فصول مُنتخبة من العهد الجديد للقديس اغسطينوس- متى 6

الصلاة الربانية (مت 6: 9…. الخ)

للمستعدين للعمــــاد

1. جاء الرسول المبارك بهذه الشهادة المكتوب فيها… ويكون أن كل من يدعو باسم الرب يخلص” (رو 10: 13؛ يؤ 2: 32)، ليظهر أنه ينبغي أن يتحقق ما قد جاء بالأنبياء عن ذلك الزمن الذي يؤمن فيه كل الأمم بالمسيح. لأنه قبل الوقت دعي اسم الرب صانع السماء والأرض بين بني إسرائيل فقط، أما بقية الأمم فقد دُعي عليهم آلهة صماء لا تتكلم فلم تكن تسمع لهم، أو عبدوا الشياطين التي كانت تستجيب بضررهم.

“ولما جاء ملء الزمان” تمت النبوات، “ويكون أن كل من يدعو باسم الرب يخلص” علاوة على ذلك فإن اليهود حتى الذين آمنوا بالمسيح يضْنون بالإنجيل عن الأمم قائلين إنه لا ينبغي أن يبشر بالإنجيل بين غير المختونين، لهذا صرح الرسول بولس ضد هؤلاء بهذه الشهادة: “كل من يدعو باسم الرب يخلص”، وحتى يقنع غير الراغبين في التبشير بالإنجيل بين الأمم أردف للحال قائلاً: “فكيف يدعون بمن لم يؤمنوا؟ وكيف يؤمنون بمن لم يسمعوا به؟ وكيف يسمعون بلا كارز؟ كيف يكرزون إن لم يُرسلوا؟ (رو 10: 14-15). فإذ قال “كيف يدعون بمن لم يؤمنوا لهذا لا تتعلموا الصلاة الربانية أولاً ثم بعد ذلك قانون الإيمان، حيث تعرفون به ما تؤمنون به، وبعد ذلك تتعلمون الصلاة، حيث تعرفون الذي تدعونه. لهذا فإن قانون الإيمان يخص الإيمان، الصلاة الربانية تخص الصلاة، لأنه يستجاب للمؤمن عندما يدعو.

2. لكن الكثيرين يسألون مالا ينبغي أن يسألوا، غير عالمين ما هو مناسب لهم. ينبغي أن يَحذر المصلي من أمرين: أن لا يسأل ما لا ينبغي سؤاله، وأن لا يسأل من لا ينبغي أن يُطلب منه. فينبغي أن لا نطلب شيئًا من الشيطان أو الأوثان أو الأرواح الشريرة. بل ينبغي أن نطلب كل ما نطلبه من الرب إلهنا يسوع المسيح، الله أب الأنبياء والرسل والشهداء، من أبو ربنا يسوع المسيح، من الله خالق السماء والأرض والبحر وكل ما فيهم. ونحذر من أن نطلب منه مالا ينبغي طلبه. فإن كان ينبغي أن نطلب الحياة ماذا ننتفع من طلبها من الأوثان التي لا تسمع ولا تنطق؟ وأيضًا ماذا ينفعكم إن طلبتم من الله الآب الذي في السموات موت أعدائكم؟ ألم تسمعوا وتقرأوا في المزمور ما تنبئ به عن نهاية يهوذا الخائن المؤلمة إذ يقول “وصلاته فلتكن خطية” (مز 109: 7)، فإن طلبتم الإثم لأعداكم ستكون صلاتكم خطية.

3. لقد قرأتم في المزامير المقدسة كيف أن المتكلم بها يبدو كأنه يصب اللعنات على أعدائه، وأكيدًا سيقول قائل أن المتكلم في المزامير رجل بار فلماذا يبغي الشر لأعدائه هكذا؟ إنه لا يتمنى لهم شرًا بل يتنبأ. إنها نبوة من إنسان يخبر بالمستقبل، لا يصب اللعنات، لأن الأنبياء يعرفون بالروح الذين سيصابون بالشرّ والذين سيجازون خيرًا. فبالنبوة تكلموا كأنهم يريدون ما يتنبأون به. لكنكم كيف تعرفون أن الذي تطلبون له الشرّ لا يكون في الغد أفضل منكم؟ لكنكم ستقولون إننا نعلم أنه شرير. حسنًا، ينبغي أن تعلموا أنكم أنتم أيضًا أشرار. فرغم أنكم تأخذون على أنفسكم أن تحكموا على قلوب الآخرين التي لا تعرفونها، وأما قلوبكم فتعلمون أنكم أشرار. ألم تسمعوا قول الرسول: “أنا الذي كنت قبلاً مجدفًا ومضطهدًا ومفتريًا، ولكنني رُحمت لأني فعلت بجهل في عدم إيمان” (1 تي 1: 13). هل تظنوا أيها الإخوة أن الكنيسة كانت تصلي من أجل بولس أم ضده عندما كان يضطهد المسيحيين، مقيدًا إياهم حيثما وجدهم، سائقًا إياهم إلى رئيس الكهنة ليُسألوا ويعاقبوا؟ من المؤكد أن كنيسة الله التي تسلمت التعاليم من ربها – الذي قال وهو معلق على الصليب “يا أبتاه اِغفر لهم لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون” (لو 23: 34) – صلَّت لأجل بولس، أو بالأحرى لأجل شاول، حتى يعمل فيه الذي صنعه، لأنه يقول في هذا “ولكنني كنت غير معروف بالوجه عند كنائس اليهودية في المسيح. غير أنهم كانوا يسمعون أن الذي كان يضطهدنا قبلاً يبشر الآن بالإيمان الذي كان قبلاً يتلفه. فكانوا يمجدون الله فيّ” (غلا 1: 22-24). لماذا كانوا يمجدوا الله؟ إلا لأنهم كانوا يسألون ذلك منه قبل أن يتحقق.

4. لقد نهانا(نحن) ربنا أولاً عن “كثرة الكلام” حتى لا نقدم(نحن) للرب كلمات كثيرة، كما لو كنتم(أنتم) تعلمونه بكثرة كلامكم. لذلك لا تحتاجون عند الصلاة إلى الكلام بل إلى التقوى “لأن أباكم يَعلم ما تحتاجون إليه قبل أن تسألوه” (مت 6: 8). لا تهتموا (LOTH) باستخدام كلمات كثيرة لأنه يَعلم ما تحتاجون إليه. ولئلا يشك أحد فيقول: إن كان يعلم ما نحتاج إليه فلماذا نستخدم كلمات كثيرة أو قليلة؟ ما الداعي إلى الصلاة كلية؟ إنه يعرف بنفسه، فليعطنا بحسب معرفته ما نحتاج إليه. نعم، ولكن هذه هي إرادته أن تُصلوا حتى يهبكم حسب اشتياقكم فلا نستخف بعطاياه، ناظرين إنه قد وضع فينا هذه الأشواق. لذلك فإن الكلمات التي علَّمنا إياها الرب يسوع المسيح في صلاته هي أساسًا ونموذجًا لأشواقنا، فلا تطلبوا شيئًا غير ما قد كتب فيها.

5. يقول: “فصلوا أنتم هكذا “أبانا الذي في السموات” أنكم ترون أنه قد بدء أن يكون الله أبًا لكم. إنه يكون أبًا لكم عندما تولدون ولادة جديدة. فإنه إلى الآن قبل ميلادكم الجديد قد حُبل بكم بزرع الله. فإذ أنتم على وشك الوجود تجلبون إلى جرن المعمودية التي هي كرحم الكنيسة.

“أبانا الذي في السموات”. تذكروا أن لكم أبًا في السموات، تذكروا أنكم قد ولدتم من أبيكم آدم للموت وأنكم تولدون من جديد من الله الآب للحياة. فما تقولونه قولوه في قلوبكم. فقط لتكن هناك عاطفة المصلي المملوءة غيرة، وبذلك تأتي الاستجابة الفعالة من سامعها.

“ليتقدس اسمك” لماذا تسألون تقديس اسم الله؟ إنه مقدس، فلماذا تسألون من أجل ما هو مقدس قبلاً؟ عندما تسألونه من أجل تقديس اسمه ألستم تصلون له من أجله وليس من أجل أنفسكم؟ لا. افهموا هذا جيدًا فإنكم تسألون ذلك من أجل أنفسكم. إنكم تسألون أن ما هو مقدس بذاته، دائمًا يكون مقدسًا فيكم. ماذا يعني “ليتقدس”؟ أي أن “يكون مقدسًا” وليس محتقرًا. هكذا ترون أن الخير الذي تطلبونه هو لكم، لأنكم إن احتقرتم اسم الله فستكونون أنتم أشرارًا وليس الله.

6. “ليأت ملكوتك” من هو الذي تحدثه؟ ألا يأتي ملكوته إن لم نسأل ذلك؟ أننا نتحدث عن ذلك الملكوت الذي سيكون بعد نهاية العالم، لأن الله له ملكوت دائم ولا يكون – ذلك الذي تخدمه الخليقة – بدون ملكوت. ولكن أي ملكوت ترغبون فيه؟ إنه ذلك الملكوت الذي كتب عنه في الإنجيل “تعالوا يا مباركي أبي رثوا الملكوت المعد لكم منذ تأسيس العالم” (مت 25: 34)، هذا هو الملكوت الذي تقول عنه “ليأت ملكوتك”. إننا نصلي لكي يأتي فينا، أي لكي نوجد فيه فمجيئه آت لا محالة، ولكن ماذا ينفعكم إن كان يجدكم على اليسار؟ لذلك فإنكم ترغبون في هذا الخير لأجل أنفسكم، فلأجلها تُصلون. هذا هو ما تشتاقون إليه، هذا هو اشتياقكم في صلواتكم وهو أن تحيوا ويكون لكم نصيبًا في ملكوت الله الذي يعطى لكل القديسين. لذلك عندما تقولون “ليأت ملكوتك”، فإنكم تُصلون لأجل أنفسكم لكي ما تحيوا معافين.

لتعطنا نصيبًا في ملكوتك. ليأت أيضًا بالنسبة لنا ذلك الذي سيأتي لقديسيك وأبرارك.

7. “لتكن مشيئتك” ماذا! ألا يفعل الله مشيئته إن لم تطلبوا هذا؟ تذكروا ما تكررونه في قانون الإيمان “أؤمن بالله الآب ضابط الكل (القدير)” إن كان الله قديرًا فلماذا تصلون أن تكون مشيئته؟ إذن ماذا يقصد بـ “لتكن مشيئتك”؟ أن تعمل فيّ فلا أقاوم مشيئتك. لهذا تطلبون هنا لأنفسكم لا لأجل الله، لأن مشيئة الله ستعمل فيكم ولو لم تعمل بواسطتكم. فتعمل مشيئته في أولئك الذين سيقول لهم “تعالوا إلي يا مباركي أبي رثوا الملكوت المعد لكم منذ تأسيس العالم” (مت 25: 34)، تعمل مشيئته فيهم بأن يأخذ الأبرار والقديسون الملكوت، كما أيضًا في الذين سيقول لهم “إذهبوا عني… إلى النار الأبدية المعدة لإبليس وملائكته[1]، فتعمل مشيئته بأن يعاقب الأشرار بالنار الأبدية. أما أن تعمل مشيئته بواسطتكم فهو شيء آخر (1 كو 15: 54). فلستم تُصلون أن تكون مشيئته فيكم اعتباطًا بل لصالحكم. فإن كانت لصالحكم أو ليست لصالحكم فإنها ستعمل فيكم ولكن ليتها تعمل بواسطتكم أيضًا. لماذا أقول “لتكن مشيئتك كما في السماء كذلك على الأرض” وليس “لتكن مشيئتك كما بواسطة السماء كذلك بواسطة الأرض”، لأن ما يصنعه بواسطتك يصنعه الله نفسه فيك. ليس شيئًا يصنع بواسطتكم لا يصنعه هو فيكم. حقًا أحيانًا يصنع فيكم ما لا يصنع بواسطتكم، ولكن ليس شيئًا يصنع بواسطتكم ما لم يفعله هو فيكم.

8. ماذا يقصد بـ “في السماء وعلى الأرض” أو “كما في السماء كذلك على الأرض”؟ الملائكة تصنع مشيئته، أنصنع نحن مشيئته؟ “فلتكن مشيئتك كما في السماء كذلك على الأرض”. العقل هو السماء والجسد هو الأرض. إن كنتم تفعلوا هكذا فلتقولوا عند فعلكم مع الرسول: “أنا نفسي بذهني أخدم ناموس الله، ولكن بالجسد ناموس الخطية” فمشيئة الله تُصنع في السماء ولم تصنع بعد في الأرض. ولكن عندما يكون الجسد في وفاق مع الذهن و “يبتلع الموت إلى غلبة” (1كو 15: 54)، حتى لا تبقى أي شهوات جسدية يصارع معها الذهن، فيعبر الكفاح الأرضي وتنتهي الحرب القلبية وتذهب بما هو مكتوب: “لأن الجسد يشتهي ضد الروح والروح ضد الجسد. وهذان يقاوم أحدهما الآخر حتى تفعلون ما تريدون” (غلا 5: 17). أقول عندما تنتهي هذه الحرب وتتحول كل الشهوات إلى محبة، لا يبقى في الجسد ما يضاد الروح، ولا يبقى شيئًا ليُقمع، لا شيء يُلجم، لا شيء ليُداس إلى أسفل، بل يعبر الكل في وفاق نحو البرّ وتكون مشيئة الله في السماء وعلى الأرض. “لتكن مشيئتك في السماء وعلى الأرض” عندما نصلي بهذا نرغب في الكمال. “لتكن مشيئتك كما في السماء كذلك على الأرض”، في الكنيسة الشخص الروحاني هو السماء والجسدي هو الأرض. هكذا “لتكن مشيئتك كما في السماء كذلك على الأرض”، أي كما يخدمك الروحاني هكذا الجسدي بإصلاحه يخدمك أيضًا.

“لتكن مشيئتك كما في السماء كذلك على الأرض”، هناك معنى روحي آخر لها، لأنه قد طلب منا أن نصلي من أجل أعدائنا. الكنيسة هي السماء وأعداء الكنيسة هم الأرض. فماذا يعني “لتكن مشيئتك كما في السماء كذلك على الأرض”؟ ليؤمن الأعداء كما نؤمن نحن بك! إنهم الأرض لذلك هم ضدنا، ليصيروا سماء ويكونوا معنا.

9. “خبزنا كفافنا أعطنا اليوم”، هنا يتضح أننا نصلي لأجل أنفسنا، فعندما تقولون “ليتقدس اسمك” فإن هذا يتطلب إيضاحًا لتعرفوا أنكم تصلون من أجل أنفسكم وليس من أجل الله. وعندما تقولون “لتكن مشيئتك” فهنا نحتاج إلى إيضاح لئلا تظنوا أنكم ترغبون الخير لله لا لأنفسكم. في هذه الصلاة وذلك بصنع مشيئته. وعندما تقولون: “ليأت ملكوتك” فهذه أيضًا تحتاج إلى إيضاح حتى لا تظنوا أنكم تطلبون الخير لله في هذه الصلاة بكونه يملك. ولكن من هذا الموضع حتى نهاية الصلاة يظهر بجلاء إننا نصلي إلى الله من أجل أنفسنا. عندما تقولون “خبزنا كفافنا اَعطنا اليوم” تعترفون بأنكم تستعطون الله. ولكن لا تخجلوا من هذا، فمهما بلغ غنى أي إنسان على الأرض فإنه لا زال شحاذًا من الله. الشحاذ يأخذ مكانًا أمام منزل الغني، وأما الغني نفسه فيأخذ مكانه أمام باب ذلك الواحد العظيم في الغنى. فإليه يقدم الطلب وهو أيضًا يقدم توسلاً. إن لم يكن محتاجًا فلا يقرع على آذان الله في الصلاة.

ماذا يحتاج الغني؟ أتجاسر فأقول إنه يحتاج إلى خبزه اليومي، لأنه كيف توافرت لديه كل لأشياء إلا لأن الله قد أعطاه إياها؟ ماذا يمكن أن يكون لديه لو سحب الله يده منه؟ أما نام الكثيرون وهم في يسر وقاموا معدمين؟ فكون الغني ليس في عوز يرجع إلى رحمة الله وليس لقدرته الخاصة.

10. إخوتي الأعزاء، إن هذا الخبز الذي تُشبع به أجسادنا ويعيش به بدننا يومًا فيوم لا يعطيه الله للذين يمجدونه، بل والذين يجدفون عليه. “فإنه يشرق شمسه على الأشرار والصالحين ويمطر على الأبرار والظالمين” (مت 5: 45). أنتم تمجدون الله وهو يقوتكم، إنكم تجدفون عليه وهو يطعمكم، إنه ينتظر عليكم لكي تتوبوا، فإن لم تُغيروا أنفسكم فسيدينكم. هل لأن كلا من الأبرار والأشرار يأخذون خبزًا من الله، تظنوا أنه ليس هناك خبزًا آخرًا يسأله الأطفال، والذي يقول عنه الرب في الإنجيل “ليس حسنًا أن يؤخذ خبز البنين ويطرح للكلاب” (مت 15: 26)؟ حقًا بالتأكيد يوجد خبز آخر. إذن ما هو هذا الخبز؟ ولماذا دُعي خبزًا يوميًا؟ لأنه ضروري مثل الخبز الآخر، فبدونه لا نستطيع أن نعيش، وبدون الخبز لا نقدر أن نحيا. إنه من المخجل أن نطلب من الله غنى ولكن ليس مخجلاً أن نطلب منه الخبز اليومي. فالذي به نتعظم غير الذي به نعيش. ومع هذا فلأن هذا الخبز الذي يُرى ويُلمس يُعطى لكل من الأبرار والأشرار فهناك خبز يومي، به تحيا أرواحنا لا أجسادنا، وضروري لنا نحن الذين لا نزال إلى الآن عمال في الكرمة، إنه غذائنا وليس أجرتنا، فالذي يستأجر عاملاً في الكرمة يستحق عليه شيئان: الغذاء الذي به لا يخور، وأجرته التي يُسر بها. إذن غذائنا اليومي في هذه الأرض هو كلمة الله التي توزع دائمًا في الكنائس، أجرتنا التي نأخذها بعد العمل تدعى بالحياة الأبدية.

أيضًا إن كنتم تفهمون بهذا الخير ما يأخذه المؤمنين وما ستأخذونه عندما تتعمدون، فإنه من المهم أن نسأل ونقول: “خبزنا كفافنا اَعطنا اليوم” حتى نحيا حياة معينة غير منفصلين عن الهيكل المقدس”.

11. “واغفر لنا ذنوبنا كما نغفر نحن أيضًا للمذنبين إلينا”. لا نحتاج في هذه الطلبة إلى توضيح أننا نصلي بها لأجل أنفسنا لأننا نلتمس غفران خطايانا. لأننا مدينون لا بالمال بل بالخطايا. ربما تقولون الآن “وأنتم أيضًا (مدينون بالخطايا)؟ نجيب نعم، نحن أيضًا. أأنتم أيها الأساقفة مدينون؟ نعم نحن مدينون أيضًا. ما هذا يا ربي؟ لتبعدوا هذا عنكم ولا تخطئوا أنني لا أصنع خطأ، ومع ذلك أقول الحق أننا مدينون ،”إن قلنا إنه ليس لنا خطية نضل أنفسنا وليس الحق فينا” (1يو 1: 8). إننا قد تعمدنا ومع ذلك فنحن مدينون، ليس لأن شيئًا ما لم يغفر في المعمودية، بل لأننا نصنع في حياتنا ما نحتاج إلى مغفرته يوميًا. إن الذين تعمدوا وللحال تركوا هذا العالم خرجوا من جرن المعمودية بدون أي خطية، وبدون أي خطية تركوا العالم. وأما الذين تعمدوا وبقوا في هذه الحياة فإنهم يصنعون نجاسات بسبب ضعفهم الجسدي، والتي رغم أنها لا تسبب غرق للسفينة إلا أنها تحتاج إلى الاستعانة بالمضخة (لنزحها)، وإلا فيدخل قليلاً قليلاً ذلك الذي يؤدي إلي غرق السفينة كلها. الصلاة هو استنجادنا بالمضخة في منع السفينة من الغرق، تستخدم كل الأصوات والأيدي. فالآن نستخدم أصواتنا عندما نقول اغفر لنا ذنوبنا كما نغفر نحن أيضًا للمذنبين إلينا، ونعمل بأيدينا عندما نصنع هذا: “أن تكسر للجائع خبزك، وأن تدخل المساكين التائهين إلى بيتك” (إش 58: 7). اصنع إحسانًا في قلب الفقير فتشفع فيك أمام الرب.

12. فرغم غفران جميع الخطايا في “جرن الولادة الجديدة”، إلا أننا نساق إلى ضيقات عظيمة ما لم يعطى لنا الغفران اليومي بالصلاة المقدسة. فالإحسان والصلاة يزيلان الخطايا، على أن لا نرتكب الخطايا التي بسببها ننفصل عن خبزنا اليومي. لنتجنب كل الآثام التي تستحق تأديبات قاسية. لا تدعوا أنفسكم أبرارًا عندما لا تستطيعوا القول: “اغفر لنا ذنوبنا كما نغفر نحن أيضًا للمذنبين إلينا”. فرغم امتناعكم عن عبادة الأوثان وتعريات المنجمين والاستشفاء بواسطة السحرة، رغم ابتعادكم عن القتل والفسق والزنا والسرقة والنهب وشهادة الزور وكل مثل هذه الخطايا التي لم أذكرها، والتي عاقبتها الهلاك، وبسببها يُقطع الخاطئ من المذبح ويربط في الأرض كما في السماء، وذلك لعظم خطيئته الخطيرة، حتى يُحل ثانية على الأرض لكي يُحل في السماء. رغم ابتعادكم عن هذه جميعها فإنه ليس هناك ضرورة لباعث يخطئ به الإنسان. فإنسان يخطئ عن طريق النظر بلذة إلى مالا ينبغي النظر إليه. ومن يستطيع أن يتسيطر على سرعة العين؟ لأنه يقال أن العين أخذت اسمها بسبب سرعتها. من يستطيع أن يضبط الأذن أو العين؟ فالعين تُغلق عندما تشاءون، تغلق في لحظة، وأما الأذن فنحتاج إلى مجهود لإغلاقها، فترفعوا أيديكم وتضعونها عليها، وإن أمسك أحد بأيديكم تبقى آذانكم مفتوحة ولا يمكن إغلاقها من (سماع) الشتيمة والنجاسة أو التملق وكلمات الضلال، فبسماعكم أي من هذه الأمور التي تنبغي عدم الإنصات إليها، لا تخطئوا رغم عدم صنعكم الخطية، وذلك بسبب استماعكم بلذة لأمور رديئة.

يا لعظم الخطايا التي يرتكبها اللسان؟ نعم إن بعض خطايا اللسان قد تفصل الإنسان المذبح فإليه تنسب كل التجاديف، كما ينطق بالكثير من الكلمات التافهة غير اللائقة لتجعلوا أيديكم لا تخطئ وأرجلكم لا تجري نحو أي شر، وأعينكم لا تتجه نحو القُبح، وآذانكم لا تسمع بلذة الحديث القبيح، وألسنتكم لا تنطق بأقوال معيبة، ولكن فلتخبرونني من يستطيع أن يضبط الأفكار؟

إخوتي كم مرة نصلي ونحن مشتتي الفكر كما لو نسينا أمام من نحن واقفون؟ أو أمام من نطرح أنفسنا؟

لو تجمعت هذه جميعها ضدنا أيسبب(أبسبب) صغرها لا نستطيع(تستطيع) أن تغرقنا؟ إنها ستغلب علينا أيا كان أمرها إن كانت رصاصًا أو رملاً، فالرصاص كله كتلة واحدة، وأما الرمل فهو حبات صغيرة ولكن بكثرة عدده يحدق بنا. هكذا خطاياكم صغيرة آلا تروا كيف يمتلئ النهر وتتلف الأرض بقطرات صغيرة، إنها صغيرة ولكنها كثيرة.

13. لنقل كل يوم “اِغفر لنا ذنوبنا كما نغفر نحن أيضًا للمذنبين إلينا”، ويكون ذلك بإخلاص قلبي، عاملين بما نقوله. أن ذلك لعهد وميثاق وارتباط بيننا وبين الله. الرب إلهكم يقول لكم: “اغفروا يغفر لكم، فإذ لا تغفروا تبقوا في خطاياكم ضد أنفسكم وليس ضدي”.

أبنائي الأعزاء المحبوبين – أطلب إليكم أن تسمعوا لي فقد عرفت ما هو صالح لكم في الصلاة الربانية وبالأكثر فيما جاء بهذا النص: “اغفر لنا ذنوبنا كما نغفر نحن أيضًا للمذنبين إلينا”، لقد اقترب وقت عمادكم اغفروا كل شيء إن كان قي قلب أي إنسان شيئًا ضد آخر فليغفرها من قلبه، اُدخلوا هكذا. متأكدين أن جميع خطاياكم التي ارتكبتموها قد غفرت، سواء الخطية الجدية التي ولدتم بها من والديكم والتي بسببها تسرعون بالرضع إلى نعمة المخلص أو تلك التي ارتكبتموها في حياتكم سواء بالكلام أو بالعقل أو بالفكر، فتخرجون من الماء كما من أمام حضرة إلهكم متأكدين من العفو عن جميع آثامكم.

14. فبسبب الخطايا اليومية التي تحدث عنها ينبغي أن تقولوا في هذه الصلاة اليومية المطهرة “اغفر لنا ذنوبنا كما نغفر نحن أيضًا للمذنبين إلينا”. إن كان لكم أعداء ماذا تفعلون؟ لأنه من يستطيع أن يحيا على هذه الأرض بدون أعداء؟ لتنتبهوا لأنفسكم وتحبونهم لأنه لا يستطيع عدوكم بقوته أن يؤذيكم بأي وسيلة ما بقدر ما تضرون أنتم بأنفسكم بعدم محبتكم لهم. قد يتلف عقاركم أو قطعانكم أو منزلكم أو خدمكم أو خادماتكم أو أبنائكم أو زوجاتكم أو على الأكثر أن يعطى له سلطانًا على جسدكم. ولكن هل يستطيع أن يؤذي أرواحكم كما تضرونها أنتم؟ أعزائي الأحباء أتوسل إليكم أن تسعوا إلى الأمام نحو هذا الكمال. ولكن هل أعطيكم هذه القوة؟ إنه هو وحده الذي يعطيها، ذاك الذي تقولون له “لتكن إرادتك كما في السماء كذلك على الأرض”.

ليكن هذا غير مستحيل بالنسبة لكم، فإنني أعلم بحسب خبرتي مسيحيين يحبون أعدائهم إن بدى ذلك مستحيلاً فإنكم لا تنفذونه. إذن فلتؤمنوا أولاً إنه يمكن تنفيذه، وصلُّوا حتى تعملوا إرادة الله فيكم. لأنه ما هو الخير الذي يعود عليكم من شر جاركم؟ إن لم يكن لديه شرًا فلا يكون عدوًا لكم. إذن اشتهوا له الخير فينتهي شره ولا يعود بعد عدوًا لكم. لأنه ليس عدوكم بسبب طبيعته البشرية بل بسبب خطيئة. هل هو عدوكم لأن له روح وجسد؟ إنه في هذا مثلكم. أنتم لكم روح وهو كذلك. أنتم لكم جسد وهو كذلك. إن جوهره مثل جوهركم. فجميلكم صنعتم من نفس الأرض – وأحييتم بالرب ذاته. في هذا كله لا يختلف عنكم. لتعرفونه إنه أخوكم. فالزوجان الأولان آدم وحواء كانا أبوينا، إحداهما أبونا والأخرى أمنا لذلك فنحن إخوة. ولكن لنترك اعتبار أصلنا الأول الله أبونا والكنيسة أمنا لذلك نحن إخوة. لكنكم قد تقولون أن عدونا أممي ويهودي وهو طوقي الذين تكلف عنهم عند الكلام عن “لتكن مشيئتك كما في السماء كذلك على الأرض”. أيتها الكنيسة عدوك أممي ويهودي وهو طوقي، إنه الأرض. إن كنتم سماءًا فلتدعوا أبوكم الذي في السموات، مصلين من أجل أعدائكم. لأنه هكذا كان شاول عدوًا للكنيسة، وكانت تقام الصلاة من أجله فصار صديقها. إنه لم يمتنع عن كونه مضطهدًا بل جاهد لمساعدتها. ومع ذلك بالحق كانت تقام الصلاة ضده ولكن ضد افترائه وليس ضد طبيعته. إذن لتكن صلواتكم ضد افتراء عدوكم حتى تموت وأما هو فيحيا. لأنه إن مات عدوكم تفقدونه، كما يبدو، كعدو ولكنكم لا تجدوا صديقًا. وأما إن مات افترائه فإنكم تفقدون عدوًا وفي نفس الوقت تجدون صديقًا.

15. ولكن لازلتم تقولون من يستطيع أن يفعل هذا؟ من يداوم على صنعه؟ ليعطكم الرب هذا مكملاً إياه في قلوبكم، إنني أعلم تمامًا مثلكم أن قليلين هم الذين يصنعون هذا، إنهم عظماء وروحانيين. هل جميع المؤمنين الذين في الكنيسة، المقتربين إلى المذبح والذين يتناولون من جسد المسيح ودمه… هل الكل هكذا؟

ومع هذا فجميعهم يقولون… “اغفر لنا ذنوبنا كما نغفر نحن أيضًا للمذنبين إلينا”.

ماذا يحدث لو أجابهم الله قائلاً: لماذا تسألونني الوفاء بوعدي وأنتم لم تصنعوا ما طلبته منكم، ماذا قد وعدت؟ أن أغفر خطاياكم، وبماذا أُمرتم؟ “أن تغفروا أنتم أيضًا للمذنبين إليكم”. كيف تستطيعون تنفيذ هذا إن لم تحبوا أعدائكم؟ ماذا ينبغي أن تفعلوا أيها الإخوة؟

هل نقص قطيع المسيح إلى عدد طفيف؟ إن كان ينبغي للمحبين لأعدائهم فقط أن يقولوا: “اغفر لنا كما نغفر نحن أيضًا للمذنبين إلينا”، فإنني لا أعلم ماذا أفعل ولا أعرف ماذا أقول؟ لأنه ينبغي أن أقول لكم إن لم تحبوا أعدائكم لا تصلوا. لا أجرؤ القول بهذا. نعم بل بالحرى صلوا لكي تحبونهم. لكن هل ينبغي لي أن أقول إن لم تكونوا محبين لأعدائكم لا تقولوا في الصلاة الربانية: “اغفر لنا ذنوبنا كما نغفر نحن أيضًا للمذنبين إلينا”؟ افترضوا أنني أقول لا تستخدموا هذه الكلمات، فإنه إن لم تقولونها لن تغفر لكم خطاياكم، وإن قلتموها بدون أن تعملوا بها بعد ذلك فلا تغفر لكم، لذلك صلوا بها واعملوا بها، بعد ذلك حتى تغفر لكم خطاياكم.

16. إنني أرى أساسًا به يمكن أن أريح ليس القليل إليه بل جموع المسيحيين. أنني أعلم اشتياقكم للسماع إليه. لقد قال المسيح “اغفروا يغفر لكم” (لو 6: 3). وماذا تقولون في الصلاة التي ناقشناها الآن “اغفر لنا ذنوبنا كما نغفر نحن أيضًا للمذنبين إلينا”، لأن هذا هو ما ينبغي أن تفعلوه، فإن لم تفعلوه تهلكون، فإن استسمحكم عدوكم اغفروا له للحال. أكثير عليكم أن تصنعوا هذا؟ إن كان كثير عليكم محبة عدوكم عند إساءته إليكم فهل كثير عليكم أن تحبوا شخصًا يتوسل إليكم؟ ماذا تقولون؟ لقد كان قبلاً قاسيًا، لهذا تكرهونه. مع ذلك فإنني أفضل أن لا تكرهونه حتى أثناء إساءته.

إنني أفضل عندما تعانون من قسوته أن تتذكروا قول الرب: “يا أبتاه اغفر لهم لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون” (لو 23: 34)، كنت اَشتاق بالأكثر أن تلاحظوا كلمات الرب إلهكم حتى في ذلك الوقت الذي فيه كان عدوكم يعتدي عليكم. لكنكم قد تقولون أن الله فعل هذا، ولكن فعله كرب وكمسيح، كابن الله الوحيد، الكلمة المتجسدة، وأما أنا الضعيف الخاطئ فماذا أستطيع أن أفعل؟ إن كان ربكم مثالاً عاليًا جدًا عليكم حولوا أفكاركم نحو زميلكم الخادم فقد كان القديس اسطفانوس يرجم، وإذ كانوا يرجمونه كان يصلي بركب منحنية لأجل أعدائه قائلاً: “يا رب لا تقم لهم هذه الخطية” (أع 7: 6). لقد كانوا يقذفونه بالحجارة وليسوا طالبين العفو ومع ذلك فقد صلى لأجلهم. أريد أن تكونوا مثله، فلتتقدموا إلى الأمام. لماذا تسحبون قلوبكم على الأرض إلى الأبد؟ اسمعوا “ارفعوا قلوبكم”، تقدموا إلى الأمام ضد أعدائكم. إن لم تستطيعوا أن تحبونهم أثناء قسوتهم فلتحبونهم على الأقل عندما يسألونكم العفو. أن الذي يقول لكم “أخي”، أخطأت إليك. اِعفو عني “إن لم تغفروا له فإنني لا أقول فقط أن هذه الصلاة ستمحى من قلوبكم بل ستمحى نفوسكم من كتاب الله.

17. ولكن إن كان على الأقل تغفرون له أو تزيلون الكراهية من قلوبكم فإنني أطلب منكم أن لا تمتنعوا عن التأديب المناسب، بل تزيلوا الكراهية من قلوبكم. ماذا يكون لو طلب أحدكم الصفح مني ولكن ينبغي أن يؤدب بواسطتي فإني اَقترض محبتكم لطفلكم، لذلك افعلوا ما شئتم حتى عند تأديبكم له أنكم لا تبالون بصراخه من العصي لأنكم تحفظون له ميراثه، لذلك أقول هذا وهو أن تزيلوا كل كراهية من قلوبكم عندما يطلب عدوكم الصفح منكم. لعلكم تقولون “إنه يخدعنا، إنه متظاهر”، يا قضاة قلوب الآخرين، أخبروني بأفكار آباءكم، أخبروني بأفكاركم بالأمس؟ إنه يسأل ويلتمس صفحًا، اغفروا له بكل وسائل الصفح، فإن لم تصفحوا عنه لا تضرونه، بل تضرون أنفسكم لأنه قد عرف ما ينبغي أن يفعله أنكم لا ترغبون في الصفح عن زميلكم العبد، لذلك يذهب إلى ربكم ويقول له يا رب. لقد طلبت من زميلي العبد ليغفر لي فلم يشاء، اغفر أنت لي، أليس في سلطان الله أن يعفو عن خطاياه؟ هكذا يحصل على الغفران من إلهه ويعدو محاللاً، بينما تبقون أنتم مربوطين. كيف تبقون مربوطين؟ سيأتي وقت الصلاة، يأتي الوقت الذي تقولون فيه: “اغفر لنا ذنوبنا كما نغفر نحن أيضًا للمذنبين إلينا”، فيجيبكم الرب “أيها العبيد الأشرار كل ذلك الدين (العظيم) تركته لكم لأنكم طلبتم إليّ أفما كان ينبغي أنكم أنتم أيضًا ترحمون العبيد رفقاءكم كما رحمتكم أنا” (مت 1: 23، 32)، هذه الكلمات ليست من قلبي بل من الإنجيل. فإن كنتم تصفحون عندما تسألوا حينذاك تستطيعوا أن تقولوا هذه الصلاة. وإن لم يكن لديكم بعد القدرة على محبته أثناء قسوته يمكن أن تقدموا هذه الصلاة “اغفر لنا ذنوبنا كما نغفر نحن أيضًا للمذنبين إلينا”، لنعود الآن إلى بقية الصلاة.

18. “ولا تدخلنا في تجربة”، فمن أجل الخطايا السالفة التي لم نتمكن من الامتناع عن فعلها والتي كان ينبغي أن لا نصنعها نقول: “اغفر لنا ذنوبنا كما نغفر نحن أيضًا للمذنبين إلينا”، يمكنكم أن تجاهدوا من أجل أن لا تعودوا إلى ما سبق أن فعلتموه، ولكن كيف يمكنكم أن تمهدوا السبيل للامتناع عن ما سبق أن فعلتموه؟ فهذه العبارة في الصلاة “اغفر لنا ذنوبنا كما نغفر نحن أيضًا للمذنبين إلينا”، هي عونكم بالنسبة للأمور التي سبق أن صنعتموها، ولكن ماذا تفعلون بالنسبة للأمور المحتمل السقوط فيها؟ “ولا تدخلنا في تجربة لكن نجنا من الشرير” أي نجنا من التجربة نفسها.

19. إن الطلبات الثلاثة الأولى “يتقدس اسمك، ليأت ملكوتك، لتكن مشيئتك كما في السماء كذلك على الأرض”، هذه الثلاثة تخص الحياة الأبدية لأنه ينبغي أن يتقدس اسم الله فينا دائمًا ،وينبغي أن تكون في ملكوته دائمًا كما ينبغي أن نصنع إرادته على الدوام. هذه ستكون أبدية، أما خبزنا اليومي “فهو ضروري لنا الآن. كل ما نصلي من أجله ابتداء من هذه النقطة يخص احتياجات حياتنا الحاضرة. فالخبز اليومي نحتاج إليه في هذه الحياة، وغفران الخطايا ضروري في هذه الحياة. لأنه تنتهي كل خطايانا عندما نصل إلى الحياة الأخرى. في هذه الحياة توجد تجارب. الإبحار في هذه الحياة خطير، في هذه الحياة تتسلل بعض الأشياء خلال شقوق ضعفنا تلك التي تنبغي أن تطرد بعيدًا، ولكن إذ نتساوى مع ملائكة الله لا تعود بعد نحتاج للصلاة إلى الله من أجل غفران خطايانا حيث لا توجد خطايا. هنا نحتاج إلى “الخبز اليومي، الصلاة من أجل غفران خطايانا، وعدم دخولنا في تجربة، لأننا في تلك الحياة لا ندخل في تجارب، وأن “تنجو من الشرير” لأنه في تلك الحياة لا يوجد شرير بل صالحين باقين إلى الأبد.

عن الصلاة الربانية أيضًا (مت6)

للمستعدين للعمـــاد

 

1. إن الترتيب الموضوع لأجل بنيانكم يتطلب أن تتعلموا أولاً ما تؤمنون به ثم بعد ذلك ما تسألونه. لأنه هكذا يقول الرسول. لأن كل من يدعو باسم الرب يخلص” (رو 10: 13؛ يؤ 2: 32). هذه الشهادة اقتبسها بولس المبارك من النبي الذي تنبأ عن تلك الأيام التي فيها يدعو كل البشر الله “كل من يدعو باسم الرب ينجو” لقد أضاف (الرسول) “فكيف يدعو بمن لم يؤمنوا به، وكيف يؤمنون بمن لم يسمعوا به، وكيف يسمعون بلا كارز، وكيف يكرزون إن لم يرسلوا” (رو 10: 14-15)، لهذا أرسل المبشرون، فبشروا بالمسيح، وإذ بشروا سمعهم الناس، وبسماعهم آمنوا، وبإيمانهم دعوا الله. لأنه بالحق وبأكثر صواب قيل “كيف يدعون بمن لم يؤمنوا؟ لهذا تعلمتم أولاً ما تؤمنون به، واليوم تعلمتم أن تدعوا ذلك الذي تؤمنون به.

2. علمنا ابن الله ربنا يسوع المسيح الصلاة، ورغم أنه هو الرب نفسه كما سمعتم ورددتم في قانون الإيمان “ابن الله الوحيد” ومع ذلك فهو لم يرد أن يكون وحيدًا، لقد وهبنا أن نكون إخوة له، لأنه لمن يقول “فصلوا.. أبانا الذي في السموات”؟ من هو هذا الذي يريدنا أن ندعوه أبانا سوى أبوه هو؟ هل يحسدنا على هذا؟ يخشى الآباء أحيانًا عندما ينجبون طفلاً أو اثنين أو ثلاثة من أن (لا) ينجبوا بعد ذلك لئلا يصيروا معوزين. وأما الميراث الذي وعدنا به فكبير حتى يمتلكه الكثيرون دون أن يقل نصيب أحدهم، لهذا دعى كل شعوب الأمم إلى إخوته. فللابن الوحيد إخوة لا حصر لهم، هؤلاء هم الذين يقولون “أبانا الذي في السموات”. هذا قاله الذين سبقونا وسيقوله الذين يأتون بعدنا. انظروا كم أخًا للابن الوحيد بنعمته مشاركًا معه في الميراث الذين مات لأجلهم. إن لنا أبًا وأمًا على الأرض حيث نولد للشقاء ثم نموت. لكننا قد وجدنا والدين آخرين، الله أبونا والكنيسة أُمنا، بهما ولدنا للحياة الأبدية. لنتأمل أيها الأحباء أبناء من قد صرنا، لنحيا هكذا كالذين لهم أب كهذا. انظروا كيف أن خالقنا تنازل ليكون أبًا لنا.

3. لقد سمعنا من هو الذي ينبغي أن ندعوه، وأي رجاء للميراث الأبدي، بدأنا نأخذ أبًا سماويًا. لنسمع الآن ما ينبغي أن نسأله؟ ماذا نطلب من أب كهذا؟ ألم نسأله مطرًا اليوم وأمس وقبل أمس؟ إن هذه الطلبة ليست بعظيمة لتليق بأب كهذا، ومع هذا انظروا مطرًا بتنهدات وبشوق عظيم لأننا نخاف من الموت، الذي إذ يخيفنا لا يقدر أحد أن يهرب منه عن قريب أو بعيد، سيموت كل البشر، ومع ذلك نحزن ونصلي ونجاهد متألمين ونصرخ إلى الله لكي نتأخر قليلاً عن الموت. فكم ينبغي أن نصرخ له من أجل ذهابنا إلى ذلك الموضع الذي لا يقترب فيه الموت إلينا.

4. لذلك قيل “ليتقدس اسمك” هذا ما نطلبه منه أيضًا، وهو أن يتقدس اسمه فينا لأن اسمه قدوس على الدوام، كيف يكون اسمه مقدسًا فينا إلا بتقديسنا؟ لأننا كنا غير مقدسين وتقدسنا باسمه، أما هو فقدوس واسمه قدوس على الدوام. إننا نصلي لأجل أنفسنا لا من أجل الله. إننا لا نرغب صلاحًا لله الذي لا يمكن أن يحدث له شر، بل نطلب صلاحًا لأنفسنا بأن يتقدس اسمه القدوس فيتقدس فينا ما هو قدوس دائمًا.

4. “ليأت ملكوتك” إن مجيئه آتٍ لا محالة، سواء طلبناه أو لم نطلبه. حقًا لله ملكوت أبدي لأنه في أي وقت لم يكن له ملكوت؟ متى بدء يملك؟ لأن ملكوته لا بداية له وليس له أي نهاية. ينبغي أن نعلم أيضًا أننا نطلب في هذه الصلاة لأجل أنفسنا لا لأجل الله، لأننا لا نقول “ليأت ملكوتك”، كما لو كنا نسأل من أجل أن يملك الله، بل أن نكون نحن من ملكوته، وذلك إن آمنا به متقدمين في هذا الإيمان. كل المؤمنين الذين خلصوا بدم ابنه الوحيد سيكونوا ملكوته. وملكوته هذا آتٍ عند قيامة الأموات لأنه حينئذ سيأتي هو بنفسه، وعندما يقوم الأموات سيقيمهم كما يقول بنفسه للذين عن يمينه: “تعالوا يا مباركي أبي رثوا الملكوت” (مت 25: 33). هذا هو الملكوت الذي ترغب فيه وتطلبه عندما نقول “ليأت ملكوتك” أي أن يأتي لنا، لأننا إن رفضنا فسيأتي للآخرين وليس لنا. ولكن إن كنا من الذين ينتمون إلى أعضاء ابنه المولود الوحيد فإن ملكوته آتٍ بالنسبة لنا ولا يتأخر. فهل لا زالت بعد سنوات كثيرة كتلك التي عبرت؟ يقول الرسول يوحنا “أيها الأولاد إنها الساعة الأخيرة” (1 يو 2: 18)، ولكنها ساعة طويلة بالنسبة لذلك اليوم الطويل. انظروا كم من السنين استمرت هذه الساعة الأخيرة، لنسهر الآن وننام بالموت ونقوم في النهاية ونملك إلى الأبد.

6. “لتكن مشيئتك كما في السماء كذلك على الأرض”. إن الطلبة الثالثة هي أن تكون مشيئته كما في السماء كذلك على الأرض. وفي هذه أيضًا نطلب صلاحًا لأنفسنا، لأن مشيئته تنفذ بالضرورة. إن مشيئة الله أن يملك الصالحين ويُدان الأشرار، فهل من الممكن أن لا تنفذ هذه المشيئة؟ ولكن ما هو الخير الذي نرغبه لأنفسنا عندما نقول “لتكن مشيئتك كما في السماء كذلك على الأرض”. اِصغوا لأن هذه الطلبة يمكن أن تُفهم بمعان متعددة. فعندما نصلي إلى الله “لتكن مشيئتك كما في السماء كذلك على الأرض” ترتاد في أفكارنا أمورًا كثيرة بخصوص هذه الطلبة.

كما أن ملائكتك لا تعارضك هكذا ليتنا لا نعارضك، بماذا تفهم “لتكن مشيئتك كما في السماء كذلك على الأرض”؟ كل البطاركة القديسين والأنبياء والرسل والروحانيين كما لو كانوا كسماء الله، ونحن بالنسبة لهم أرضنا، فلتكن مشيئتك كما في السماء كذلك على الأرض. كنيسة الله هي السماء وأعدائه هم الأرض. هكذا نرغب الخير لأعدائنا بأن يؤمنوا ويصيروا مسيحيين، وبذلك نعمل مشيئة الله كما في السماء كذلك على الأرض.

روحنا هي سماء والجسد أرض. كما تتجدد روحنا بالإيمان كذلك يتجدد جسدنا أيضًا بقيامته فتكون “مشيئة الله كما في السماء كذلك على الأرض”.

أيضا ذهننا الذي به نرى الحق ويبتهج به هو السماء، كما أني “أسر بناموس الله يحسب الإنسان الباطن” (رو 7: 22). ما هي الأرض؟ “أنني أرى ناموسًا آخر في أعضائي يحارب ناموس ذهني” (رو 7: 23)، فمشيئة الله “تكون كما في السماء كذلك على الأرض” عندما ينتهي هذا النزاع ويحدث وفاق تام بين الجسد والروح.

ليتنا عندما نردد هذه الطلبة نفكر في هذه الأمور جميعها سألينها من الرب.

“أيها الأحباء، إن كل هذه الأمور التي أشرنا إليها، تلك التوسلات الثلاثة تخص الحياة الأبدية، لأنه إذا ما تقدس اسم الله فينا يكون هذا إلى الأبد. إن أتى ملكوته حيث نحيا إلى الأبد، فسيكون ذلك أبديًا. إن كانت مشيئة كما في السماء كذلك على الأرض بأي طريقة من الطرق التي شرحتها لكم فإن ذلك يكون إلى الأبد.

7. الآن بقيت الطلبات التي تخص هذه الحياة من رحلتنا، فلنتتبعها “خبزنا اليومي، أعطنا اليوم” هبنا أشياءًا أبدية، أعطنا أمورًا زمنية. لقد وعدت بالملكوت فلا تمسك عنا وسائل الحياة، ستعطنا مجدًا أبديًا بذاتك فيما بعد، أعطنا في هذه الأرض المؤونة الزمنية. لذلك فهو يومي، واليوم، أي في الحياة لأنه هل تسألون خبزًا يوميًا بعد عبور هذه الحياة؟ حيث لا يقال: “يوميًا” بل “اليوم”[2]. الآن يقال “يوميًا” (يومًا فيوم)، فعندما يعبر يوم يتقدم يوم آخر، هل سيدعى حينذاك “يوميًا” حيث يكون يومًا واحد أبديًا؟ بلا شك أن هذه الطلبة عن الخبز اليومي تفهم بطريقتين وهما القوت الضروري للطعام الجسدي، والآخر المؤونة الروحية الضرورية. هناك مؤونة ضرورية للطعام الجسدي، ذلك لحفظ حياتنا اليومية والتي بدونها لا نستطيع أن نعيش.

هذه المؤونة هي الطعام والملبس، ولكن يفهم الكل بذكر الجزء. فعندما نسأل خبزًا نفهم بذلك كل الأشياء. هناك طعامًا روحيًا أيضًا يعرفه المؤمنين، والذي ستعرفونه أنتم أيضًا عندما تقبلونه على مذبح الله. هذا أيضًا “خبزًا يوميًا” ضروري لهذه الحياة فقط. لأننا هل سنقبل القربان المقدس عندما نذهب إلى المسيح نفسه ونبتدأ نملك معه إلى الأبد؟ هكذا إذن الخبز المقدس هو طعامنا اليومي، ولكن لنقبله هكذا بحكمة أنه ليس لإنعاش أجسادنا فقط بل وأرواحنا. لأن الأثر الذي ندركه هنا هو الوحدة المتجمعة في جسده والتي تكون أعضائه حتى نصير نحن (جسد المسيح) الذي نأخذه.

أنه خبزنا اليومي.

أيضًا ما قد عالجته الآن أمامكم هو خبز يومي، كذلك الفصول اليومية التي تسمعونها في الكنيسة هي خبز يومي، التسابيح التي تسمعونها وترددونها هي خبز يومي، لأن هذه جميعها ضرورية لنا أثناء رحلتنا. ولكن هل تسمع الكلمة عندما تصل إلى السماء ونرى الكلمة ذاته، ونسمع الكلمة نفسه ونأكله ونشربه كما تفعل الملائكة الآن؟ هل تحتاج الملائكة إلى كتب ومفسرين وقراء؟ بالتأكيد لا.. إنهم يقرأون بالنظر، لأنهم يعاينون الحق نفسه، شبعي (بغزارة) بذلك الينبوع الذي نحصل منه على قطرات قليلة. لذلك فإن هذه الطلبة الخاصة بخبزنا اليومي ضرورية لنا في هذه الحياة.

8. “اغفر لنا ذنوبنا كما نغفر نحن أيضًا للمذنبين إلينا” هل هذه (الطلبة) ضرورية إلا في هذه الحياة؟ لأنه لا توجد ذنوب في الحياة الأخرى. لأنه ما هي الذنوب سوى الخطايا؟ انظروا فإنكم على وشك العماد، لذلك ستمحى كل خطاياكم ولن يبقى منها شيئًا. سيمحى كل ما ارتكبتموه من خطايا سواء أكان بالفعل أو بالقول أو بالرغبة أو بالفكر. ومع هذا لو كانت حياتنا بعد العماد مصانة من الخطية ما كنا نعلم صلاة كهذه.

“اغفر لنا ذنوبنا” فقط فلنعمل بكل الوسائل ما جاء بعد ذلك “كما نغفر نحن أيضًا للمذنبين إلينا”. يا من اقتربتم على الحصول على الغفران التام لكل خطاياكم فوق كل شيء لتروا أنه ليس في قلوبكم شيئًا على أي إنسان، فتخرجون هكذا من العماد محصنين، محررين، ومغفوري كل الخطايا، ثم بعد ذلك تبتدأون في الاتجاه نحو الانتقام لأنفسكم من أعدائكم الذين سبق فأخطأوا إليكم. اغفروا كما يغفر لكم. الله لا يمكن أن يخطئ ومع أن ليس عليه شيئًا يعفو. فإن كان الذي ليس عليه شيئًا يعفو عفوًا تامًا فكم ينبغي أن يغفر ذلك الذي يغفر له.

9. “لا تدخلنا في تجربة لكن نجينا من الشرير”. هل هذه أيضًا ضرورية في حياتنا العقلية؟ لا تقال “لا تدخلنا في تجربة” إلا حيث يمكن أن توجد تجربة. أننا نقرأ في سفر القديس أيوب “إن حياة الإنسان على الأرض تجند” [3] (أي 7: 1) تعن ماذا إذن نصلي؟ اسمعوا ماذا نصلي؟ يقول الرسول يعقوب: “لا يقل أحد إذا جرب أني أجرب من قبل الله” (يع 1: 13). إنه تكلم عن التجارب الشريرة التي يخدع بها البشر، ويصيرون تحت نير الشيطان، هذه هي التجارب التي تكلم عنها. لن هناك نوع آخر من التجارب يدعى تجارب الامتحان التي كتب عنها “لأن الرب إلهكم يمتحنكم لكي يعلم هل تحبون الرب إلهكم” (تث13: 3)، ماذا يقصد بـ “لكي يعلم” أي لكي يعرفكم”، لأنه هو يعلم بسابق معرفته. الله لا يُجرب أحدًا بذلك النوع من التجارب التي بها نخدع ونضل، ولكن بدون شك في عمق عدله المخفي يتخلى عن البعض، وإذ يتخلى عنهم يجد المجرب فرصته. لأنه لا يجد منهم مقاومة لقوته، وللحال إذ تخلى الله عنهم يتقدم المجرب نفسه كمالك لهم. لهذا نقول “لا تدخلنا في تجربة” حتى لا يتخلى عنا. يقول الرسول نفسه: “ولكن كل واحد يجرب إذا انجذب وانخدع من شهوته. ثم الشهوة إذا حبلت تلد خطية والخطية إذا كملت تنتج موتًا” (يع 1: 14-15). ماذا يعلمنا هنا؟ أن نحارب ضد شهواتنا. لأنكم مزمعون أن تطرحوا خطاياكم بالعماد المقدس، وأما الشهوات فستبقى حيث تحاربونها بعد تجديدكم لأنه لا زال الصراع مع أنفسكم باقيًا. لا يخيفكم أي عدو خارجي. انتصروا على أنفسكم فتغلبوا العالم كله. ماذا يستطيع أي مجرب خارجي أن يفعل ضدكم سواء أكان الشيطان أو خادمه؟ دعوا الذي يضع أمامكم أمل الربح لإغرائكم أن لا يجد فيكم طمعًا، حينذاك ماذا يستطيع أن يفعل بكم الذي يرغب في تجربتكم عن طريق المكسب؟ فإن وجد فيكم الطمع فستحترقون عند رؤية المكسب وتصادون بطعم من ذلك الطعام الفاسد. وأما إذا لم يجد فيكم طمعًا فسيبقى الفخ منصوبًا. وإذا وضع المجرب أمامكم بعض النسوة فائقي الجمال فإن وجدت في الداخل عفة فسيغلب على الظلم الخارجي (الذي للمجرب). حاربوا شهواتكم الداخلية حتى لا يقتنصكم بطعم جمال امرأة غريبة أنكم لا تدركون عدوكم إدراكًا محسوسًا بل تدركون شهواتكم. أنكم لا ترون الشيطان بل ترون المادة التي تشغلكم. فلتسيطروا إذن على ما تلمسوه داخلكم. حاربوا ببأس لأن الذي يجددكم هو قاضيكم. لقد أعد القوائم وبعد الإكليل ولكن إذ ستهزمون بدون شك إن لم تأخذوه لمساعدتكم إن تخلى عنكم، لذلك قولوا في الصلاة “لا تدخلنا في تجربة” غضب القاضي أسلم البعض لشهواتهم. يقول الرسول بولس: “أسلمهم الله (أيضًا) في شهوات قلوبهم” (رو 1: 24)، كيف أسلمهم. ليس بإجبارهم بل بالتخلي عنهم.

10. قد تنتمي “نجنا من الشرير” إلى نفس العبارة (السابقة)، لذلك قد تفهمونها أنها جملة واحدة فتكون “لا تدخلنا في تجربة، لكن نجنا من الشرير” لهذا أضاف “لكن” ليظهر أنها عبارة واحدة “لا تدخلنا في تجربة، لكن نجنا من الشرير”، كيف هذا؟

سأعرض كل على انفراد “لا تدخلنا في تجربة، لكن نجنا من الشرير”. “فبنجاتنا من الشرير لا يدخلنا في تجربة، وبعدم إدخالنا في تجربة ينجينا من الشرير.

11. حقيقة أنها لتجربة عظيمة. أيها الأحباء الأعزاء أنها لتجربة عظيمة في هذه الحياة عندما يكون فينا موضوع التجربة[4]، الذي به نحصل على الغفران إن سقطنا في إحدى تجاربنا. إنها تجربة مريعة عندما يؤخذ منا الذي نشفي به من جراحات بقية التجارب أنني أعلم أنكم لم تفهمونني بعد. اَنصتوا إليَّ فتفهمون. افترضوا أن الطمع يحارب إنسانًا، فهزم الإنسان في تجربة فريدة (لأنه حتى المصارع والمحارب الحسن قد يخطئ التصرف). لقد تغلب الطمع على الإنسان فصنع عملاً فيه طمع، رغم كونه مصارع حسن. أو قد تأتي شهوات عابرة، أنها لا تجلب الإنسان إلى الزنا أو تصل به إلى الفسق، لأنه متى وجد لهذه الشهوات مكان ينبغي على الإنسان أن يتحفظ من صنع الجريمة. ولكنه “نظر إلى امرأة ليشتهيها”(215). لقد ترك أفكاره تجول فيها بلذة أكثر من اللائق لقد سلم بالهجوم، رغم كونه مصارع ممتاز فقد جرح، ولكنه لم يقبل الشهوات. لقد غلب عواطف شهوته وضبطها بحزن مرير، أنه هزمها وتغلب عليها.

حقًا لقد اِنزلق، فلديه الباعث للقول “اغفر لنا ذنوبنا”، وهكذا بالنسبة لبقية التجارب فإنه يصعب في جميعهم أن لا نجد فرصة نقول فيها “اغفر لنا ذنوبنا”. ما هي إذن التجربة المريعة التي أشرت إليها؟ إنها خطيرة وعظيمة، ينبغي أن نتجنبها بكل قوتنا وكل عزمنا، فما هي هذه؟ هي عندما ننتقم لأنفسنا، فيلتهب الغضب ويحترق الإنسان للانتقام. يالها من تجربة مريعة. أنكم تخسرون ذلك الذي به تحصلون على الغفران من الخطايا الأخرى. إن كنتم قد ارتكبتم أي خطية خاصة بأحاسيس أخرى، وشهوات أخرى فإنكم قد تجدون فيها علاجكم حيث يمكنكم القول: “اغفر لنا ذنوبنا كما نغفر نحن أيضًا للمذنبين إلينا”. أما الذي يحرضكم للانتقام يجعلكم تخسرون القدرة على القول “كما نغفر نحن أيضًا للمذنبين إلينا” وإذ تخسرون هذه القوة تبقى جميع الخطايا ولا يغفر منها شيئا.

12. عندما علمنا ربنا وسيدنا ومخلصنا ستة أو سبعة طلبات في هذه الصلاة لم يعالج أحدهم ولا أمرنا بأحدهم أكثر من هذه، ذلك لمعرفته بهذه التجربة الخطيرة في هذه الحياة. ألا نقول “أبانا الذي في السموات” والبقية الباقية من الصلاة؟ بعد الانتهاء من الصلاة لماذا لم يتوسع فيما قاله في البادية أو ما ختم به في النهاية أو ما قاله في نصف الصلاة؟ لماذا لم يقل أنه إن لم يتقدس اسم الله فيكم، أو إن لم يكن لكم نصيبًا في ملكوت الله، أو إن لم تعملوا مشيئة الله فيكم كما في المساء، أو إن لم يهتم الله بكم فلا تدخلوا في تجربة، لماذا لم يقل شيئًا من هذا؟ ولكنه ماذا قال؟ فإنه إن غفرتم للناس زلاتهم “مشيرًا إلى هذه الطلبة “اغفر لنا ذنوبنا كما نغفر نحن أيضًا للمذنبين إلينا”، معلمًا إيانا هذه الطلبة بتشديد خاص، عابرًا على كل الطلبات الأخرى التي علمنا إياها. فبالنسبة للخطايا التي إذا ارتكبها إنسان ويعلم الوسائل التي بها يمكن أن يبرأ، لا تحتاج إلى إلحاح كثير، هكذا مثل التي نحتاج إليها بتلك التي إذا أخطأ ثم بها لا توجد الوسائل التي بها يمكن أن تشفوا من بقية الخطايا. لهذا ينبغي دائمًا أن تقولوا “اغفر لنا ذنوبنا” أي ذنوب؟ أنه لا يوجد عوز في هذه لأننا لسنا إلا بشر. لقد تكلمت قليلاً أكثر مما ينبغي، قلت ما لا ينبغي القول به أكلت أكثر مما يجب، استمعت بلذة إلى مالا ينبغي السماع له، شربت مالا ينبغي أن أشربه فكرت بلذة فيما لا ينبغي التفكير فيه، “اغفر لنا ذنوبنا كما نغفر نحن أيضًا للمذنبين إلينا” فإن خسرتم هذا تخسرون أنفسكم.

13. احترزوا يا إخوتي، يا أبنائي، يا أولاد الله احزروا، إنني أرجوكم فيما أقوله لكم. حاربوا إلى غاية قوتكم بكل قلوبكم. وإذا ما وجدتم الغضب أمامكم صلوا إلى الله من أجله ليعطكم الرب النصرة على أنفسكم، أقول يعطيكم الرب الغلبة ليس على أعدائكم الخارجيين بل على روحكم الداخلية. لأنه يعطيكم معونة حلوله معطيا لكم (النصرة) أنه يفضل أن تطلب منه ذلك عن أن نطلب مطرًا. لأنكم ترون يا أحبائي كم من الطلبات علمنا إياها الرب المسيح، وبالكاد نجد فيها طلبة واحدة تتكلم عن خبزنا اليومي، مشكلاً كل أفكارنا عن الحياة المستقبلة؟ لأنه ماذا نخاف إن لا يعطينا إياه ذلك الذي وعد قائلاً: “اطلبوا أولاً ملكوت الله وبرّه وهذه كلها تزاد لكم” (مت 6: 33)، لأن أباكم السماوي يعلم أنكم تحتاجون إلى هذه كلها (قبل أن تطلبوها) لكن اطلبوا أولاً ملكوت الله وبرّه وهذه كلها تزاد لكم” (مت 6: 32-33)، لأن كثيرون جربوا حتى بالجوع فوجدوا ذهبًا ولم ينسوا من الله أنهم يهلكون جوعًا لو ترك الخبز اليومي الداخلي قلوبهم ليتنا بحسب هذا بالأكثر نجوع “لأنه طوبى للجياع والعطاش إلى البرّ. لأنهم يشبعون” (مت 5: 6)، ولكنه يستطيع في رحمته أن ينظر إلى ضعفنا ويرانا، كما قيل: “يذكر أننا تراب نحن” (مز 103: 14)، أنه ذلك الذي صنع الإنسان من التراب وأحياه من أجل صنعته الخزفية أسلم ابنه إلى الموت. من يستطيع أن يوضح، من يستحق أن يدرك مقدار محبته لنا؟

عن الصلاة الربانية أيضًا (مت6)

“للمستعدين للعماد”

 

1. لقد رددتم قانون الإيمان الذي يحوي موجزًا مختصرًا للإيمان. وقد سبق أن أخبرتكم بما يقوله الرسول بولس “كيف يدعون بمن لم يؤمنوا به” (رو 10: 14)، لأنكم قد سمعتم الآن وتعلمتم ورددتم كيف تؤمنوا بالله، لتسمعوا اليوم كيف تدعوه. وكما سمعتم في الإنجيل عند قراءته أن الابن نفسه علم تلاميذه ومؤمنيه هذه الصلاة. فلنا رجاء عظيم في ربح القضية إن كان لنا مثل هذا الشفيع الذي يلقننا طلبتنا. إن الديان الجالس عن يمين الآب كما تعترفون هو شفيعنا وهو الذي سيديننا، لأنه سيأتي من هناك ليدين الأحياء والأموات. إذن فلتعلموا هذه الصلاة أيضًا التي سترددونها في الثمانية أيام. وأما الذين لم يرددوا قانون الإيمان حسنا فليتعلموه، فإن لديهم متسعًا من الوقت، لأنكم سترددونه يوم السبت، على مسمع من جميع الحاضرين، في آخر سبت، حيث تكونون هناك لتقبلوا المعمودية.

ليتكم ترددون هذه الصلاة التي سمعتموها اليوم خلال الثمانية أيام التالية.

2. عن العبارة الأولى منها “أبانا الذي في السماوات” (مت 6: 9)، لقد وجدنا لنا أبًا في السماوات لذلك ينبغي أن نهتم كيف نحيا على الأرض، لأن الذي له أب كهذا ينبغي أن يحيا بطريقة بها يكون مستحقًا أن يدخل ميراثه. ولكننا نقول جميعنا معًا “أبانا” يا له من تواضع عظيم، فهذا ما يقوله الإمبراطور وما يقوله الشحاذ، هذا يقوله العبد ويقوله سيده. أنهم يقولون جميعا “أبانا الذي في السماوات”، لذلك هل فهموا أنهم إخوة، ناظرين أن لهم أبًا واحدًا فلا يستنكف السيد من أن يجعل عبده أخًا له ناظرًا أن الرب يسوع قد وهبه أن يكون أخًا له.

3. “ليتقدس اسمك، ليأت ملكوتك” فيتقدس اسم الله نصير مقدسين، لأن اسمه قدوس دائمًا. أننا نرغب أن يأتي ملكوته. أنه آت ولو لم نرغب ذلك. ولكن رغبتنا وصلاتنا من أجل مجيء ملكوته ليست إلا رغبة منا في أن يجعلنا مستحقين لملكوته، لئلا يأتي ولكن ليس لنا (لا يسمح الله بذلك)، لأنه لا يأتي لكثيرين ومع ذلك فهو آت. لأنه سيأتي للذين سيقال لهم “تعالوا يا مباركي أبي رثوا الملكوت المعد لكم منذ تأسيس العالم” (مت 25: 34)، ولكنه لا يأتي للذين يقال لهم “اذهبوا عني يا ملاعين إلى النار الأبدية” (مت 25: 41). لذلك عندما نصلي “ليأتي ملكوتك” نطلب ذلك ليأتي لنا. ماذا يقصد بـ “ليأتي لنا”؟ أي يجدنا صالحين. لهذا نطلب أن يجعلنا صالحين وبذا يأتي ملكوته لنا.

4. “لتكن مشيئتك كما في السماء كذلك على الأرض”. الملائكة تخدمك في السماء ليتنا نخدمك على الأرض! الملائكة لا تخطئ إليك في السماء، ليتنا لا نخطئ إليك على الأرض! كما يصنعون مشيئتك ليتنا نصنعها نحن أيضًا! ماذا نطلب هنا سوى أن نكون صالحين؟ لأننا حين نصنع مشيئة الله فإن مشيئته تصنع (تعمل) فينا 0(لأنه بدون شك يصنع الله مشيئته). ونستطيع أن ندرك هذه الكلمات “لتكن مشيئتك كما في السماء كذلك على الأرض” بمعنى آخر، صحيح أننا نقبل وصايا الله وهي مبهجة لنا، مبهجة لعقولنا، “فإننا نسر بناموس الله بحسب الإنسان الباطن” (رو 7: 22)، هذه هي مشيئته التي في السماء، لأن أرواحنا تشبه السماء، وأما الأرض فجسدنا. ماذا إذن يقصد بـ “لتكن مشيئتك كما في السماء كذلك على الأرض”؟ أي كما تبتهج عقولنا بوصاياك هكذا ليت جسدنا يرتضي بها. وبهذا ينتهي الصراع الذي وصفه الرسول “لأن الجسد يشتهي ضد الروح والروح ضد الجسد” (غلا 5: 17). فعندما تشتهي الروح ضد الجسد تكون مشيئته متممة في السماء، وعندما لا يشتهي الجسد ضد الروح تنفذ مشيئته على الأرض. سيكون وفاق كامل عندما يشاء الله، ويصير الصراع الآن نصرًا فيما بعد.

كذلك “لتكن مشيئتك كما في السماء كذلك على الأرض” يمكن أن تفهم بمعنى صحيح باعتبار “السماء” هي الكنيسة لأنها عرش الله، والأرض هي غير المؤمنين الذين قيل عنهم “لأنك تراب EARTH وإلى التراب تعود” (تك 3: 19). لذلك عندما نصلي من أجل أعدائنا من أجل أعداء الكنيسة، أعداء المسيحيين نطلب أن تكون مشيئته، “كما في السماء كذلك على الأرض”. أي كما في مؤمنيك كذلك في المجدِّفين عليك فيصيروا “سماءًا”.

5. يلي ذلك “خبزنا اليومي أعطنا اليوم”. قد يفهم ببساطة أننا ننسكب في هذه الصلاة من أجل قوتنا اليومي ليكون متوافرًا لنا، أو إن لم يكن كذلك فعلى الأقل أن لا نكون في عوز. يقول (المصلي) الآن “خبزنا اليومي” مادام الوقت يدعى “اليوم” كل يوم نحيا، كل يوم نقوم، كل يوم نقتات، كل يوم نجوع، ليته يعطنا خبزنا اليومي. لماذا لم يقل “كساءنا” أيضًا، لأن عماد حياتنا هو في الأكل والشرب، وأما كساءنا ففي الملبس والمسكن. ينبغي أن لا يشتهي الإنسان أكثر من هذا. لأنه حسبما يقول الرسول: “لأننا لم ندخل العالم بشيء وواضح أننا لا نقدر أن تخرج منه بشيء”، “فان كان لنا قوت وكسوة فلنكتف بهما” (1 تي 6: 7-8). فإذ يتبدد الطمع نغتني الطبيعة. لهذا إن كانت هذه الصلاة تشير إلى قوتنا اليومي حيث يكون هذا هو الفهم الصحيح للكلمات “خبزنا اليومي أعطنا ليوم”، فلا نعجب إن كان يقصد بكلمة “الخبز” كل الاحتياجات الأخرى. لأنه عندما دعى يوسف إخوته للأكل قال “الرجال يأكلون (خبزًا) معي عند الظهر” (تك 43: 16)، هل سيأكلون خبزصا فقط؟ لا، بل لأن الإشارة إلى الخبز وحده يفهم منه كل بقية المأكولات. لذلك عندما نصلي من أجل خبزنا اليومي نطلب كل احتياجات أجسادنا على الأرض ولكن ماذا يقول الرب يسوع؟ “اطلبوا أولاً ملكوت الله وبره وهذه كلها تزاد لكم” (مت 6: 33).

هناك معنى جميل جدًا لـ “خبزنا اليومي أعطنا اليوم”، أي أعطنا جسدك طعامنا اليومي لأن المؤمنين يعرفون ما يقبلونه، ولخيرهم يقبلون ذلك الخبز الضروري في هذه الحياة. إنهم يطلبون لأجل أنفسهم بأن يصيروا صالحين، ويثابروا على الصلاح والإيمان والحياة المقدسة هذا هو ما يرغبونه ويصلون من أجله، لأنهم إن لم يثبتوا في الحياة الصالحة فسيحرمون من ذلك الخبز. لذلك ماذا يعني “خبزنا اليومي أعطنا اليوم”؟ أي دعنا نعيش صالحين حتى لا ننفصل عن مذبحك. كذلك كلمة الله (المسيح) المقدم لنا والذي يقسم يوميًا بطريقة ما هو خبزنا اليومي “وكما يجوع جسدنا إلى الخبز الآخر هكذا تجوع أرواحنا لهذا الخبز. هكذا بكليهما (أجسادنا وأرواحنا)، نطلب من أجل ذلك الخبز وحده، إذ يشمل “هذا الخبز” كل ما نحتاج إليه سواء أكان لأجل أرواحنا أو أجسادنا.

6. إننا نقول “اِغفر لنا ذنوبنا” حسنا نقول هذا لأننا نقول الحق لأنه من يحيا هنا في الجسد بدون أن يرتكب ذنبًا؟ أي إنسان يعيش هنا ولا يحتاج إلى هذه الصلاة؟ إنه قد ينتفخ ولكن لا يقدر أن يتبرر. كان خيرًا له أن يقتدي بالعشَّار ولا ينتفخ كالفرِّيسي الذي صعد إلى الهيكل متباهيًا باستحقاقاته خافيًا جراحاته، بينما الذي قال “اللهم ارحمني أنا الخاطئ” (مت 18: 13) عرف إلى أين يصعد.

انظروا أيها الإخوة فقد علّم الرب يسوع تلاميذه الذين هم رسله الأولين العظماء قادة قطيعنا أن يقدموا هذه الصلاة. فإن كان قادة القطيع يُصلون من أجل غفران خطاياهم، فماذا ينبغي أن نفعل نحن الحملان الذين قيل عنا “قدموا (أيها الحملان) للرب” (مز 29: 1)؟ لقد عرفتم أنكم ترددون هذا في قانون الإيمان لأنكم تشيرون فيه إلى “مغفرة الخطايا” هناك غفران واحد للخطايا جميعها يعطي مرة واحدة، وأخرى يعطي يوميًا في الصلاة الربانية حيث تقولون “واغفر لنا ذنوبنا”.

7. لقد قربنا الله إلى ميثاق وعهد وارتباط راسخ فيه، وفي ذلك نقول “كما نغفر نحن أيضًا للمذنبين إلينا” فالذي يريد أن يقول: “اغفر لنا ذنوبنا” بطريقة نافعة، ينبغي أن يقول بحق: “كما نغفر نحن أيضًا للمذنبين إلينا”. فإن لم يقل هذا القول الأخير، أو يقوله بخداع يسير قوله الأول باطلاً.

إننا نقول لكم يا من اقتربتم على العماد المقدس أن تغفروا من قلوبكم كل شيء. وأنتم أيها المؤمنون، يا من تنتفعون من هذه الفرصة بإصغائكم إلى هذه الصلاة، وشرَحنا لها اغفروا كل ما على الآخرين غفرانًا تامًا من قلوبكم. اغفروها من قلوبكم التي يراها الله. إذ يغفر أحيانًا الإنسان بفمه ولكنه يحفظها في قلبه، يغفرها بالفم من أجل البشر، ويحتفظ بها في القلب، حيث لا يخاف عين الله. ليتكم إذن تغفروها تمامًا. أنه لا أقل من أن تغفروا في هذه الأيام المقدسة كل ما أبقيتموه حتى في هذه الأيام المقدسة (أيام الصوم الكبير).

“لا تغرب الشمس على غيظكم” (أف 4: 26)، ومع هذا فقد غابت الشمس مرارًا كثيرة. اتركوا غيظكم أيضًا، حيث نحتفل الآن بأيام الشمس العظيم، هذه الشمس التي يقول عنها الكتاب المقدس “لكم… تشرق شمس البرّ، والشفاء في أجنحتها” (ملا 4: 2). ماذا يقصد بـ “في أجنحتها”؟ أي في حمايته، إذ قيل في المزامير: “وبظل جناحيك استرني” (مز 17: 8). وأما أولئك الذين يندمون في يوم الدينونة، ولكن بعد مضي الوقت، والذين سيحزنون ولكن بلا فائدة، فقد سبق أن تنبأ في سفر الحكمة عن ما سيقولونه عندما يندمون ويتأوهون من عذاب الروح “فماذا أنفعتنا الكبرياء وماذا أفادنا افتخارنا بالغنى. قد مضى ذلك كالظل، لقد ضللنا عن طريق الحق، ولم يضيء لنا نور البرّ، ولم تشرق علينا الشمس” (حك 5: 8، 9، 6). تلك الشمس تشرق على الأبرار فقط، وأما هذه الشمس التي نراها يوميًا فإن الله يشرق شمسه على الأشرار والصالحين” (مت 5: 45). يطلب الأبرار رؤية تلك الشمس وهي تقطن في قلوبنا بالإيمان. فإن كنتم تغضبون لا تدعوا هذه الشمس تغرب في قلوبكم على غيظكم، “لا تغرب الشمس على غيظكم”، لئلا تكونوا غضْبى، فتغرب شمس البرّ عنكم وتمكثون في الظلام.

8. لا تظنوا أن الغضب أمر يستهان به، إذ يقول النبي “تعكرت (ذبلت) من الغضب عيناي” (مز 6: 7)، وبالتأكيد لا يستطيع (متوعك) العينين أن يعاين الشمس، فإذا حاول رؤيتها تؤذى ولا تبتهج بذلك. فما هو الغضب؟ أنه شهوة الانتقام. يشتهي الإنسان الانتقام، و المسيح لم ينتقم بعد، والشهداء القديسين لم ينتقموا بعد. لا زالت أناة الله تنتظر اهتداء أعداء المسيح وأعداء الشهداء، فمن نحن حتي نطلب الانتقام؟ فلو طلب الله الانتقام منا أين نثبت؟ إن الله الذي لا يضرنا في أي أمر من الأمور لا يرغب في الانتقام لنفسه منا فهل نطلب نحن الذين نخطئ دومًا إلى الله الانتقام؟ اغفروا إذن، اغفروا من قلوبكم.

إذا غضبتم فلا تخطئوا. “اغضبوا ولا تخطئوا” (مز 4:4)، يكون فإذ أنتم بشر اغضبوا متى تغلب الغضب عليكم، ولكن لا تخطئوا بإبقاء الغضب في قلوبكم، لأنكم إن أبقيتموه يكون ضد أنفسكم، حتى لا تحرموا من ذلك النور لذلك اغفروا. ما هو الغضب إذن؟ أنه شهوة الانتقام. وما هي الكراهية أنها الغضب المزمن. فماذا ما أزمن الغضب حينئذ يدعى كراهية. يبدوا أن الذي قال “تعكرت من الغضب عيناي”، مضيفًا شاخت من كل أعدائي (مز 6: 7)، يعرف أن ما كان في بدايته غضبًا صار باستمراره كراهية. الغضب “قذى” والكراهية “خشبة”، فأحيانًا نجد خطية في من يغضب بينما نحتفظ بالكراهية في قلوبنا. لذلك يقول لنا المسيح “لِما تنظر القذى الذي في عين أخيك وأما الخشبة التي في عينك فلا تفطن لها” (مت 7: 3)، كيف نمت القذى إلى خشبة؟ بسبب عدم استئصالها سريعًا. لأنكم تركتم الشمس تشرق وتغرب كثيرًا على غيظكم وجعلتموه يزمن، فقبلتم الشكوك الشريرة وأرويتم القذى، وبإروائها انتعشت، وبانتعاشها صارت خشبه. إذن فلترتعبوا على الأقل عندما يقال “كل من يبغض أخاه فهو قاتل نفس” (1 يو 3: 15). إنكم لم تسحبوا السيف ولا أوجدتم جروحًا ولا قتلتم آخرين بأية ضربة، إنما يوجد فقط فكر كراهية في قلوبكم، الذي به تعتبرون قاتلي نفوس ومجرمين في عينيّ الله. إن الإنسان الآخر حيّ ومع ذلك فقد قتلتموه. فبالنسبة لكم تكونون قتلة للذين تكرهونهم تجددوا إذن وأصلحوا أنفسكم. إن كان في منازلكم عقارب وأفاعي كم ينبغي أن تكدُّوا لتنقونها حتى تكونون في مأمن منها في مسكنكم؟ ومع ذلك هل أنتم غضبى ويستأصِل الغضب في قلوبكم، وتنمو كراهيات كثرة، وخشب كثير وعقارب وأفاعي كثيرة، ولا تنقون بعد قلوبكم التي هي مسكن الله؟

إذن ما قد قيل “كما نغفر نحن أيضًا للمذنبين إلينا. وبذلك تقولون باطمئنان “اغفر لنا ذنوبنا” لأنكم لا تستطيعون الحياة في هذا العالم بدون خطية، ولكن تلك الجرائم العُظامى التي تلتمسون غفرانها في العماد، والتي ينبغي التحرر منها دائمًا، هي من نوع ما، كما توجد (يوجد) نوع آخر من الخطايا اليومية التي بدونها لا يعيش إنسان في العالم، لذلك فإن هذه الصلاة اليومية بميثاقها وتعهدها ضرورية. فكما تقول بكل فرح “اغفر لنا ذنوبنا” ينبغي أن نقول بكل صدق “كما نغفر نحن أيضًا للمذنبين إلينا”.

لقد تحدثنا كثيرًا عن الخطايا الماضية والآن ماذا نقول عن الخطايا المقبلة.

9. “ولا تدخلنا في تجربة” اغفر لنا خطايانا التي صنعناها، وهبنا أن لا نخطئ بعد بأية خطية. لأن الذي يُغلب من التجربة يرتكب الخطية، لذلك يقول يعقوب الرسول “لا يقل أحد إذا جرب أني أُجرب من قبل الله. لأن الله غير مجرَّب بالشرور وهو لا يجرِّب أحدًا. ولكن كل واحد يجرَّب إذا انجذب وانخدع من شهوته. ثم الشهوة إذا حبلت تلد خطية، والخطية إذا كمُلت تنتج موتًا (يع 1: 13-15). فإذ لا تنجذبون إلى شهوتكم لا تقبلونها، ليس هناك وسائل لإدراكها إلا عن طريقكم. إنكم تقبلونها كما لو كنتم تحتضنوها في قلوبكم. الشهوة تثور فاضبطوا أنفسكم ولا تتبعوها. إنها شهوة محرمة ونجسة، إنها تفصلكم عن الله. لا تحتضنوها إذن بقبولها لئلا ينتابكم ميلاد (الخطية). لأنكم إذ تقبلونها أي إذا ما احتضنتموها تحبل، “والشهوة إذا حبلت تلد خطية”، ألا تخافون بعد؟ “والخطية تنتج موتًا” فعلى الأقل خافوا من الموت. إن لم تخافوا من الخطية خافوا من عاقبتها. الخطية حلوة ولكن الموت مرّ. هذا هو الحكم على البشرية أن الذين يخطئون يتركون هذا العالم عند موتهم حاملين خطاياهم معهم. إنكم تخطئون بسبب المال الذي ستتركونه، أو من أجل مركز عالمي ستتركونه، أو بسبب امرأة ستتركونها، أو أي شيء آخر من أجله تفعلون الشر، فعندما تغلقون أعينكم للموت تتركون هذه الأشياء جميعها، وأما الخطية نفسها التي ارتكبتموها تحملونها معكم.

10. ليته تُغفر الخطايا إذن، فالخطايا السابقة تغفر والآتية تبطل. ولكن لا يمكن أن تعيشوا هنا بدون خطية، سواء أكانت أقل الخطايا أو أصغرها أو الهفوات. لا تزدروا حتى بهذه الخطايا الصغيرة التافهة. فبقطرات صغيرة يمتلئ النهر. لا تستهينوا حتى بالخطايا القليلة، فمن الشقوق الصغيرة ينضح الماء في السفينة ويمتلئ جوفها، فإذا أهمل هذا أدى إلى الغرق. ولكن البحارة ليسوا متوانين بل تعمل أيديهم بنشاط لإزالة الماء يومًا فيوم. فبأيديكم النشيطة تستطيعون نزح (الماء) يومًا فيوم. ما المقصود “بالأيدي النشطة”؟ اجعلوها تعطي وتصنع أعمالاً صالحة، وبذلك تكون أيديكم عاملة “اكسر للجائع خبزك وادخِل المساكين التائهين إلى بيتك. إذا رأيت عريانا اكسيه” (إش 58: 7). اعملوا كل ما تستطيعون فعله. اعملوه بالطرق التي أُمرتم بها. اعملوه بفرح وبذلك تقدمون صلواتكم بثقة. فيكون لها جناحان ويكون لها برًا ALMS مزدوجًا. ما هو هذا البرّ المزدوج؟ “اغفروا يغفر لكم اُعطوا تعطوا” (او 6: 37-38). البرّ الأول وهو الذي يعمل من القلب عندما تغفروا لأخيكم عن أخطائه. البرّ الآخر الذي من الخارج عندما تعطوا الخبز للفقير. قدموا البرَّين معًا، لأن بدون أي “الجناحين” تبقى صلواتكم بلا حركة.

11-. لذلك عندما نقول “لا تدخلنا في تجربة يتبع ذلك “لكن نجنا من الشرير”. من يرغب في التخلص من الشرير يشهد أنه في الشرير، لذلك يقول الرسول: “مفتدين الوقت لأن الأيام شريرة” (أف 5: 16). ولكن “من هو الذي يهوى الحياة ويجب أن يرى أياما صالحة” (مز 34: 12)[5]. ناظرين أن كل البشر في هذا الجسد يعيشون في أيام شريرة ومع ذلك من لا يرغب فيها؟ اِصغوا ما يلي “صن لسانك عن الشر وشفتيك عن التكلم بالغش. حد عن الشر واِصنع الخير. اُطلب السلامة واِسع وراءها” (مز 34: 13-14). وبهذا تتخلصون من الأيام الشريرة وتتحقق صلاتكم “نجنا من الشرير”.

12. إن الطلبات الثلاثة الأولى “ليتقدس أسمك، ليأت ملكوتك، لتكن مشيئتك ما في السماء كذلك على الأرض”، من أجل الأبدية. وأما الطلبات الأربعة التالية فتتعلق بهذه الحياة.

“خبزنا اليومي أعطنا اليوم” هل سنسأل يوميًا عن الخبز اليومي عندما نصل إلى كمال النعمة؟”

“اغفر لنا ذنوبنا” هل نقول هذا في ذلك الملكوت حيث لا توجد هناك ذنوب؟

“ولا تدخلنا في تجربة” هل نستطيع أن نقول هذا حيث لا توجد هناك تجارب؟

“نجنا من الشرير” هل نقول هذا عندما لا يكون شيئًا تنجو منه؟

لذلك فإن هذه الطلبات الأربعة ضرورية لحياتنا اليومية، وأما الثلاثة الأولى فتخص الحياة الأبدية. ولكن لنسأل كل هذه الأشياء من أجل البلوغ إلى تلك الحياة، ولنصلي هنا حتى لا ننفصل عنه. اتلوا هذه الصلاة كل يوم عندما تتعمدون. لأن الصلاة الربانية تقال يوميًا في الكنيسة أمام مذبح الله والمؤمنون يسمعونها، لذلك فلا نخشى من عدم تعليمكم إياها باهتمام لأنه حتى إذا لم يستطيع أحدكم أن يتعلمها تمامًا فإنه سيتعلمها بسماعه إياها يوميًا.

13. لذلك فإنه في يوم السبت عندما تعيدون بنعمة الله، سوف لا ترددون الصلاة الربانية بل قانون الإيمان. لأنكم إن لم تعرفوا قانون الإيمان الآن فسوف لا تسمعونه كل يوم في الكنيسة وبين الشعب، ولكن عندما تتعلمونه قولوه كل يوم عندما تستيقظون وعندما تستعدون للنوم حتى لا تنسونه. اِتلوا قانون إيمانكم، اُتلوه للرب، ذكروا أنفسكم به ولا تكلوا من تكراره. فالتكرار مفيد حتى لا يستخوركم النسيان. لا تقولوا “لقد قلته أمس وقلته اليوم. إنني أقوله كل يوم لقد عرفته تمامًا. استدعوا إيمانكم لأذهانكم وانظروا إلى أنفسكم. ليكن إيمانكم كمرآة لكم، ففيه ترون أنفسكم، عما إذا كنتم تؤمنون بكل ما تعترفون بالإيمان به، هكذا تبتهجون يومًا فيوم في إيمانكم. ليكن ثروتكم وليكن بنوع ما الكساء اليومي لأرواحكم. أما تلبسون عند نهوضكم؟ هكذا تسترون أرواحكم بتكرار قانون إيمانكم لئلا بنسيانه تصيرون بغير كساء وبذا تصيرون عراه، وبذلك تصيرون كما يقول الرسول (ليحفظكم الله من ذلك) “وجدنا لابسين لا عراه”[7] (1 كو 4: 3)، فإنه بإيماننا نستر هذا الإيمان، هو رداء وصدرية من النحاس في نفس الوقت، رداء ضد الخجل وصدرية من النحاس ضد الضيقات. ولكن عندما نصل إلى المكان الذي نملك فيه لا تكون هناك حاجة لترديد قانون الإيمان. إننا سنرى الله، سيكون الله نفسه رؤيتنا وستكون رؤيتنا لله جزاء لإيماننا الحالي.

عن الصلاة الربانية أيضًا (مت6)

للمستعدين للعماد

 

1. لقد رددتم ما تؤمنون به، فلتسمعوا الآن ما ينبغي أن تصلوا من أجله إذ لا تستطيعون أن تدعوه ذلك الذي لم تؤمنوا به أولاً، كما يقول الرسول “كيف يدعون بمن لم يؤمنوا به؟” (رو 10: 14)، لذلك هل تعلمتم أولاً قانون الإيمان الذي يحوي موجزا لقواعد إيمانكم السامية، موجزا في كلماته، وساميا في قدر محتوياته. وأما الصلاة التي تستلمونها اليوم لكي ما تتعلمونها بقلوبكم وتكررونها في الثمانية أيام، فإنه كما سمعتم عند قراءة الإنجيل أن الرب نفسه لقنها لتلاميذه وتسلمناها نحن منهم إذ “في كل الأرض خرج منطقهم” (مز 19: 4).

2. يا من وجدتم أبًا في السماء امتنعوا عن الالتصاق بالأمور الأرضية. لأنه قد اقترب الوقت الذي تقولون فيه “أبانا الذي في السموات” لقد بدأتم تنتسبون إلى عائلة عظيمة. فتحت هذا الأب السيد والعبد أخوان، تحت هذا الأب القائد والعسكري أخوان، وتحت هذا الأب الغني والفقير أخوان. لكل المسيحيين المؤمنين آباء مختلفين على هذه الأرض، منهم من هم نبلاء ومنهم المجهولين، ومع ذلك يدعون أبًا واحدًا الذي هو في السماء. فإن كان أبونا موجود هناك، فهناك أيضًا يُعد لنا الميراث. إن أب هكذا يمكن أن نملك معه ما قد وهبنا، لأنه وهبنا ميراثاً لا يتركه لنا بموته، لأنه لا يموت بل يبقى إلى الأبد حيث نذهب عنده.

لقد سمعنا عن الذي نطلب منه، لنعرف أيضًا ما ينبغي أن نطلبه، لئلا نخطئ إلى أبينا بسؤالنا أمرًا رديًا.

3. ماذا علمنا الرب يسوع المسيح أن نسأل من الأب السماوي؟ “ليتقدس أسمك” ما هو نوع البركة التي نسألها من الله ليتقدس اسمه؟ اسم الله قدوس دائمًا. لماذا نطلب تقديس اسمه إلا لنتقدس نحن به؟ إننا نتضرع أن يتقدس فينا ذلك الذي هو قدوس دائمًا. يتقدس اسم الله فيكم عندما تتعمدون.

لماذا تقدمون هذه الصلاة بعد عمادكم إلا لكي ما يبقى فيكم الذي تتسلمونه إلى الأبد؟

4. يتبع ذلك الطلبة الأخرى “ليأت ملكوتك” سيأتي ملكوت الله سواء طلبنا هذا أو لم نطلبه. لماذا نطلب هذا إلا لكي ما يأتي لنا ذلك الذي سيأتي للقديسين وأن يحسبنا الله في عداد قديسيه الذين يأتي إليهم ملكوته؟

5. نقول في الطلبة الثالثة “لتكن مشيئتك كما في السماء كذلك على الأرض” ما هذا؟ كما تخدمك الملائكة في السماء كذلك نخدمك نحن على الأرض. لأن ملائكته القديسين يطيعونه، إنهم لا يخطئون إليه، إنهم ينفذون وصاياه بسبب محبتهم له، لذلك نصلي أن ننفذ وصايا الله في حب.

تفهم هذه الكلمات بمعنى آخر “لتكن مشيئتك كما في السماء كذلك على الأرض” السماء فينا هي الروح، والأرض هي الجسد. ماذا يقصد إذن بـ “لتكن مشيئتك كما في السماء كذلك على الأرض” لتقبل أجسادنا وصاياك عند سماعها، خشية أن لا نستطيع أن ننفذ وصايا الله عندما يتصارع الجسد والروح معًا.

6. يلي بعد ذلك في الصلاة “خبزنا اليومي أعطنا اليوم” سواء أكُنا نسأل الأب هنا عن احتياجنا الجسدي مشيرًا بذلك “بالخبز” عن كل احتياجاتنا، أو إن كنا نفهمه بالخبز اليومي الذي ستقبلونه قريبًا من على المذبح، فحسنًا نطلب أن يعطينا ذلك. لأننا ماذا نطلب سوى أن لا نرتكب الشر الذي يفصلنا عن ذلك الخبز المقدس.

كلمة الله التي يبشر بها يوميًا هي خبزًا يوميًا، فلا يعني عدم كونه خبزًا للجسد أنه ليس خبزًا للروح.

لكي عندما تنتهي هذه الحياة لا نبحث لا عن الخبز الذي نجوع إليه، ولا نأخذ الأسرار المقدسة من على المذبح لأننا سنكون هناك مع المسيح الذي نأخذ جسده الآن ولا تحتاجون إلى الحديث إليكم بالكلمات التي أحدثكم بها الآن، ولا يقرأ الكتاب المقدس عندما نراه الذي هو نفسه كلمة الله، الذي به صنعت كل الأشياء، وبه تتغذى الملائكة وبه تستضئ الملائكة، وبه تصير الملائكة حكماء دون حاجة للمناقشات المستمرة، بل يشربون من الكلمة الوحيد، ممتلئين من ذلك الذي به ينفجرون غير منقطعين عن التسبيح. لأنه بقول المزمور “طوبى للساكنين في بيتك أبدًا يسبحونك” (مز 84: 4).

7. نطلب كذلك في هذه الحياة الحاضرة الطلبة التالية “اغفر لنا ذنوبنا كما نغفر نحن أيضًا للمذنبين إلينا” يغفر لنا في العماد كل ذنوبنا أي كل خطايانا. ولكن إذ لا يستطيع أحد أن يعيش هنا بدون خطية، وإن كان لا يرتكب أي خطية عظيمة تفصلنا عن المذبح، إلا أنه لا يستطيع أن يعيش على هذه الأرض بدون خطية، ولكن نستطيع أن نعمد مرة واحدة فقط عن كل الخطايا. وكما سمعنا في هذه الصلاة كيف نغسل من الخطايا يوميًا، فتغفر خطايانا يومًا فيوم بشرط أن ننفذ هذا “كما نغفر نحن أيضًا للمذنبين إلينا”.

لذلك أنصحكم يا إخوتي الذين أنتم أبنائي في نعمة الله وإخوتي بالنسبة للأب السماوي أنصحكم أنه إذا أساء أحدًا إليكم وجاء معترفًا طالبًا الصفح اصفحوا عنه واغفروا له من كل قلوبكم، لئلا تمنعوا عن أنفسكم ذلك الغفران الذي من الله. لأنكم إن لم تغفروا فلا يَغفر الله لكم. إننا نطلب هذه الطلبة في هذه الحياة، إذ يمكن هنا أن تغفر الخطايا حيث يمكن أن تصنع. وأما في الحياة الأخرى فلا توجد مغفرة حيث لا تفعل الخطايا هناك.

8. نصلي بعد ذلك قائلين “لا تدخلنا في تجربة لكن نجنا من الشرير” هذه أيضًا أي عدم دخولنا في تجربة ضروري في هذه الحياة، لأنه في هذه الحياة توجد تجارب، ونجاتنا من الشرير لأنه يوجد هنا شرير.

على هذا فإن من الطلبات السبعة ثلاثة تخص الحياة الأبدية وأربعة تخص الحياة الحاضرة.

“ليتقدس اسمك” هذا يكون إلى الأبد “ليأت ملكوتك”، “لتكن مشيئتك كما في السماء كذلك على الأرض”، “خبزنا اليومي اعطنا اليوم” هذا يكون إلى الأبد. “ولا تدخلنا في تجربة”، “لكن نجنا من الشرير” لا يكون إلى الأبد لأنه حيث تكون التجربة وحيث يوجد الشرير تكون هناك ضرورة لهذه الطلبة.

“لا تكنزوا لكم كنوزا على الأرض.. الخ”

(مت6: 19) الحث على الصدقة

 

1. إن سقط إنسان في ضيق وفشلت إمكانياته يبحث عن شخص حكيم يستشيره، وبذا يعلم ما يصنعه، لنفترض أن العالم جميعه إنسانًا واحدًا. إنه يبحث عن الهروب من الشر ولكنه لازال متباطئًا في صنع الخير، وبهذا إذ تكتنفه الضيقات وتفشل إمكانياته إلى أي حكيم غير المسيح يلجأ طالبًا المشورة؟ على أي الأحوال دعه يجد في هو أفضل منه، ليصنع ما يشاء. ولكن إن لم يجد من هو أفضل فيأت إلى المسيح الموجود في كل مكان. ليستشيره وينتصح منه ويحفظ الوصايا الصالحة هاربًا من الشر العظيم لأن الأمراض الزمنية التي يخافها البشر خوفًا شديدًا والتي يتذمرون منها للغاية، وبتذمرهم يخطئون إلى الله الذي يجذبهم حتى لا يجدوا معونته المخلصة. أقول بلا شك أن الأمراض الزمنية ليست إلا أمراضًا عابرة. فإما أن تعبر من بيننا أو نعبر نحن فيها. إما أن تنتهي ونحن أحياء أو نتركها بموتنا، لذلك ليس في الأمر ضيق عظيم لأن فترته قصيرة. إن كنتم تفكرون في الغد فإنكم لا تسترجعون ذاكرة الأمس. عندما يأتي اليوم الذي يلي الغد يصير الغد أيضًا أمسًا ولكن إن كان البشر يجزعون قلقين للهروب من الضيقات الزمنية العابرة أو بالأخرى التي يعبرونها فكم ينبغي أن يفكروا في أجل الهروب من تلك الضيقات التي يقطنون فيها ويكابدونها أبدًا؟

2. ما أشقى حياة الإنسان. أما يولد إلا ليدخل إلى حياة التعب. إن صرخة الرضيع العالية تشهد بتعبنا. فلا يعفى أحد عن كأس الحزن، الكأس الذي تعهد به آدم ينبغي أن يشربه حقًا. قد خلقنا بأيدي الحق ولكن بسبب الخطية طردنا إلى الأيام الباطلة “على صورة الله خلقنا” (تك 1 27)، ولكننا شوَّهناها بتعدياتنا الخاطئة. لذلك يذكرنا المزمور كيف خلقنا وإلى أي حال قد وصلنا، لأنه يقول “إنما كخيال يتمشى الإنسان” ( مز 39: 6) “though a man walk in the image of God” انظروا كيف خلق؟ وإلى أين بلغ؟ استمعوا إلى التكملة “إنما باطلاً يضجون “أنه يمشي في صورة الحق ويجزع في المشورة الباطلة. انظروا إلى قلقه تطلعوا إليه (قلقه)، فإذ كما لو في مرآه لا يُسر بنفسه، إنه يقول إنما كخيال يمشي “walk in the image of God”، وبذلك فهو شيء عظيم “إنما باطلاً يضجون، “فكما لو سألناه أتوسل إليك كيف يقلق الإنسان باطلاً؟ فيقول: يُذخر ذخائر ولا يدري من يضمها، انظروا هذا الرجل الذي تمثلت فيه البشرية جميعها كما لو كانت رجلاً واحدًا، الذي ليست لديه عونًا في مسألته، وقد فقد المشورة وتاه عن طريق العقل السليم. أيّ جنون أكثر من هذا؟ وأيّ شقاء أكثر من هذا؟ ولكن هل بالتأكيد يحزن لأجل نفسه؟ ليس كذلك. لماذا لا يجمع لنفسه؟ لأنه لابد وأن يموت، فحياة الإنسان قصيرة. فالكنز باق وأما هو الذي يجمعه فسرعان ما يموت. فإذ يشفق يشفق على ذلك الإنسان الذي “إنما كخيال يمشي” “walk in the image of God”، والذي يعترف بأشياء حقيقية إلا أنه يجري وراء أمور باطلة، لهذا يقول “إنما باطلاً يضجون” إنني أحزن عليه، إنه “يذخر الذخائر ولا يدري من يضمها” هل يذخرها لنفسه؟ لا، لأن الإنسان يموت بينما الكنز يبقى. إذن لمن يذخرها؟ إن كانت لديكم أية مشورة صالحة فلتعطوني إياها. ولكن إذ ليس لديكم مشورة لي وبذا ليست لديكم مشورة لأنفسكم. فإذ ليس لدينا مشورة فلنبحث سويًا عنها. لنقبلها معًا ولنتبصر في الأمر سويًا. إنه يقلق ويحزن كثيرًا، إنه يفكر ويجاهد ويسهر قلقًا. اليوم كله متضايقين بالعمل والليل كله قلقين خوفًا. إن أرواحكم في حمى القلق لكي تمتلئ خزائنكم بالمال.

3. إنني أراكم قلقين فأحزن عليكم، وإذ يؤكد لنا الذي لا يخدع “إنما باطلاً يضجون”. فإنكم تدخرون كنوزكم مفترضين نجاح مشروعاتكم، ناسيين تمامًا الخسائر والمخاطر العظيمة والميتات الناجمة عن المثابرة في الحصول على كل أنواع الربح (إنني لا أتحدث عن ميتات الجسد بل الأفكار الشريرة، لأنه قد يأتي الذهب ولكنه بالحق يذهب، فتكتسون من الخارج ولكن تكونوا عراة في الداخل). ولكن لكي ما تعبروا هذه كلها وعلى أشياء أخرى كهذه في هدوء، لكي تعبروا على كل الأشياء التي هي ضدكم، فكروا فقط في الظروف المناسبة (المفيدة). انظروا إنكم تدخرون كنوزًا، والأرباح تتدفق عليكم من كل جهة وأموالكم تنساب كالينابيع. أينما ضايقكم الفقر فاض عليكم الغنى ، أم تسمعوا “إذا وفرت ثروتكم فلا تميلوا إليها قلوبكم”[3] (مز 61: 10). ها أنتم تنالون أعمالاً مثمرة. ولكنكم تقلقون باطلاً، ستسألون كيف أقلق باطلاً؟

إنني أملأ خزائني، أسواري بالكاد تحفظ ما قد نلته، فكيف أقلق الآن باطلاً؟ إنكم تدخرون ذخائر ولا تدرون من يضمها، إما إن كنتم تعرفون لمن تجمعونها فإنني أتوسل إليكم أن تخبروني. إنني سأصغي إليكم لمن تكون؟ إن لم تكونوا قلقين باطلاً فلتخبروني لمن تجمعون كنوزكم؟ تقولون “لأنفسنا” هل تجرأون القول بهذا يا من على وشك الموت، إنه لأطفالنا. هل تتجاسرون أن تقولوا هذا عن هؤلاء الذين يقرب موتهم. تقولون أنه واجب مهم للحب الطبيعي أن يجمع الأب ذلك لأبنائه. بالأحرى أنه أكثر بطلانًا أن يجمع الذين قربُ موتهم للذين سيموتون عن قريب أيضًا. فإن كان هذا الجمع لكم، فلماذا تجمعون ناظرين أنكم ستتركون هذه جميعها عند موتكم. هذه هي حالة أطفالكم أيضًا، أنهم سيخلفونكم ولكن لا يمكثون كثيرًا لا أقول شيئًا عن نوع أولادكم، فربما بالفجور لا يبذرون ما جمعه الطمع. كذلك آخرون يبذرون بالفجور ما جمعتموه بكد عظيم. ولكنني سأتغاضى عن هذا. أنهم سيكونون أولادًا صالحين وليسوا بفاسقين. سيحتفظون بما تتركوه لهم، سيزيدون على ما تتركوه لهم، ولا يبذروا ما ادخرتموه. سيتساوى أطفالكم معكم في الباطل إن فعلوا ذلك، إن قلدوكم في هذا أنتم آبائهم. سأقول لهم ما أقوله لكم الآن، سأقول لأبنائكم الذين جمعتم لهم هكذا “يدخرون ذخائر ولا يدرون لمن يضمونها”، فإذ لا تعرفوا (لمن تجمعونها) هكذا لا يعرفون هم أيضًا. إن كان البطلان سيستمر معهم فهل يفقد الحق قوته بالنسبة لهم.

4. إنني اَجتنب أن أستحثكم بأنكم قد تجمعون هذه حتى في حياتكم للصوص. قد يأتوا في ليلة فيجدوا ما قد جمع في أيام وليال كثيرة معدًا. فقد تجمعونها للص أو قاطع طريق. إنني لا أقول أكثر من هذا عن هذا الأمر لئلا استدعي إلى ذهنكم وأعيد إليه فتح جرح الآلام القديمة. كم من أشياء كثيرة جمعها البطلان ووجدها قسوة العدو معدة ليديه، إنني لست أتمنى هذا ولكن هذا ما يخيف الجميع. ليبعد الله ذلك منكم. ليته يكفينا تأديباته. ليته يستبقينا ذلك الذي نصلي إليه! ولكن ماذا نجيب لو سألكم الله لمن ندخر؟ أيها الإنسان، أيا كنت يا من تدخر كنزك باطلاً كيف تجيبني، إذ أعالج الأمر معك باحثًا عن مشورة في باعث مشترك؟

إنكم تحدثتم وأجبتم “أننا نجمع لأنفسنا ولأطفالنا ولنسلنا”، لقد سبق أن قلت لكم كم من بواعث للخوف توجد حتى بالنسبة لهؤلاء الأطفال أنفسهم. ولكنني سأتجاوز عن كون أولادكم يعيشون لعنة لكم وأن عدوكم يرغب فيهم مفترضًا أنهم يعيشون كما يريدهم آبائهم. ومع ذلك فكم من كثيرين يسقطون في هذه المصائب التي أخبرتكم وذكرتكم بها قليلاً. هل ترتجفون لهم رغم أنكم لم تصلحوا أنفسكم. لأنكم بماذا تجيبون غير هذا، ربما لا يكون كذلك. حسنًا وأنا أقول هذا أيضًا: ربما تجمعون للص أو سارق أو قاطع طريق، إنني غير متأكد ولكن يحتمل ذلك. وحيث يوجد احتمال لحدوث شيء فإنه يوجد عدم احتمال له. وبهذا لا تعلمون ما سيحدث وبذا إنما باطلاً تضجون، وها أنتم ترون الحق يقول بالحقيقة كيف يضج (المغرور) باطلاً، لقد سمعتم وتعلمتم أخيرًا حكمة لأنه عندما تقولون ربما يكون هذا لأطفالنا، دون أن تتجاسروا بالقول، أننا متأكدون أنه لأطفالنا.

ففي واقع الأمر لا تعلمون لمن تجمعون غناكم. هذا كما أرى وكما سبق أن قلته أولاً أنه ليس لديكم إمكانية. أنكم لا تجدون ما تجيبوني به ولا ما أجيبه عليكم.

5. لذلك فلنبحث ونسأل مشورة سويًا. أن الفرصة مهيئة لنا لا لاستشارة أي حكيم بل الحكمة ذاته. لنصغي معًا إلى يسوع المسيح الذي “لليهود عثرة ولليونانيين جهالة. وأما للمدعوين يهودًا ويونانيين فبالمسيح قوة الله وحكمة الله” (1 كو 1: 23-24)، لماذا تعدون دفاعًا عظيمًا لغناكم؟ لتسمعوا لحكمة الله الذي لا يفوقه حكيم فربما تعثرون عندما أقول ما ينبغي القول به وبذا تصيرون يهودًا “لأن المسيح لليهود عثرة” أو ربما يبدو حديثي لكم جهالة وبذلك تكونون أميين لأن المسيح “لليونانيين (الأميين) جهالة. “ومع هذا فأنتم مسيحيون وقد دعيتم مسيحيين “وأما للمدعوين يهودًا ويونانيين فبالمسيح قوة الله”. لا تحزنوا عندما أحدثكم بما ينبغي الحديث به، لا تعثروا ولا تسخروا بجهلي كما يبدو لكم بحسب ازدرائكم. لنصغي لأنني سأقول ما قاله المسيح. فإن احتقرتم المنذر (المنادي) فلتخافوا القاضي. ماذا أقول؟ أن قارئ الإنجيل قد أسعفني الآن من حيرتي (مأزقي). أنني لا أقرأ عليكم شيئًا جديدًا بل أذكركم بما قرأ الآن، أنه إذا فشلت إمكانياتكم طلبتم مشورة. انظروا ما يقوله ينبوع المشورة الصالحة، ذلك الينبوع الذي ليس في مجاريه سما فنخشاه. امتلئوا منه ما أردتم.

6. “لا تكنزوا لكم كنوزًا على الأرض حيث لا يفسد سوس ولا صدأ وحيث لا ينقب سارقون ويسرقون. لأنه حيث يكون كنزك هناك يكون قلبك أيضًا.” (مت 6: 19-21)، ماذا تنتظرون بعد؟ الأمر واضح والمشورة مكشوفة وأما الشهوة الشريرة فمخبأة. لا ليس كذلك بل ما هو أردأ من هذا أن هذه الشهوة الشريرة معلنة. لأن النهب لا يتوقف عن الدمار، والطمع لا يكف عن الغش والحقد لا يمتنع عن الحلف الباطل، ولماذا كل هذا؟ لكي ما يذخر الكنز وأين تدخره؟ في الأرض حقيقة أنه من الأرض وإلى الأرض لأنه قيل للإنسان الذي أخطأ رابطًا إيانا معه بكأس التعب “أنت تراب EARTH وإلى تراب تعود”، فلا يكون الكنز في الأرض اعتباطًا لأن القلب هناك، كيف إذن “نرفع قلوبنا للرب”؟ اِحزنوا لحالكم هذا يا من قد فهمتموني، فإن حزنتم بالحق فلتصلحوا أنفسكم، إلى متى تصفقون لهذا ولا تفعلون به؟ ما قد سمعتموه هو حق وليس شيء أحق منه لتصنعوا إذن ما هو حق. أننا نسبح إلهًا واحدًا ومع ذلك لم نتغير حتى لا نتعب في تسبيحنا هذا باطلاً.

7. لذلك “لا تكنزوا لكم كنوزًا على الأرض” فسواء عرفتم بالخبرة أنكم ستفقدون كل ما تكنزوه على الأرض أو لم تختبروا هذا، خافوا من أن تكنزوه على الأرض. ليت هذه الخبرة تُصلح الذين لم تُصلحهم الكلمات. مع أن الجميع يصرخون بصوت واحد “الويل لنا، أن العالم ينهار”، إلا أنه لا يستطيع أحد أن يصعد عنه أو يخرج منه. إن كان العالم ينهار فلماذا لا تتحركون؟ لو أخبركم مهندسًا معماريًا أن منزلكم سيسقط حالاً أفلا تتحركون سريعًا قبل أن تنشغلوا في النحيب؟ إن مؤسس العالم يخبركم بأن العالم قد أوشك على الدمار أفلا تصدقوا هذا؟ اسمعوا صوت الذي سبق فاخبرنا بهذا، اسمعوا مشورة ذلك الذي أنذرنا أن صوت النبوة هو “السماء والأرض تزولان” (مت 24: 35). إن صوت التحذير هو “لا تكنزوا لكم كنزًا على الأرض”. إن كنتم تؤمنون بنبوة الله فلا تزدرون بإنذاره. افعلوا بما يقوله. أن الذي أعطاكم هذه المشورة لن يخدعكم. سوف لا تخسرون ما تتركونه بل تجدون ما قدمتموه أمامكم. لذلك فمشورتي هي “أعطوا الفقراء فيكون لكم كنزًا في السماء” (مت 19: 21). لا تبقوا بدون كنز بل الذي اقتنيتموه على الأرض بقلق تمتلكونه في السماء بدون هم. إذن فلترسلوا أمتعتكم. إنني أعطيكم مشورة للحفظ لا للفقدان. إنه يقول “فيكون لك كنزًا في السماء وتعال اتبعني” لكي ما أحضر لك كنزك. إنه ليس تبديد بل ادخار. لماذا يسكت البشر؟ ليتهم يستمعوا فقد وجدوا أخيرًا بالخبرة ما ينبغي أن يخافوا منه، ليفعلوا إذن الأعمال التي لا تسبب لهم خوفًا، ولينقلوا أمتعتهم إلى السماء لو أنكم وضعتم القمح في الأرض المنخفضة وأتى إليكم صديقًا له علمًا بطبيعة القمح والأرض، فأوصاكم بغير دراية قائلاً: ماذا قد صنعتم. لقد وضعتم القمح في التربة السهلة وفي الأرض المنخفضة، التربة رطبة لذلك سيفسد الكل وتخسرون تعبكم. ستجيبونه: إذن ماذا ينبغي أن نفعل؟ يقول ضعوه في الأرض المرتفعة. هل تصغون إلى صديق يعطيكم مشورة بخصوص قمحكم وتحتقرون الله الذي يعطيكم مشورة تخص قلوبكم؟ انكم تخشون من و ضع قمحكم في الأرض المنخفضة، أتفقدون قلوبكم في الأرض؟ انظروا الرب إلهكم الذي عندما أعطاكم مشورة تخص قلوبكم قال: “حيث يكون كنزك هناك يكون قلبك أيضا” (مت 6: 21). يقول ارفعوا قلوبكم إلى السماء حتى لا تفسد في الأرض. هذه مشورة ذلك الذي يريد أن يحفظ قلوبكم لا أن يهلكها.

8. إن كان الأمر كذلك فكم ينبغي أن تكون توبة الذين لم يفعلوا هذا بعد؟ كم ينبغي أن يبكتوا أنفسهم الآن! ينبغي أن يكون لنا في السماء ما نخسره الآن في الأرض، فالعدو ينقب منزلنا ولكن هل يستطيع أن يكسر باب السماء؟ أنه يقتل العبد المتولي الحراسة، ولكن هل يستطيع أن يقتل الله الذي يحفها “حيث لا ينقب سارقون ويسرقون، حيث لا يفسد سوس ولا صدأ” كم من كثيرين يقولن الآن: ينبغي أن تكون لنا هناك كنوزًا نخبئها في أمان حيث نتبعها بعد قليل ونحن مطمئنون. لماذا لا نستمع لربنا؟ لماذا احتقرنا نصائح الأب فُجربنا بهجمات العدو؟ إن كانت لدينا مشورة صالحة فليتنا لا نتباطأ في مراعاتها. وإن كان ينبغي أن ننقل ما لدينا، فلننقله إلى ذلك الموضع الذي لا نفقده منه. من هم الفقراء الذين نعطيهم غير حمالين ينقلون أمتعتنا من الأرض إلى السماء؟ إذن فلتعطوا. أنكم لستم إلا معطين لحماليكم ليحملوا ما تعطونهم إلى السماء. تقولون كيف يحملونها إلى السماء؟ لأنني أراهم يقضون عليها بأكلها. أنهم بلا شك يحملونها لا يحفظها بل يجعلها طعامًا لهم. ماذا؟ هل نسيتم “تعالوا يا مباركي أبي رثوا الملكوت… لأني جعت فأطعمتموني” وكل ما فعلتموه بأحد إخوتي هؤلاء الأصاغر فبي فعلتم” (مت 25: 34). إن كنتم لا تحتقروا الشحاذ الذي يجلس أمامكم أخذين في اعتباركم ذلك الذي تذهب إليه كل ما تعطونه. يقول.. كل ما فعلتموه بأحد إخوتي الأصاغر فبي فعلتم”، أنه قد تسلمها ذلك الذي قد أعطاكم من تعطون بواسطتهم، لقد تسلمها ذلك الذي سيعطيكم في النهاية ذاته.

9. من أجل هذا فإنه في أوقات كثيرة أيها الأحباء أذكركم وأعترف لكم بما يدهشني كثيرًا في كتاب الله المقدس وهو ما ينبغي لي أن أستدعي انتباهكم له كثيرًا. أتوسل إليكم أن تفكروا فيما قاله ربنا يسوع المسيح نفسه أنه عندما يأتي للدينونة في نهاية العالم سيجمع كل الأمم أمامه ويقسم البشر إلى قسمين قسم عن يمينه والآخر عن يساره. ويقول للذين عن اليمين “تعالوا يا مباركي أبي رثوا الملكوت المعد لكم منذ تأسيس العالم” وأما الذين عن اليسار “اِذهبوا عني.. إلى النار الأبدية المعدة لإبليس وكل ملائكته” ابحثوا عن أسباب هذا الجزاء العظيم أو العقاب المريع “رثوا الملكوت”، “اذهبوا إلى النار الأبدية” لماذا يرث الأولون الملكوت؟ “لأني جعت فأطعمتموني” لماذا يذهب الآخرون إلى النار الأبدية؟ لأني جعت فلم تطعموني، إنني أسأل، ماذا يعني هذا؟ إنني أرى الذين يرثون الملكوت أنهم قد أُعطوا كمسيحيين صالحين ومؤمنين، غير محتقرين لكلمات الرب، لهم رجاء ثابت في المواعيد، لهذا صنعوا لأنه لو لم يصنعوا هكذا فإن ذلك العقم ما كان يتفق مع حياتهم الصالحة. فقد يكونوا طاهرين غير غاشين ولا سكيرين حافظين أنفسهم عن كل أعمال الشر ولكنهم لا يضيفوا إلى هذا أعمالاً صالحة فيبقوا عقيمين. لأنهم أرادوا أن يحفظوا بعيدين عن الشر “ولكنهم لم يريدوا أن يحفظوا أنفسهم، ويصنعون الخير” (مز 34: 14)، مع ذلك فلم يقل حتى لهؤلاء “تعالوا، رثوا الملكوت” لأنكم عشتم طاهرين ولم تغشوا إنسانًا، ولا ظلمتم فقيرًا ولم تعتدوا على تخم أحد ولا خدعتم أحدًا بقسم. إنه لم يقل هذا بل قال “رثوا الملكوت، لأني جعت فأطعمتموني” يا لامتياز هذه عن بقية (الفضائل) جميعها، لأن الرب لم يشر إلى الكل بل إليها وحدها! كذلك يقول للآخرين “اذهبوا إلى النار الأبدية المعدة لإبليس وملائكته”، كم من الأمور يمكن أن يثيرها ضد الأشرار عندما يسألون: لماذا نذهب إلى النار الأبدية؟ لماذا؟ أتسألوا أيها الزناة والقتلة والمخادعين ومنتهكي حرمة المعابد مجدفين وغير مؤمنين. ومع هذا فلم يذكر واحد من هذه بل “لأني جعت فلم تطعموني”.

10. أراكم تتعجبون مثلي. وحقًا أنه لأمر عجيب. ولكنني سأجمع قدر ما استطعت أسباب هذا الأمر العجيب ولا أخفي عليكم شيئًا. لقد كتب “الماء يطفئ النار الملتهبة. والصدقة تكفر الخطايا” (حكمة يشوع 3: 33)، كما كتب أيضًا “اغلق على الصدقة في أخاديرك فهي تنقذك من كل شر” ( حكمة يشوع 29: 15)، كما كتب أيضًا “لذلك أيها الملك لتحسن مشورتي لديك وافقد خطاياك بالصدقة”. هناك شهادات كثيرة في الوحي الإلهي يظهر فيها ما للإحسان من فوائد كثيرة في إخماد الخطايا وإزالتها، لذلك سيلصق الإحسان إلى هؤلاء الذين على وشك أن يحكم الله عليهم، نعم بالأحرى الذين يتوجهم فكأنه يقول “أنه أمر صعب عليّ أن لا أجد سببًا لإدانتكم فامتحنكم وأزنكم بدقة وأفحص أعمالكم بأكثر دقة، ولكن “اُدخلوا إلى الملكوت، لأني كنت جوعانًا فأطعمتموني”، لذلك ستدخلون إلى الملكوت ليس لأنكم لم تخطئوا، بل لأنه بإحسانكم أزلتم خطاياكم. كذلك للآخرين: “اذهبوا إلى النار الأبدية المعدة لإبليس وملائكته”. هم أيضًا خطاة إذ أنهم متأصلون في خطاياهم ومتأخرون في خوفهم منها. عندما يعرضون خطاياهم أمام عقولهم هل يستطيعون من أي جهة أن يتجاسروا فيقولوا أنهم يدانون بغير حقٍ، وأنه قد أعلنت هذه العبارة الصادرة من قاضٍ بار كهذا ضدهم بدون استحقاق؟ فبالنظر إلى ضمائرهم وكل جراحات أرواحهم، كيف يجسرون فيقولوا إننا نُدان ظلمًا؟ لقد قيل عنهم في سفر الحكمة: “آثامهم تحجهم في وجوههم” (حك 4: 20)، سيرون بلا شك أنهم يدانون بعدل عن خطاياهم وشرورهم. ومع ذلك مكانه يقول لهم أنه ليس بسبب ما تفكرون فيه بل “لأني كنت جوعانًا فلم تطعموني”، فلو ابتعدتم عن كل أعمالكم هذه والتفتم إليّ لخلصتم من كل جرائمكم وخطاياكم بإحساناتكم، لخلصتكم الآن إحساناتكم وبرأتكم من الخطايا العظيمة لأن “طوبى للرحماء لأنهم يرحمون” (مت 5: 7) ولكن الآن “اذهبوا إلى النار الأبدية لأن الحكم بلا رحمة لمن لم يعمل رحمة” (يو 6: 35).

11. إخوتي. أنني أشوقكم إلى إعطاء خبزكم الأرضي وطلب السماوي. الرب هو ذاك الخبز أنه يقول “أنا هو خبز الحياة” (مز 15: 2)، ولكن كيف يعطيكم الرب يا من لا تعطوا المحتاجين. واحد يحتاج إليكم وأنتم تحتاجون لآخر (الله)، وإذ تحتاجون إليه والآخر يحتاج إليكم أي يحتاجون إلى المحتاجين أنفسهم. لأن الله الذي تحتاجون إليه لا يحتاج شيئًا. اصنعوا للآخرين ما تريدوا أن يصنع لكم. فإنه ليست الحالة كاؤلئك الأصدقاء الذين اعتادوا على تعبير بعضهم البعض بإحساناتهم كالقول: أنا صنعت هذا لك فيجيب الآخر، وأنا قد فعلت هذا لك، بأن يرغب الله منا أن يصنع بعض الأعمال الصالحة بسبب صنعه عملاً كهذا معنا. أنه لا يحتاج إلى شيء ولذلك فهو الرب ذاته. إنني أقول للرب “أنت ربي ولا تحتاج إلى صلاحي” (مت 25: 34 الخ)، رغم أنه الرب، والرب ذاته ولا يحتاج إلى صلاحنا، إلا أنه إذ ينبغي أن نصنع شيئًا حتى بالنسبة له، لذلك وهبنا أن يكون جائعًا في فقيره. إنه يقول “لأني جعت فأطعمتموني… يا رب متى رأيناك جائعًا… بما أنكم فعلتموه بأحد إخوتي الأصاغر فبي فعلتم” (يو 3: 7-9). وبالاختصار ليسمع البشر ويتبصروا كما ينبغي، هيا للجزاء العظيم أن يطعموا المسيح عندما يكون جائعًا، ويا للجريمة الكبرى أن يُزدرى بالمسيح متى كان جائعًا.

12. حقيقة أن التوبة عن الخطايا تصلح البشر، ولكن لا يظهر لها فائدة إن كانت عقيمة من أعمال الرحمة. هذا ما يشهد به الحق على لسان يوحنا الذي قال للذين أتوا إليه “يا أولاد الأفاعي من أراكم أن تهربوا من الغضب الآتي، فاصنعوا ثمارًا تليق بالتوبة. ولا تبتدئوا تقولون في أنفسكم لنا إبراهيم أبًا. لأني أقول لكم أن الله قادر أن يقيم من هذه الحجارة أولادًا لإبراهيم. والآن قد وضعت الفأس على أصل الشجر. فكل شجرة لا تصنع ثمرًا جيدًا تُقطع وتلقى في النار” (مت 25: 41-42)، لقد قال عن هذه الثمرة “فاصنعوا ثمارًا تليق بالتوبة” فمن لا يصنع هذه الثمار ليس له أن يفكر في أنه سينال غفرانًا لخطاياه بتوبة عقيمة. لقد أعلن بنفسه ما هي هذه الثمار، لأنه بعد قوله هذه الكلمات سألته الجموع قائلة: “فماذا نفعل؟ فأجاب وقال لهم: “من له ثوبان فليعط من ليس له ومن له طعام فليفعل هكذا”. إخوتي أي شيء أكثر وضوحًا وتأكيدًا أو صراحة عن هذا؟ إن ما سبق ذكره “فكل شجرة لا تصنع ثمرًا جيدًا تقطع وتلقى في النار”. ماذا يعني سوى ما يسمعه الذين على اليسار “اذهبوا عني إلى النار الأبدية المعدة لإبليس وملائكته لأني جعت فلم تطعموني” (مت 25 إلى 41-42). لذلك فإن أمرًا بسيطًا أن تنفصلوا عن خطاياكم، إذا ما أهملتم في الشفاء من الخطايا الماضية، كما هو مكتوب “يا اِبني إن أخطأت فلا تعد تزيد أيضًا” (حكمة يشوع 21: 1)، وحتى لا يظن أنه بهذا فقط يكون قد تحصن يقول “واستغفر عن السالفات”، وماذا ينفعكم لو طلبتم الغفران دون أن تهيئوا أنفسكم لكي ما يُسمع لكم، وذلك بعدم صنعكم “أثمارا تليق بالتوبة”، فتقطعون كشجرة بلا ثمر وتلقون في النار؟ فإن كنتم تريدون أن يسمع لكم عندما تطلبون الغفران “اغفروا يغفر لكم. أعطوا تعطوا” (لو 6: 3-38).

 

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى