نقل الملكوت من وضعه الخاص لإسرائيل إلى وضعه العام لجميع الأمم

 

ظهرت هذه الحقيقة كبذرة صغيرة في لحظة دخول المسيح الهيكل وهو طفل على ذراعي أمــــه، حينما حمله سمعان البار الذي أوحي إليه بالروح القدس أن يتقدم وترى عيناه خلاص الله. فلما حمله قال نبوته: «لأن عيني قد أبصرتا خلاصك الذي أعددته قدام وجه جميع الشعوب، نور إعـــلان للأمم ومجداً لشعبك إسرائيل.» (لو 2: 30-32)

كانت بداية الإعلان عن ملكوت الله أنه الخاص جداً بخراف إسرائيل الضالة. فقد صرح المسيح للمرأة الكنعانية بوضوح عندما ألحت عليه أن يرحمها، هكذا: «لم أرسل إلا إلى خراف بيت إسرائيل الضالة» (مت 24:15). بل وحينما أرسل تلاميذه للخدمة أوصاهم قائلاً: «إلى طريق أمم لا تمضوا وإلى مدينة للسامريين لا تدخلوا بل اذهبوا بالحري إلى خراف بيت إسرائيل الضالة» (مت 10: 5و6). هذا يشكل لنا بحسب الظن بداية منهج الخلاص والملكون ت. وهذا بالتالي يكشف لنا بحسب هذا الظن أنها كانت أيضاً هي أصل رسالة الآب للمسيح في عملها الأول: «لم أُرْسَل إلا إلى خراف بيت إسرائيل الضالة» وكان رجاء البشرية أن يقبل اليهود هذه الرسالة المخصصة لهم كأمة كانت محبوبة ومختارة، وعليهم وبهم يكمل المنهج كما كنا نظن أن تقوم إسرائيل المجددة بدور المسيح لتكون نوراً للعالم. هذا هو الذي كنا نفهمه من النبوات بخصوص المسيح أنه “مجد إسرائيل”، “ ونور للأمم ” . فالمجد إذا كَمُل وتجلى في إسرائيل صار نوراً للأمم بالضرورة. لأن قيام أمة مستنيرة بالله ومدفوعة بالنعمة وقوة الخلاص لتبشير العالم أسهل من كرازة واحد. هذا كان في ظن الإنسان، بل إن ما أبداه المسيح من نحو إسرائيل لآخر لحظة كان لتكميل هذا الأمل.  

ونحن لا يمكن أن ننسى البداية المشرقة التي أعلنها المسيح بنفسه عن نفسه . كما حكى إشعياء النبي منذ سبعمائة سنة – وهو يقرأ نبوته في مجمع الناصرة حيث تربَّى، مؤكداً للشعب أنه اليوم قــــد تمت النبوات وانفتح على إسرائيل باب مراحم الله لعهد جديد عهد رحمة وشفاء مجاني وسنة مقبولة للرب. واختتم النبوة الطويلة بروح مبتهجة وبكل أمل ورجاء:
+ «فدفع إليه سفر إشعياء النبي. ولما فَتَحَ السفر وجد الموضع الذي كان مكتوباً فيه: روح الرب علي، لأنه مسحني لأبشر المساكين، أرسلني لأشفي المنكسري القلوب، لأُنادي للمأسورين 
بالإطلاق والعمي بالبصر، وأرسل المنسحقين في الحريَّة وأكرز بسنة الرب المقبولة. ثم طــوى السفر وسلّمه للخادم وجلس. وجميع الذين في المجمع كانت عيونهم شاخصة إليه. فابتدأ يقول لهم: إنه اليوم قد تم هذا المكتوب في مسامعكم.» (لو 4: 17-21)

 ولقد استجمع المسيح كل ما يمكن أن يستوعبه ملكوت الله من صفات وأعمال وشحنها شحناً في عظته الخالدة على الجبل كمن يلقي خطاب العرش، ويستعرض مناهج خدمته وتعليمه التي بذل فيها كل ما يملك من وسائل تعليم وآيات و معجزات بل ورأى أن تجديد الأمة و شيك إن انفتحت آذانهم وعيونهم، فخاطب تلاميذه واعداً: «أنتم الذين تبعتموني في التجديد متى جلس ابن الإنسان على كرسي محده تجلسون أنتم أيضاً …» مت 28:19). ولكن واحسرتاه، منهج التجديد أكمل حتى الغاية والنهاية، ولكن رفضته إسرائيل بإصرار وحكمت على نفسها بالحرمان منه لتتلقفه الأمم.

 

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى