد الله.

2 – ما هو دور حامل الأيقونات؟

أ. قام حامل الأيقونات كإحدى علامات مهابة “سر المذبح” أو “سر المسيح الذبيح”، دون انعزال عن لغة الحب. يربط الكتاب المقدس بين الخوف أو المهابة والحب، إذ يقول الله نفسه “فإن كنت أنا أباً فأين كرامتى، وإن كنت سيداً فأين هيبتى؟!” (ملا1: 6). فمهابة الذبيحة فى المفهوم الأرثوذكسى لا يعنى سلبية العلمانيين فى خدمة اليتورجية. فالليتورجيا هى من عمل الكنيسة كلها، كهنة وعلمانيين.

ب. الأيقونستاسز بأيقوناته يقدم جواً سمائياً للعبادة. يقول القديس يوحنا الذهبى الفم: [كأنما قد أخذ الإنسان إلى السماء عينها، يقف بجوار عرش الله ويطير مع السيرافيم ([327])]. بالصليب تمت المصالحة بين العالم السماوى والعالم البشرى!

ج. يشهد الأيقونستاسز أن آباءنا وإخوتنا الذين رحلوا فى الرب ليسوا بعيدين عنا. يشير الأيقونستاسز إلى حجز الصف الأول من صحن الكنيسة للقديسين الذين هم واحد مع إخوتهم المجاهدين.

3 – ما هى أبواب الأيقونستاسز؟

أ. يحوى الأيقونستاسز ثلاثة أبواب، الباب الملوكى أو الباب المقدس كمدخل للهيكل الرئيسى وبابين أخريين للهيكلين الجانبين. دُعى بالملوكى لأن عنده غالباً ما تقدم القرابين ويختار الكاهن الحمل، الذى يتقدس ويتحول إلى جسد الرب، ملك الملوك، القدوس.

ب. إذ يعلن الأيقونستاسز المصالحة بين الله والإنسان والوحدة بين السماء والأرض فإن الأبواب الثلاثة تشير إلى عمل الثالوث القدوس فى تحقيق المصالحة وبلوغ هذه الوحدة.

ج. أحياناً يبرز حامل الأيقونات بالهيكل الرئيسى عن حاملى الأيقونات الخاصين بالهيكلين الجانبيين كما فى كنيستى أبى سرجه وحارة زويلة. هذا البروز يسمح بوجود بابين جانبيين للهيكل الرئيسى، يستخدمان فى طقس الدورات الاحتفالية فى الأعياد، ويستخدمان لدخول الشمامسة الهيكل.

د. يدخل الكاهن الهيكل ووجهه نحو المذبح، برأس منحنية، وعند الخروج يراعى الكاهن ذات الطقس فيثبت عينيه نحو المذبح (أى يخرج بظهره)، كأنه يؤكد أن عينيه الداخلتين مرتكزتان على مذبح الله أو عرشه، على أن الخروج يكون من الجانب الأيسر من الباب فى مهابة.

ﻫ. فى الكنائس القديمة كان رئيس الشمامسة “الأرشيذياكون” يحتفظ بمفاتيح هذه الأبواب.

و. تزين هذه الأبواب عادة بالأيقونات والنقش. كما تكتب عليها عبارات من الكتاب المقدس مثل: “ارتفعى أتيها الأبواب الدهرية ليدخل ملك المجد…” (مز23: 9). “هذا هو باب الرب والصديقون يدخلون فيه” (مز118: 20). أحياناً يكتب فى أعلى الباب العبارة “السلام لهيكل الله الآب”.

4 – ما هى نوافذ الأيقونستاسز؟

كان يوجد أحياناً على جانبى كل باب فى حامل الأيقونات نافذتان صغيرتان ترتفعان حوالى متر ونصف عن وجه الأرض. كانت تستخدمان فى عصور الاضطهاد، خلالهما يراقب شماسان من داخل الهيكل أبواب الكنيسة، فإذا رأيا هجوماً أخطرا الكاهن، الذى يقوم بإخفاء الذبيحة المقدسة ويطفئ الأنوار ويمزق أغطية المذبح، لكى لا تُستعمل خارج نطاق القداسة.

5 – ما هو ترتيب الأيقونات على الأيقونستاسز؟

أ. على الجانب الأيمن من الباب الملكى أيقونة ربنا يسوع، ممسكاً بالإنجيل وقد كتب عليه “أنا هو الراعى الصالح” (يو10: 11). تعلن هذه الأيقونة أن السيد المسيح هو الباب الفريد المؤدى إلى ملكوت الله، والراعى الصالح الذى فتح ابواب السماء بذبيحته، واهبة الحياة. بجانب هذه الأيقونة أيقونة القديس يوحنا المعمدان الذى هيأ الطريق للرب. تليها أيقونة القديس الذى بنيت الكنيسة تكريماً له. يلى ذلك أيقونات بعض الشهداء والقديسين وصور عن بعض أحداث من الكتاب المقدس.

ب. من الجانب الآخر أيقونة القديسة مريم الثيؤتوكوس، تمثل الكنيسة بكونها الملكة عن يمين الملك يسوع المسيح. يليها أيقونة البشارة فرئيس الملائكة ميخائيل والقديس مارمرقس أحياناً بعض الرسل.

ج. أعلى الباب الملكى توجد أيقونة العشاء الأخير، على يمينها ويسارها عادة توجد أيقونات التلاميذ الاثنى عشر، تذكرنا بأن كنسيتنا رسولية، إيمانها رسولى وتسير بفكر رسولى ويقودها رعاة رسوليون.

د. أعلى حامل الأيقونات الصليب المقدس تقف على جانبيه القديسة مريم والقديس يوحنا الحبيب.

6 – ماذا يتدلى من الأيقونستاسز؟

أ. السرج: تذكرنا بنور المسيح الذى يشرق خلال قديسيه. ولا يُوضع سراج أمام أيقونة ربنا يسوع المسيح، إذ هو النور الذى به تستنير الكنيسة جميعها.

ب. بيض النعام: يتدلى بين الأيقونات أمام الأيقونستاسز. قيل إن القديسة مريم المجدلية عندما سألها بيلاطس بنطس كيف قام الذى مات، سألته بدورها: وكيف تخرج فرخه من البيضة؟ لهذا السبب ارتبط البيض الملون بعيد القيامة كما وجد أيضاً بيض من الرخام فى المقابر الأولى.

7 – ما هى رسالة الأيقونات؟

تقوم الأيقونات بدور تعليمى، فمن خلال لغة الألوان تعلن الأيقونات للجميع الإنجيل المقدس، توضح تعاليم الكنيسة، وتنطلق بمشاعر المؤمنين إلى الحياة العتيدة. تصوّر لنا أحداث العهد القديم والعهد الجديد كما تصور لنا علاقتنا بالسمائيين، وتلهب نفوسنا شوقاً نحو الأمجاد. الأيقونات هى عظات وكتب مرسومة، مسجلة بلغة بسيطة جامعة، يقرأها الكل دون تمييز بين لسان ولسان، يترجمها الأمى بلغة البساطة، ويتلمس فيها المتعلم ما تعجز الكتابة الإفصاح عنه. الأيقونات لغة الكنيسة الجامعة الممتدة عبر الأجيال.

فى إحدى الأمسيات إذ كنت فى الكنيسة، وأنوار “القناديل” أمام الأيقونات تعكس شعاعاً خفيفاً، دخل شاب… سار حتى باب الهيكل ووقف أمام الأيقونات قليلاً ثم عاد والدموع تجرى من عينيه. لقد كان عازماً على الانتحار فخرج من بيته يشترى أقراص منومة يأخذها فى إحدى الحوارى البعيدة ليلاً لكيلا يراه أحد فينقذه… لكنه وهو راكب فى الترام لمح بصيصاً من النور يظهر خلال نوافذ الكنيسة، فوضع فى قلبه أن ينزل ويصلى قبل أن يرحل. وفى لحظات فى جو الكنيسة الهادى تماماً وأمام الأيقونات المقدسة لم يستطع أن يحبس دموعه، وهو يقول فى نفسه تُرى هل أحرم من صحبة هؤلاء القديسين فى الرب؟! وعلى حد تعبيره معى قال للرب: “لو تضاعفت أتعابى عشرات المرات لن أيأس بعد!”.

8 – ما هو موقفنا من الوصية: “لا تصنع لك تمثالاً منحوتاً ولا صورة ما مما فى السماء من فوق وما فى الأرض من تحت وما فى الماء من تحت الأرض. لا تسجد لهن ولا تعبدهن. لأنى أن االرب إلهك إله غيور” (خر20: 3 – 5).

أ. الحذر من العبادة الوثنية: روح هذه الوصية هو وضع حد فاصل للوثنية عن العبادة وليس منع استخدام الصور فى ذاتها. يقول الأنبا يوساب الأبح: [أمر الله عبده موسى أن يعمل تابوتاً من الخشب يصفحه بالذهب ويضع فيه لوحى الشهادة والقسط الذهبى المحتوى على المن وعصا هارون التى أفرخت. ويصنع للتابوت غطاء، ويثبت عليه كاروبين من ذهب شبه شخصين بأجنحة مفرودة قائمين على أرجلهما نحو البيت الخارجى. وكان موسى وجميع الشعب يخرجون ويسجدون أمام التابوت. وكان الرب يكلم موسى من بين الكاروبين (خر25: 22)]. هذا وكان الكاروب مصوراً على حجاب خيمة الاجتماع بين قدس الأقداس والقدس. وكان فى هيكل سليمان كاروبان كبيران مغشيان بالذهب يظلل جناحيهما التابوت. كما كانت صورة الكاروب منقوشة على حوائط الهيكل وعلى مصراعى الباب… (1مل6: 27 – 32، 29؛ 2أخبار3: 7) دلالة على حلول الله فى بيته المقدس.

أمر الله موسى أن يعمل تمثالاً من النحاس لحية محرقة (نارية)، يضعها على عامود فى البرية لتكون مصدر شفاء لكل من ينظر إليها (عد21: 8، 9). قد حملت الحية النحاسية رمزاً للمسيا المصلوب كقول الرب: “وكما رفع موسى النبى فى البرية هكذا ينبغى أن يرفع ابن الإنسان، لكى لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية” (يو3: 14، 15). وحين أساء الشعب استخدام تمثال الحية النحاسية وعبده كصنم مقدمين له قرابين قام حزقيا بسحقه (2مل18: 4).

ب. التمييز بين العبادة والتكريم: يقول الأب يوحنا الدمشقى: [أن منع الصور فى العهد القديم قام جوهرياً على عجز الشعب اليهودى عن التمييز بين العبادة Latreia الخاصة بالله وحده، والتكريم Prokynesis الذى يمكن تقديمه لغير الله. أما المسيحيون… فيستطيعون ألا يمزجوا بين التعبد للسيد المسيح وتوقير أيقونته المقدسة].

ج. بالتجسد الإلهى أظهر الله نفسه على الأرض بشكل منظور يمكن تصويره، وخضعت حياته على الأرض إلى أحداث يمكن رسمها فى أيقونات كما يمكن تسجيلها بالكلمات ([328]).

9 – هل يجوز السجود لغير الله؟

أ. جاء فى الكتاب المقدس أنه عندما أبصر يشوع ملاك الرب واقفاً عند أريحا خرّ ساجداً على وجهه (عد22: 31). هذا أيضاً ما فعله لوط (تك19: 1)، وتكرر مع دانيال (دا10: 9).

ب. السجود لأماكن وأشياء مقدسة. كما يقول الكتاب: “أسجد أمام هيكل قدسك” (مز5: 7). “اسجدوا عند موطئ قدميه” (مز99: 5).

ج. السجود أمام أناس نالوا كرامة أو سلطان بتدبير إلهى، كسجود يعقوب لأخيه الأكبر عيسو سبع مرات حتى الأرض (تك23: 3). وسجود أولاد يعقوب لأخيهم يوسف بوجوههم حتى الأرض (تك42: 6) وسجود الملك سليمان لأمه بثشبع (1مل2: 19)، وسجود كثيرين للملوك دون أن ينتقدهم الكتاب المقدس.

د. سجود للتعبير عن مشاعر عميقة كسجود إبراهيم أمام بنى حث (تك23: 12).

ﻫ. السجود أمام تابوت العهد وعصا هرون وإناء المن… الأمور التى هى من عمل الإنسان.

و. تقدست الأرض حين حملت العليقة الملتهبة ناراً وخلع موسى نعليه إعلاناً عن قدسيتها!

10 – ما هى أهمية تكريس الكنيسة والأيقونات؟

فى الطقس القبطى لا يقدم التكريم الخاص بالأيقونات المقدسة من تقبيل وتبخير ألا إذا كانت أيقونات كنسية، مكرسة وممسوحة بالميرون الذى يُمسح به المؤمنون بعد عمادهم ليحلّ الروح القدس فيهم ويصيروا هيكلاً مقدساً له. فتصير فى ملكية الرب مقدسة وقادرة بالروح القدس أن تجتذب القلوب إلى السماوات. كأن الأيقونة الكنسية تحمل قوة روحية فعالة فى حياة الكنيسة. هذا ما يكشفه طقس تكريس الأيقونات المقدسة، فبعدما يصلى الكاهن صلاة الشكر ويرفع البخور، يصلى قائلاً.

[أيها السيد الرب… الذى من قبل عبده موسى أعطانا الناموس منذ البدء، وأمر بصنع تابوت الشهادة به مثال الشاروبيم والسيرافيم، الذى يسترون المذبح بأجنحتهم، وأعطيت الحكمة لسليمان لبناء البيت الذى فى أورشليم، وظهرت لأصفيائك الرسل القديسين بتجسد ابنك الوحيد ربنا وإلهنا ومخلصنا يسوع المسيح ليبنوا لك الكنائس على اسم قديسيك وشهدائك، نسأل ونطلب منك يا محب البشر الصالح أن ترسل روحك القدوس على هذه الأيقونة التى لوالدة الإله… (أو اسم القديس أو الشهيد حسبما تمثل الصورة) لتكون ميناء للخلاص].

تحدث الأنبا يوساب الأبح عن تكريم الأيقونة المكرسة وفاعليتها فى حياة الكنيسة قائلاً: [تقولون كيف نسجد للألوان؟ وكيف نقنع أفكارنا؟… لابد من تكريس أوانى الخدمة والمذابح والصور، لا من يد كاهن، بل من يد رئيس الكهنة ([329]) ويمسحها بدهن الميرون، والميرون هو مثال الروح القدس. قوانين الكنيسة تسمح للشماس أن يمسك بالكأس ويناول منه المؤمنين، لكن لا تسمح له أن يحمل الميرون ولا أن يقترب إليه، لأنه ليس له سلطان أن يعطى الروح القدس لغيره…

انظروا إلى طقس الكنيسة، كيف رتب بحكمة دقيقة بإرشاد روح الله، فالمذبح والأوانى والصور يجب ألا يُسجد أمامها بل ولا تُقبل أيضاً قبل أن يمسحها رئيس الكهنة بدهن الميرون

يأمر قانون الكنيسة أن تُحضر الصورة فوق المذبح أثناء صلاة القداس، ويصلى عليها… ثم تُمسح بدهن الميرون، وإذا من توزيع القربان ينفخ فى وجه كل صورة ثلاث مرات، قائلاً: “اقبلوا الروح”…

ربما تشك قائلاً: كيف يحلّ الروح القدس فى صورة؟ أقول لك أن كنت لا تصدق أن الروح يحلّ بدهن الميرون ونفخة الأسقف، فقد صار كل الإيمان باطلاً. فالروح إذن لا يحل على المذبح والقربان ولا الكنيسة، ويكون سجودنا أمام الهيكل باطلاً أيضاً. ولكن حاشا لله! اسمع ما يقوله الإنجيل المقدس من حلف بالمذبح فقد حلف به وبكل ما عليه، ومن حلف بالهيكل فقد حلف به وبالساكن فيه “(مت23: 20 – 21). عرفنى من هو ساكن فيه إلا روح الله؟!

ربما تقول: ومن الذى أسجد له؟ هل أسجد لروح الله الحال فى الصورة؟ أم أسجد للشهيد أو القديس صاحب الصورة؟ أقول، إنما السجود هو لروح الله، أما صاحب الصورة فينبغى له التبجيل والسلام والإكرام، وسؤاله للصلاة والشفاعة قدام الرب].

11 – لماذا نكُرم الأيقونات المقدسة؟

أظهر القديس باسيليوس الكبير فى اعترافه ليوليانوس الآتى: [إنى أكرم شخصيات أيقونات القديسين… التى تُرسم فى كل كنائسنا. أما المنع الوارد فى العهد القديم فلم يكن منعاً مطلقاً. جاء فى الوصية الثانية من الوصايا العشر التى أمرنا بها: “لا تصنع لك تمثالاً منحوتاً، ولا صورة ما مما فى السماء من فوق وما فى الأرض ومن تحت وما فى الماء من تحت الأرض” (خر20: 4). لكن الرب نفسه، أمر موسى أن يصنع صور للشاروبيم (خر25: 18 – 22). وفى موضع آخر أمر موسى أن يصنع حية نحاسية (عد21: 8 – 9). وعندما صنع سليمان الملك والنبى “الحبر” صنع اثنى عشر ثوراً تحت البحر (المسبوك) (1مل7: 25)، وعلى الأتراس التى بين الحواجب أسود وثيران وكروبيم (1مل7: 29). هذه الصورة التى للكاروبيم لم تكن لكى تُعبد، إنما لتذكر الإسرائيليين أن هذا الموضع مقدس، وانه يليق بهم وهم يدخلون هناك أن يكونوا مقدسين “.

لم يتجدد هذا المنع فى العهد الجديد بواسطة واهب الناموس، ربنا يسوع المسيح ابن الله، بل هو جدد شريعة العهد القديم وأكملها (مت5: 17)، وهو نفسه أعطى شريعة جديدة للعهد الجديد، متحدثاً بسلطان، قائلاً: “قد سمعتم أنه قيل للقدماء… وأما أنا فأقول لكم” (مت5: 21 – 22)].

ومن القرون الأولى للمسيحية اعتاد المسيحيون فى السراديب أن يرسموا الأحداث والأشخاص بمعانِ رمزية مثل المرساة والحمل والحمام والسمك. ويخبرنا غريغوريوس أسقف نيصص كيف انتشر بسرعة استخدام الأيقونات المقدسة فى القرن الرابع. وركز على الفوائد التى يستفيد بها من يرى الأيقونات المقدسة إذ تقوم بتعليمه ([330]).

تحدث القديس يوحنا الذهبى الفم عن علامة الصليب المقدس، وأخبرنا أن “الكل يرشمون أنفسهم بعلامة الصليب على جميع أعضائهم باستمرار، أى على الجبهة… وفى كل موضع يرى الشخص علامة الصليب، فى البيوت والأسواق والبرارى والطرق وفى الجبال، وفى البحر والسفن والجزائر، وفى المخادع وفى الملابس وعلى الأذرع، وعلى الأوانى الفضية وعلى الحيطان، يُشرق وينتشر فى كل موضع ([331])”.

12 – متى بدأ استخدام أيقونات السيد المسيح؟

التقليد الكنسى يعود بالأيقونات الأولى إلى أيام السيد المسيح والى الفترة التى تليها مباشرة، فقد عرفت تلك الآونة بازدهار فن التصوير للشخصيات المشهورة فى الإمبراطورية الرومانية ([332]). نذكر على سبيل المثال ما ورد فى التاريخ الكنسى ليوسابيوس قوله: [رأيت صوراً كثيرة جداً للمخلص ولبطرس وبولس حفظت إلى يومنا هذا ([333])]. هذه العبارة سبقها وصف تفصيلى لتمثال المخلص الذى رآه فى مدينة بنياس (قيصرية فيلبس) بفلسطين والذى أقامته نازفة الدم التى شفاها المخلص (مت9: 20 – 23).

حمل إلينا التاريخ روايات كثيرة خاصة بأيقونات المخلص التى صورت فى أيامه، نذكر منها:

أ. الرواية المشهورة عن أبجر الخامس الأسود (يخوما) ملك أديسا ([334]). فقد قيل عنه أنه بعث بسفارة إلى سابينوس الحاكم الرومانى لايليوثروبوليس بفلسطين، وإذ علم الرسل أثناء عبورهم على أورشليم أن نبياً جديداً يشفى المرضى فكروا حالاً فى ملكهم المضروب بالبرص، ونقلوا إليه هذه الأخبار السارة. وإذ لم يستطع الملك الذهاب إلى أورشليم بعث برسله إلى السيد المسيح يحملون رسالة يعلن فيها إيمانه به، طالباً أن يقبل الدعوة لزيارة بلدته الصغيرة اللطيفة ويشفيه إن أراد. وكان أحد المبعوثين يسمى حنانيا رساماً أراد أن يصور السيد المسيح فلم يستطع بسبب مهابة محياه، لكن الرب غسل وجهه وبطريقة معجزية طبع ملامحه على منشفة من الكتاب مسح بها وجهه. ويروى أوغريس أن هذه الصورة المعجزية أنقذت أديسا عندما حاصرها خسروا عام 540م. وقيل إن العرب استولوا عليها عند فتح أديسا، وطلبوا فيها ثمناً ضخماً من الإمبراطور. وقد روى كاتب مسيحى عربى يسمى أبو نصر يحى ([335]) انه رآها بعينيه فى سانت صوفيا عام 1058م، جاء فيها السيد المسيح شاباً جميلاً.

ب. الرواية الخاصة للقديسة فيرونيكا التى قدمت منديلها (غطاء رأسها) للسيد المسيح تمسح به وجهه وهو فى طريقه للجلجثة، فكافأها الرب عن عمل محبتها بانطباع صورته على المنديل.

ج. كان القديس لوقا الإنجيلى طبيباً ورساماً قام بتصوير القديسة مريم والطفل يسوع.

13 – لماذا تحفظت الكنيسة الأولى فى تصوير المسيح؟

كثيراً ما تحفظت الكنيسة الأولى فى تصويره، فعبرت عنه خلال الرموز وأحداث للعهدين القديم والجديد وأخيراً انتشرت الأيقونات الخاصة به. أما سرّ تحفظها فى تصوير أيقونته فهو الآتى:

أ. تشكك أغلب الآباء الأولين فى كمال بعض أنواع الفن خشية الارتداد إلى الوثنية.

ب. تردد الآباء فى إبراز جمال محياه. لئلا يرتبط اللاهوت فى ذهن البسطاء بالجمال الجسدى.

ج. ركز آباء الكنيسة على جمال أعمال المسيح الخلاصية، كقول القديس أغسطينوس: [جميل هو الله الكلمة مع الله (الآب)! جميل فى أحشاء البتول، ظهر فى ناسوته دون أن يفقد لاهوته!… جميل حين جُلد. جميل وهو يمنح الناس حياة، جميل فى عدم خوفه من الموت! جميل أن يضع نفسه وجميل أن يأخذها! جميل على الصليب، وجميل فى القبر، وجميل فى السماء! ([336])].

د. شعر بعض الآباء بشئ من الألم فى تصوير الرب، قائلين: يكفيه تواضعاً بقبوله التجسد.

ﻫ. خشى بعض الآباء من تصوير الرب فى أيقونات أن يحجب العابدين عن التفكير فى لاهوته.

و. الإحساس الحى بحضرة المسيح والتصاقه بالنفس الساكن فيها، وكأنهم كانوا يرددون كلمات الرسول بولس “إن كنا عرفنا المسيح حسب الجسد لكن الآن لا نعرفه بعد” (2كو5: 16).

ز. ابتلعت أفكار المسيحيين الأول فى الحياة الأبدية، منتظرين مجئ الرب الأخير.

ح. ركز المسيحيون على المسيح القائم من الأموات، الصاعد إلى السماوات ([337]).

ط. تعرض ممتلكات الكنيسة للتحطيم دفعها إلى عدم الاهتمام برسم الأيقونات على الحوائط.

14 – ما هى ملامح السيد المسيح؟

رأى بعض الآباء أمثال يوستين وترتليان وإكليمنضس فى التجسد الإلهى إخلاء الرب وتنازله حتى عن الجمال الجسدى إلى حد ما، فيقول القديس جيروم: [اختفى لاهوته ببهائه وعظمته تحت حجاب الجسد. وبعث بأشعته على ملامحه الجسدية، فسبى كل الذين كان لهم غبطة التطلع إليه ([338])].

وردت تفاصيل ملامحه فى الوصف المشهور لبابليوس لينتيلوس الذى بعث به إلى صديقه بيلاطس بنطس: [يوجد فى وقتنا هذا إنسان لا يزال على قيد الحياة، يصنع عجائباً، ويدعوه الناس نبياً قديراً، اسمه يسوع المسيح، ويدعوه تلاميذه ابن الله… ذو قوام معتدل وجميل. وجهه مملوء لطفاً مع حزم من ينظر إليه يحبه ويهابه أيضاً… جبهته تحمل صفاء وهدوء… جميل بين البشر].

15 – لماذا اهتمت الكنيسة بأيقونات القديسين؟

ما أن هدأت موجات الاضطهاد الرومانى ضد الكنيسة وصارت المسيحية هى الديانة الرسمية إذا بأيقونات الشهداء والقديسين تنتشر لتؤكد فكرة هامة فى استمرار الحياة الكنسية فوق حدود الزمن، فإن القديسين لا يزالون أحياء يعملون بصلواتهم لحساب الكنيسة. فى هذا يقرر الأب يوحنا الدمشقى: [امتلأ القديسون بالروح القدس أثناء حياتهم، وبعد رحيلهم تسكن نعمته فى أرواحهم كما فى أجسادهم فى القبر، وتعمل فى أشكالهم وأيقوناتهم المقدسة، لا سكنى الجوهر بل كنعمة وقوى إلهية ([339])].

هذا ما أعلنه الكتاب المقدس، فقد أقامت عظام أليشع ميتاً، لا من أجل العظام فى ذاتها، بل هو عمل الله فى قديسيه، حتى بعد رحيلهم (2مل13: 21). كما نسمع عن ظل بطرس الرسول يشفى المرضى وعصائب ومناديل القديس بولس تخرج الأرواح الشريرة.

16 – هل من ضرورة لأيقونات القديسين؟

يجيب الأب يوحنا الدمشقى قائلاً: [إن كنت تقيم صورة للسيد المسيح ولا تقيم صوراً لقديسيه. فإنك تتبرأ لا من إقامة صور لهم بل من تكريمهم، كأنهم ليسوا أهلاً لهذه الكرامة، مع أن الرب يقول: “أنا حىّ، أكرم الذين يكرموننى”. ويقول الرسول الإلهى إنه ليس عبداً بعد بل هو ابن، وبكونه ابناً فهو وارث بالله، كما يقول: “إن كنا نتألم معه لكى نتمجد أيضاً معه” (رو8: 17).

يقول الكتاب: “الله يجلس فى مجلس الآلهة” حاسباً القديسين آلهة. إذ نصور السيد المسيح ملكنا وربنا لا نجرده من جيشه، فان القديسين يمثلون جيش الرب. إن كانوا هم ورثة الله ووارثون مع المسيح فهم شركاؤه فى مجد عظمته الإلهى. يقول الأب يوحنا الدمشقى: [إن كان الرب نفسه يقول: “لا أعود أدعوكم عبيداً بل أحباء، فهل نجردهم نحن من الكرامة؟!” أما أنا فأسجد لأيقونة السيد المسيح لكونه الله المتجسد. وأسجد لأيقونة سيدتنا ووالدتنا كلنا بكونها أم ابن الله. وأسجد لأيقونات القديسين أمناء لله، فقد قاوموا الخطية حتى الدم، وتبعوا السيد المسيح بسفك دمائهم من أجل ذاك الذى بذل ذاته عنهم].

17 – أين توضع أيقونات الإنجيليين الأربعة وأيقونات التلاميذ؟

الإنجيليون الأربعة هم شهود حق، ومفسرون لحياة السيد المسيح وعمله الخلاصى. لهذا استخدمت صورهم فى أماكن العبادة المسيحية الأولى. غالباً ما يصورون فى الأربعة أركان تحت القبو الرئيسى لصحن الكنيسة أو على أركان قبو الهيكل كأعمدة ملوكية يقوم عليها ملكوت الله. أما أيقونات التلاميذ فتوضع فى أعلى حامل الأيقونات.

18 – ما هى أشكال هالة المجد فى الأيقونات القبطية؟

ميزت الكنيسة أيقونات قديسيها والملائكة بهالة من النور حول الرأس، إشارة إلى طبيعتهم كنور للعالم. أما شخص السيد المسيح فغالباً ما يُرسم صليب داخل الهالة، ويُكتب عليه الحرفان الأول والآخر من الأبجدية اليونانية “الألفا والأوميجا” (رؤ1: 8) علامة لاهوته. ويلاحظ على الهالة ما يلى:

أ. لا توضع هالة حول أشخاص على قيد الحياة وذلك بخلاف الغرب.

ب. لم نعرف الهالة التى على شكل مثلث أو مربع أو التى على شكل طبق أعلى الرأس.

ج. وجدت فى الأيقونات التى بدير بويط بصعيد مصر، والتى ترجع إلى القرن السادس، هالة حول جسد السيد المسيح وهو على العرش أو فى صعوده اشارة إلى لاهوته.

د. فى الكنيسة القبطية لا تشير الهالة إلى القوة فحسب، بل تحمل مفهوماً إلهياً ومقدساً ومطوباً. لهذا لن تُصور حول رأس الشيطان كما يحدث في بعض الصور اليونانية والسكسونية والفرنسية.

19 – لماذا نهتم بأيقونات الخليقة السماوية؟

الكنيسة هى لقاء سرى (باطنى) للمؤمنين مع الله غير المنعزل عن خليقته السماوية. لذلك فى إحدى العظات القبطية القديمة تُعرف الكنيسة أنها: “موضع التعزية، هى اجتماع الملائكة، وموضع الشاروبيم والسيرافيم”. قيل أيضاً أن القديس باخوميوس كان يرى الكنيسة مملوءة بالملائكة. أما العلامة أوريجينوس فيفسر هذا التعليم الكنسى بقوله: بإن كان ملاك الرب يعسكر حول خائفيه وينجيهم (مز33: 8) فيبدو أنه متى اجتمع عدد من الناس لمجد المسيح، يكون لكل منهم ملاكه يعسكر حوله إذ هم خائفوا الرب. كل ملاك يرافق إنساناً يحرسه ويرشده كما حدث مع طوبيا بن طوبيت، وبهذا متى اجتمع القديسون معاً تقوم كنيستان: كنيسة من البشر وأخرى من الملائكة! ([340])].

انطبع هذا المفهوم على معمار الكنيسة القبطية وفنها، فالمبنى الكنسى وهو يمثل الحياة الكنسية مملوءة بصور السمائيين، ولن توجد صورة واحدة للجحيم، كما يندر أن تجد صوراً للشيطان، وإن وُجدت فيظهر فى شكل حية أو تنين منهزم ساقط تحت قدمى ملاك أو قديس.

فى الكتاب المقدس ارتبط مجد الرب بالخليقة السماوية، فحين ظهر الرب الجالس على العرش رأى إشعياء النبى السيرافيم ذوى الأجنحة الستة (إش6)، وشاهد حزقيال النبى الشاروبيم المملوئين أعيناً (حز1: 18) كما نظر القديس يوحنا التلميذ طغمات من الملائكة تسبحه! وحين تراءى الرب لإبراهيم أب الآباء كان ملاكان فى صحبته، أرسلهما إلى سدوم وعمورة (تك18).

يخبرنا العهد القديم عن إرسالية الملائكة للمؤمنين والأنبياء كجزء من أعداد الله خطته لخلاصنا، أما فى العهد الجديد فيندر أن يشير إلى حدث هام يخص خلاصنا أو سلامنا مع الله دون ظهور ملائكة. لهذا صورت الملائكة فى الأيقونات الخاصة بأحداث خلاصنا مثل أيقونات البشارة (لو1: 26 – 27)، والميلاد (لو2: 8 – 15)، والتجربة فى البرية (مت4: 11، مر11: 13) وجهاد السيد المسيح فى البستان (لو22: 43)، والقيامة (مت28: 2)، والصعود (أع1)، ومجيئه الأخير (مت13: 4).

يصور أحياناً الملائكة حاملين الأكاليل على هامات القديسين إشارة إلى السماء للمؤمنين وتشبه المؤمنون بالملائكة. كما توجد أيقونات خاصة ببعض السمائيين، خاصة الذين وردت أسماؤهم فى الكتاب المقدس مثل رؤساء الملائكة ميخائيل وجبرائيل وروفائيل.

20 – كيف تطورت الأيقونات عبر العصور؟

نستطيع أن نقسم تاريخ الأيقونات إلى ثلاث مراحل، وأن كانت هذه المراحل متداخلة إلا أنها تعطينا فكرة عن تطور الفكر الخاص بأيقونات الكنسية.

أولاً: مرحلة الرموز: أستخدمت الرموز فى القرنين الأول والثانى على نطاق واسع، فيظهر السيد المسيح فى شكل الراعى الصالح أو السمكة أو مختفياً تحت المونوجرام أى الحرفين الأولين لاسمه باليونانية XPICTOS على شكل صليب.

ثانياً: مرحلة أيقونات الكتاب المقدس: استخدمت الكنيسة الأولى أيقونات تصور مواضيع من الكتاب المقدس بقصد التعليم.

ثالثاً: مرحلة الأيقونات الاسخاتولوجية (الآخروية). صارت المسيحية هى الديانة الرسمية للدولة الرومانية فى القرن الرابع، واعتنق بعض الفلاسفة المسيحية، وساد السلام فى أنحاء الكنيسة. هذا كله خلق اتجاهين متضادين هما: انفتاح أبواب القصر الإمبراطورى فى وجه بعض الكنسيين فانحرفوا عن رسالتهم الروحية، وانشغل البعض بترقب بروسيا (مجئ) الرب، أى مجيئه الأخير. وجاءت العبادة الكنسية والأيقونات فى ذلك الحين تحمل اتجاها أخروياً قوياً، مثل أيقونات الشهداء والقديسين مكللين بالمجد وأيقونات الملائكة، وأيقونات الرؤى النبوية.

21 – إلى أى مدى ارتبط الأقباط بالفن خاصة فى الأيقونات؟

تغلغل الإيمان المسيحى فى حياة الأقباط حتى فى أكلهم وشربهم وأدبهم وفنونهم. تشهد بذلك الرموز والصور التى وجدت على خواتمهم ومصورة على حوائطهم وأبوابهم وكؤوسهم وأكوابهم وأطباقهم وكراسيهم. مثال ذلك، يوجد فى المتحف القبطى بالقاهرة مشط قبطى من العاج يرجع إلى القرن الخامس يظهر على أحد جانبيه فى شكل مومياء مصرية بينما يحمل السيد المسيح صليباً عوض القضيب، بجوار ذلك يوجد تصوير لشفاء عينى المولود أعمى على الجانب الآخر من المشط، يظهر قديس قبطى فى داخل إكليل يمسك به ملاكان.

حكم مصر على التتابع اليونانيون والرومان والبيزنطيون الخ. لهم ثقافاتهم وفنونهم الخاصة بهم، وكان لهؤلاء الحكام أحياء خاصة بهم فى مصر تركوا فيها آثاراً، التحمت مع الآثار القومية. هذا والآثار القبطية الحالية لا تمثل الجودة الحقيقية للفن القبطى، لأن اللوحات الثمينة حُطمت فى سلسلة من الاضطهادات المستمرة ([341]) كما وصف المقريزى. فى هذا يقول واسل: [فى أعلى العصر الوسيط وصف الكتاب العرب الرسومات الضخمة، كتلك التى فى مقدسات القديس مينا، والتى كانت لها شهرتها، لكن القليل منها الذى لا يزال موجوداً ([342])]. الآن نستطيع بصعوبة أن نأخذ صورة لما كان يوماً ما موجوداً يفيض فى الكنائس والأديرة.

22 – ما هى أهم ملامح الأيقونات القبطية؟

أولاً: تمثل الحياة المفرحة: أيقوناتنا مفرحة، فلا ترى قط ما يمثل آلام الرب والشهداء، ماعدا الصليب الحامل للنصرة، حيث علق ملك الملوك. وليس من صورة للجحيم بل صور عن السماء والخليقة السماوية والأكاليل السماوية، كأن الكنيسة تود أن تبعث الرجاء فى حياة أولادها.

ثانياً: مملوءة بورح الغلبة: إذ تسعى الكنيسة فى خلق روح الثقة فى أولادها، لهذا فهى لا تصور الشياطين وان صورتهم عند الضرورة يظهرون فى أحجام صغيرة، مطروحين فى ضعف.

ثالثاً: تحمل روح الحب واللطف. من أمثلة ذلك: تتلاقى أحد وجنتى القديسة مريم مع أحد وجنتى ابنها فى لطف عجيب، بينما يضع كل منهما يده على كتف الآخر فى رقة، وكأنه يصالح البشرية خلال أمه القديسة.

رابعاً: تعبر عن قوة الروح. كأن الفنان القبطى يريد إبراز قوة الروح الداخلى، فيرسم رؤوس الأشخاص ضخمة كرمز لله رأسنا السماوى، والأعين المتسعة علامة البصيرة الداخلية.

خامساً: أيقونات تمثل رجال الصلاة: الفنان القبطى إذ يصور قديسين يستخدم هذه الاتجاه، اى الصلاة، فيظهرون رافعين أياديهم للصلاة لله “Orant” كأنهم يعلنون أن الصلاة هى سرّ قداستهم. وهو الوضع الذى يفضله الشهداء والقديسون فى لحظات انتقالهم إلى الفردوس، كما استخدمت الكنيسة الأولى فى الصلاة، إذ يقول العلامة ترتليان: [ينظرون إلى فوق، بأيد منبسطة مفتوحة، ورأس مكشوفة]. وهذا ما حدث فعلاً مع شهداء ليبيا.

سادساً: حمل الصليب: لاحظ سميث ([343]) أن غالبية أيقونات الإسكندرية تصور السيد المسيح يحمل صليباً قبطياً، وكأن الكنيسة أرادت أن تتطلع إليه دائماً كمخلص لنا.

سابعاً: عناية الرب: يصور الرب على الصليب معلقاً بعينين مفتوحتين علامة خلوده وعنايته الإلهية المستمرة. يقول أولوجيوس الإسكندري: [نام ربنا قليلاً حسب الجسد على الصليب لكنه كإله بقيت عينى لاهوته مفتوحتان].

ثامناً: انفتاح البصيرة الداخلية؟ يصورون القديسين والخليقة السماوية وقد ظهر لكل منهما العينان علامة بصيرتهم الداخلية، أما الأشرار فيصورونهم من جنبهم حتى تظهر عين واحدة لهم، وكأنهم يتطلعون بعين إلى الأرضيات، بينما انطمست أعينهم الأخرى أى الداخلية تماماً فى الظلمة.

تاسعاً: القديسون المحاربون: تشتهر الكنيسة القبطية ككنيسة الشهداء بأيقوناتها الخاصة بالقديسين المحاربين (العسكريين) مثل الشهداء مارجرجس ومارمينا والأمير تادرس والأمير بقطر وأبى سيفين.

23 – ما هو أثر الفن القبطى على العالم؟

فى القرون الأولى، جذبت مصر كثير من قادة الكنيسة فى الشرق والغرب لدراسة الكتاب المقدس واللاهوت بمدرسة الإسكندرية، وجاءوا إليها ليمارسوا الحياة الملائكية فى صحرائها. هذا كما بِشر المعلمون الإسكندريون والرهبان فى بلاد كثيرة. خلال هذا الانفتاح الذى لكنيسة مصر انتشر الفن القبطى والفرعونى بطريقة غير مباشرة إلى العالم كله:

1. طبيعياً كان للفن القبطى أثره على فنون أثيوبيا وليبيا والنوبة والسودان وغيرها من البلاد التى كان أساقفتها تابعين للكرسى الإسكندرى.

2. لاحظ البعض تشابه بين التصميم السليتى والديكور القبطى. وتفسير ذلك هو الالتقاء بين الرهبان فى البلدين مصر وأيرلنده ([344])، فقد بشر سبعة رهبان من مصر فى إيرلندة، ودُفنوا هناك فى “ديزرت يولدا” فى هذا يقول واسيل ([345]): [تغلغل التأثير القبطى فى الفن الأيرلندى ومنه انتقل إلى الفن الألمانى المتطور. فان الكنيسة الأيرلندية قد زودت رهبانها المتجولين، والمملوئين غيرة للكرازة، لا بالأخبار السارة فحسب بل وبنقل الروح الفنى للكنيسة المحلية. فأينما استقروا يقوم الأيرلنديون بنشر فنهم، وبطريق غير مباشر ينشرون الأثر القبطى].

3. للفن القبطى أثره على الإمبراطورية الرومانية بل وامتد إلى خارجها خلال المنسوجات القبطية.

4. يقرر سميث ([346]) أن السيد المسيح المنتصر: [أو تصويره وقد وطأ تحت قدميه الأسد والتنين والأفعى والحية، هذا التصوير عرف فى الفن الفرنسى الأول منقولاً عن مصر. فقد وُجدت ذات الرسومات فى سراديب الإسكندرية مقتبسة عن الفن المصرى القديم (حورس الغالب الزحافات)]. يقول سميث: [عملية النقل التى حدثت عن الأشكال المصرية إلى الفن الفرنسى الأولى بالأمر المدهش، ولا هى خاصة بهذا المنظر وحده، إنما هو استمرار طبيعى أو ثمرة واقعية للأثر الشرقى الذى دخل إلى مقاطعة بروفانس خلال مرسيليا وانتشر فى بلاد الغال].

فاصل

من كتاب: كاتيكيزم الكنيسة القبطية الأرثوذكسية – جـ3 – الكنيسة ملكوت الله على الأرض – القمص تادرس يعقوب و الشماس بيشوي بشرى.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى