السيد المسيح معلمنا المحبة

أولا: ما هي المحبة؟ 

المحبة هي قمة الفضائل كلها, وهي الفضيلة الأولى, لذلك عندما سُئل السيد المسيح ما هي الفضيلة العظمى في الناموس قال :السيد المسيح مُحب الجميع هي المحبة “فتحب الرب إلهك من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل قوتك” (ثت5:6) المحبة هي جامعة لكل الفضائل, ولذلك يقول القديس بولس: “وأما غاية الوصية فهى المحبة من قلب طاهر، وضمير صالح، وإيمان بلا رياء” (1تى 5:1).

وأيضا جعلها بولس الرسول أعظم من الإيمان والرجاء فقال : “أما الآن فيثبت الإيمان والرجاء والمحبة هذه الثلاثة ولكن أعظمهن المحبة” (1كو 13:13 ).

والمحبة هي أولى ثمار الروح القدس, “أما ثمر الروح فهو: محبة، فرح، سلام، طول أناة، لطف، صلاح، إيمان، وداعة، تعفف” (غل22:5 ).

والمحبة هي الوصية التي أعطاها السيد المسيح لتلاميذه: “وصية جديدة أنا أعطيكم: أن تحبوا بعضكم بعضاً” (يو 34:13 ).

والمحبة مطلوبة منا لأن الله محبة وقد أحبنا وبذل نفسه لأجلنا, مادام الله محبة ونحن صورة الله ومثاله إذن لابد أن نكون محبين مثله.

والسيد المسيح جعل المحبة صفة وعلامة مميزة لتلاميذه إذ قال: “بهذا يعرف الجميع أنكم تلاميذي: إن كان لكم حب بعضاً لبعض” (يو 35:13 ).

المحبة هي خروج الإنسان من حبه لذاته إلى الغير, أي خروج من “الأنا” فلا تعيش داخل الأنا إنما داخل قلوب الناس, تحيا لأجل الغير, وإذا خرجت المحبة عن الحق أو عن الطهارة تكون محبة ضارة.

 

ثانيا: الله يحب صغار النفوس

 يقول الكتاب المقدس عن السيد المسيح: “قصبة مرضوضة لا يقصف، وفتيلة مدخنة لا يطفئ” (مت 20:12 ), حقاً ليس أحد منسياً أمام الله مهما كان صغيراً ومسكينا أو خاطئاً أو منكسراً. إنه رجاء لمن ليس له رجاء, ومعين من ليس له معين، عزاء صغيري القلوب.
إن كانت الخطيّة قد جرحت البشريّة وحطّمتها فلا يكون خلاصها بالعنف والقوّة الزمنيّة، بل بروح الوداعة الهادئ المملوء حبًا وترفُّقًا. تحتاج البشريّة إلى مخلّص لا ليدينها، وإنما يترفّق بها ويسند كل قصبة مرضوضة حتى تستقيم، ويعين كل فتيلة مدخِّنة حتى تلتهب، يتأنّى على الجميع حتى يقبلوا الحق خلال الحب، ويمتلئوا رجاءً عِوض اليأس الذي حطّمهم!

ثالثا: أهمية محبتنا لله 

إن الله لا يريد منك سوى شئ واحد, فيه تكمن جميع الوصايا, وهو المحبة فالله يريد قلبك كله كما في سفر الأمثال: “يا ابني أعطني قلبك” (أم 26:23 ).

لا تظن أن الله يطلب منك واجبات وفروض أو مجرد وصايا فقط. فالله يريد الحب وليس مجرد الممارسات. لأنه إن كانت حياتك نقية وقلبك نقي ستشعر بالفرح وتصل إلى الحياة الأبدية. أنت تحب الله وتحب الناس كلها داخل محبتك لله, فلا تجعل شيء تحبه أكثر من الله, والكتاب المقدس يقول: “محبة العالم عداوة لله؟” (یع 4:4).

رابعة: نتائج محبه الله 

  1.  إذا أحببت الله, تحب أن تتكلم معه فتحب الصلاة.
  2. الذي يحب الله لا يخطئ لأن محبته لله تمنعه من مخالفته.
  3. الإنسان الذي يحب الله, تتحد مشيئته مع مشيئة الله.
  4. الإنسان الذي يحب الله, لايجد صعوبة في تنفيذ وصاياه.
  5.  الذي يحب الله, يسعده أن يدعو جميع الناس إلى محبة الله.

|خامسا: لماذا نحب الله؟ 

  1. أول كل شئ محبة الله هي متعة ولذة للنفس البشرية “محبوب هو اسمك يارب فهو طول النهار تلاوتی” (مز 119)
  2.  النفس تحب الله, لأنها لا تجد له شبيهاً, كما نرنم في التسبحة ونقول: “من في الآلهه, يشبهك يارب”؟! إذا قارنا محبة الله بكل مشتهيات العالم, نجده يفوقها جميعاً, لأن كل شهوات العالم فانية, أما محبة الله فباقية إلى الأبد, شهوات العالم سطحية أما محبة الله فلها عمقها في النفس
  3.  نحن أيضا نحب الله من أجل بهائة وعظمته فهو: “أبرع جمالا من بني البشر”(مز 2:45)
  4.  “نحن نحبه لأنه هو أحبنا أولاً” (ايو19:4 ). “هوذا على كفي نقشتك” (أش 16:49 )
  5.  نحب الله لأنه أبونا وراعي نفوسنا, ونقول مع داود المرتل: “الرب راعى فلا يعوزني شيء”(مز 1:23)
  6.  أننا نحب الله لأنه قوي وهو حصننا وملجأنا: “الساكن في ستر العلي في ظل القدير يبيت..” (مز 1:91-8).

 

سادساً: عوائق المحبة

  1.  أول عائق ضد محبة الله هو محبة الذات, فكثير من الناس يحبون ذواتهم أكثر من محبتهم لله, ذاتهم هي الصنم الذي يعبدونه, ولذلك قال الرب: “إن أراد أحد أن يأتي ورائي فلينكر نفسه ويحمل صليبه ويتبعني” (مت 24:16 ).
  2. يمنعنا أيضا عن محبة الله: محبة العالم والجسد والمادة, وصدق الكتاب عندما قال : محبة العالم عداوة لله؟” (یع 4:4 ). وكذلك طلب منا الله أن نبعد المال عن حب الله فقال : لا تقدرون أن تخدموا الله والمال” (مت 24:6 ). فلا تجعل المال يملكك بل محبة الله التي في قلبك.
  3. والجسد أيضا أحيانا يقف مانعاً أمام حبك الله “لأن اهتمام الجسد هو عداوة لله”(رو 7:8). ليس فقط الجسد في الزنى وشهوة الطعام والشراب, وإنما أيضا في محبة الراحة, التي قد تعطلك عن الصلاة وعن خدمة الآخرين.
  4.  قد يعوقك عن محبة الله مشغوليات فكرك, فلا تشغل فكرك بغير محبة الله, لأنه: “ماذا ينتفع الإنسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه؟” (مر 36:8 ).

سابعا: كيف حب الله؟ 

  •  نحب الله بتذكار إحساناته إلينا وإلى غيرنا, من الأشياء التي تملأ قلبك بمحبة الله أن تذكر إحساناته إليك دائما, هذا الأمر اختبره معلمنا داود فقال : “باركي يا نفسي الرب ولا تنسي كل حسناته” (مز 2:103)
  •  نحب الله بالتفكير فيه والإنشغال به “محبوب هو اسمك يارب فهو طول النهار تلاوتی” (مز 119) ألست ترى أنك إذا أحببت شخصا تكون محب دائما للتحدث معه, فما بالك أنك تحب الله, فلابد أن تتحدث معه, وذلك عن طريق صلاتك.
    وأن الله عندما يدخل في فكر أحد وينشغل به الإنسان يصبح هذا الفكر نقی وطاهر من أي فعل شر. أو خبث أو مكر, بل يصبح معمل طاهر وإناء مقدس
  • نحب الله بعشرته وإتخاذه صديق, إذا أردت أن تحب الله اتخذه لك صديقاً تحكى له عن همومك وأفكارك, وتكشف له أعماقك بكل صراحة. حاول أيضا أن تشرك الرب معك في كل عمل وتقول له يارب أنت قلت: “بدوني لا تقدرون أن تفعلوا شيئا ” (يو 5:15).
  •  نحب الله بتأملنا في صفاته الجميلة, وعلاقته بقديسيه. أحيانا تحب إنسان فيه صفة معينة تجذبك إليه فتحبه, فما بالك بالله الحاوی فی ذاته الصلاح كله, وعلى درجة غير محدودة من الكمال.
  •  نحب الصلاة ونتعلم كيف نتحدث إلى الله حديثا يقودنا إلى محبته.

ثامنا: صفات المحبة

(كورنثوس الأول – إصحاح 13)

  1.  المحبة تتأنی: حقا إن طول الأناة هي ثمرة جميلة من ثمار الروح القدس وتحمينا من الغضب “الأن غضب الإنسان لا يصنع بر الله” (يع 20:1 ) وأيضا بالمحبة يطيل الإنسان أناته على الضعفاء وصغار النفوس. فالله نفسه يطيل آناته علينا. أفلا نطيل آناتنا نحن على أخوتنا, ونعمل بقول الكتاب المقدس: تأنوا على الجميع” (1تس 14:5 )
  2.  المحبة تترفق: من صفات المحبة الرفق واللين والرأفة والعطف والحنو, فمن محبة الله لنا تجعله يترفق بنا, فيقول لنا في الكتاب المقدس: “تعالوا إلى يا جميع المتعبين والثقيلي الأحمال وأنا أريحكم” (مت 28:11 ). ولعل من أبرز الأمثلة المحبة للمحبة المترفقة: الرفق بالخطاة: ما أعظم ترفقه بالمرأة الخاطئة التي ضبطت في ذات الفعل, وكيف أنقذها من حكم الموت, وقال لها: “ولا أنا أدينك. اذهبی ولا تخطئي أيضا” (يو 11:8 ). وأيضا ترفقه بالمحتاجين للشفاء, وأيضا الجنود الذين أهانوه وطلب من أجلهم المغفرة.
  3. المحبة لا تحسد: الذي يحب إنسانا لا يقدر أن يحسده, ولكن يتمنى له أن تزيد النعمة, وإن أحببت إنسان تفضله عن نفسك, بل وتبذل نفسك عنه, وهذا ما فعله معنا الرب يسوع عندما صلب لأجلنا.
  4.  المحبة لا تتفاخر ولا تنتفخ ولا تقبح: أعظم مثل التطبيق هذه الآية: “أن ابن الإنسان لم يأت ليُخدم بل ليخدم” (مت 28:20 ).
  5.  المحبة لا تطلب ما لنفسها: المحبة لا تفكر في ذاتها, ولكن فيمن تحب, تفكر في الذي تحبه كيف ترضيه, وكيف تريحه وتجلب السرور إلى قلبه. لذلك القديسين الشهداء كانوا لا ينشغلوا بجسدهم بل كانوا منشغلين بالله, الذي يشهدون لأسمه القدوس. ونقول مع القديس بولس الرسول: “وادين بعضكم بعضا بالمحبة الأخوية مقدمين بعضكم بعضاً في الكرامة” (رو 10:12)
  6. المحبة لا تحقد ولا تظن السوء ولا تفرح بالإثم بل تفرح بالحق.
  7.  المحبة تحتمل كل شئ وتصبر على كل شئ: الذي يحب شخصاً يكون مستعداً أن يحتمل منه, وأن يتحمل من أجله, على أن يكون الإحتمال بلا تذمر ولا ضجر.
  8.  المحبة لا تسقط أبدأ: المحبة قوية كالموت “مياة كثيرة لا تستطيع أن تطفئ المحبة والسيول لا تغمرها” (نش 7:8 ). فما بالك محبة الله لنا. فلا تسقط مهما كانت الظروف والأحوال.

أخي الحبيب….

هذه رسالة محبة من الله لك, يقول لك فيها: ارجع إلى أرجع إليك.. لأنني أحبك.. أحبك.. بشرورك فأطهرك.. بالامك.. فاحملها عنك … ولكني منتظرك إلى أن تجئ…
فهل تستجيب؟
الله قادر يا أخوتي أن يحفظ محبته في قلوبنا لنحيا بها إلى الأبد أمين.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى