تفسير الإنجيل بحسب القديس لوقا أصحاح 5 – كنيسة مارمرقس بمصر الجديدة
الأَصْحَاحُ الخامس
معجزات شفاء مرضى وصيد سمك
(1) صيد السمك الكثير (ع1-11):
1 وَإِذْ كَانَ الْجَمْعُ يَزْدَحِمُ عَلَيْهِ لِيَسْمَعَ كَلِمَةَ اللهِ، كَانَ وَاقِفًا عِنْدَ بُحَيْرَةِ جَنِّيسَارَتَ. 2 فَرَأَى سَفِينَتَيْنِ وَاقِفَتَيْنِ عِنْدَ الْبُحَيْرَةِ، وَالصَّيَّادُونَ قَدْ خَرَجُوا مِنْهُمَا وَغَسَلُوا الشِّبَاكَ. 3 فَدَخَلَ إِحْدَى السَّفِينَتَيْنِ الَّتِي كَانَتْ لِسِمْعَانَ، وَسَأَلَهُ أَنْ يُبْعِدَ قَلِيلًا عَنِ الْبَرِّ. ثُمَّ جَلَسَ وَصَارَ يُعَلِّمُ الْجُمُوعَ مِنَ السَّفِينَةِ. 4 وَلَمَّا فَرَغَ مِنَ الْكَلاَمِ قَالَ لِسِمْعَانَ: «ابْعُدْ إِلَى الْعُمْقِ وَأَلْقُوا شِبَاكَكُمْ لِلصَّيْدِ». 5 فَأَجَابَ سِمْعَانُ وَقَالَ لَهُ: «يَا مُعَلِّمُ، قَدْ تَعِبْنَا اللَّيْلَ كُلَّهُ وَلَمْ نَأْخُذْ شَيْئًا. وَلكِنْ عَلَى كَلِمَتِكَ أُلْقِي الشَّبَكَةَ». 6 وَلَمَّا فَعَلُوا ذلِكَ أَمْسَكُوا سَمَكًا كَثِيرًا جِدًّا، فَصَارَتْ شَبَكَتُهُمْ تَتَخَرَّقُ. 7 فَأَشَارُوا إِلَى شُرَكَائِهِمِ الَّذِينَ فِي السَّفِينَةِ الأُخْرَى أَنْ يَأْتُوا وَيُسَاعِدُوهُمْ. فَأَتَوْا وَمَلأُوا السَّفِينَتَيْنِ حَتَّى أَخَذَتَا فِي الْغَرَقِ. 8 فَلَمَّا رَأَى سِمْعَانُ بُطْرُسُ ذلِكَ خَرَّ عِنْدَ رُكْبَتَيْ يَسُوعَ قَائِلًا: «اخْرُجْ مِنْ سَفِينَتِي يَا رَبُّ، لأَنِّي رَجُلٌ خَاطِئٌ!». 9 إِذِ اعْتَرَتْهُ وَجمِيعَ الَّذِينَ مَعَهُ دَهْشَةٌ عَلَى صَيْدِ السَّمَكِ الَّذِي أَخَذُوهُ. 10 وَكَذلِكَ أَيْضًا يَعْقُوبُ وَيُوحَنَّا ابْنَا زَبَدِي اللَّذَانِ كَانَا شَرِيكَيْ سِمْعَانَ. فَقَالَ يَسُوعُ لِسِمْعَانَ: «لاَ تَخَفْ! مِنَ الآنَ تَكُونُ تَصْطَادُ النَّاسَ!» 11 وَلَمَّا جَاءُوا بِالسَّفِينَتَيْنِ إِلَى الْبَرِّ تَرَكُوا كُلَّ شَيْءٍ وَتَبِعُوهُ.
ع1: حيثما تحرك المسيح، تبعته الجموع من أجل تعاليمه المؤثرة وعنايته بهم بشفاء أمراضهم، وتحريرهم من الشياطين.
وفي هذا اليوم وصل إلى بحيرة جنيسارت، ومعناها “جنة السرور”، وهي التي تدعى أحيانا بحر الجليل أو بحر طبرية.
ع2: كان صباحًا في بداية النهار، حيث عاد الصيادون بسفنهم من الصيد ليلًا، وغسلوا شباكهم من الأعشاب العالقة استعدادًا للصيد في غروب اليوم، وكانوا مزمعين أن يذهبوا إلى بيوتهم ليستريحوا.
ع3: كانت السفينتان إحداهما لسمعان وأخوه أندراوس، والثانية ليعقوب ويوحنا ابني زبدى. فدخل المسيح سفينة سمعان بطرس، وطلب منه أن يبعد قليلًا عن البر حيث إزدحمت الجموع، ووقف يعلم من السفينة تعاليمه الروحية المؤثرة. وكان سمعان قد تعرف عليه قبلًا وزار المسيح بيته، ولكنه لم يكن قد ترك كل شيء وتبعه بعد.
† قد يأتي الله إليك ويدعوك للصلاة أو قراءة كتابه المقدس، أو عمل أي خير وخدمة للآخرين في وقت لا تنتظره أو تريد أن تستريح فيه، فلا ترفض لتتمتع بنعم الله الجزيلة.
ع4: كان سمعان وأخوه أندراوس في حزن بسبب عدم صيد السمك في هذه الليلة، وبالتالي عوزهم للقوت في هذا اليوم. فبعدما سمعا تعاليم المسيح، استراحت قلوبهم، ولكن المسيح لن ينسَ احتياجهم المادي، فطلب منهما أن يدخلا بالسفينة إلى عمق البحر.
† إن كنت تعطى وقتًا للعبادة والخدمة، فثق أن الله يحل مشاكلك المادية. تمسك به واتكل عليه وتعمق في معرفته.
ع5: كان أمر المسيح غريبًا على سمعان لسببين:
(1) أنه تعب طوال الليل ولم يجد سمكًا بالبحر في الأماكن التي يعرفها بخبرته، وفي الوقت المناسب للصيد الذي هو الليل.
(2) بالخبرة في صيد السمك لا يُصطاد في العمق بالشباك بل بسنارة لبعض الأسماك التي توجد في القاع.
ولكن تأثره بمعجزات المسيح وتعاليمه، جعلته يطيعهُ أكثر من عقله وخبرته.
† ليت الطاعة تعلو فوق عقلك وعواطفك، لأن كلام الله في الكتاب المقدس والكنيسة أهم من أي شيء فتطيعه رغم صعوبته عليك.
ع6-7: عندما أطاع سمعان، فوجئ بامتلاء الشبكة بسمك كثير لم يكن يتوقعه، وإذ كادت الشبكة تتمزق من كثرة السمك، أنزلوه منها في السفينة فامتلأت. ونادا على صديقيهما يعقوب ويوحنا، فأتيا بسفينتهما وملأوها أيضًا. وكادت السفينتان تغرقان من كثرة السمك، وجروا الشبكة أيضًا بما بقى فيها من سمك، وبالكاد وصلوا إلى الشاطئ بصيدهم العظيم.
† إن تعبك وحده بدون المسيح لا يفيدك، ولكن أن أطعته في جهادك الروحي، فثق ببركته الوفيرة غير المتوقعة التي تشبع الروح والجسد (السفينتين). وإن حققت نجاحًا كبيرًا، فاشكر الله صاحب الفضل طوال حياتك.
ع8-9: جميع الذين معه أي أندراوس والعمال المساعدين له في الصيد.
أمام قوة المسيح ولاهوته الظاهر في أمره للسمك فيطيعه ضدًا للقوانين الطبيعية، شعر سمعان بضعفه وخطاياه، فسجد أمام المسيح معلنًا عدم استحقاقه أن يوجد في سفينته، وقال له أخرج من سفينتى، إذ شعر أن مكانه هو المجد في السماء، وليس الوجود على الأرض في سفينة حقيرة مثل هذه.
† هل تقودك إحسانات الله لشكره والاتضاع أمامه والتوبة عن خطاياك؟
ع10: حدث نفس التأثر لإبنى زبدى اللذين كانا في السفينة المرافقة لسفينة سمعان وأندراوس. وإذ تأهل سمعان بالطاعة والتوبة والاعتراف بقوة المسيح، استحق أن يدعوه المسيح للتلمذة على يديه حتى يخدم النفوس. فهذه هي مؤهلات الخدمة.
ع11: يبدو أن الدعوة الأولى لسمعان وبعض التلاميذ المذكورة في يو (يو 1: 35- 42) جعلتهم يتبعون المسيح أحيانًا، ثم يعودون لعملهم وهو الصيد أحيانًا أخرى. وقد يكون المسيح سمح أن يتعبوا ولا يصطادون شيئًا، ليعرفوا ضعفهم وحاجتهم إليه، وفي نفس الوقت عمل معجزة صيد السمك الكثير حتى يطمئنوا لسهولة توفير احتياجاتهم المادية إذا تبعوه.
على أي الأحوال، بعد تأكيد الدعوة هنا مرة ثانية، والتي دعا فيها ليس فقط سمعان بل أندراوس أيضًا ويعقوب ويوحنا ابني زبدى، بدليل قوله تبعوه، حينئذ تركوا كل شيء بإيمان وطاعة جديدة، بل وفرحوا أيضًا.
† إن الله يطيل أناته عليك حتى تثق فيه وتتبعه وتتمتع ببركاته وخدمته. فلا تتعطل بتعلقاتك المادية ومشاريعك ومسؤلياتك عن خدمة الله، فهي لا يساويها شيء في العالم. أنه أختبار واضح لمدى محبتك له، هل هي أكثر من العالم؟
(2) شفاء الأبرص (ع12 – 16):
← ذكرت هذه المعجزة أيضًا في (مت8: 2 -4؛ مر1: 40 -44).
12 وَكَانَ فِي إِحْدَى الْمُدُنِ، فَإِذَا رَجُلٌ مَمْلُوءٌ بَرَصًا. فَلَمَّا رَأَى يَسُوعَ خَرَّ عَلَى وَجْهِهِ وَطَلَبَ إِلَيْهِ قَائِلًا: «يَا سَيِّدُ، إِنْ أَرَدْتَ تَقْدِرْ أَنْ تُطَهِّرَنِي». 13 فَمَدَّ يَدَهُ وَلَمَسَهُ قَائِلًا: «أُرِيدُ، فَاطْهُرْ!». وَلِلْوَقْتِ ذَهَبَ عَنْهُ الْبَرَصُ. 14 فَأَوْصَاهُ أَنْ لاَ يَقُولَ لأَحَدٍ. بَلِ «امْضِ وَأَرِ نَفْسَكَ لِلْكَاهِنِ، وَقَدِّمْ عَنْ تَطْهِيرِكَ كَمَا أَمَرَ مُوسَى شَهَادَةً لَهُمْ». 15 فَذَاعَ الْخَبَرُ عَنْهُ أَكْثَرَ. فَاجْتَمَعَ جُمُوعٌ كَثِيرَةٌ لِكَيْ يَسْمَعُوا وَيُشْفَوْا بِهِ مِنْ أَمْرَاضِهِمْ. 16 وَأَمَّا هُوَ فَكَانَ يَعْتَزِلُ فِي الْبَرَارِي وَيُصَلِّي.
ع12: كان مرض البرص (يشبه الجزام والبهاق حاليًا) مرض معدى، ويرمز للنجاسة لأنه ناتج عن الخطية. ومن يصاب به – بحسب شريعة موسى – يعزل خارج الجماعة ولا يمسه أحد لئلا يتنجس. ولكن إذ سمع هذا الأبرص عن المسيح وشفائه للمرض، آمن واخترق الجموع، مع أن البرص كما يقرر الطبيب لوقا كان منتشرًا في جسمه، وسجد باتضاع أمامه وطلب برقة (إن أردت) وإيمان (تقدر) من المسيح أن يطهّره.
ع13: كان المسيح يستطيع أن يشفيه بكلمة، ولكنه لمسه ليظهر لاهوته في سلطانه على المرض وحنانه على الأبرص. وفي نفس الوقت فهو ليس ضد الشريعة إذ أرسله إلى الكاهن ليتمم الشريعة.
