كتاب توجيهات في الصلاة للأب متى المسكين

طقس صلاة الروحانيين

 

حينما ترتفع الصلاة إلى التسبيح والتمجيد والشخوص في وجه المسيح

+ الصلاة هي دعوة للتعرف على صفات الله ولاهوته!! «الرب معكم ما كنتم معه، إن طلبتموه يوجـد لـكـم وإن تركتموه يترككـم» (2أخ15: 1)، «هذا ما تكلم به الرب قائلا: في القريبين مـني أتقـدس» (لا10: 3).

 لذلك عندما ينشغل قلب الإنسان بصفات الله الجميلة ويتقرب إليـه أثناء الصلاة، يدخل في اختبار تذوق صفات الله. فكلما انكشف لقلـب الإنسان صفة جديدة من صفات الله فإنه ينال منها شيئاً، لأن الله لا يُستعلن للإنسان نظرياً بل بالقوة، وإنما في سر. ففي أثنـاء الصـلاة يرفع الله الحجاب العقلي عن قلب الإنسان ويكشف له أسرار تدبيره وقيادتـه للخليقة ولنفسه علـى مـدى الحـوادث والسنين الكثيرة فيستشف منهـا الإنسان بوضوح صفات الله، إنمـا بنـوع مـن الإحساس الداخلي الذي يرافقه قوة، فيها يتذوق الإنسان الله ويأكله كمـا يتذوق الإنسان شهد العسل. فإن كان العسل الزائل يدفئ جسم الإنسان، فـكـم بـالحري الله الذي يشعل كل الكيان الروحي فيحس الإنسان بنـار إلهيـة تتأجج في باطنه، تارة تعمل للتطهير والتبكيت، وتارة تعمل للفرح والتعزية، تـارة تبث في الإنسان شوقاً حـاراً للملكوت، وتارة تقلقـه للخدمـة والبـذل؛ هكذا يتقبل الإنسان أثناء الصلوات إلهامات مشيئة الله التي تناسبه. ولكن إن كان في هذا الشعور أو ذاك، فالصلاة ترتفع إلى درجات عاليـة جـداً من التسبيح وتمجيد صفات الله العجيبة حيث لا يتعب اللسان ولا العقـل ولا الجسد من التسبيح والهتاف باسم الله وصفاته.

هذه الصلاة الملتهبة المقتصرة على التسبيح وتمجيد صفات الله فقط هي طقس صلاة الشاروبيم. والمعروف عن الشاروبيم أنهـم مملوءون أعيناً كناية عن البصيرة المتزايدة جداً التي يدركون بها طبيعة الله. ولكـن إدراكهم لطبيعة الله لا يتم لهم عقلياً إنما بالقوة والتأثير، لذلك قيـل عـن الشاروبيم أيضاً إنهم متقدون ناراً كناية عن تأثرهم الشديد بطبيعة الله. وهكذا نجد أن العلاقة بين «الممتلئين أعينـاً» و«المتقـديـن نـاراً» علاقة أساسية في الخليقـة الروحانيـة، لأن انكشاف البصيرة الروحانيـة في الصلاة يؤدى إلى استقبال قوة الطبيعة الإلهية النارية.

كذلك نعلم أن طقس صلاة الشاروبيم يمتاز بالصراخ بأصـوات لا تهدأ وأفواه لا تسكت عن التسبيح والتمجيد المتواصل: «قدوس قدوس قدوس» (إش3:6)، وذلك لأن طبيعة الله مجيدة جداً، ويستحيل على أية خليقة أن تطلع على طبيعة الله ثم تستطيع أن تكف عن تمجيدها.

لذلك حينما نشخص بالحب في وجه يسوع المسيح في الصلاة متواتراً دون أن يكون لنا أية علة للصلاة سوى تمجيد الله، يرتفع حينئذ الحجاب العقلي عن أرواحنا، وندرك محد طبيعة الله الذي في المسيح: «الذي أشـرق في قلوبنـا لإنـارة معرفـة محـد الله في وجـه يسوع المسيح» (2کو4: 6)، وبذلك ندخل في طقس الروحانيين. وهكذا نجد أن في الصلاة الشاخصة نحو المسيح على الدوام توهب أعينـاً كثيرة شاروبيمية تعمل فينا «لإنارة معرفة مجد الله». وحينئذ تتّقد قلوبنا بالنار الإلهيـة الـتي تضطرم فينا حتى لا نعود نقوى في هذه الساعات المباركة إلا على التمجيد المتواصل.

 

الصلاة لأجل الآخرين  كتب القمص متى المسكين المسيح ينتظرنا 
كتاب توجيهات في الصلاة
المكتبة المسيحية

 

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى