لرائحة أدهانك الطيبة اسمك دهن مُهراق

رائحة المسيح ذكية (2كو 2: 15) هذه الرائحة الذكية هي المحبة المذخرة في قلبه، هي القداسة وكل فضيلة موجودة فيه، وهي تشعُ منه إلينا، كما تفيح الرائحة الطيبة من الطيب وكل من يوجد في مجاله يأخذ منها نصيبًا.

«لرائحة أدهانك الطيبة اسمك دهن مُهراق» يكون معناها إذن : بسبب كثرة المحبة المذخرة فيك صار مجرَّد ذكر اسمك يجعل المحبة تنسكب في قلوبنا بالروح القدس، هذا الذي قلت عنه «إنه يأخذ مما لي» (يو 16: 14) وينقله إليكم. بسبب كثرة القداسة والفضيلة المذخرة فيك صار مجرد ذكر اسمك يسكب هذه القداسة نفسها والفضيلة نفسها داخل قلوبنا.

«اسمك دهن مُهراق»: اسمك يعني شخصك. فبمجرد ذكر اسم المسيح، اسم يسوع، يكون شخص الرب حاضرًا، وتنسكب قداسة المسيح وكل محبة المسيح وكل فضيلة المسيح منه إلينا “كدهن مُهراق”.

هذا هو مفهوم نعمة المسيح. فنعمة المسيح كما جاء عنها في أقوال الآباء، هي كل ما حققه المسيح في كيانه المتجسّد من فضيلة ومحبة وقداسة لكي تنتشر منه إلينا، وكما يقول ق. يوحنا: «ومن ملئه نحن جميعًا أخذنا، ونعمةً فوق نعمة» (يو 16: 1). هذا يعني أن المحبة الموجودة في المسيح والقداسة الموجودة فيه، وكـل مفاعیل آلامه وكل أعماله الخلاصية التي أكملها في جسده لها أثر فعال فينا، لهاىإشعاع سرّي فينا. هذا الإشعاع السرّي والأثر الفعّال هو المقصود بمفهوم نعمة المسيح.

مفهوم نعمة المسيح هو أن كل ما أجراه المسيح في جسده في حياته الأرضية له أثر فعّال في سائر الجنس البشري. هذا الأثر أو الإشعاع الروحي الذي للمسيح هو المُعبّر عنه في هذه الآية: «لرائحة أدهانك الطيبة (أي لكثرة القداسة والمحبة والفضيلة المذخرة فيك) اسمك دهن مهراق». مجرَّد ذكر اسمك يا رب يسكب في قلوبنا نفس القداسة التي فيك ونفس المحبة التي فيك فكل فضيلة موجودة فيك تنتقل منك إلى داخل قلوبنا كما تنتقل الرائحة من الطيب لكل ما يوجد في مجاله.

يقول المزمور : «المرُّ والمَيْعة والسَليخة من ثيابك» (مز45: 9)، وهو المزمور الذي نقوله بعد لحن بيكثرونوس يوم الجمعة الكبيرة. هذه الأطياب الثلاثة، المر والميعة والسَليخة هي إشارة إلى الأطياب التى كُفّن بها جسد الرب، ولكن لها أيضا دلالة سرية بمعنى أنها هي رائحة المسيح الذكيَّة التي تفيح من آلامه الشافية المُحيية، فتنشئ فينا كل فضيلة وكل قداسة وتجعل المحبة تنسكب فينا كدهن مُهراق.

معروف أن الرائحة تنتقل من مصدرها وتعمل مجالاً يمتلئ بالرائحة الطيبة حول هذا المصدر. المرُّ والمَيْعة والسَليخة وهي أطياب ذات رائحة ذكية، هي إشارة إلى كل الإشعاع الروحي العجيب الذي يشعُ من آلام الرب الشافية المُحيية فيُنشئ فينا كل فضيلة وكل قداسة، ويجعل المحبة تنسكب في قلوبنـا كـدهن مهراق (أي منسكب)، لذلك يقول «لرائحة أدهانك الطيّبة اسمك دهن مهراق» بمعنى أن مجرد ذكر محبة المسيح الفائقة المعرفة التي أحبَّنا بها على الصليب يجعل نفس هذه المحبة تنسكب في قلوبنا كدهنٍ مُهراق مع كل قداسة وكل فضيلة.

هناك تقليد قديم يقول إن الرسل عندما قاموا بعمل “الميرون” لأول مرة، عملوه من الأطياب التي أخذوها من كفن المسيح بعد قيامته. وهذا التقليد له دلالة لاهوتية وروحية عميقة، بمعنى أن التقديس الذي نناله بالميرون ينبع من آلام الرب الشافية المُحيية، وهو نفس المعنى الموجود في الآية التي نتكلم عنها: «لرائحة أدهانك الطيبة اسمك دهن مهراق»، مع ملاحظة أن كلمة «دهن» في هذه الآية في الترجمة السبعينية جاءت هكذا ميرون. وهذا يعني أنه بسبب رائحة أدهانك الطيبة، التي هي «المـرُّ والمَيْعة والسَليخة» أي آلامك الشافية المُحيية، اسمك “ميرون“ منسكب داخل قلوبنا، يُنشئ فيها كل محبة وكل قداسة وكل فضيلة. هذا المعنى هو في جوهره نفس ما تعنيه الآية القائلة: «وتعرفوا محبة المسيح الفائقة المعرفة، لكي تمتلئوا إلى كل ملء الله» (أف 3: 19).

إن مجرد معرفة حب المسيح العجيب الذي أحبَّنا به على الصليب، ومعرفة آلامه، وقداسته هذه وحدها تجعلنا نمتلئ إلى كل ملء الله ! فهي تملأ قلوبنا بمحبة من نفس نوعية محبة المسيح الفائقة المعرفة، وتشفي أمراضنا.

آلام المسيح «الشافية المُحيية» تشفي وتُحيي. قديما كان إرميا يتحسر قائلاً: «أليس بلسان في جلعاد أم ليس هناك طبيب؟ فلماذا لم تعصب بنت شعبي؟» (إر 8: 22). البلسان هو ترياق، أي دواء شافٍ. أما الآن فلنا آلام الرب الشافية المُحيية، التي مجرَّد ذكرها يسكب في قلوبنا وكل أعضاء أجسادنا كل قداسة وكل شفاء، فتضمحل الخطيئة من أعضائنا ويمتلئ قلبنا بكل قداسة وكل محبة.

هذا هو معنى «لرائحة أدهانك الطيّبة اسمك دهن مهراق»، وهو نفسه مفهوم نعمة المسيح التي تشرُّ منه إلينا بحسب فكر الآباء.

وأيضًا:

«لرائحة أدهانك الطيبة اسمك دهن مُهراق لذلك أحبَّتْكَ العذارى» (1: 3)

أهمية سفر نشيد الأنشاد أنه يدور حول أهم وأعظم وصية أُعطيت للإنسان: «تحب الرب إلهك من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل فكرك ومن كل قدرتك» (مر 12: 30). فسفر نشيد الأنشاد يساعدنا على ممارسة هذه الوصية التي هي محور وأساس الحياة الروحية، خصوصا لإنسان متبتل كرس حياته للمسيح.

«لرائحة أدهانك الطيبة»

رائحة المسيح الذكية هي فضائله الإلهية : محبته الفائقة المعرفة، قداسته، طهارته، وسائر فضائله الأخرى… كل هذا يشع من المسيح إلى كل من يقترب إليه، تمامًا كما تفوح رائحة الطيب إلى كل من يتواجد بجانبه.

«لرائحة أدهانك الطيبة اسمك دهن مهراق»

 كلمة دهن في هذه الآية جاءت في السبعينية = ميرون، وهذه الكلمة، وخصوصا حينما يوصف الدهن (الميرون) أنه “مهراق”، توحي لنا بالروح القدس الذي به تنسكب محبة الله في قلوبنا «لأن محبة الله قد انسكبت في قلوبنا بالروح القدس المعطى لنا» (رو 5: 5).

فيصير معنى الآية: بسبب المحبة التي فيك وكثرة فضائلك الطيبة، صار مجرد ذكر اسمك يسكب في نفوسنا دهنًا مشابها لأدهانك الطيبة، أي فضيلة مشابهة لكثرة فضائلك….

فبمجرد أن نذكر اسم يسوع ونتذكر كم أحبَّنا ينسكب في قلوبنا حب مشابة للحب الموجود فيه.

فهذه الآية تُبيّن الإشعاع الفائق الذي يشعه المسيح على كل من يقترب إليه وكل من يتواجد في مجاله.

وهذا هو مفهوم نعمة المسيح في العهد الجديد أن كل ما عمله المسيح لأجلنا في الجسد، ينتقل منه إلينا وهو يشعه فينا.

القديس أثناسيوس الرسولي كثيرًا ما يوضح هذه الحقيقة أن كل ما صنعه المسيح في الجسد كان لأجلنا، والآية الأساسية التي يعتمد عليها هي: «إذ قد تألم المسيح لأجلنا بالجسد…» (1بط 4: 1) ، ويُعمِّم هذا المبدأ على كل ما فعله المسيح في الجسد أنه كان «لأجلنا».

والقديس كيرلس الكبير استطرد كثيرًا في شرح ذلك مستخدمًا مترادفات كثيرة للتعبير عن هذا المعنى، أي أن كل ما حققه المسيح في نفسه صار يشعه فينا، يرسله إلينا، يبته فينا، يوصله إلينا، يقدِّمه لنا، ينتشر منه إلينا، ينتقل منه إلينا، يمتد منه إلى سائر الجنس البشري، ينسكب منه فينا، يتدفّق منه إلينا … فمثلاً موت الإنسان العتيق الذي حققه المسيح في نفسه على الصليب ينتشر منه إلينا. والقداسة التي حققها المسيح في نفسه تنتقل منه إلينا، كما قال الرب نفسه: «لأجلهم أُقدّس أنا ذاتي ليكونوا هم أيضًا مقدَّسين في الحق» (يو 17: 19).

ويلاحظ أن النعمة في العهد الجديد تُنسب دائمًا للمسيح: «وأما النعمة والحق فبيسوع المسيح صارا » ( يو 1: 17). «نعمة ربنا يسوع المسيح ومحبة الله وشركة الروح القدس مع جميعكم» (2كو 13: 14)، ذلك لأن النعمة لها محدد، معنی منه إلينا، وانسكابه فينا، وتدفقه منه فينا. وهو انتقال ما حققه المسيح فالنعمة ليست مجرد مساعدة يُعطيها الله جزافًا، ولكنها بكل تحديد مرتبطة بما حققه المسيح بتجسده لأجلنا، فصار ينتقل منه إلينا.

«اسمك دهن مهراق»

حينما نذكر اسم المسيح، ونتذكر كم أحبنا وماذا صنع في جسده لأجلنا…. تكون النتيجة أن تنسكب فينا نفس هذه المحبة التي فيه.

«المر والميعة والسليخة من ثيابك» (مز 45: 8).

يُقال هذا المزمور بعد لحن بيكثرونوس الذي نقوله في يوم الجمعة الكبيرة في الساعة الثانية عشر أمام أيقونة الصلبوت، والذي معناه : «كرسيك أو عرشك) يا الله إلى دهر الدهور». في الحقيقة إن ملكوت الله تحقق من فوق الصليب، فالرب قد ملك على خشبة، ملك على القلوب بهذا العمل العظيم الذي عمله حين مات لأجلنا واشترانا بدمه، فصارت محبة المسيح تحصرنا فهذا المزمور يقول: «المرُّ والميعة والسليخة من ثيابك» إشارة إلى المواد العطرية ذات الروائح الطيبة التي كفنوا بها جسد المسيح وهي كانت مواد حافظة تُستعمل لتكفين الأجساد وحفظها من الفساد هذا هو المعنى المباشر البسيط ؛ أما المعنى السري الأعمق فهو رائحة المسيح الذكية التي تنبثق من جسده إلينا من خلال آلامه الشافية المحيية، لتطهر وتشفي كل أوجاعنا ويلاحظ أن الغفران الذي نناله على يد الكاهن في سر الاعتراف يأتينا من آلام المسيح الشافية المحيية.

هناك تقليد قديم مؤداه أن الرسل عندما صنعوا الميرون لأول مرة جمعوا الأطياب كانت في قبر المسيح وأضافوا إليها زيوتا وعِدة مواد عطرية، وسلموه للأساقفة التي الذين جاءوا ،بعدهم، وكلما نقص الميرون صار هؤلاء يُضيفون إليه من هذه الأطياب. هذا التقليد سواء كان مُثبتًا تاريخيًا أم لا، فله دلالـة لاهوتية عميقة ومهمة، وهي أن النعمة التي نأخذها الآن تأتينا من آلام المسيح الشافية المحيية. 

في العهد القديم كان النبي يتأوّه أمام قروح البشرية قائلاً: «أليس بلسان في جلعاد أم ليس هناك طبيب؟ فلماذا لم تُعصب بنت شعبي؟!». (إر 8: 22). وكأن الله سمع هذا الأنين فأحضر لنا هذا الدهن المهراق”، الذي هو اسم يسوع الذي هو أفضل بلا قياس من كل بلسان جلعاد ليعصب بنت شعبي، ويُعطي الشفاء والإحياء لكل من يتمسك به.

لذلك أحبتك العذارى

ما يُقال عن العذارى يمكن أن يُقال بصفة أشمل عن المتبتلين. ويلاحظ أن كلمة “بارثينوس” في العهد الجديد تُستعمل للرجل المتبتل كما للعذراء على حد سواء. فمثلاً نقرأ في سفر الرؤيا عن ال 144 ألف الذين يتبعون الخروف حيثما ذهب أنهم “بارثينوس” وترجمتها الدقيقة «لأنهم بتوليون» (رؤ 14: 4) . وكذلك بولس الرسول في رسالته لأهل كورنثوس يوجه الكلام إلى العذارى ثم نفاجئ أنه يتكلم عن الرجل الذي لم يتزوج! «وأما العذارى فليس عندي أمرٌ من الرب فيهن أو فيهم، ولكني أُعطي رأيًا كمن رحمه الرب أن يكون أمينًا. فأظن أن هذا حسن لسبب الضيق الحاضر أنه حسن للإنسان أن يكون هكذا أنت مرتبط بامرأة فلا تطلب الانفصال. أنت منفصل عن امرأة فلا تطلب امرأة» (1کو 7: 25-27). هنا تسلسل الكلام لا يمكن فهمه إلا إذا أخذنا في الاعتبار أن كلمة «العذارى» الواردة في بداية الآية تشمل المتبتلين والمتبتلات على حد سواء.

لذلك نقول إن هذه الآية: «لذلك أحبتك العذارى» يمكن تطبيقها على المتبتلين والمتبتلات كليهما. فهي آية تخصنا نحن الرهبان بصفة خاصة، نحن الذين اختارنا حياة البتولية. ويلاحظ أن تعريف البتولية لا يمكن أن يُكتفى فيه بالشق السلبي، فالمتبتل ليس مجرد إنسان لا يتزوج، فهذا يمكن أن نُسمّيه إنسانًا أعزب ولكن المتبتل بالأساس إنسان كرس حياته بالتمام لحب المسيح.

المتبتل إنسان ارتبط بالمسيح بعلاقة حب قوية جعلته لا يحتاج إلى أية علاقة بشرية أخرى، ولا إلى الارتباط بشريكة حياة، دون أن يشعر بأي نقص، لأن هذه العلاقة بالمسيح قد ملأت حياته حتى صار يفرح بها فرحًا مستديما يُنسيه تماما ما تركه. والحقيقة أن المسيح وعد أن كل من ترك شيئًا من ترك شيئًا من أجله ومن أجل الإنجيل يأخذ مائة ضعف:

«الحق الحق أقول لكم ليس أحد ترك بيتًا أو إخوة أو أخوات أو أبًا أو أما أو امرأةً أو أولادًا أو حقولاً لأجلي ولأجل الإنجيل إلا ويأخذ مئة ضعف الآن في هذا الزمان بيوتا وإخوةً وأخوات وأمهات وأولادًا وحقولاً مـع اضطهادات، وفي الدهر الآتي الحياة الأبدية» (مر 10: 29-30).

ولكن قد يتساءل أحدٌ ما الذي سيناله المتبتل «الآن في هذا الزمان» إزاء تركه للزواج، أين المائة ضعف هنا؟!

في الحقيقة إن علاقة الحب التي ارتبط بها المتبتل مع المسيح كفيلة بأن تعوضه من الوجهة الروحية بل ومن الوجهة العاطفية البشرية أيضًا أضعاف أضعاف ما ترك. الشخص المتبتل من أجل حب المسيح لا يشعر بأي مركب نقص في حياته، يشعر دائما بأنه مغمور بنعمة المسيح وبحبه.

ولكن هناك تحذير مخيف في آخر هذه الآية «ولكن كثيرون أولون يكونون آخرين والآخرون أولين» (مر 10: 31) ما معنى هذا؟ معناه أنه يوجد أشخاص تركوا كل شيء، ثم بعد ذلك رُفضوا وصاروا آخرين، بدأوا بدايةً حسنةً ولكنهم بعد ذلك تراخوا ونسوا العهد وعادوا يرتبطون بما تركوه فصاروا مثل حنانيا وسفيرة اللذين بعد أن باعا الحقل عادا وأخفيا جزءا من الثمن.

هذه الآية تحثنا ألا نتراخى وتأخذنا الغفلة فنعود نشتهي أمور هذا العالم الذي تركناه؛ بل علينا أن نترك ونستمر في الترك؛ لئلا ينطبق علينا “مَثَلُ الكلب الذي عاد إلى قيئه والخنزيرة المغتسلة المتمرغة في الحمأة” (2بط 2: 22). أما الذي يستمر في ترك ما ترك من كل القلب فإنه ينال بحسب وعد المسيح الصادق مئة ضعف مع الحياة الأبدية.

إشعياء النبي يتنبأ عن الأجر الذي يناله المتبتلون قائلاً: «فلا يقل الخصي ها أنا شجرة يابسة، لأنه هكذا قال الرب للخصيان الذين يحفظون سبوتي ويختارون ما يسرني ويتمسكون بعهدي: إني أعطيهم في بيتي وفي أسواري نصبًا واسما أفضل من البنين والبنات. أعطيهم اسمًا أبديًا لا ينقطع» (إش 56: 3-5). هذا الاسم الذي نأخذه في ملكوت السموات هو أعظم وأفضل بلا قياس من كل ما تركه الإنسان.

عندما أتي مرة الرسل للمسيح وهم فرحون بأن الشياطين تخضع لهم، لم يوافقهم المسيح على هذا، بل نبههم بأن الفرح الحقيقي يكون «بأن أسماءكم كتبت في السموات» (لو 10: 20). وهل من فرح أعظم من أن تكون أسماؤنا مكتوبةً في السماء، على صفحات قلب المسيح بل وقلب الله الآب؟! نلاحظ أن طقس البتولية وضع أساسه المسيح في الإنجيل لما سأله التلاميذ: «إن كان هكذا أمر الرجل مع المرأة فلا يوافق أن يتزوّج. فقال لهم: ليس الجميع يقبلون هذا الكلام بل الذين أُعطي لهم» (مت 19: 11).

 عبارة «الذين أُعطي لهم» تعني أنها عطية لا تُعطى للجميع ولكن لبعض الأشخاص يريدهم الله أن يكرّسوا أنفسهم بالكمال له ولحبه الإلهي. ويستكمل المسيح كلامه «لأنه يوجد خصيان وُلدوا هكذا من بطون أمهاتهم ويوجد خصيان خصاهم الناس ويوجد خصيان خصوا أنفسهم لأجل ملكوت السموات من استطاع أن يقبل فليقبل» (مت 19: 12).

«اسمك دهنٌ مُهراق، لذلك أحبَّتْكَ العذارى»

إن حضرة المسيح تكون لمن يعيش في حبه كمثل طيب تشع منه رائحة عطرة لا تنقطع.

 توجد مقالة للأب متى المسكين يقول فيها إن المسيح هـو شـاكيناه العهد الجديد. والشاكيناه كلمة عبرية ترادف السُكنى باللغة العربية، وكانت عند اليهود تُعبر عن المجد الإلهي الذي كان يظهر في قدس الأقداس على هيئة نور سماوي تعبيرا عن الحضرة الإلهية. ويقول في هذه المقالة:

«المسيح له حضرة بهية تُسيطر على الجو كله كالنور، أو كالرائحة العطرية التي يمكن أن يحيا فيها الإنسان حتى وهو مشغول أو حتى وهو نائم».

المسيح له مجال حب إلهي يمكن أن نتواجد فيه مهما كان الوضع الذي نحن فيه صلاة، عمل، أكل، نوم فحيثما نكون نجد أنفسنا متواجدين في هذا المجال الإلهي ومتمتعين بهذه الرائحة العطرة بهذا الدهن المهراق». … هذا الكلام محوري بالنسبة لنا كرهبان لأننا كرَّسنا حياتنا لهذا الحب.

«اسمك دهنٌ مُهراق، لذلك أحبَّتْكَ العذارى»

والآن نريد أن نفهم معنى كلمة «لذلك» التي تربط الجزء الأول من الآية بالجزء الثاني. نحن فهمنا اسمك دهن مهراق بمعنى أنه بسبب كثرة المحبة التي في المسيح ينسكب فيض منها في قلوبنا بالروح القدس كدهن مهراق. ولهذا السبب “لذلك”، صرنا نحن تُحبُّه. أي أننا نحن نحبه بنفس الحب الذي أفاضه في قلوبنا، وهو نفس المعنى المخفي في الآية: «نحن نُحبُّه لأنه هو أحبنا أولاً» (1يو 4: 19)، أي لأنه أحبنا وأفاض في قلوبنا فيضا من محبته، فصرنا نحبه نحن به.

 

 

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى