لأنه ماذا ينتفع الإنسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه؟
“لأنه ماذا ينتفع الإنسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه؟” ( مت16: 26)
هنا موازنة خاسرة وقع فيها ولا يزال يقع فيها غالبية الناس بلا تمييز. إذ يفضلون الوظائف والمناصب ، والكرامات ، والنجاح والأرباح المعنوية والمادية ، والمديح من الرؤساء والمصادر العليا والشهادات الكبرى والألقاب المزخرفة ، والحقول والقنية من كل نوع ، وبالاختصار العالم كله . فماذا سينفعه هذا كله أمام “أعط حساب وكالتك” ( لو 16 : 2)؟
وهنا أنشودة القديس بولس ذات مكان في هذا المقام : “ما كان لي ربحاً ، فهذا قد حسبته من أجل المسيح خسارة. بل إني أحسب كل شيء خسارة من أجل فضل معرفة المسيح يسوع ربي ، الذي من أجله خسرت كل الأشياء ، وأنا أحسبها نفاية لكي أربح المسيح ، وأوجد فيه”(في ۷:۳ ).
بولس الرسول عاش هذه الآية وترنم بها ، كان شاول ذا مقام عظيم عند اليهود ، وكان يحتسب نفسه متقدماً عن جميع زملائه في المعرفة والكرامة والغيرة والتدقيق في الناموس إلى الحد الأقصى! وفجأة ظهر له المسيح فأدرك فيه الحق والحياة وغنى النعمة ، ثم عمل المقارنة التي انشد بها أنشودته.
بولس الرسول يقول عن اختبار إنه لم ينتفع من كل ما ربحه من العالم باسم الدين ، وأنه كان أشقى الناس وخسر نفسه خسراناً مبيناً. كل ذلك أدركه عندما انكشف له الحق في المسيح وانفتحت روحه على الحياة الأبدية.
الإنسان يستطيع أن يُفدي من الضيقة أو الأسر ، بالمال ؛ ولكن ماذا يعطي ليُفدى من الموت ؟
المسيح يتكلم وهو عالم أنه سيترك الكنيسة من ورائه تعاني اضطهاد الموت على يد أقسى أباطرة العالم ، فهو يعطيها من الآن سر قوة الاستشهاد والغلبة على تهديد الموت.
فالذي قاله المسيح تحقق ولا يزال يتحقق كل يوم ، حتى اليوم ، بالشهادة والاستشهاد . فنحن لا نؤرخ للشهداء عبثاً، فتاريخ الكنيسة هو تاریخ استشهاد.
إن سألتني ما هي أهم آية أو فصل بالنسبة لحياتنا الحاضرة ، أقول لك هذا الفصل وفصل الصلبوت! فهذا الفصل سلَّمه المسيح للكنيسة ولكل مسيحي كوصيته العظمى، وهناك ختمها بدمه على الصليب.
عزيزي القارئ ، لكل إنسان صليب وضعه الله عليه ليحمله كجزء حتمي من صليب المسيح. فجيد أن يحمل الإنسان صليبه الذي وُضع عليه من يد الرب ، يحمله جيداً ويشكر ، وبصبر كثير وفرح لا يشتكي ولا يمل ولا يحاول أن يلقيه من على كتفه، ولا يستثقله لئلا يزداد عليه. فهذا له المكافأة الحسنة.
أما صليبنا المشترك فهو احتمال الاضطهاد من أجل الاسم ، والظلم والقسوة حتى الموت ، فهذا له إكليل الحياة الأبدية. فهذا صليب المسيح نفسه موزَّع بالتساوي على كل من يؤمن به.