تفسير سفر العدد ٢١ للقس أنطونيوس فكري
الإصحاح الحادى والعشرون
رحلة النصرة
خلال الرحلة تكون هناك غلبة إذ كان الله فى وسطنا وإذاً دخل التذمر تكون هزيمة بل تكون حيات محرقة ولكن هناك رجاء.. الحية النحاسية رمز المسيح المصلوب
الآيات 1-3:-
رأينا الشيطان ممثلاً فى أدوم يضع صعوبات فى الطريق. ولكننا هنا نجده ممثلاً فى ملك عراد يحارب. (كلمة عراد = حمار وحشى) وكلمة أتاريم تعنى الأثر فهو قام كحمار وحشى متتبعاً أثارهم ليضربهم ويهاجمهم. والله سمح بهزيمة الشعب ليعرفوا أنه بدونه لن يستطيعوا شيئاً وبعد النذر بتحريم المدن = نذر بإعتزال وتحريم الخطية إنتصروا عليهم. وملك عُراد هو أحد ملوك الشعوب الكنعانية التى تفشت فيها الخطية ببشاعة وبلادة جنوب فلسطين فى النقب. والمكان الذى إنتصروا فيه هو نفسه الذى هُزموا فيه من 39 سنة فى حادثة الجواسيس وهو حُرْمه (عد45:14)
إذاً الله قادر أن يحول الهزيمة لنصر وفى نفس المكان.
الآيات 4-9:- الحية النحاسية
بسبب رفض أدوم للشعب بالمرور فى أرضه داروا دورة طويلة فى الصحراء فعادوا للتذمر. وحين يبدأ الإنسان فى التذمر يدخل فى دائرة جهنمية فيرى كل شىء حوله كئيب بينما كل ما أثاره هو شىء واحد وقد يكون بسيطاً أو مؤقتاً. فهنا نجد لهم عذر فى الضيق من الجو الحار وقلة الماء ولكنها مسألة أيام فقط. ولكن ما علاقة هذا من شكواهم من الأكل السخيف. وما معنى لا خبز وعندهم المن. وهذا التذمر والضيق إذا بدأ يتزايد يكون هو فى حد ذاته مؤلماً كلدغات الحيات وقاتلاً لأنه يفسد العلاقة بين الإنسان والله فيموت الإنسان ويضيع إذا خسر الله. والله يشرح هذا بأن يسمح للحيات أن تلدغ الشعب المتذمر. والبرية مملوءة حيات والله حماهم منها طوال رحلتهم ولكنه هنا نجده يترك عليهم الحيات، فالله تخضع لهُ الطبيعة وكل المخلوقات. وقد تكون حيات أرسلها الله خصيصاً بطريقة غير طبيعية لتأديب شعبه. وكما أن العلاج كان بطريقة غير طبيعية (النظر لحية نحاسية) فربما الحيات نفسها غير طبيعية
وكلمة حيات محرقة بالعبرية هاناهاشيم هاسيرافيم. وناهاشيم تشبه حنش
وسيرافيم من النعل ساراف أى يشتعل (أش 6) ومنها قال بولس أن الملائكة لهيب نار (عب 6:1) والنعل حارقة هنا لأن لدغة هذه الحيات تصيب الجسم بحرارة شديدة ولدغتها حارقة جداً كالنار وتصيب بعطش شديد. ولنلاحظ أن بشهوات المتمردة تنجب حيات تنفث سماً يميت من تلدغه.
آية7:-
عظيم هو الإقرار بالذنب والإعتراف. والله يُسر جداً بهذا ويغفر (1 يو9:1)
آية8:-
الله لم يمنع الحيات المحرقة بل وضع طريق للخلاص فيها. فالخطية مازالت موجودة والتذمر مازال موجود ومن يسقط فيهما تلدغه الحية ولكن هناك حل فى الحية النحاسية. المسيح الذى جاء فى شبه جسد الخطية فحمل شكل الحية. هو لم يقتل الحيات لكنه جعل لدغاتها غير مميتة. فالخطية هى الحية الحقيقية (يو15،14:3)
وهناك من مات من الشعب لأنه فكرأنه من غير المعقول أنه ينظر لحية نحاسية فيبرأ. ولكن علينا أن نؤمن بشدة وننظر للمسيح بإيمان هو قادر أن يخلص.
ولاحظ أن الله قال لهُ إعمل لك حية محرقة (فى أصلها إعمل لك ساراف) فعملها موسى من نحاس وربما كان لون الحيات نحاس ومنه كانت الكلمة نحاس فحية تعنى نحاس ونحاسية تعنى نحوشيت. والحية النحاسية تشير للمسيح فهو صار له شكلنا لكن ليس فيه سم الحية. وراجع سفر الحكمة (4:16-12)
الايات 10-16:-
نهر أرنون يفصل موآب عن الأموريين. موآب جنوب النهر والآموريين شمال النهر وهذا النهر يصب فى البحر الميت عند منتصفه من ناحية الشرق
ونسمع هنا عن سفر حروب الرب وغالباً هو سفر شعرى لتسبيح الرب على أعمال عنايته بشعبه فى البرية وقيادتهم إلى كنعان ولا نعرف عنه سوى ما كُتب هنا هناك تفسير رمزى لهذه الأسماء أوبوت = تتابع النمو عييى عباريم = عمق العبور كأن المؤمن عليه أن يكون فى حالة نمو دائم بغير إنقطاع وعليه أن يدخل للعمق ليعبر للسماء
الآيات 15،14:-
واهب لها تفسيران فهى إما إسم مكان أو مدينة غير معروفة الآن أو هى كلمة بمعنى “ كما صنع “ وسوفة لها أيضاً معنيان فهى قد تعنى المقصود وقد أطلقوا على البحر الأحمر بحر سوف لأنه به اماكن ينمو فيها القصب. وقد تكون معنى كلمة بمعنى عاصفة
1- وحسب تفسير السبعينية:- فسرت الجملة هكذا واهب فى سوفة وأودية أرنون = كما صنع فى بحر سوف يصنع فى أودية أرنون. أى كما نصرهم فى بحر سوف سينصرهم هنا
2- وحسب الترجمة اليسوعية:- إعتبروا واهب إسم مدينة وسوفة بمعنى العاصفة ففسروها هكذا عبروا واهب عبور العاصفة وأودية أرنون.
3- وقد يفهم كلام من واهب وسوفة أنهما مدينة فى مقاطعة إسمها سوفة وهو إقليم فى موآب وربما دعيت هى أيضاً هكذا النمو المقصب فيها. وهذا التفسير كأنه يحدد المكان الذى هم فيه جغرافياً. بأنه فى سوفة (موآب) وفى مصب الأودية أى منحدر الوادى ويقصد فى الغالب وادى أرنون ونهيراته. الذى مال إلى عار = أى إمتد مصب الأودية هذا إلى عار وهى إما عاصمة موآب أو إحدى مدنها الكبرى ودعيت عروعير (تث36:2). وإستند إلى تخم موآب = أى أن مصب الأودية ينحدر بلطف نحو حدود موآب.
آية16:
إرتحلوا من وادى أرنون إلى بلدة بئر وقد دعيت هكذا نسبة لبئر حفرها رؤساء الشعب بها بناء على أمر الرب لهم. وهى تقع فى موآب ايضاً وهنا الله هو الذى يجمعهم ليعطيهم ماء. فالله يريد أن يعطينا وهو سيعطينا دون أن نتذمر أو حتى نطلب
ولنلاحظ أن إصرار الله أن يجمع الشعب ليعطيهم ماء لهُ معنى روحى أن من إنتصر على سم الحيات وفيه أثار اللدغات لكنه نجا حينما نظر للحية النحاسية يعطيه الله أن تكون لهُ بئر حية ويفيض من بطنه أنهار ماء حى (رمز للروح القدس). هذه الأبار فى عمقها تشير للخبرة التى ستكون للإنسان فيتعرف على أبوة الآب السماوى وعلى أن الإبن هو العريس الأبدى المخلص ويعرف الروح القدس بكونه واهب النبوة والشركة فيسبح القلب فرحاً ولاحظ أن لقاء رفقة بعريسها كان عند بئر. فأبار المعرفة الإلهية هدفها دخول النفس للإتحاد مع عريسها السماوى السيد المسيح. وهناك تأمل فى أن قول الرب لموسى إجمع الشعب يشير لأن الله يريد من موسى أن يشهد لشعب العهد القديم عن شخص المخلص ” موسى كتب عنى “
آية17-20:-
إصعدى أيتها البئر = أى فيضى وإرتفعى. أجيبوا لها = غنوا وإهتفوا لها جيد أن نسبح الرب على أعماله باركى يا نفسى الرب ولا تنسى كل حسناته (مز 2:103) بئر حفرها رؤساء = هى بر جليلة لأن الذى حفرها هم رؤساء الشعب. بصولجان بعصيهم هم حفروها بعصى الرئاسة أو عصى الرعاية التى تعبر عن سلطانهم.
ونرى هنا عمل النعمة والجهاد فالله أرشدهم لمكان الماء وطلب منهم أن يحفروا ليحصلوا عليه وملاحظة أخرى فالرب أخذ من الروح الذى على موسى ووضع على الرؤساء فعملوا مثل ما عمل موسى أخرجوا ماء بعصيهم
ومن البرية إلى متانة ومن متانة إلى غليئيل ومن غليئيل إلى باموت ومن باموت إلى الجواء قد تكون متانة ونحلئيل وباموت هى أسماء أماكن جاء لها الشعب فعلاً خلال رحلته.
وهذه الأماكن لم يذكرها موسى فى سجل الرحلة فى إصحاح 33 من سفر العدد وهذا قد يكون راجعاً أنها أماكن غير مهمة أو لم يقيموا فيها كثيراً فلم يذكرها. أو تكون لها معانى رمزية وتكون من ضمن كلمات نشيد البئر.
فكلمة متانة تعنى عطايا أو هدية فالله نقلهم من البرية حيث العطش وجاء بهم إلى حيث البئر الذى يفيض ماء وهذا من عطاياه وهو هدية لهم.
وكلمة نحلئيل وهى تعنى وادى الله. والله هنا ينقلهم لمكان هو فيه، هو وادى الله وقد تعنى المجازى العظيمة التى أعطاها الله من أبار ومياه.
وكلمة باموت وهى تعنى مرتفعات أو مجىء الموت. والمعنى أن الله يحفظهم فى واديه إلى أن يأتى بهم إلى المرتفعات السمائية. الله يعطيهم سمواً كالمرتفعات هنا على الأرض وبعد الموت ينقلهم للسماوات (التفسير الروحى)
وكلمة الجواء هى جمع جو وجى بالعبرية تعنى وادى كبير. إذن جواء تعنى أودية متسعة هم يرون المعنى أنهم يعيشون على الأرض فى أراض واسعة والمعنى الروحى أنه بعد الموت هناك الفردوس. وقد تكون جواء قد أتت من تلاطم الأهوية الصحراوية بها.
عند رأس الفسجة هى إقامة عالية سماوية على جبل الكمال. ومن رأس الفسجة رأى موسى كل أرض الميعاد (تث 1:34) وأرض الميعاد هى رمز أورشليم السماوية
الآيات 21-25:-
هناك رأى بأن سيمون يعنى المتشامخ. وأن كلمة أموريون جاءت من مرارة. وهو رمز للشيطان المتكبر المملوء مرارة ضد الإنسان. ونحن حين مجدنا الشيطان فى المعمودية كأننا نردد وراء موسى ” لا نميل إلى حقل ولا إلى كرم ولا نشرب ماء بئر. بل نسلك فى طريق الملك نمشى حتى نتجاوز تخومك ” فنحن سائرين فى برية هذا العالم فى طريق المسيح ملكنا فهو الطريق حتى نتجاوز تخوم الشيطان أن نترك هذا العالم فالعالم هو مملكة الشيطان وهو رئيس هذا العالم. وفى مسيرتنا لا نقبل شيئاً من يده (ماء/ كروم..)
وياهص تعنى إتمام الوصايا أو موضعاً مطروقاً بالأقدام ومفتوح فإذا فهمنا المعنى الأول فمكان حربنا مع الشيطان هو فى مجال تتميم الوصايا بالمعنى الثانى فهى تعنى أننا ينبغى أن نسلك الطريق الذى سلكه الأباء قبلنا. هم دخلوا فيه وحاربوا الشيطان وغلبوا وإنتهى حياة سيمون بالسيف، والمسيح هزم الشيطان بكلمة الله التى هى أمضى من السيف
أرنون = فهى يفصل موآب (جنوباً) والأموريين شمالاً وقد حل رأوبين مكان الأموريين.
يبوق = هو فرع شرقى لنهر الأردن (حالياً نهر الزرقا وكان يمثل الحد الغربى لبنى عمون ويفصلهم عن الموريين وبعد ذلك ورث هذا المكان سبط جاد عوض الأموريين
اما الجزء الشمالى فكان يملك بموج الذى أخذه منه2/1 سبط منسى
آية24:-
الله كان قد أعطى أرض بنى عمون ميراثاً لهم فلا عيب أن يأخذها منهم إسرائيل ويضاف لهذا أنهم كانوا أقوياء.
آية26:-
إحتل الأموريون تحت قيادة ملكهم سيمون الإقليم الشمالى من موآب وكان به مدينة حشبون. إذاً حشبون كانت موآبية وإستولى عليها الأموريون. وبعد إنتصار إسرائيل على سيمون صارت كل هذه الأراضى لهم. ولاحظ أن إنتصار الأموريين على الموآبيين هو إزدهار مؤقت للشر يعقبه نصرة أولاد الله.
تأملات :- 1- هناك طرق كثيرة لأورشليم السماوية ولو أعلن الشيطان بابا (آدم) لوجدنا آخر
2- حينما نقترب من أورشليم السماوية يرشدنا الله لبئر عميق بتدفق ماء (ماء + عمق)
فالمسيح يُرمز له بالمحبة والروح القدس يرمز لهُ بالبئر
الآيات 27-30:-
نجد هنا قصيدة شعرية أخرى صارت مثلاً يردده الناس 28،27 يسجل الإهانات والسخرية التى قالها الأموريون حينما هزموا الموآبيين.
29 يعبر عن تعاطف وشفقة الإسرائيليين على خراب موآب مع سخرية على إلههم كموش
30 إنتقام إسرائيل من سيمون فى كل بلدة من حشبون إلى ديبون ومن نوفح إلى ميدبا.
آية27:-
قال هذا العدد شعراء الأموريين أى بعد أن خربناها فى الحرب هلم بنينهالتصلح لملكنا سيمون
آية28:-
بعد أن إمتلك سيمون مدينة حشبون أرسل ناراً على بقية مدن موآب مثل عار موآب أى عار التى لموآب. واهلكت اهل مرتفعات أرنون.
آية29:-
هنا الشعر الذى نظمه بنى إسرائيل وزادوه على قصيدة الأموريين. فى هذه الآية والآية30. ويل لك يا موآب = أى ما أشد عذابك حينما هزمك سيمون
هلكت يا أمة كموش = لم يستطع إلهك أن ينقذك وكموش إله الموآبيين وكانوا يقدمون له أطفالهم. قد صير بنيه هاربين = هذا الإله المزيف صير تابعيه أى بنيه هاربين ولم يقدر على حمايتهم.
آية30:-
ومع قوة سيمون الذى فعل هذا بموآب وكموش قد رميناهم = أى صوبنا ضرباتنا لهم أى ضد الأموريين. وضربنا المدن التى كانوا قد إستولوا عليها من حشبون إلى ديبون..
آية32:-
يعزير كانت مدينة امورية محصنة فهى على حدود بنى عمون الأقوياء لذلك تركها موسى إلى أن إستتب له الأمر فى كل أرض الأموريين. فصارت الأرض كلها لهم.
وهناك معنى رمزى للقطعة الشعرية (27-30) فإذا فهمنا أن سيمون يرمز للشيطان فهو قد ملك على شعب الله فترة من الزمان وضربه لكن الله أتى وضربه وأعاد بناء المدينة أى جسده ويرمز لها بحشبون وخرجت نار الروح القدس لتعيد البناء (أر10،9:1)
الآيات 33-35:-
باشان تعنى عار وهى تمثل الطرق المعوجة وملكها عوج = إعوجاج ولذلك لم يرسل لها موسى ليتفاوض فلا تفاوض مع الشر. وعوج هذا كان ضخماً جداً وقوياً جداً (رمز للشيطان القوى) ولكن ما هى هذه القوة امام قوة الله (تث 11:3) وعوج وسيمون كلاهما اموريين