ع14-15: قدم عن تطهيرك كانت الشريعة تقضى بتقديم الأبرص ذبيحة إعلانًا لتوبته وعزمه على عدم الرجوع للخطية، ورمزًا لفداء المسيح الذي يرفع عنا كل خطايانا.
لأن المسيح لا يريد المظاهر والشهرة، قال للأبرص أن لا يخبر أحدًا بل يتمم الشريعة التي تقضى بأن الأبرص إذا شفى، يذهب للكاهن ليفحصه ويتأكد من شفائه ويعطيه شهادة بذلك قبل أن يخالط أحدًا.
وهنا يظهر قول المسيح أنه لم يأتِ لينقض بل ليكمل الناموس (مت5: 17).
ولكن إذ سمعت الجموع بخبر شفاء الأبرص، شعروًا أن هذا هو المسيا لأن الأنبياء قد تنبأوا بأن من أعماله أن يشفى بالتحديد هذا المرض لصعوبته، وهكذا أيضًا قال المسيح ردًا على تلميذى يوحنا المعمدان، اللذين سألاه هل هو المسيا، فقال لهم أنه يشفى البرص (لو7: 22- 23)، فتزاحمت الجموع حول المسيح طلبًا لشفاء أمراضهم.
ع16: رغم اهتمام المسيح بشفاء المرضى وخدمة الجموع، لكنه يعلمنا ألا ننشغل عن الصلاة والاختلاء بالله في هدوء بعيدًا عن الناس، لأن هذا هو الزاد الروحي الذي يقوينا لنستطيع أن نخدم الآخرين ونواجه مشاكل الحياة.
† إن كنت تؤمن بقوة الله القادرة على حل مشاكلك، فالتجئ إليه باتضاع وثق أنه سيرفع عنك كل متاعبك، وكن مستعدا لترك كل خطاياك بالتوبة فيسندك أيضًا حتى تتخلص منها مهما كانت صعبة. أنه يحبك وقد أتى لخلاصك.
(3) شفاء المفلوج (ع17 – 26):
17 وَفِي أَحَدِ الأَيَّامِ كَانَ يُعَلِّمُ، وَكَانَ فَرِّيسِيُّونَ وَمُعَلِّمُونَ لِلنَّامُوسِ جَالِسِينَ وَهُمْ قَدْ أَتَوْا مِنْ كُلِّ قَرْيَةٍ مِنَ الْجَلِيلِ وَالْيَهُودِيَّةِ وَأُورُشَلِيمَ. وَكَانَتْ قُوَّةُ الرَّبِّ لِشِفَائِهِمْ. 18 وَإِذَا بِرِجَال يَحْمِلُونَ عَلَى فِرَاشٍ إِنْسَانًا مَفْلُوجًا، وَكَانُوا يَطْلُبُونَ أَنْ يَدْخُلُوا بِهِ وَيَضَعُوهُ أَمَامَهُ. 19 وَلَمَّا لَمْ يَجِدُوا مِنْ أَيْنَ يَدْخُلُونَ بِهِ لِسَبَبِ الْجَمْعِ، صَعِدُوا عَلَى السَّطْحِ وَدَلَّوْهُ مَعَ الْفِرَاشِ مِنْ بَيْنِ الأَجُرِّ إِلَى الْوَسْطِ قُدَّامَ يَسُوعَ. 20 فَلَمَّا رَأَى إِيمَانَهُمْ قَالَ لَهُ: «أَيُّهَا الإِنْسَانُ، مَغْفُورَةٌ لَكَ خَطَايَاكَ». 21 فَابْتَدَأَ الْكَتَبَةُ وَالْفَرِّيسِيُّونَ يُفَكِّرُونَ قَائِلِينَ «مَنْ هذَا الَّذِي يَتَكَلَّمُ بِتَجَادِيفَ؟ مَنْ يَقْدِرُ أَنْ يَغْفِرَ خَطَايَا إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ؟» 22 فَشَعَرَ يَسُوعُ بِأَفْكَارِهِمْ، وَأَجَابَ وَقَالَ لَهُمْ: «مَاذَا تُفَكِّرُونَ فِي قُلُوبِكُمْ؟ 23 أَيُّمَا أَيْسَرُ: أَنْ يُقَالَ: مَغْفُورَةٌ لَكَ خَطَايَاكَ، أَمْ أَنْ يُقَالَ: قُمْ وَامْشِ؟ 24 وَلكِنْ لِكَيْ تَعْلَمُوا أَنَّ لابْنِ الإِنْسَانِ سُلْطَانًا عَلَى الأَرْضِ أَنْ يَغْفِرَ الْخَطَايَا»، قَالَ لِلْمَفْلُوجِ: «لَكَ أَقُولُ: قُمْ وَاحْمِلْ فِرَاشَكَ وَاذْهَبْ إِلَى بَيْتِكَ!». 25 فَفِي الْحَالِ قَامَ أَمَامَهُمْ، وَحَمَلَ مَا كَانَ مُضْطَجِعًا عَلَيْهِ، وَمَضَى إِلَى بَيْتِهِ وَهُوَ يُمَجِّدُ اللهَ. 26 فَأَخَذَتِ الْجَمِيعَ حَيْرَةٌ وَمَجَّدُوا اللهَ، وَامْتَلأُوا خَوْفًا قَائِلِينَ: «إِنَّنَا قَدْ رَأَيْنَا الْيَوْمَ عَجَائِبَ!».
ع17: دخل المسيح أحد بيوت كفرناحوم، كما نعلم من تفاصيل هذه الحادثة المذكورة في (مت9: 2- 8، مر2: 1- 12)، وكان بين المجتمعين حوله مجموعة من الفريسيين أي المفرزين، وهم يشعرون أنهم أفضل فئة روحية في المجتمع اليهودي، ويتصفون بالكبرياء؛ ومجموعة أيضًا من معلمي الناموس، وهم حرفيون في تمسكهم بالشريعة دون جوهرها. وقد أتوا من بلاد مختلفة ليفحصوا تعاليم المسيح ويحكموا عليها، فكانوا جالسين بكبرياء يراقبونه. وقد اجتمع عدد كبير من اليهود من قرى الجليل المحيطة بكفر ناحوم بل أيضًا من قرى اليهودية وهي التي تقع جنوب الجليل وقدموا له مرضى كثيرين فشفاهم، فتعجب الناس من قوة الله التي فيه.
† هل تستمع باتضاع لتعاليم الكنيسة، أم تسمع لتحكم بكبرياء على الواعظ؟
لتكن كل كلمة تسمعها أو كتاب تقرأه رسالة روحية من الله لتطبقها في حياتك، فتجد خلاص نفسك.
ع18-19: من بين المرضى الكثيرين الذين ازدحموا حول المسيح، حضر أربعة رجال [كما ذكر في (مت 9)] يحملون مشلولًا على فراشه، وبسبب الزحام حول الباب لم يجدوا طريقة للوصول إلى المسيح إلا الصعود فوق السطح من السلم الخلفى. وكانت توجد فتحة في السقف يغطونها بالأخشاب في الشتاء ويرفعونها في الصيف، فرفعوا هذه الألواح الخشبية الموجودة بين الطوب الآجرُ (وهو الطوب المحروق الذي يغطى السقف ليمنع نفاذ مياه الأمطار)، وربطوا فراش المشلول ودلوه من السقف، فنزل قدام رب المجد يسوع.
كم تكلف هؤلاء الرجال الأربعة من جهد كبير يعلن إيمانهم بالمسيح ومحبتهم للمريض، وهم يرمزون إلى فئات الكنيسة المقبلة بإيمان على المسيح (الأساقفة – الكهنة – الشمامسة- الشعب) لتجد خلاصًا فيه. أو الانجيليين الأربعة، الذين ببشائرهم يحملوننا إلى الإيمان بالمسيح.
† أظهر محبتك وإيمانك بجهاد عملى، فتفرح قلب الله وتنال بركاته.
ع20: لما رأى المسيح الإيمان العملى لهؤلاء الأصدقاء الأربعة، اهتم جدًا بشفاعتهم العملية في صديقهم، فمنحه غفران خطاياه الذي هو السبب الحقيقي لمرضه. فهو يقطع المرض من جذوره وأصله، وهذا يؤكد لاهوته وسلطانه على غفران الخطايا لأنه لا يستطيع ذلك إلا الله.
ليس معنى هذا عدم إيمان المشلول، بل عجزه عن الحركة والكلام لم يعطه فرصة أن يعبر عن إيمانه، ولكن قبوله وهو في هذه الحالة الصحية السيئة أن يخرج من بيته، ويدخل بين الزحام، ويصعدوا به إلى السطح ويربطوا السرير ويدلوه، متحملًا هذا التعب واحتمال سقوطه أثناء تدليته… كل هذا يؤكد رغبته في الشفاء وإيمانه.
† احتمالك للآلام برضى يؤكد محبتك وإيمانك بالله. تشفع بالقديسين أصدقائك، فهذا يفرح قلب الله ويستجيب لطلباتهم.
ع21: تضايق الكتبة والفريسيون من كلام المسيح، معلنين أن من يغفر الخطايا هو الله وحده، فكيف يأمر المسيح بغفران الخطايا؟
ع22: علم المسيح أفكارهم دون أن يقولها، ولا يعلم أفكار الإنسان الداخلية إلا الله، فهذا إثبات للاهوت المسيح الذي عاتبهم على شكوكهم.
ع23-24: سأل المسيح الكتبة والفريسين عن أي الأمور أسهل، غفران الخطايا أم الشفاء الجسدي؟…. بالطبع الشفاء الجسدي، فالمسيح قد صنع الأعظم وهو غفران الخطية، ولكن لكي يرد على شكوكهم ويؤكد لاهوته وسلطانه، أعطى الشفاء للمشلول بكلمة واحدة ليقوم ويحمل سريره.
† إن محبة الله لك قوية ومستمرة، تشعر بها واضحة في الكتاب المقدس والصلاة والأسرار المقدسة، ولكنه يؤكدها لك بعطايا كثيرة لعلك تفهم محبته اللانهائية لك.
ع25: ذهب المرض عنه في الحال واستعاد صحته الكاملة، حتى أنه استطاع أن يحمل فراشه ويعود إلى بيته، وكان وهو يشق طريقه بين الجموع يشكر الله ويسبحه.
† إن عطاء الله لنا بسخاء فوق ما نتوقع أو نطلب، لذا ينبغي أن نشكره كل حين على عطاياه، ونشترك مع الكنيسة في تسبيحه.
ع26: أمام هذه المعجزة العظيمة، تعجب الجميع ومجدوا الله الذي صنع بينهم هذه المعجزات، متحيرين من قوة المعجزة وسلطان المسيح.
(4) دعوة لاوي (ع27 – 32):
← ذكرت أيضًا في (مت9: 9؛ مر2: 13، 14).
27 وَبَعْدَ هذَا خَرَجَ فَنَظَرَ عَشَّارًا اسْمُهُ لاَوِي جَالِسًا عِنْدَ مَكَانِ الْجِبَايَةِ، فَقَالَ لَهُ: «اتْبَعْنِي». 28 فَتَرَكَ كُلَّ شَيْءٍ وَقَامَ وَتَبِعَهُ. 29 وَصَنَعَ لَهُ لاَوِي ضِيَافَةً كَبِيرَةً فِي بَيْتِهِ. وَالَّذِينَ كَانُوا مُتَّكِئِينَ مَعَهُمْ كَانُوا جَمْعًا كَثِيرًا مِنْ عَشَّارِينَ وَآخَرِينَ. 30 فَتَذَمَّرَ كَتَبَتُهُمْ وَالْفَرِّيسِيُّونَ عَلَى تَلاَمِيذِهِ قَائِلِينَ: «لِمَاذَا تَأْكُلُونَ وَتَشْرَبُونَ مَعَ عَشَّارِينَ وَخُطَاةٍ؟» 31 فَأَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُمْ: «لاَ يَحْتَاجُ الأَصِحَّاءُ إِلَى طَبِيبٍ، بَلِ الْمَرْضَى. 32 لَمْ آتِ لأَدْعُوَ أَبْرَارًا بَلْ خُطَاةً إِلَى التَّوْبَةِ».
ع27-28: في مكان جمع الضرائب، جلس متى العشار الذي دعاه هنا لوقا البشير بإسمه الآخر وهو لاوى، تكريمًا له ليعيده إلى وظيفته الأولى العظيمة وهي الخدمة، فقد كان سبط لاوي كله مخصصًا لخدمة الهيكل، ودعاه المسيح ليتبعه، فترك وظيفته بكل ما يتصل بها من مكاسب مادية ومركز عظيم، وتبع المسيح مفضلًا المكسب الروحي عن المادي.
† لكيما تفرغ وقتا لله، ستضطر لترك بعض راحتك وانشغالاتك ومكاسبك المادية. فهل المسيح في نظرك يستحق هذا؟
ع29: إذ فرح لاوي (متى) بتبعيته للمسيح، فكر أيضًا في زملائه العشارين وأصدقائه الخطاة الذين عبر عنهم هنا لوقا قائلًا آخرين، وكيف يجذبهم لتبعية المسيح. فصنع وليمة في بيته جمع فيها كل هؤلاء، ودعا إليها المسيح واثقًا أن تعالميه ستؤثر حتما فيهم وتقودهم للتوبة.
† هل تشعر بمسؤليتك نحو أفراد اسرتك وأصدقائك وجيرانك وزملائك في العمل؟ كيف تحاول جذبهم لمحبة الله والارتباط به؟
ع30: تضايق الفريسيون والكتبة، وهم القادة الروحيون لليهود، من اختلاط المسيح بالخطاة وأعلنوا ذلك. ولكن لحرجهم أن يقولوا هذا للمسيح أعلنوه لتلاميذه، وهم يفكرون فقط في منظرهم ورأى الناس فيهم وليس خلاص الآخرين.
† احتمل رأي الناس المعارضين إذا أحتاج الضعفاء والمزدرى بهم إلى خدمتك، مادام هدفك هو تقديم محبة المسيح للكل.
ع31-32: أوضح المسيح هنا أن الخطية هي ضعف ومرض، فيحتاج الخطاة أن نشفق عليهم ونعالجهم وليس أن نبتعد عنهم. وهو الطبيب الحقيقي الذي أتى إلى العالم ليشفى كل الساقطين في مرض الخطية.
أما من يظنون أنهم أصحاء أو أبرار بكبريائهم، فهؤلاء لا فائدة لهم من تعاليم المسيح إن لم يتوبوا أولًا عن برهم الذاتي، وهذا قد يأتي إذا سقطوا في تجربة شديدة.
† أشفِق على الخطاة وصلي لأجلهم حتى لو كانت خطيتهم الإساءة إليك، بل ليتك تقدم محبتك لهم فتخجلهم وتجذبهم للمسيح.
(5) الصوم المسيحي (ع33 – 39):
33 وَقَالُوا لَهُ: «لِمَاذَا يَصُومُ تَلاَمِيذُ يُوحَنَّا كَثِيرًا وَيُقَدِّمُونَ طِلْبَاتٍ، وَكَذلِكَ تَلاَمِيذُ الْفَرِّيسِيِّينَ أَيْضًا، وَأَمَّا تَلاَمِيذُكَ فَيَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ؟» 34 فَقَالَ لَهُمْ: «أَتَقْدِرُونَ أَنْ تَجْعَلُوا بَنِي الْعُرْسِ يَصُومُونَ مَا دَامَ الْعَرِيسُ مَعَهُمْ؟ 35 وَلكِنْ سَتَأْتِي أَيَّامٌ حِينَ يُرْفَعُ الْعَرِيسُ عَنْهُمْ، فَحِينَئِذٍ يَصُومُونَ فِي تِلْكَ الأَيَّامِ». 36 وَقَالَ لَهُمْ أَيْضًا مَثَلًا: «لَيْسَ أَحَدٌ يَضَعُ رُقْعَةً مِنْ ثَوْبٍ جَدِيدٍ عَلَى ثَوْبٍ عَتِيق، وَإِلاَّ فَالْجَدِيدُ يَشُقُّهُ، وَالْعَتِيقُ لاَ تُوافِقُهُ الرُّقْعَةُ الَّتِي مِنَ الْجَدِيدِ. 37 وَلَيْسَ أَحَدٌ يَجْعَلُ خَمْرًا جَدِيدَةً فِي زِقَاق عَتِيقَةٍ لِئَلاَّ تَشُقَّ الْخَمْرُ الْجَدِيدَةُ الزِّقَاقَ، فَهِيَ تُهْرَقُ وَالزِّقَاقُ تَتْلَفُ. 38 بَلْ يَجْعَلُونَ خَمْرًا جَدِيدَةً فِي زِقَاق جَدِيدَةٍ، فَتُحْفَظُ جَمِيعًا. 39 وَلَيْسَ أَحَدٌ إِذَا شَرِبَ الْعَتِيقَ يُرِيدُ لِلْوَقْتِ الْجَدِيدَ، لأَنَّهُ يَقُولُ: الْعَتِيقُ أَطْيَبُ».
ع33: سأل اليهود المسيح عن عدم صوم تلاميذه مع تمسك تلاميذ يوحنا والفريسيين بذلك، وهذا إما سؤال استفهامي أو يظهر تثقلهم وتذمرهم من الصوم، أو اعتراض على المسيح وتلاميذه لنقصهم في هذا الأمر.
ع34-35: أعطى المسيح في إجابته مثلًا عن العريس والعرس. فكما يفرح أهل العرس بعريسهم، هكذا أيضًا تلاميذ المسيح يفرحون روحيًا بمعاينتهم له، ولكن عندما يذهب العريس يستطيع بنو العرس أن يصوموا. وكذلك تلاميذ المسيح، عندما يصعد إلى السماء يشعرون بضعفهم واحتياجهم، فيصومون بزهد وصلوات كثيرة، فيعطيهم الله معرفته ومعاينته روحيا. وتطبيقًا لذلك نصوم صوم الرسل بعد صعود المسيح وعيد حلول الروح القدس.
ع36: ثم عالج المسيح مشكلة الفريسيين والناموسيين المتمسكين بحرفية الناموس دون جوهره، وكيف أن ممارستهم الروحية غير مقبولة مادام قلبهم غير نقى. وأوضح ذلك بمثال وهو معالجة ثوب عتيق بوضع رقعة جديدة فيه، فهذا لا يفيده بل يضره لأن القطعة الجديدة قماشها قوى أما أنسجة العتيق فضعيفة فتتقطع عندما نخيط فيها الرقعة الجديدة، ويزداد الثوب القديم رداءة وتمزقا.
كذلك إن لم تتجدد حياة الإنسان بالتوبة والإيمان بالمسيح، لا تفيده ممارساته الروحية من صلوات وأصوام أو أي عمل روحي.
ع37-38: ثم أكد نفس المعنى في الآية السابقة بمثال جديد هو وضع خمر جديد في زقاق عتيق. والزقاق هي إناء يوضع فيه الخمر يعمل من جلد الماعز، وهو يشبهُ القربة، والخمر إذا ترك فترة في الزقاق يختمر فيتمدد، فإذا كانت الزقاق عتيقة تكون جافة وفقدت مرونتها حينئذ تنشق فيتلف، أما الخمر فتهرق وتنسكب وتضيع. فلذلك يضعون خمرًا جديدة في زقاق جديدة تكون لها المرونة والتمدد إذا زاد حجم الخمر داخلها.
وهكذا أيضًا النفس المتجددة بالمسيح في حياة روحية، تستفيد وتتوافق مع الممارسات الروحية.
† نق قلبك بالتوبة وسامح الآخرين، فتستطيع أن تتمتع بصومك وصلواتك.
ع39: يؤكد هنا أيضًا صعوبة التجديد والتغير على النفس من تعودها الحياة المادية إلى التوبة عن الخطية وعشرة الله، كمثال من يذوق خمرًا جديدة فيقول العتيق أفضل، مع أن الخمر العتيقة فيها نسبة كحول كبيرة ولكن التعود يجعله يتمسك بها مع أنها شديدة التأثير على الجسم.
† ثابر في جهادك لرفض الخطية المُحَبَّبَة والحياة القديمة، واغصب نفسك في الجهاد الروحي حتى تتعوده وتتمتع به.